فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل

(بابُُ حُسْنِ الخُلُقِ والسَّخاءِ وَمَا يُكْرَهُ منَ البُخْلِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حسن الْخلق، وَفِي بَيَان السخاء وَفِي بَيَان مَا يكره من الْبُخْل، والخلق بِالضَّمِّ وَسُكُون اللَّام وَبِضَمِّهَا قَالَ الرَّاغِب: الْخلق والخلق يَعْنِي بِالضَّمِّ وَالْفَتْح فِي الأَصْل بِمَعْنى وَاحِد كالشرب وَالشرب، لَكِن خص الْخلق الَّذِي بِالْفَتْح بالهيآت والصور المدكرة بالبصر، وَخص الْخلق الَّذِي بِالضَّمِّ بالقوى والسجايا المدكرة بالبصيرة، وَأما السخاء فَهُوَ إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لمن يَنْبَغِي، وبذل مَا يقتنى بِغَيْر عوض، وَهُوَ من جملَة محَاسِن الْأَخْلَاق بل هُوَ من أعظمها.
وَأما الْبُخْل فَهُوَ ضِدّه وَلَيْسَ من صِفَات الْأَنْبِيَاء وَلَا أجلة الْفُضَلَاء، وَقيل: الْبُخْل منع مَا يطْلب مِمَّا يقتنى وشره مَا كَانَ طَالبه مُسْتَحقّا وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ من غير مَال المسؤول.
فَإِن قلت: مَا معنى قَوْله: وَمَا يكره من الْبُخْل؟ وَزَاد فِيهِ لفظ: مَا يكره؟ قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن بعض مَا يجوز إِطْلَاق إسم الْبُخْل عَلَيْهِ قد لَا يكون مذموماً.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجْوَدَ الناسِ وأجْوَدُ مَا يَكونُ فِي رَمَضانَ
هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْإِيمَان.
قَوْله: وأجود مَا يكون (يجوز بِالرَّفْع وَالنّصب، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلم يبين وجههما.
قلت: أما الرّفْع فَهُوَ أَكثر الرِّوَايَات وَوَجهه أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف، وَكلمَة: مَا مَصْدَرِيَّة نَحْو قَوْلك: أَخطب مَا يكون الْأَمِير قَائِما، أَي: أَجود أكوان الرَّسُول حَاصِل.
أَو وَاقع.
فِي رَمَضَان، وَأما النصب فبتقدير لفظ: كَانَ، أَي: كَانَ أَجود الْكَوْن فِي شهر رَمَضَان، وَأما كَون أكثرية جوده فِي شهر رَمَضَان فَلِأَنَّهُ شهر عَظِيم وَفِيه الصَّوْم وَفِيه لَيْلَة الْقدر وَالصَّوْم أشرف الْعِبَادَات فَلذَلِك قَالَ: (الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) ، فَلَا جرم أَنه يتضاعف ثَوَاب الصَّدَقَة وَالْخَيْر فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيّ: تسبيحه فِي رَمَضَان خير من سبعين فِي غَيره.

وَقَالَ أبُو ذَرّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأخِيهِ: إرْكَبْ إِلَيّ هاذَا الوادِي فاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رأيْتُهُ يأمُرُ بِمَكارِمِ الأخْلاَقِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بمكارم الْأَخْلَاق) لِأَن حسن الْخلق والسخاء من مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي قصَّة إِسْلَام أبي ذَر مطولا.
قَوْله: (إِلَى هَذَا الْوَادي) أَرَادَ بِهِ مَكَّة.
قَوْله: (فَرجع) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع مِنْهُ ثمَّ رَجَعَ، وَالْفَاء فِيهِ فصيحة.
قَوْله: (يَأْمر بمكارم الْأَخْلَاق) أَي: الْفَضَائِل والمحاسن لَا الرذائل والقبائح.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بعثت لأتمم مَكَارِم الْأَخْلَاق) .



[ قــ :5709 ... غــ :6033 ]
- حدَّثني عَمْرُو بنُ عَوْنٍ حَدثنَا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ النَّاسِ وأجْوَدَ النَّاسِ وأشْجَعَ النَّاسِ، ولَقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فاسْتَقْبَلَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَ يَقُولُ: لَنْ تُراعُوا لَنْ تُراعُوا، وَهْوَ عَلَى فَرَس لأبي طَلْحَةَ عُرْي مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْراً أوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن عون بن أويس السّلمِيّ الوَاسِطِيّ نزل الْبَصْرَة.

وَمضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ إِذا فزعوا بِاللَّيْلِ.

قَوْله: (أحسن النَّاس) ذكر أنس هَذِه الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة مُقْتَصرا عَلَيْهَا وَهِي من جَوَامِع الْكَلم لِأَنَّهَا أُمَّهَات الْأَخْلَاق، فَإِن فِي كل إِنْسَان ثَلَاث قوى: الغضبية والشهوية والعقلية فكمال الْقُوَّة الغضبية الشجَاعَة، وَكَمَال الْقُوَّة الشهوية الْجُود، وَكَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة الْحِكْمَة، وَالْأَحْسَن إِشَارَة إِلَيْهِ إِذْ مَعْنَاهُ أحسن فِي الْأَفْعَال والأقوال.
قَوْله: (فزع) أَي: خَافَ أهل الْمَدِينَة لما سمعُوا صَوتا بِاللَّيْلِ.
قَوْله: (ذَات لَيْلَة) لفظ ذَات مقحمة.
قَوْله: (قبل الصَّوْت) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَة الصَّوْت.
قَوْله: (فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: بعد أَن سبقهمْ إِلَى الصَّوْت ثمَّ رَجَعَ يستقبلهم.
قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) الْوَاو وَفِيه للْحَال.
قَوْله: (لن تراعوا) أَي: لَا تراعوا، جحد بِمَعْنى النَّهْي أَي لَا تفزعوا، وَهِي كلمة تقال عِنْد تسكين الروع تأنيساً وإظهاراً للرفق بالمخاطب.
قَوْله: (على فرس) اسْمه مَنْدُوب، وَكَانَ لأبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم أنس.
قَوْله: (عُري) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء.
قَوْله: (مَا عَلَيْهِ سرج) تَفْسِير عري.
قَوْله: (بجراً أَي) : وَاسع الجري مثل الْبَحْر.





[ قــ :5710 ... غــ :6034 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ عَنِ ابنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: مَا سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ شَيْء قَطُّ فَقَالَ: لَا.


مُطَابقَة الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ يروي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي كريب وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار.

قَوْله: ( مَا سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: مَا طلب مِنْهُ شَيْء من أَمْوَال الدُّنْيَا، قَالَ الفرزدق:

( مَا قَالَ: لَا قطّ إلاَّ فِي تشهدهلولا التَّشَهُّد كَانَت لاؤه: نعم)

قَوْله: ( عَن شَيْء) ويروى: شَيْئا.





[ قــ :5711 ... غــ :6035 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: حَدثنِي شَقِيقٌ عَنْ مَسْرُوق قَالَ: كُنَّا جلُوساً مَعَ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ ويحَدِّثُنا إذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحِشاً وَلَا مُتَفَحِّشاً، وإنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ خِيارَكمْ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها، يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن مَسْرُوق بن الأجدع.

والْحَدِيث مضى فِي الْبابُُ الَّذِي قبله.

قَوْله: ( إِن خياركم) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: إِن من خياركم، ويروى: إِن من أخياركم.
قَوْله: ( أحاسنكم) جمع أحسن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أحسنكم بِالْإِفْرَادِ، وَعَن أنس رَفعه: أكمل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أحْسنهم خلقا، رَوَاهُ أَبُو يعلى، وَعَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: إِن من أكمل الْمُؤمنِينَ أحْسنهم خلقا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ، وَعَن جَابر بن سَمُرَة مثله، رَوَاهُ أَحْمد وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ، رَفعه: إِن من أحبكم إِلَيّ وأقربكم مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة أحسنكم أَخْلَاقًا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ.
واخرج ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث أُسَامَة بن شريك، قَالُوا: يَا رَسُول الله {من أحب عباد الله إِلَى الله؟ قَالَ: أحْسنهم خلقا.





[ قــ :571 ... غــ :6036 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدثنِي أبُو حازِمٍ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبُرْدَةٍ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ فَقَالَ القَوْمُ: هِيَ شَمْلَة فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسوجَةٌ فِيها حاشيَتُها، فقالَتْ: يَا رسولَ الله} أكْسُوكَ هاذِهِ، فأخَذَها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُحْتاجاً إلَيْها فَلَبِسَها، فَرَآها عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحابَةِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! مَا أحْسَنَ هاذِهِ فاكْسُنِيها، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلمَّا قامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمَّهُ أصْحابُهُ، قَالُوا: مَا أحْسَنْتَ حِينَ رَأيْتَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخَذَها مُحْتاجاً إلَيْها ثُمَّ سألْتَهُ إيَّاها، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّهُ لَا يُسْئَلُ شَيْئاً فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَها حِينَ لَبِسَها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلِّي أكَفَّنُ فِيها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه مُتَضَمّن معنى حسن الْخلق والسخاء يفهمهُ من لَهُ فهم ذكي.

وَأَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ من استعد الْكَفَن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه ذكر الْبردَة والشملة، فالبردة كسَاء أسود مربع تلبسه الْأَعْرَاب، والشملة الكساء الَّذِي يشْتَمل بِهِ، وَقد فسر فِي الحَدِيث الْبردَة بالشملة المنسوجة فِيهَا حاشيتها يَعْنِي أَنَّهَا لم تقلع من برد وَلَكِن فِيهَا حاشيتها.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الْبردَة تكون من صوف وكتان وقطن وَتَكون صَغِيرَة كالمئزر وكبيرة كالرداء.

قَوْله: ( سَأَلته إِيَّاهَا) فِيهِ اسْتِعْمَال ثَانِي الضميرين مُنْفَصِلا وَهُوَ الْمُتَعَيّن هُنَا فِرَارًا عَن الاستثقال.
إِذْ لَو كَانَ مُتَّصِلا لصار هَكَذَا: سألتهها،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: وَالْأَصْل أَن لَا يسْتَعْمل الْمُنْفَصِل إلاَّ عِنْد الضَّرُورَة وَهُوَ تعذر الْمُتَّصِل لِأَن الِاتِّصَال أخص وَأبين، لَكِن إِذا اخْتلف الضَّمِير إِن تَفَاوتا فَالْأَحْسَن الِانْفِصَال نَحْو هَذَا، فَإِن اخْتلفَا بالرتبة جَازَ الِاتِّصَال والانفصال مثل: اعطيتكه، وأعطيتك إِيَّاه.





[ قــ :5713 ... غــ :6037 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرَنِي حُمَيْدُ بن عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَتَقارَبُ الزَّمانُ ويَنْقُصُ العَمَلُ ويُلْقَى الشُّحُّ ويَكْثُرُ الهَرْجُ قَالُوا: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: القَتْلُ القَتْلُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( ويلقى الشُّح) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَقد تكَرر هَذَا الْإِسْنَاد فِيمَا مضى.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن.
وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن عَن أَحْمد بن صَالح.

قَوْله: ( يتقارب الزَّمَان) قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ بِهِ دنو مَجِيء السَّاعَة، أَي: إِذا أدنا كَانَ من أشراطها نقص الْعَمَل وَالشح والهرج أَو قصر مُدَّة الْأَزْمِنَة عَمَّا جرت بِهِ الْعَادة فِيهَا، وَذَلِكَ من عَلَامَات السَّاعَة إِذا طلعت الشَّمْس من مغْرِبهَا أَو قصر أزمنة الْأَعْمَار أَو تقَارب أَحْوَال النَّاس فِي غَلَبَة الْفساد عَلَيْهِم،.

     وَقَالَ : لفظ الْعَمَل إِن كَانَ مَحْفُوظًا وَلم يكن مَنْقُولًا عَن الْعلم إِلَيْهِ فَمَعْنَاه عمل الطَّاعَات لاشتغال النَّاس بالدنيا، وَقد يكون معنى ذَلِك ظُهُور الْخِيَانَة فِي الْأَمَانَات،.

     وَقَالَ  القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل أَن يُرَاد بتقارب الزَّمَان تسارع الدول إِلَى الِانْقِضَاء والقرون إِلَى الانقراض.
قَوْله: ( وَينْقص الْعَمَل) وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَينْقص الْعلم وَهُوَ الْمَعْرُوف.
قَوْله: ( ويلقى) على صِيغَة الْمَجْهُول ( وَالشح) بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ الْبُخْل، وَقيل: بَينهمَا فرق، وَهُوَ أَن الشُّح بخل مَعَ حرص فَهُوَ أخص من الْبُخْل.
قَوْله: ( الْهَرج) بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء وبالجيم وَقد فسره فِي الحَدِيث بقوله: ( الْقَتْل) ذكره مكرراً، قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ بِلِسَان الحبشية،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: هُوَ الْفِتْنَة والاختلاط وَقد هرج النَّاس يهرجون بِالْكَسْرِ هرجاً، وَكَذَا ذكره الْهَرَوِيّ.





[ قــ :5714 ... غــ :6038 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ سَمِعَ سَلاَّمَ بنَ مِسْكِينِ قَالَ: سَمِعْتُ ثابِتاً يَقُولُ: حَدثنَا أنَسٌ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَدَمْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْرَ سِنِينَ فَما قَالَ لي: أفٍّ، وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ، وَلَا: ألاَّ صَنَعْتَ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على حسن خلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مُطَابق للجزء الأول للتَّرْجَمَة.

وَسَلام بتَشْديد اللَّام ابْن مِسْكين النمري، وثابت هُوَ الْبنانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيبَان ابْن فروخ.

قَوْله: ( عشر سِنِين) فَإِن قلت: فِي حَدِيث مُسلم من طَرِيق إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس: وَالله لقد خدمته تسع سِنِين.
قلت: إِنَّمَا خدم أنس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قدوم الْمَدِينَة بأشهر فَيكون تسع سِنِين وَأشهر، فَفِي رِوَايَة تسع سِنِين ألغى الْكسر، وَفِي رِوَايَة عشر سِنِين جبره، قَوْله: ( فَمَا قَالَ لي: أُفٍّ) هُوَ صَوت إِذا صَوت بِهِ الْإِنْسَان علم أَنه متضجر متكره.
وَفِيه سِتّ لُغَات: بالحركات الثَّلَاث بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمه، وَذكر أَبُو الْحسن الرماني فِيهَا لُغَات كَثِيرَة فَبلغ تسعا وَثَلَاثِينَ، ونقلها ابْن عَطِيَّة، وَزَاد وَاحِدَة لتكملة أَرْبَعِينَ، وَقد سردها أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره الممى ( بالبحر) وَلم نذكرها طلبا للاختصار.
.

     وَقَالَ  الرَّاغِب: أصل الأف كل مستقذر من وسخ كقلامة الظفر وَنَحْوهَا، وَيسْتَعْمل مِنْهُ الْفِعْل يُقَال: أففت لفُلَان تأفيفاً وأففت بِهِ إِذا قلت لَهُ: أُفٍّ لَك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَقع بِالتَّنْوِينِ.
قَوْله: ( وَلَا: لم صنعت؟) أَي: وَلَا قَالَ لي: لم صنعت كَذَا لشَيْء من الْأَشْيَاء.
قَوْله: ( وَلَا: أَلا صنعت) أَي: وَلَا قَالَ لي: أَلا صنعت؟ بتَشْديد اللَّام بِمَعْنى: هلا صنعت؟ وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب: مَا قَالَ لشَيْء صَنعته لم صنعت هَذَا كَذَا؟ وَلَا لشَيْء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هَذَا كَذَا؟