فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا أوقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز

( بابٌُ إذَا أوْقَفَ جَماعَةٌ أرْضاً مُشاعاً فَهْوَ جائِزٌ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا وقف جمَاعَة أَرضًا مُشْتَركَة مشَاعا فَهُوَ جَائِز.
قيل: احْتَرز بقوله: جمَاعَة، عَمَّا إِذا وقف وَاحِد مشَاعا فَإِن مَالِكًا لَا يُجِيزهُ لِئَلَّا يدْخل الضَّرَر على شَرِيكه، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَن وقف الْمشَاع جَائِز مُطلقًا، وَقد سبق بَيَان الْخلاف فِيهِ فِي: بابُُ إِذا تصدق، أَو وقف، بعض مَاله فَهُوَ جَائِز.



[ قــ :2645 ... غــ :2771 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوارِثِ عنْ أبي التَّيَّاحِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبِنَاءِ المَسْجِدِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثامِنُونِي بِحَائِطِكُم هَذَا قَالُوا لاَ وَالله لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلاَّ إِلَى الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ظَاهره أَنهم تصدقوا بحائطهم لله عز وَجل، فقبلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم، وَهَذَا وقف الْمشَاع من جمَاعَة.
فَإِن قلت: ذكر الْوَاقِدِيّ أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دفع ثمن الأَرْض لمَالِكهَا مِنْهُم، وَقدره عشرَة دَنَانِير، فَصَارَ ملكا لأبي بكر وَتصدق بِهِ أَبُو بكر، فَلَا يكون وقف مشَاع.
قلت: قَالَ بَعضهم: فَإِن ثَبت ذَلِك كَانَت الْحجَّة للتَّرْجَمَة من جِهَة تَقْرِير النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، وَلم يُنكر قَوْلهم ذَلِك، فَلَو كَانَ وقف الْمشَاع لَا يجوز لأنكر عَلَيْهِم، وَفِيه نظر لِأَن معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( ثامنوني بحائطكم) ، قرِّروا ثمنه معي وبيعونيه بِالثّمن، فَهَذَا يكون بيعا عِنْد دفع الثّمن، وَقد دَفعه أَبُو بكر، فَصَارَ بَينه وَبينهمْ بيع الثّمن الَّذِي دَفعه إِلَيْهِم ثمَّ إِن الظَّاهِر أَن أَبَا بكر هُوَ الَّذِي تصدق بِهِ إِلَى الله تَعَالَى، وَلَيْسَ فِيهِ صُورَة وقف مشَاع، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره حاء مُهْملَة واسْمه يزِيد بن حميد الضبيعي، وَرِجَال الحَدِيث كلهم بصريون، وَقد مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد مطولا فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة؟ قَوْله: ( لَا نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى الله) أَي: لَا نطلب ثمنه من أحد، لكنه مَصْرُوف إِلَى الله، فالاستثناء مُنْقَطع أَو مَعْنَاهُ: لَا نطلب ثمنه مصروفاً، إلاَّ إِلَى الله، فالاستثناء مُتَّصِل.