فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: ما أدي زكاته فليس بكنز

(بابٌُ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن المَال الَّذِي أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَقع هَكَذَا عِنْد أبي ذَر، وَوَقع عِنْد أبي الْحسن: بابُُ من أدّى زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، قَالَ ابْن التِّين مَعْنَاهُ فَلَيْسَ بِذِي كنز.
قلت: على هَذَا الْوَجْه لَا بُد من تَأْوِيل، لِأَن الْخَبَر لَا بُد أَن يكون من المشتقات ليَصِح الْحمل على الْمُبْتَدَأ.

لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ
علل البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث حَيْثُ ذكره بلام التَّعْلِيل صِحَة تَرْجَمته بقوله: بابُُ مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، لِأَن شَرط كَون الْكَنْز شَيْئَانِ أَحدهمَا أَن يكون نِصَابا، وَالثَّانِي أَن لَا يخرج مِنْهُ زَكَاته فَإِذا عدم النّصاب لَا يلْزمه شَيْء فَلَا يكون كنزا، وَلَا يدْخل تَحت قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} (التَّوْبَة: 43) .
فَلَا يسْتَحق الْعَذَاب وَإِذا وجد النّصاب وَلم يزك يكون كنزا، فَيدْخل تَحت الْآيَة، وَيسْتَحق الْعَذَاب، وَإِذا وجد النّصاب وزكى لَا يكون كنزا فَلَا يسْتَحق الْعَذَاب، وَهَذَا هُوَ التَّرْجَمَة.
فَإِن قلت: كَيفَ يُطَابق هَذَا التَّعْلِيل التَّرْجَمَة والترجمة فِيمَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، والْحَدِيث فِيمَا إِذا كَانَ الْعين أقل من خَمْسَة أَوَاقٍ لَيست فِيهَا صَدَقَة، أَي: زَكَاة، وَبِهَذَا الْوَجْه اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على هَذِه التَّرْجَمَة.
قلت: تكلّف فِيهِ بِأَن قيل: إِن مُرَاده أَن مَا دون خَمْسَة أَوَاقٍ لَيْسَ بكنز، لِأَنَّهُ لَا صَدَقَة فِيهِ، فَإِذا كَانَت خَمْسَة أَوَاقٍ أَو أَكثر وَأدّى زَكَاتهَا فَلَيْسَتْ بكنز، فَلَا يدْخل تَحت الْوَعيد.
وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: نزع البُخَارِيّ بِأَن كل مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز لإِيجَاب الله تَعَالَى على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل خمس أَوَاقٍ ربع عشرهَا، فَإِذا كَانَ ذَلِك فرض الله تَعَالَى على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فمعلوم أَن الْكَنْز هُوَ المَال وَإِن بلغ ألوفا، إِذا أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَلَا يحرم على صَاحبه اكتنازه لِأَنَّهُ لم يتوعد عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْوَعيد على مَا لم تُؤَد زَكَاته.
وَقيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة حَدِيثا رَوَاهُ جَابر مَرْفُوعا: (أَيّمَا مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز) ، لكنه لَيْسَ على شَرطه فَلم يُخرجهُ.
انْتهى.
قلت: هَذَا مستبعد جدا لِأَنَّهُ كَيفَ يترجم بِشَيْء ثمَّ يعلله بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَيُشِير إِلَى حَدِيث آخر لَيْسَ عِنْده بِصَحِيح، وَهَذَا غير موجه، وَلَو قَالَ هَذَا الْقَائِل: أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة حَدِيثا روته أم سَلمَة مَرْفُوعا: (مَا بلغ أَن تُؤَدّى زَكَاته فَزكِّي فَلَيْسَ بكنز) ، لَكَانَ لَهُ وَجه مَا، لِأَن حَدِيث أم سَلمَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة ثَابت بن عجلَان (عَن عَطاء عَنْهَا قَالَت: كنت ألبس أَوْضَاحًا من ذهب، فَقلت: يَا رَسُول الله أكنز هُوَ؟ فَقَالَ: مَا بلغ أَن تُؤَدّى زَكَاته فَزكِّي فَلَيْسَ بكنز) ، وَإِسْنَاده جيد وَرِجَاله رجال البُخَارِيّ، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ،.

     وَقَالَ : على شَرط البُخَارِيّ.
وَأما حَدِيث جَابر فَأخْرجهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) بِسَنَد ضَعِيف،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة فِي (الْعِلَل) لِابْنِ أبي حَاتِم: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف، وَأخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من رِوَايَة ابْن جريج عَن أبي الزبير عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا أدّيت زَكَاة مَالك فقد أذهبت عَنْك شَره) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يُخرجهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا، ثمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفا على جَابر.

     وَقَالَ : هَذَا أصح، وَيَجِيء الْكَلَام فِي معنى قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أَوَاقٍ صَدَقَة) فِي حَدِيث أبي سعيد فِي هَذَا الْبابُُ.

(وَقَالَ أَحْمد بن شبيب بن سعيد حَدثنَا أبي عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن خَالِد بن أسلم قَالَ خرجنَا مَعَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِي أَخْبرنِي قَول الله وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله قَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا من كنزها فَلم يؤد زَكَاتهَا فويل لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل الزَّكَاة فَلَمَّا أنزلت جعلهَا الله طهرا للأموال) مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَفْهُوم لِأَن مَفْهُوم قَوْله " من كنزها فَلم يؤد زَكَاتهَا " إِذا أدّى زَكَاتهَا لَا يسْتَحق الْوَعيد فَإِذا لم يسْتَحق الْوَعيد بِسَبَب أَدَائِهِ الزَّكَاة يدْخل فِي معنى التَّرْجَمَة وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ والمنسوخ عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن أَحْمد بن شبيب بِإِسْنَادِهِ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد دعْلج بن أَحْمد السّخْتِيَانِيّ بِبَغْدَاد حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن زيد الصَّائِغ حَدثنَا أَحْمد بن شبيب حَدثنَا أبي إِلَى آخِره بِهَذَا الْإِسْنَاد وَفِيه زِيَادَة وَهُوَ قَوْله " ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ مَا أُبَالِي لَو كَانَ لي مثل أحد ذَهَبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فِيهِ بِطَاعَة الله تَعَالَى " (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول أَحْمد بن شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى الحبطات من بني تَمِيم وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم بن مرّة والْحَارث هُوَ الحبط وَولده يُقَال لَهُم الحطبات روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي مَنَاقِب عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفِي الاستقراض مُفردا وَفِي غير مَوضِع مَقْرُونا إِسْنَاده بِإِسْنَاد آخر قَالَ ابْن قَانِع مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر سنة تسع وَثَلَاثِينَ.
الثَّانِي أَبوهُ شبيب بن سعيد أبي سعيد الحبطي مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي وَقد مر غير مرّة.
الرَّابِع مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس خَالِد بن أسلم أَخُو زيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
السَّادِس عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التصدير بالْقَوْل من غير تحديث وَفِيه أَحْمد بن شبيب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر حَدثنَا أَحْمد وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن أَحْمد وأباه بصريان وَيُونُس أيلي مصري وَابْن شهَاب وخالدا مدنيان وَفِيه أَن أَحْمد من أَفْرَاده وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَفِيه أَن خَالِدا من أَفْرَاده.

     وَقَالَ  الْحميدِي لَيْسَ فِي الصَّحِيح لخَالِد غير هَذَا (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير نَحْو مَا أخرجه هُنَا وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن سَواد عَن ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ نَحوه (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " من كنزها " إِفْرَاد الضَّمِير إِمَّا على تَأْوِيل الْأَمْوَال أَو أعَاد الضَّمِير إِلَى الْفضة لِأَن الِانْتِفَاع بهَا أَكثر أَو لِكَثْرَة وجودهَا وَالْحَامِل على ذَلِك رِعَايَة لفظ الْقُرْآن قَوْله " فويل لَهُ " الويل الْحزن والهلاك وَالْمَشَقَّة من الْعَذَاب وَالْمعْنَى فالعذاب لمن كنز الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلم ينفقهما فِي سَبِيل الله وارتفاع ويل على الِابْتِدَاء قَوْله " قبل أَن تتنزل الزَّكَاة " وَاخْتلف فِي أول وَقت فرض الزَّكَاة فَعِنْدَ الْأَكْثَرين وَقع بعد الْهِجْرَة فَقيل كَانَ فِي السّنة الثَّانِيَة قبل فرض رَمَضَان.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير كَانَ فِي السّنة التَّاسِعَة ورد عَلَيْهِ لوُرُود ذكرهَا فِي عدَّة أَحَادِيث قبل ذَلِك وَكَذَا مُخَاطبَة أبي سُفْيَان مَعَ هِرقل وَكَانَ يَأْمُرنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَانَت فِي أول السَّابِعَة (فَإِن قلت) يدل على مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الْأَثِير مَا وَقع فِي قَضِيَّة ثَعْلَبَة بن حَاطِب المطولة وفيهَا لما أنزلت آيَة الصَّدَقَة بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَاملا فَقَالَ مَا هَذِه إِلَّا جِزْيَة أَو أُخْت الْجِزْيَة والجزية إِنَّمَا وَجَبت فِي التَّاسِعَة فَتكون الزَّكَاة فِي التَّاسِعَة (قلت) هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ (فَإِن قلت) ادّعى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه أَن فَرضهَا كَانَ قبل الْهِجْرَة وَاحْتج بِمَا أخرجه من حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي قصَّة هجرتهم إِلَى الْحَبَشَة وفيهَا أَن جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ للنجاشي فِي جملَة مَا أخبرهُ بِهِ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام (قلت) أُجِيب بِأَن فِيهِ نظرا لِأَن الصَّلَوَات خمس لم تكن فرضت بعد وَلَا صِيَام رَمَضَان وَأجَاب بَعضهم بِأَن مُرَاجعَة جَعْفَر لم تكن فِي أول مَا قدم على النَّجَاشِيّ وَإِنَّمَا أخبرهُ بذلك بعد مُدَّة قد وَقع فِيهَا مَا ذكر من قَضِيَّة الصَّلَاة وَالصِّيَام وَبلغ ذَلِك جعفرا فَقَالَ يَأْمُرنَا بِمَعْنى يَأْمر أمته (قلت) هَذَا بعيد جدا (فَإِن أُجِيب) بِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد من الصَّلَاة الصَّلَوَات الْخمس وَلَا من الزَّكَاة الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَلَا من الصّيام صَوْم شهر رَمَضَان بل المُرَاد من الصَّلَاة الصَّلَاة الَّتِي كَانُوا يصلونها رَكْعَتَيْنِ قبل فَرضِيَّة الْخمس وَالْمرَاد من الصَّوْم مُطلق الصَّوْم لأَنهم رُبمَا كَانُوا يَصُومُونَ اتبَاعا للشريعة الَّتِي كَانَت قبل وَالْمرَاد من الزَّكَاة الصَّدَقَة فَلَا بَأْس بِهَذَا التَّأْوِيل وَذَلِكَ بعد أَن يسلم حَدِيث أم سَلمَة من قدح فِي إِسْنَاده فَافْهَم قَوْله " طهرا للأموال " أَي فِي حق الْفُقَرَاء وَهِي أوساخ النَّاس وَلِهَذَا لَا تحل لبني هَاشم كَمَا ورد فِي حَدِيث مُسلم " أَن الصَّدَقَة لَا تنبغي لآل مُحَمَّد إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس " فَإِذا أخرجت الزَّكَاة يحصل الطُّهْر للأموال وَكَذَلِكَ هِيَ طهر لأصحابها عَن رذائل الْأَخْلَاق وَالْبخل -

[ قــ :1351 ... غــ :1405 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ يَزِيدَ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبُ بنُ أسْحَاقَ قَالَ الأوْزَاعَيُّ أَخْبرنِي يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ أنَّ عَمْرَو بنَ يَحْيى بنِ عُمَارَةَ أخْبَرَهُ عنْ أبِيهِ يَحْيى بنِ عُمَارَةَ بنِ أبِي الحَسَنِ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ ولَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ ولَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسقٍ صَدَقَةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرنَاهَا عِنْد الحَدِيث الْمُعَلق فِي أَوَائِل الْبابُُ.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق بن يزِيد من الزِّيَادَة هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يزِيد أَبُو النَّضر السَّامِي.
الثَّانِي: شُعَيْب بن إِسْحَاق، مَاتَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير.
الْخَامِس: عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة.
السَّادِس: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة، بِضَم الْعين: ابْن أبي الْحسن الْمَازِني الْأنْصَارِيّ.
السَّابِع: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: واسْمه سعيد ابْن مَالك.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَكَذَلِكَ الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: عَن أَبِيه يحيى بن عمَارَة، وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد: عَن عَمْرو أَنه سمع أَبَاهُ.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ مَذْكُور بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِيه.
وَأَنه وشعيبا وَالْأَوْزَاعِيّ دمشقيون وَيحيى يمامي طائي وَعَمْرو وَأَبوهُ مدنيان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان كِلَاهُمَا عَن مَالك، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح عَن اللَّيْث وَعَن عَمْرو النَّاقِد عَن عبد الله بن إِدْرِيس وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن مُحَمَّد بن رَافع وَعلي أبي كَامِل الجحدري وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد، وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن عبد بن حميد وَعَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله ابْن سعيد وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن أَحْمد بن عَبدة وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن ابْن مهْدي وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك وَعَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الطوسي وَعَن هَارُون بن عبد الله.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَوَاقٍ) ، وَقع هُنَا أَوَاقٍ بِدُونِ الْيَاء، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أواقي، بِالْيَاءِ.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَوَقع أَيْضا بِدُونِ الْيَاء، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَهِي جمع: أُوقِيَّة، بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، وَيجمع على أواقي، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها، وأواق بحذفها.
قَالَ ابْن السّكيت فِي (الْإِصْلَاح) : كل مَا كَانَ من هَذَا النَّوْع واحده مشدد أجَاز فِي جمعه التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف كالأوقية والأواقي، والسرية والسراري والبختية والعلية والإثفية ونظائرها.
وَأنكر الْجُمْهُور أَن يُقَال فِي الْوَاحِدَة: وقية، بِحَذْف الْهمزَة، وَحكى الجبائي جَوَازهَا بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الْيَاء وَجَمعهَا: وقايا، مثل: ضحية وضحايا، وَأجْمع أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وأئمة اللُّغَة على أَن الْأُوقِيَّة الشَّرْعِيَّة: أَرْبَعُونَ درهما، وَهِي أُوقِيَّة الْحجاز.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَلَا يَصح أَن تكون الْأُوقِيَّة وَالدَّرَاهِم مَجْهُولَة فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُوجب الزَّكَاة فِي أعداد مِنْهَا وَتَقَع بهَا الْبياعَات والأنكحة كَمَا ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَهَذَا يبين أَن قَول من زعم أَن الدَّرَاهِم لم تكن مَعْلُومَة إِلَى زمَان عبد الْملك بن مَرْوَان وَأَنه جمعهَا بِرَأْي الْعلمَاء، وَجعل كل عشرَة وزن سَبْعَة مَثَاقِيل وَوزن الدِّرْهَم سِتَّة دوانيق، قَول بَاطِل، وَإِنَّمَا معنى مَا نقل من ذَلِك أَنه لم يكن مِنْهَا شَيْء من ضرب الْإِسْلَام وعَلى صفة لَا تخْتَلف، بل كَانَت مجموعات من ضرب فَارس وَالروم صغَارًا وكبارا وَقطع فضَّة غير مَضْرُوبَة وَلَا منقوشة ويمنية ومغربية، فَرَأَوْا صرفهَا إِلَى ضرب الْإِسْلَام ونقشه وتصييرها وزنا وَاحِدًا لَا يخْتَلف وأعيانا يسْتَغْنى فِيهَا من الموازين، فَجمعُوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم، قَالَ القَاضِي: وَلَا شكّ أَن الدَّرَاهِم كَانَت حِينَئِذٍ مَعْلُومَة، وَإِلَّا فَكيف كَانَ يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى فِي الزَّكَاة وَغَيرهَا وَحُقُوق الْعباد وَهَذَا كَمَا كَانَت الْأُوقِيَّة مَعْلُومَة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: أجمع أهل الْعَصْر الأول على التَّقْدِير بِهَذَا الْوَزْن الْمَعْرُوف، وَهُوَ أَن الدِّرْهَم سِتَّة دوانيق، وكل عشرَة دَرَاهِم سَبْعَة مَثَاقِيل وَلم يتَغَيَّر المثقال فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام.
قلت: روى ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) فِي تَرْجَمَة عبد الْملك بن مَرْوَان: أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه، قَالَ: ضرب عبد الْملك بن مَرْوَان الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير سنة خمس وَسبعين، وَهُوَ أول من أحدث ضربهَا وَنقش عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا خَالِد بن ربيعَة بن أبي هِلَال عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَت مَثَاقِيل الْجَاهِلِيَّة الَّتِي ضرب عَلَيْهَا عبد الْملك اثْنَتَيْنِ وَعشْرين قيراطا إلاَّ حَبَّة بالشامي، وَكَانَت الْعشْرَة وزن سَبْعَة.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي (كتاب الْأَمْوَال) ، فِي: بابُُ الصَّدَقَة وأحكامها: كَانَت الدَّرَاهِم قبل الْإِسْلَام كبارًا أَو صغَارًا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَأَرَادُوا ضرب الدَّرَاهِم وَكَانُوا يزكونها من النَّوْعَيْنِ فنظروا إِلَى الدارهم الْكَبِير فَإِذا هُوَ ثَمَانِيَة دوانق وَإِلَى الدِّرْهَم الصَّغِير فَإِذا عو أَرْبَعَة دوانق فوضعوا زِيَادَة الْكَبِير على نُقْصَان الصَّغِير فجعلوهما دِرْهَمَيْنِ سَوَاء كل وَاحِد سِتَّة دوانيق، ثمَّ اعتبروها بالمثاقيل، وَلم يزل المثقال فِي آباد الدَّهْر محدودا لَا يزِيد وَلَا ينقص، فوجدوا عشرَة دَرَاهِم من هَذِه الدَّرَاهِم الَّتِي وَاحِدهَا سِتَّة دوانيق يكون وزان سَبْعَة مَثَاقِيل، وَأَنه عدل بَين الْكِبَار وَالصغَار، وَأَنه مُوَافق لسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّدَقَة، فمضت سنة الدَّرَاهِم على هَذَا، وأجمعت عَلَيْهِ الْأمة فَلم يخْتَلف أَن الدِّرْهَم التَّام ستت دوانيق فَمَا زَاد أَو نقص قيب فِيهِ زَائِدا وناقص وَالنَّاس فِي الزَّكَاة على الأَصْل الَّذِي هم السّنة لم يزيغوا وَكَذَلِكَ فِي المبايعات انْتهى وَذكر فِي كتب أَصْحَابنَا أَن الدَّرَاهِم كَانَت فِي الِابْتِدَاء على لى ثَلَاثَة أَصْنَاف: صنف: مِنْهَا: كل عشرَة مِنْهُ عشرَة مَثَاقِيل، كل دِرْهَم مِثْقَال.
وصنف: مِنْهَا كل عشرَة مِنْهُ سِتَّة مَثَاقِيل، كل دِرْهَم ثَلَاثَة أَخْمَاس مِثْقَال.
وصنف: مِنْهَا كل عشرَة مِنْهُ خَمْسَة مَثَاقِيل، كل دِرْهَم نصف مِثْقَال، وَكَانَ النَّاس يتصرفون فِيهَا ويتعاملون بهَا فِيمَا بَينهم إِلَى أَن اسْتخْلف عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَرَادَ أَن يسْتَخْرج الْخراج بالأكبر فالتمسوا مِنْهُ التَّخْفِيف، فَجمع حسَّاب زَمَانه ليتوسطوا ويوفقوا بَين الدَّرَاهِم كلهَا وَبَين مَا رامه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَين مَا رامه الرّعية، فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وزن السَّبْعَة بِأَن أخذُوا من كل صنف ثلثه فَيكون الْمَجْمُوع سَبْعَة.
وَفِي (الذَّخِيرَة) للقرافي: إِن الدِّرْهَم الْمصْرِيّ أَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَبَّة، وَهُوَ أكبر من دِرْهَم الزَّكَاة، فَإِذا أسقطت الزَّائِدَة كَانَ النّصاب من دَرَاهِم مائَة وَثَمَانِينَ درهما وجبتين.
وَفِي (فَتَاوَى الفضلى) : تعْتَبر دَنَانِير كل بلد ودراهمهم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي: بابُُ لَيْسَ فِيمَا دونه خَمْسَة أوسق صَدَقَة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَيْضا: وَلَا أقل فِي خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة، وَهنا زَاد لفظ: من الْوَرق، الْوَرق وَالْوَرق وَالْوَرق والرقة: الدَّرَاهِم، وَرُبمَا سميت الْفضة ورقة، والرقة الْفضة، وَالْمَال.
وَعَن ابْن الْأَعرَابِي وَقيل: الْفضة وَالذَّهَب، وَعَن ثَعْلَب: وَجمع الْوَرق وَالْوَرق أوراق، وَجمع الرقة رقوق ورقون، ذكره ابْن سَيّده.
وَفِي (الْجَامِع) أعطَاهُ ألف دِرْهَم رقة، يَعْنِي: لَا يخالطها شَيْء من المَال غَيرهَا.
وَفِي (الغريبين) ؛ الْوَرق والرقة الدَّرَاهِم خَاصَّة وَأما الْوَرق فَهُوَ المَال كُله.
.

     وَقَالَ  أَبُو بكر: الرقة مَعْنَاهَا فِي كَلَامهم: الْوَرق، وَجَمعهَا رقات، وَفِي (الْمغرب) : الْوَرق، بِكَسْر الرَّاء: الْمَضْرُوب من الْفضة، وَكَذَا الرقة.
وَفِي (الْمُجْمل) : الْوَرق الدَّرَاهِم وَحدهَا، وَالْوَرق من المَال، ورد النَّوَوِيّ على صَاحب (الْبَيَان) فِي قَوْله: الرقة هِيَ الذَّهَب وَالْفِضَّة،.

     وَقَالَ : هَذَا غلط فَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ كَمَا ذكرنَا عَن ابْن الْأَعرَابِي،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: دِرْهَم الْكَيْل زنته خَمْسُونَ حَبَّة وخمسا حَبَّة، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ بتكييل عبد الْملك بن مَرْوَان، أَي: بتقديره وتحقيقه، وَذَلِكَ أَن الدَّرَاهِم الَّتِي كَانَ النَّاس يتعاملون بهَا نَوْعَانِ: نوع عَلَيْهِ نقش فَارس، وَنَوع عَلَيْهِ نقش الرّوم، أحد النَّوْعَيْنِ يُقَال لَهُ: البغلي، وَهُوَ السود، الدِّرْهَم مِنْهَا ثَمَانِيَة دوانيق، وَالْآخر يُقَال لَهُ الطَّبَرِيّ، وَهُوَ الْعتْق، الدِّرْهَم مِنْهَا أَرْبَعَة دوانيق.
وَفِي (شرح المهداية) : البغلية منسوبة إِلَى ملك يُقَال لَهُ: رَأس الْبَغْل، والطبرية منسوبة إِلَى: طبرية، وَقيل: إِلَى طبرستان.
وَفِي (الْأَحْكَام) للماوردي: اسْتَقر فِي الْإِسْلَام زنة الدِّرْهَم سِتَّة دوانيق، كل عشرَة دَرَاهِم سَبْعَة مَثَاقِيل، وَزعم المرغيناني أَن الدِّرْهَم كَانَ شَبيه النواة ودور على عهد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَتَبُوا عَلَيْهِ { لَا إلاه إلاَّ الله مُحَمَّد رسولُ الله} ثمَّ زَاد نَاصِر الدولة بن حمدَان: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَانَت منقبة لآل حمدَان.
وَفِي كتاب (المكاييل) : عَن الْوَاقِدِيّ، عَن معبد بن مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط، قَالَ: كَانَ لقريش أوزان فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أقرَّت على مَا كَانَت عَلَيْهِ الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما، والرطل اثْنَا عشر أُوقِيَّة، فَذَلِك أَربع مائَة وَثَمَانُونَ درهما، وَكَانَ لَهُم النش، وَهُوَ عشرُون درهما، والنواة وَهِي خَمْسَة دَرَاهِم، وَكَانَ المثقال إثنين وَعشْرين قيراطا إلاَّ حَبَّة، وَكَانَت الْعشْرَة دَرَاهِم وَزنهَا سَبْعَة مَثَاقِيل، وَالدِّرْهَم خَمْسَة عشر قيراطا.
فَلَمَّا قدم سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُسَمِّي الدِّينَار لوزنه دِينَارا، وَإِنَّمَا هُوَ تبر، ويسمي الدِّرْهَم لوزنه درهما، وَإِنَّمَا هُوَ تبر، فأقرت مَوَازِين الْمَدِينَة على هَذَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْمِيزَان ميزَان أهل الْمَدِينَة) .
وَعند الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد فِيهِ زيد بن أبي أنيسَة عَن أبي الزبير عَن جَابر يرفعهُ: (والوقية أَرْبَعُونَ درهما) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وروى جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الدِّينَار أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قيراطا) .
قَالَ أَبُو عمر: هَذَا وَإِن لم يَصح سَنَده فَفِي قَول جمَاعَة الْعلمَاء واجتماع النَّاس على مَعْنَاهُ مَا يُغني عَن الْإِسْنَاد فِيهِ.

قَوْله: (ذود) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره دَال مُهْملَة وَهِي من الْإِبِل من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَفِي الْمثل: الذود إِلَى الذود إبل، وَقيل: الذود مَا بَين الثِّنْتَيْنِ وَالتسع من الْإِنَاث دون الذُّكُور، قَالَ:
(ذود ثَلَاث بكرَة ونابان ... غير الفحول من ذُكُور البعران)

وَيجمع على أذواد.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا: ثَلَاث ذود، فوضعوه مَوضِع أذواد.
.

     وَقَالَ  الْفَارِسِي: وَهَذَا على حد قَوْلهم ثَلَاثَة أَشْيَاء فَإِذا وصفت الذود فَإِن شِئْت جعلت الْوَصْف مُفردا بِالْهَاءِ على حد مَا تُوصَف الْأَسْمَاء المؤنثة الَّتِي لَا تعقل فِي حد الْجمع، فَقلت: ذود جربة، وَإِن شِئْت جمعت فَقلت: ذود جراب، ذكره فِي (الْمُخَصّص) وَفِي (الْمُحكم) : وَقيل: الذود من ثَلَاث إِلَى خمس عشرَة، وَقيل: إِلَى عشْرين.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: إِلَى الثَّلَاثِينَ، وَلَا يكون إلاَّ من الْإِنَاث، وَهُوَ مؤنث وتصغيره بِغَيْر هَاء على غير قِيَاس، وَفِي (كتاب نعوت الْإِبِل) لأبي الْحسن النَّضر بن شُمَيْل بن خَرشَة الْمَازِني مَا يدل على أَنه ينْطَلق على الذُّكُور أَيْضا، وَهُوَ قَوْله: الذود ثَلَاثَة أَبْعِرَة، يُقَال: عِنْد فلَان ذود لَهُ، وَعَلِيهِ ثَلَاث ذود، وَعَلِيهِ أذواد لَهُ إِذا كن ثَلَاثًا فَأكْثر، وَعَلِيهِ ثَلَاث أذواد مثله سَوَاء، وَيُقَال رَأَيْت أذواد بني فلَان إِذا كَانَت فِيمَا بَين الثَّلَاث إِلَى خمس عشرَة.
وَفِي (الْجَامِع) للقزاز.
وَقَول الْفُقَهَاء: لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود صَدَقَة، إِنَّمَا مَعْنَاهُ خمس من هَذَا الْجِنْس، وَقد أجَاز قوم أَن يكون الذود وَاحِدًا.
وَفِي (الصِّحَاح) : الذود مُؤَنّثَة لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: ذهب قوم إِلَى أَن الذود وَاحِد، وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنه جمع، وَهُوَ الْمُخْتَار.
وَاحْتج بِأَنَّهُ: لَا يُقَال خمس ذود، كَمَا لَا يُقَال: خمس ثوب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء،.

     وَقَالَ  ابْن مزين: الذود الْجمل الْوَاحِد،.

     وَقَالَ  أَبُو زِيَاد الْكلابِي فِي (كتاب الْإِبِل) تأليفه: وَالثَّلَاث من الْإِبِل ذود، وَلَيْسَ الثنتان بذود إِلَى أَن تبلغ عشْرين، وسمى الذود لِأَنَّهُ يذاد أَي يساق، ثمَّ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: خمس ذود، بِالْإِضَافَة، وَرُوِيَ بتنوين خمس، وَيكون ذود بَدَلا مِنْهُ، وَبِزِيَادَة التَّاء فِي خمس نظرا إِلَى أَن الذود يُطلق على الْمُذكر والمؤنث، وَتركُوا الْقيَاس فِي الْجمع كَمَا قَالُوا: ثلثمِائة، قيل: وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ فِي معنى الْجمع كَقَوْلِه: تِسْعَة رَهْط، لِأَن فِيهِ معنى الجمعية.

قَوْله: (أوسق) جمع: وسق، بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا، وَالْفَتْح أشهر.
والوسق: حمل بعير، وَقيل: هُوَ سِتُّونَ صَاعا بِصَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: هُوَ الْحمل عَامَّة، وَالْجمع أوسق ووسوق ووسق الْبَعِير، وأوسقه أوقره ذكره ابْن سَيّده.
وَفِي (الْجَامِع) : الْجمع أوساق والوسق الْعدْل.
وَفِي (الصِّحَاح) : الوسق حمل الْبَغْل وَالْحمار.
وَفِي (الغريبين) : هُوَ مائَة وَسِتُّونَ منا.
وَفِي (الْمثنى) لِابْنِ عديس: وَقيل: الوسق العدلان.
وَفِي (مجمع الغرائب) : خَمْسَة أوسق ثَمَانمِائَة من، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي البخْترِي العلائي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوساق زَكَاة، والوسق سِتُّونَ مَخْتُومًا) .
ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو البخْترِي لم يسمع من أبي سعيد، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه مُنْقَطع.
.

     وَقَالَ  عبيد: الْمَخْتُوم الصَّاع، إِنَّمَا سمي مَخْتُومًا لِأَن الْأُمَرَاء جعلت على أَعْلَاهُ خَاتمًا مطبوعا لِئَلَّا يُزَاد فِيهِ وَلَا ينقص مِنْهُ، وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: الوسق سِتُّونَ صَاعا مَخْتُومًا بالحجازي، وَحَكَاهُ فِي (المُصَنّف) : عَن ابْن عمر من رِوَايَة لَيْث بن أبي سليم، وَعَن الْحسن بِسَنَد صَحِيح، وَعَن أبي قلَابَة بِسَنَد صَحِيح، وَعَن الشّعبِيّ وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب بأسانيد جِيَاد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على ثَلَاثَة فُصُول:
الأول: هُوَ قَوْله: (لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أَوَاقٍ صَدَقَة) ، وَفِيه: بَيَان نِصَاب الْفضة وَهُوَ خَمْسَة أَوَاقٍ، وَهِي مِائَتَا دِرْهَم.
لِأَن كل أُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما، وحدد الشَّرْع نِصَاب كل جنس بِمَا يحْتَمل الْمُوَاسَاة، فنصاب الْفضة خمس أَوَاقٍ وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَم بِنَصّ الحَدِيث وَالْإِجْمَاع، وَأما الذَّهَب فعشرون مِثْقَالا، والمعول فِيهِ على الْإِجْمَاع إلاَّ مَا رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يجب فِي أقل من أَرْبَعِينَ مِثْقَالا، وَالْأَشْهر عَنْهُمَا الْوُجُوب فِي عشْرين مِثْقَالا كَمَا قَالَه الْجُمْهُور.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَعَن بعض السّلف وجوب الزَّكَاة فِي الذَّهَب إِذا بلغت قِيمَته مِائَتي دِرْهَم وَإِن كَانَ دون عشْرين مِثْقَالا.
قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَلَا زَكَاة فِي الْعشْرين حَتَّى تكون قيمتهَا مِائَتي دِرْهَم.
ثمَّ إِذا زَاد الذَّهَب أَو الْفضة على النّصاب اخْتلفُوا فِيهِ.
فَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَعَامة أهل الحَدِيث: إِن فِيمَا زَاد من الذَّهَب وَالْفِضَّة ربع الْعشْر فِي قَلِيله وَكَثِيره وَلَا وقص، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَبَعض السّلف: لَا شَيْء فِيمَا زَاد على مِائَتي دِرْهَم حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ درهما وَلَا فِيمَا زَاد على عشْرين دِينَارا حَتَّى يبلغ أَرْبَعَة دَنَانِير، فَإِذا زَادَت فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَفِي كل أَرْبَعَة دَنَانِير دِرْهَم، فَجعل لَهما وقصا كالماشية.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَاحْتج الْجُمْهُور بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فِي الرقة ربع الْعشْر) ، والرقة الْفضة، وَهَذَا عَام فِي النّصاب وَمَا فَوْقه بِالْقِيَاسِ على الْحُبُوب، وَلأبي حنيفَة حَدِيث ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ.
قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا روى الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن الْمنْهَال بن جراح عَن حبيب بن نجيح عَن عبَادَة بن نسي عَن معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن أَن لَا يَأْخُذ من الْكسر شَيْئا إِذا كَانَت الْوَرق مِائَتي دِرْهَم فَخذ مِنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَا تَأْخُذ مِمَّا زَاد شَيْئا حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ درهما، فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ درهما فَخذ مِنْهَا درهما) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْمنْهَال ابْن جراج وَهُوَ أَبُو العطوف مَتْرُوك الحَدِيث، وَكَانَ ابْن إِسْحَاق يقلب اسْمه إِذا روى عَنهُ، وَعبادَة بن نسي لم يسمع من معَاذ.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: الْمنْهَال بن الْجراح مَتْرُوك الحَدِيث،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: كَانَ يكذب،.

     وَقَالَ  عبد الْحق فِي أَحْكَامه: كَانَ مكذابا.
وَفِي (الإِمَام) قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: مَتْرُوك الحَدِيث واهيه لَا يكْتب حَدِيثه.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف جدا.
قلت: ذكر الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ ذكر الْخَبَر الَّذِي روى فِي وقص الْوَرق، ثمَّ اقْتصر عَلَيْهِ لكَون الْبابُُ مَقْصُود الْبَيَان مَذْهَب خَصمه.

وَفِي الْبابُُ حديثان: أَحدهمَا: ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي: بابُُ فرض الصَّدَقَة، وَهُوَ كِتَابه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي بَعثه إِلَى الْيمن مَعَ عَمْرو بن حزم، وَفِيه: (وَفِي كل خمس أواقي من الْوَرق خَمْسَة دَرَاهِم، وَمَا زَاد فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم) ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ مجود الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ جمَاعَة من الْحفاظ مَوْصُولا حسنا، وروى الْبَيْهَقِيّ عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل أَنه قَالَ: أَرْجُو أَن يكون صَحِيحا.
وَالثَّانِي: ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي: بابُُ لَا صَدَقَة فِي الْخَيل، من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عَفَوْت لكم صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق، فَهَلُمُّوا صَدَقَة الرقة من كل أَرْبَعِينَ درهما، وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء، فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم) ،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: صَحِيح مُسْند، وروى ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان عَن عَاصِم الْأَحول عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: كتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أبي مُوسَى: فَمَا زَاد على الْمِائَتَيْنِ فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) من وَجه آخر عَن أنس عَن عمر نَحوه،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّمْهِيد) : وَهُوَ قَول ابْن الْمسيب وَالْحسن وَمَكْحُول وَعَطَاء وطاووس وَعَمْرو بن دِينَار وَالزهْرِيّ، وَبِه يَقُول أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ، وَذكر الْخطابِيّ الشّعبِيّ مَعَهم، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن مُحَمَّد الباقر رَفعه، قَالَ: (إِذا بلغت خمس أواقي فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم) .
وَفِي (أَحْكَام) عبد الْحق قَالَ: روى أَبُو أَوْس عَن عبد الله وَمُحَمّد ابْني أبي بكر بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيهِمَا عَن جدهما عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كتب هَذَا الْكتاب لعَمْرو بن حزم حِين أمره على الْيمن.
وَفِيه: الزَّكَاة لَيْسَ فِيهَا صَدَقَة حَتَّى تبلغ مِائَتي دِرْهَم، فَإِذا بلغت مِائَتي دِرْهَم فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَمَا زَاد فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَلَيْسَ فِيمَا دون الْأَرْبَعين صَدَقَة، وَالَّذِي عِنْد النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَغَيرهم، وَفِي كل خمس أواقٍ من الْوَرق خَمْسَة دَرَاهِم، وَمَا زَاد فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أواقٍ شَيْء، وروى أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي (كتاب الْأَمْوَال) : حَدثنَا يحيى بن بكير عَن اللَّيْث بن سعد عَن يحيى بن أَيُّوب عَن حميد عَن أنس، قَالَ: ولاَّني عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الصَّدقَات فَأمرنِي أَن آخذ من كل عشْرين دِينَارا نصف دِينَار، وَمَا زَاد فَبلغ أَرْبَعَة دَنَانِير فَفِيهِ دِرْهَم، وَأَن آخذ من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، فَمَا زَاد فَبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَفِيهِ دِرْهَم، وَالْعجب من النَّوَوِيّ مَعَ وُقُوفه على هَذِه الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَيفَ يَقُول: وَلأبي حنيفَة حَدِيث ضَعِيف.
وَيذكر الحَدِيث الْمُتَكَلّم فِيهِ،.
وَلم يذكر غَيره من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.

وَبَقِي الْكَلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَصْل، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحدهمَا: مَسْأَلَة الضَّم، وَهُوَ أَن الْجُمْهُور يَقُولُونَ بِضَم الْفضة وَالذَّهَب بَعْضهَا إِلَى بعض فِي إِكْمَال النّصاب، وَبِه قَالَ مَالك إلاَّ أَنه يُرَاعِي الْوَزْن وَيضم على الْأَجْزَاء لَا على الْقيم، وَيجْعَل كل دِينَار كعشرة دَرَاهِم على الصّرْف الأول،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: يضم على الْقيم فِي وَقت الزَّكَاة.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد: لَا يضم مُطلقًا.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَن الْغنم لَا تضم إِلَى الْإِبِل وَلَا إِلَى الْبَقر، وَأَن التَّمْر لَا يضم إِلَى الزَّبِيب، وَاخْتلفُوا فِي الْبر وَالشعِير.
فَقَالَ أَكثر الْعلمَاء: لَا يضم وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الآخر، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل،.

     وَقَالَ  مَالك: يُضَاف الْقَمْح إِلَى الشّعير وَلَا يُضَاف القطاني إِلَى الْقَمْح وَالشعِير.
وَالْآخر: مَسْأَلَة الْغِشّ، فَعِنْدَ أبي حنيفَة وصاحبيه: إِذا كَانَ الْغَالِب على الْوَرق الْفضة فهن فِي حكم الْفضة، وَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْغِشّ فَهِيَ فِي حكم الْعرُوض، يعْتَبر أَن تبلغ قيمتهَا نِصَابا فَلَا زَكَاة فِيهَا إلاَّ بِأحد الْأَمريْنِ إِن يبلغ مَا فِيهَا من الْفضة مِائَتي دِرْهَم أَو يكون للتِّجَارَة، وَقيمتهَا مِائَتَان، وَمَا زَاد على مِائَتي دِرْهَم فَفِي كل شَيْء مِنْهُ ربع عشره، قلَّ أَو كثر، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَزفر: لَا شَيْء فِيمَا زَاد على الْمِائَتَيْنِ حَتَّى تبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعِينَ درهما، فَإِذا بلغتهَا كَانَ فِيهَا ربع عشرهَا وَهُوَ دِرْهَم، وَهُوَ قَول ابْن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء وطاووس وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَعَمْرو بن دِينَار وَالْأَوْزَاعِيّ، وَرَوَاهُ اللَّيْث عَن يحيى بن أَيُّوب عَن حميد عَن أنس عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

الْفَصْل الثَّانِي: هُوَ قَوْله: (وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة ذود صَدَقَة) وَفِيه: بَيَان أقل الْإِبِل الَّتِي تجب فِيهَا الزَّكَاة، فبيَّن أَنه لَا تجب الزَّكَاة، فبيّن أَنه لَا تجب الزَّكَاة فِي أقل من خمس ذود من الْإِبِل، فَإِذا بلغت خمْسا سَائِمَة وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا شَاة، وَهَذَا بِالْإِجْمَاع وَلَيْسَ فِيهِ خلاف، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ مفصلا عِنْده مَوْضِعه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

الْفَصْل الثَّالِث: هُوَ قَوْله: (وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة) ، احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: أَن مَا أخرجته الأَرْض إِذا بلغ خَمْسَة أوسق تجب فِيهَا الصَّدَقَة، وَهِي الْعشْر، وَلَيْسَ فِيمَا دون ذَلِك شَيْء.
.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة: فِي كل مَا أخرجته الأَرْض قَلِيله وَكَثِيره الْعشْر، سَوَاء سقِِي سيحا أوسقته السَّمَاء إلاَّ الْقصب الْفَارِسِي والحطب والحشيش.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهمَا: وجوب الزَّكَاة فِي هَذِه المحدودات.
وَالثَّانيَِة: أَنه لَا زَكَاة فِيمَا دون ذَلِك، وَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي هَاتين إلاَّ مَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَبَعض السّلف: إِنَّه تجب الزَّكَاة فِي قَلِيل الْحبّ وَكَثِيره، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل منابذ لصريح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
قلت: هَذِه عبارَة سمجة وَلَا يَلِيق التَّلَفُّظ بهَا فِي حق إِمَام مُتَقَدم علما وفضلاً وزهدا وقربا أَي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الْكِبَار، لَا سِيمَا ذَلِك من شخص مَوْسُوم بَين النَّاس بِالْعلمِ الغزير والزهد الْكثير، والإنصاف فِي مثل هَذَا الْمقَام تَحْسِين الْعبارَة، وَهُوَ اللَّائِق لأهل الدّين، وَلَا يفحش الْعبارَة إلاَّ من يتعصب بِالْبَاطِلِ، وَلَيْسَ هَذَا من الدّين، وَلم ينْسب النَّوَوِيّ بطلَان هَذَا الْمَذْهَب ومنابذة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لأبي حنيفَة وَحده، بل نسبه أَيْضا إِلَى بعض السّلف، وَالسَّلَف هم: عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهَذَا أَيْضا قَول زفر وَرِوَايَة عَن بعض التَّابِعين، فَإِن مَذْهَب هَؤُلَاءِ مثل مَذْهَب أبي حنيفَة، وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن معمر عَن سماك بن الْفضل عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: فِيمَا أنبتت الأَرْض من قَلِيل أَو كثير الْعشْر.
وَأخرج نَحوه عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
وَأخرج ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن هَؤُلَاءِ نَحوه، وَزَاد فِي حَدِيث النَّخعِيّ: حَتَّى فِي كل عشر دستجات بقل دستجة بقل، وَأما الَّذِي احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَمن مَعَه بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر، قَالَ: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الْعشْر، وَمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر) ، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِيمَا سقت الْأَنْهَار والغيم الْعشْر، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف الْعشْر) .
وَبِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مَسْرُوق (عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْيمن، فَأمرنِي أَن آخذ مِمَّا سقت السَّمَاء وَمَا سقِِي بعلا الْعشْر، وَمَا سقِِي بالدر إِلَى نصف الْعشْر) .
وَهَذِه الْأَحَادِيث كلهَا مُطلقَة وَلَيْسَ فِيهَا فصل، وَالْمرَاد من لفظ: الصَّدَقَة، فِي حَدِيث الْبابُُ: زَكَاة التِّجَارَة، لأَنهم كَانُوا يتبايعون بالأوساق، وَقِيمَة الوسق أَرْبَعُونَ درهما.
وَمن الْأَصْحَاب من جعله مَنْسُوخا وَلَهُم فِي تَقْرِيره قَاعِدَة، فَقَالُوا: إِذا ورد حديثان أَحدهمَا عَام وَالْآخر خَاص فَإِن علم تَقْدِيم الْعَام على الْخَاص خص الْعَام بالخاص، كمن يَقُول لعَبْدِهِ: لَا تعط لأحد شَيْئا، ثمَّ قَالَ لَهُ: أعْط زيدا درهما.
وَإِن علم تَقْدِيم الْخَاص على الْعَام ينْسَخ الْخَاص بِالْعَام، كمن قَالَ لعَبْدِهِ: أعْط زيدا درهما، ثمَّ قَالَ لَهُ: لَا تعط لأحد شَيْئا، فَإِن هَذَا نَاسخ للْأولِ، هَذَا مَذْهَب عِيسَى بن أبان، رَحمَه الله تَعَالَى، وَهَذَا هُوَ الْمَأْخُوذ بِهِ.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن شُجَاع الثَّلْجِي: هَذَا إِذا علم التَّارِيخ، أما إِذا لم يعلم فَإِن الْعَام يَجْعَل آخرا لما فِيهِ من الِاحْتِيَاط، وَهنا لم يعلم التَّارِيخ، فَجعل الْعَام آخرا احْتِيَاطًا.
.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا: حجَّة أبي حنيفَة فِيمَا ذهب إِلَيْهِ عُمُوم قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} (الْبَقَرَة: 762) .
وَقَوله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) .
وَالْأَحَادِيث الَّتِي تعلّقت بهَا أهل الْمقَالة الأولى أَخْبَار آحَاد فَلَا تقبل فِي مُقَابلَة الْكتاب.
قَوْله: (فِيمَا سقت السَّمَاء) أَي: الْمَطَر.
قَوْله: (أَو كَانَ عثريا) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء، وَهُوَ من النخيل الَّذِي يشرب بعروقه من مَاء الْمَطَر، يجْتَمع فِي حفيره.
وَقيل: هُوَ الغدي: وَهُوَ الزَّرْع الَّذِي لَا يسْقِيه إلاَّ الْمَطَر، يُسمى بِهِ كَأَنَّهُ عثر على المَاء عثرا بِلَا عمل من صَاحبه، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى العثر وَلَكِن الْحَرَكَة من تغييرات النّسَب.
قَوْله: (السانية) ، هِيَ النَّاقة الَّتِي يستقى عَلَيْهَا، وَقيل: هِيَ الدَّلْو الْعَظِيمَة وأدواتها الَّتِي تستقي بهَا، ثمَّ سميت الدَّوَابّ سواني لاستقائها.
قَوْله: (بعلا) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا كَانَ من الْكَرم قد ذهب عروقه فِي الأَرْض إِلَى المَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى السَّقْي لخمس سِنِين، وَلست سِنِين، وانتصابه على الْحَال بالتأويل كَمَا تَقول: جَاءَنِي زيد أسدا، أَي: شجاعا، وَالْأَظْهَر أَنه نصب على التَّمْيِيز، والدوالي جمع دالية وَهِي المنجنون الَّتِي يديرها الثور.





[ قــ :135 ... غــ :1406 ]
- حدَّثنا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْما قَالَ أخبرنَا حُصيْنٌ عنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فإذَا أَنا بِأبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا أنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هاذا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأمِ فاخْتَلَفْتُ أَنا وَمُعَاوِيَةُ فِي وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله.
قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أهْلِ الكِتَابِ فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وفِيهِمْ فَكانَ بَيْنِي وبَيْنَهُ فِي ذَاكَ وكَتَبَ إلَى عُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَشْكُونِي فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمَانُ أنِ اقْدَمِ المَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كأنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذالِك فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي إنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتُ قَرِيبا فذَاكَ الَّذِي أنْزَلَنِي هاذَا المَنْزِلِ وَلَوْ أمَّرُوا عَلِيَّ حَبَشِيَّا لَسَمِعْتُ وأطَعْتُ.

(الحَدِيث 6041 طرفه فِي: 0664) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا فِيمَا أدّى زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَمَفْهُوم الْآيَة كَذَلِك إِذا أدّى زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يكون مَا ملكه كنزا، فَلَا يسْتَحق الْوَعيد الَّذِي يسْتَحقّهُ من يكنزه وَلَا يُؤَدِّي زَكَاته.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ، بِغَيْر نِسْبَة، اخْتلف فِيهِ، فَقيل: هُوَ عَليّ بن أبي هَاشم عبيد الله بن الطبراخ، بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة.
قَالَ الجياني: نسبه أَبُو ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، فَقَالَ: عَليّ بن أبي هَاشم، وَقيل: هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُسلم بن سعيد الطوسي نزيل بَغْدَاد،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقع فِي أَطْرَاف الْمزي عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ، وَهُوَ خطأ.
قلت: هَذِه مجازفة فِي تخطئة مثل هَذَا الْحَافِظ، وَقد قَالَ الكلاباذي وَابْن طَاهِر: هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ذكره الطرقي.
الثَّانِي: هشيم، بِالتَّصْغِيرِ: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْقَاسِم بن دِينَار.
الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد المهملتيين: عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، يكنى أَبَا الْهُذيْل، مر فِي أَوَاخِر كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة.
الرَّابِع: زيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ.
الْخَامِس: أَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل سؤالاً وجوابا.
وَفِيه: أَن شَيْخه غير مَذْكُور بنسبته، فإمَّا بغدادي إِن كَانَ هُوَ: عَليّ بن أبي هَاشم، وَإِمَّا طوسي، إِن كَانَ عَليّ بن مُسلم، وَإِمَّا مدنِي إِن كَانَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ.
وَفِيه: سمع هشيما وَهُوَ بِالْألف، وَفِي بعض النّسخ: هشيم، بِدُونِ الْألف، وَهُوَ اللُّغَة الربيعية حَيْثُ يقفون على الْمَنْصُوب الْمنون بِالسُّكُونِ فَلَا يحْتَاج الْكَاتِب بلغتهم إِلَى الْألف، وهشيم واسطي وَأَصله من بَلخ، وحصين كُوفِي وَزيد بن وهب من التَّابِعين الْكِبَار المخضرمين من قضاعة، وَهُوَ أَيْضا كُوفِي.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن جرير، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن زنبور عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بالربذة) ، بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة: مَوضِع على ثَلَاثَة مراحل من الْمَدِينَة، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حماها لإبل الصَّدَقَة.
.

     وَقَالَ  السَّمْعَانِيّ: هِيَ قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة.
.

     وَقَالَ  الْحَازِمِي: من منَازِل الْحَاج بَين السليلة والعمق.
قَوْله: (فَإِذا أَنا بِأبي ذَر) ، كلمة: إِذا للمفاجأة، وَالْبَاء فِي: أبي ذَر، للمصاحبة.
قَوْله: (كنت بِالشَّام) ، أَي: بِدِمَشْق.
قَوْله: (نزلت فِي أهل الْكتاب) ، وَفِي رِوَايَة جرير: (مَا هَذِه فِينَا) .
قَوْله: (فَكَانَ بيني وَبَينه فِي ذَلِك) ، أَي: كَانَ نزاع بيني وَبَين مُعَاوِيَة فِيمَن نزل قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة.
.
}
(التَّوْبَة: 43) .
الْآيَة، فمعاوية نظر إِلَى سِيَاق الْآيَة فَإِنَّهَا نزلت فِي الْأَحْبَار والرهبان الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة، وَأَبُو ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نظر إِلَى عُمُوم الْآيَة، وَإِن من لَا يرى أداءها مَعَ أَنه يرى وُجُوبهَا يلْحقهُ هَذَا الْوَعيد الشَّديد.
وَكَانَ مُعَاوِيَة فِي ذَلِك الْوَقْت عَامل عُثْمَان على دمشق، وَقد بيَّن سَبَب سُكْنى أبي ذَر بِدِمَشْق مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى من طرق أُخْرَى، عَن زيد بن وهب: حَدثنِي أَبُو ذَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا بلغ الْبناء) أَي بِالْمَدِينَةِ: (سلعا فارتحل إِلَى الشَّام، فَلَمَّا بلغ الْبناء سلعا قدمت الشَّام فَكنت بهَا.
.
) فَذكر الحَدِيث نَحوه، وروى أَبُو يعلى أَيْضا بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف) عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: اسْتَأْذن أَبُو ذَر على عُثْمَان فَقَالَ: إِنَّه يؤذينا، فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ عُثْمَان: أَنْت الَّذِي تزْعم أَنَّك خير من أبي بكر؟ قَالَ: لَا وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن أحبكم إِلَيّ وأقربكم مني من بَقِي على الْعَهْد الَّذِي عاهدته عَلَيْهِ، وَأَنا بَاقٍ على عَهده.
قَالَ: فَأمره أَن يلْحق بِالشَّام، فَكَانَ يُحَدِّثهُمْ وَيَقُول: لَا يبيتن عِنْد أحدكُم دِينَار وَلَا دِرْهَم إلاَّ مَا يُنْفِقهُ فِي سَبِيل الله أَو يعده لغريم، فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان: إِن كَانَ لَك بِالشَّام حَاجَة فَابْعَثْ إِلَى أبي ذَر، فَكتب إِلَيْهِ عُثْمَان أَن أقدم عَليّ، فَقدم) .
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا كتب مُعَاوِيَة يشكو أَبَا ذَر لِأَنَّهُ كَانَ كثير الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ والمنازعة لَهُ، وَكَانَ فِي جَيْشه ميل إِلَى أبي ذَر، فأقدمه عُثْمَان خشيَة الْفِتْنَة لِأَنَّهُ كَانَ رجلا لَا يخَاف فِي الله لومة لائم،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: وَكَانَ هَذَا من توقير مُعَاوِيَة لَهُ، إِذْ كتب فِيهِ إِلَى السُّلْطَان الْأَعْظَم، لِأَنَّهُ مَتى أخرجه كَانَت وصمة عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَن أقدم) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة، وبلفظ الْمُضَارع، وبلفظ الْأَمر.
قَوْله: (فَكثر عَليّ النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُمْ لم يروني) ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: (أَنهم كَثُرُوا عَلَيْهِ يسألونه عَن سَبَب خُرُوجه من الشَّام، قَالَ: فخشي عُثْمَان على أهل الْمَدِينَة خشيَة مُعَاوِيَة على أهل الشَّام) .
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَلما قدم أَبُو ذَر الْمَدِينَة اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس يسألونه عَن الْقِصَّة، وَمَا جرى بَينه وَبَين مُعَاوِيَة، فَلَمَّا رأى أَبُو ذَر ذَلِك خَافَ أَن يعاتبه عُثْمَان فِي ذَلِك، فَذكر لَهُ كَثْرَة النَّاس وتعجبهم من حَاله كَأَنَّهُمْ لم يروه قطّ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: إِن كنت تخشى وُقُوع فتْنَة فاسكن مَكَانا قَرِيبا من الْمَدِينَة، فَنزل الربذَة، وَهُوَ معنى قَوْله إِن شِئْت تنحيت، من التنحي، وَهُوَ التباعد.
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: (فَقَالَ لَهُ: تَنَح قَرِيبا.
قَالَ: وَالله لن أدع مَا كنت أقوله) .
وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق وَرْقَاء عَن حُصَيْن بِلَفْظ: (فوَاللَّه لَا أدع مَا قلت) .
قَوْله: (وَلَو أمروا عَليّ) من التأمير.
قَوْله: (حَبَشِيًّا) ، وَفِي رِوَايَة وَرْقَاء (عبدا حَبَشِيًّا) ، أَرَادَ لَو أَمر الْخَلِيفَة عبدا حَبَشِيًّا لسمعت أمره وأطعت قَوْله، وروى أَحْمد وَأَبُو يعلى من طَرِيق أبي حَرْب بن أبي الْأسود عَن عَمه عَن أبي ذَر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: (كَيفَ تصنع إِذا أخرجت مِنْهُ؟) أَي: من الْمَسْجِد النَّبَوِيّ؟ (قَالَ: آتِي الشَّام.
قَالَ: كَيفَ تصنع إِذا أخرجت مِنْهَا؟ قَالَ أَعُود إِلَيْهِ) أَي: إِلَى الْمَسْجِد النَّبَوِيّ.
(قَالَ: كَيفَ تصنع إِذا أخرجت مِنْهُ؟ قَالَ أضْرب بسيفي.
قَالَ: أَلا أدلك على مَا هُوَ خير لَك من ذَلِك وَأقرب رشدا؟ تسمع وتطيع وتنساق لَهُم حَيْثُ ساقوك) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز الْأَخْذ للْإنْسَان بالشدة فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَإِن أدّى ذَلِك إِلَى فِرَاق وَطنه.
وَفِيه: أَنه يجوز للْإِمَام أَن يخرج من يتَوَقَّع بِبَقَائِهِ فتْنَة بَين النَّاس.
وَفِيه: ترك الْخُرُوج على الْأَئِمَّة والانقياد لَهُم، وَإِن كَانَ الصَّوَاب فِي خلافهم.
وَفِيه: جَوَاز الِاخْتِلَاف وَالِاجْتِهَاد فِي الآراء، أَلا ترى أَن عُثْمَان وَمن كَانَ بِحَضْرَتِهِ من الصَّحَابَة لم يردوا أَبَا ذَر عَن مذْهبه، وَلَا قَالُوا: إِنَّه لَا يجوز لَك اعْتِقَاد قَوْلك، لِأَن أَبَا ذَر نزع بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ، وَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا أحب أَن لي مثل أحد ذَهَبا أنفقهُ كُله إلاَّ ثَلَاثَة دَنَانِير.
.
) وَذَلِكَ حِين أنكر على أبي هُرَيْرَة نصل سَيْفه اسْتشْهد على ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ترك صفراء أَو بَيْضَاء كوي بهَا) .
وَهَذَا حجَّة فِي أَن الِاخْتِلَاف فِي الْعلم باقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يرْتَفع إلاَّ بِالْإِجْمَاع، وَفِيه ملاطفة الْأَئِمَّة الْعلمَاء فَإِن مُعَاوِيَة لم يَجْسُر على الْإِنْكَار على أبي ذَر حَتَّى كَاتب من هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي أَمر دينه.
وَفِيه: أَن عُثْمَان لم يخف على أبي ذَر مَعَ كَونه مُخَالفا لَهُ فِي تَأْوِيله.





[ قــ :1353 ... غــ :1407 ]
- حدَّثنا عَيَّاشٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الأعْلى قَالَ حدَّثنا الجُرَيْرِيُّ عنْ أبِي العَلاَءِ عنِ الأحْنَفِ ابنِ قَيْسٍ.
قَالَ جَلَسْتُ (ح) وحدَّثني إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الصَّمَدِ.
قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حَدثنَا الجرَيْرِيُّ قَالَ حَدثنَا أبُو العَلاءِ بنُ الشِّخِّيرِ أنَّ الأحْنَفَ بنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ.
قَالَ جَلَسْت إلَي مَلاَءٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ والثِّيَابِ وَالهَيْئَةِ حَتَّى قامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بَشِّرِ الكانِزِينَ بِرَضْفٍ يَحْمَى عَلَيْهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ علَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ ويُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إلَى سارِيَةٍ وتَبِعْتُهُ وجَلَسْتُ إلَيْهِ وَأنَا لَا أدْرِي منْ هُوَ فَقُلْتُ لَهُ لاَ أُرَى القَوْمَ إلاَّ قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ قَالَ إنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئا.
قَالَ لِي خَلِيلِي قَالَ.

قُلْتُ مَنْ خَلِيلُكَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أبَا ذَرٍّ أتُبْصِرُ أُحُدا قَالَ فَنَظَرْتُ إلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ وَأنَا أُرَى أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرْسِلُنِي فِي حاجَةٍ لَهُ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا أُحِبُّ أنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إلاَّ ثَلاَثَةَ دَنانِيرَ وَإنَّ هاؤُلاءِ لاَ يَعْقِلُونَ إنَّما يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لاَ وَالله لاَ أسْألُهُمْ دُنْيَا وَلاَ أسْتَفْتِيهِمْ عنْ دِينٍ حَتَّى ألقَى الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه وَعِيد للكانزين الَّذين لَا يؤدون الزَّكَاة، وَيفهم مِنْهُ الَّذِي يُؤَدِّيهَا لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الكانز الْمُسْتَحق للوعيد، وَلَا الَّذِي مَعَه يُسمى كنزا، لِأَنَّهُ أدّى زَكَاته فَدخل تَحت التَّرْجَمَة من هَذَا الْوَجْه.
فَافْهَم.

ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ مر فِي كتاب الْغسْل فِي: بابُُ الْجنب يخرج.
الثَّانِي: عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى أَبُو مُحَمَّد السَّامِي، بِالسِّين الْمُهْملَة.
الثَّالِث: سعيد ابْن إِيَاس الْجريرِي، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى، مر فِي: بابُُ كم بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة.
الرَّابِع: أَبُو الْعَلَاء يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن الشخير الْمعَافِرِي.
الْخَامِس: الْأَحْنَف، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَفِي آخِره فَاء مر فِي: بابُُ { وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) .
السَّادِس: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب.
السَّابِع: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث الثَّامِن أَبوهُ عبد الْوَارِث بن سعيد بن ذكْوَان الْعَنْبَري التَّمِيمِي.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي خَمْسَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِسْنَاد الأول الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء، وَفِي الْإِسْنَاد الثَّانِي الْجريرِي حَدثنَا أَبُو الْعَلَاء، وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْنَاد الأول أَو الْعَلَاء عَن الْأَحْنَف، وَفِي الثَّانِي صرح أَبُو الْعَلَاء بِالتَّحْدِيثِ عَن الْأَحْنَف.
فَإِن قلت: روى أَحْمد فِي (مُسْند) من حَدِيث أبي الْعَلَاء عَن أَخِيه مطرف عَن أبي ذَر طرفا من آخر هَذَا الحَدِيث قلت: لَيْسَ ذَاك بعلة لحَدِيث الْأَحْنَف، لِأَن حَدِيثه أتم سياقا وَأكْثر فَوَائِد، وَلَا مَانع أَن يكون لأبي الْعَلَاء شَيْخَانِ فِي هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه: أَن لفظ الْأَحْنَف لقب واسْمه فِيمَا ذكره المرزباني: صَخْر، قَالَ: وَهُوَ الثبت، وَيُقَال: الضَّحَّاك، وَيُقَال: الْحَارِث ابْن قيس، وَيُقَال: قيس.
.

     وَقَالَ  الْحَافِظ فِي (كتاب العرجان) : كَانَ أحنف من رجلَيْهِ جَمِيعًا وَلم يكن لَهُ إلاَّ بَيْضَة وَاحِدَة وَضرب على رَأسه بخراسان فماهت إِحْدَى عَيْنَيْهِ.
قَالَ:.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن: ولد مرتثقا ختار الأست حَتَّى شقّ وعولج.
وَفِي (لطائف المعارف) لأبي يُوسُف: كَانَ أصلع متراكب الْأَسْنَان مائل الذقن.
وَفِي (تَارِيخ الميتجاني) : كَانَ دميما قَصِيرا كوسجا.
.

     وَقَالَ  الْهَيْثَم بن عدي فِي (كتاب العوران) : ذهبت عينه بسمرقند.
وَفِي (الثِّقَات) لِابْنِ حبَان: ذهبت أحد عَيْنَيْهِ يَوْم الْحرَّة.
وَفِيه: أَن الروَاة كلهم بصريون.
وَفِيه: أَن ثَلَاثَة من الروَاة مذكورون بِلَا نِسْبَة، وَالْآخر مَذْكُور بِالنِّسْبَةِ.
وَالْآخر بالكنية وَالْآخر باللقب.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن شَيبَان بن فروخ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَلَست إِلَى مَلأ) أَي: انْتهى جلوسي إِلَى مَلأ، أَي: جمَاعَة، وَكلمَة: من، فِي: (من قُرَيْش) للْبَيَان مَعَ التَّبْعِيض.
قَوْله: (خشن الشّعْر) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة من الخشونة، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: حسن الشّعْر، بالمهملتين من الْحسن، وَالْأول أصح لِأَنَّهُ هُوَ اللَّائِق بزِي أبي ذَر وطريقته، وَعند مُسلم: أخشن الثِّيَاب أخشن الْجَسَد أخشن الْوَجْه، بخاء مُعْجمَة وشين.
وَعند ابْن الْحذاء فِي الآخر خَاصَّة: حسن الْوَجْه من الْحسن ضد الْقبْح وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان من طَرِيق حميد بن هِلَال عَن الْأَحْنَف: قدمت الْمَدِينَة فَدخلت مَسْجِدهَا إِذْ دخل رجل آدم طوال أَبيض الرَّأْس واللحية يشبه بعضه بَعْضًا، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو ذَر.
قَوْله: (حَتَّى قَامَ) أَي: حَتَّى وقف.
قَوْله: (بشّر الكانزين) ، بالنُّون وَالزَّاي، من: كنز يكنز، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: بشر الكنازين، بتَشْديد النُّون: جمع كناز مُبَالغَة كانز.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: وَعند الطَّبَرِيّ والهروي: الكاثرين، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالرَّاء من الْكَثْرَة، وَالْمَعْرُوف هُوَ الأول.
وَقَوله: بشر، من بابُُ التهكم، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} (آل عمرَان: 1، التَّوْبَة: 43، والانشقاق: 4) .
.

     وَقَالَ  عِيَاض: الصَّحِيح أَن إِنْكَار أبي ذَر كَانَ على السلاطين الَّذين يَأْخُذُونَ المَال من بَيته لأَنْفُسِهِمْ وَلَا ينفقونه فِي وَجهه.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا الَّذِي قَالَه عِيَاض بَاطِل، لِأَن السلاطين فِي زَمَنه لم تكن هَذِه صفتهمْ، وَلم يخونوا فِي بَيت المَال إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنه أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَتُوفِّي فِي زمن عُثْمَان سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: (برضف) ، بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره فَاء: وَهِي الْحِجَارَة المحماة.
وَاحِدهَا رضفة.
قَوْله: (فِي نَار جَهَنَّم) فِي جَهَنَّم مذهبان لأهل الْعَرَبيَّة: أَحدهمَا: أَنه اسْم أعجمي فَلَا ينْصَرف للعجمية والعلمية، قَالَ الواحدي: قَالَ يُونُس وَأكْثر النَّحْوِيين: هِيَ عجمية لَا تَنْصَرِف للتعريف والعجمة.
وَالْآخر: أَنه اسْم عَرَبِيّ سميت بِهِ لبغد قعرها جدا، وَلم ينْصَرف للعلمية والتأنيث، قَالَ قطرب: عَن رؤبة، يُقَال: بِئْر جهنام أَي: بعيدَة القعر.
.

     وَقَالَ  الواحدي: قَالَ بعض أهل اللُّغَة: هِيَ مُشْتَقَّة من الجهومة، وَهِي الغلظ.
يُقَال: جهم الْوَجْه أَي غليظه، فسميت جَهَنَّم لغلظ أمرهَا فِي الْعَذَاب.
قَوْله: (على حلمة ثدي أحدهم) ، الحلمة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَاللَّام: هُوَ مَا نشز من الثدي وَطَالَ، وَيُقَال لَهَا: قراد الصَّدْر، وَفِي (الْمُحكم) : حلمتا الثديين: طرفاهما.
وَعَن الْأَصْمَعِي: هُوَ رَأس الثدي من الْمَرْأَة وَالرجل.
وَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز اسْتِعْمَال الثدي للرِّجَال وَهُوَ الصَّحِيح،.

     وَقَالَ  العسكري فِي (الفصيح) ؛ لَا يُقَال ثدي إلاَّ فِي الْمَرْأَة، وَيُقَال فِي الرجل تندوة، والثدي يذكر وَيُؤَنث قَوْله: (من نغض كتفه) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة: وَهُوَ الْعظم الرَّقِيق الَّذِي على طرف الْكَتف، وَقيل: هُوَ أَعلَى الْكَتف، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: الناغض.
وَفِي (الْمُخَصّص) : النغض تحرّك الغضروف، نغضت كتفه نغوضا ونغاضا ونغضانا.
وَيُقَال: طعنه فِي نغض كتفه، ومرجع كتفه وَهُوَ حَيْثُ يَتَحَرَّك الغضروف مِمَّا يَلِي إبطه فِي كتفه.
.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: قرع الْكَتف مَا تحرّك مِنْهَا وَعلا، وَالْجمع فروع، ونغضها حَيْثُ يَجِيء فرعها، وَيذْهب.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ أَعلَى مُنْقَطع الغضروف من الْكَتف.
وَقيل: النغضان اللَّتَان ينغضان من أَسْفَل الْكَتف فيتحركان إِذا مَشى.
.

     وَقَالَ  شمر: هُوَ من الْإِنْسَان أصل الْعُنُق حَيْثُ ينغض رَأسه، ونغض الْكَتف هُوَ الْعظم الرَّقِيق على طرفها.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: نغض الْكَتف الشاخص من الْكَتف، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّك من الْإِنْسَان فِي مَشْيه.
قَوْله: (يتزلزل) أَي: يَتَحَرَّك ويضطرب الرضف من نغض كتفه حَتَّى يخرج من حلمة ثديه، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فيتجلجل بجيمين، وَهُوَ بِمَعْنى الأول، وَفِي بعض النّسخ حَتَّى يخرج من حلمة ثدييه، بالتثنية فِي الثَّانِي والإفراد فِي الأول.
قَوْله: (ثمَّ ولى) أَي: أدبر قَوْله (سَارِيَة) وَهِي الاسطوانة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَوضع الْقَوْم رُؤْسهمْ فَمَا رَأَيْت أحدا مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئا قَالَ فادبر فاتبعته حَتَّى جلس إِلَى سَارِيَة) .
قَوْله: (وَأَنا لَا أَدْرِي من هُوَ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم زِيَادَة من طَرِيق خُلَيْد العصري عَن الْأَحْنَف، وَهِي: (فَقلت: من هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو ذَر، فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت: مَا شَيْء سَمِعتك تَقوله؟ قَالَ: مَا قلت إلاَّ شَيْئا سمعته من نَبِيّهم، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَفِي هَذِه الزِّيَادَة رد لقَوْل من يَقُول: إِنَّه مَوْقُوف على أبي ذَر، فَلَا يكون حجَّة على غَيره.
وَفِي (مُسْند أَحْمد) من طَرِيق يزِيد الْبَاهِلِيّ: (عَن الْأَحْنَف: كنت بِالْمَدِينَةِ فَإِذا أَنا بِرَجُل يفر مِنْهُ النَّاس حِين يرونه، قلت: من أَنْت؟ قَالَ: أَبُو ذَر.
قلت: مَا نفر النَّاس مِنْك؟ قَالَ: إِنِّي أنهاهم عَن الْكُنُوز الَّتِي كَانَ ينهاهم عَنْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
قَوْله: قلت: بِفَتْح التَّاء، خطاب لأبي ذَر.
قَوْله: (قَالَ) أَي: أَبُو ذَر: (إِنَّهُم لَا يعْقلُونَ شَيْئا) ، فسر ذَلِك فِي الْأَخير بقوله: (إِنَّمَا يجمعُونَ الدُّنْيَا) ، فَالَّذِينَ يجمعُونَ الدُّنْيَا لَا يفهمون كَلَام من ينهاهم عَن الْكُنُوز.
قَوْله: (قَالَ لي خليلي) أَرَادَ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ بَينه بقوله، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: قَالَ أَبُو ذَر: خليلي هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وفاعل: قَالَ، هُوَ أَبُو ذَر.
وَقَوله: (النَّبِي) ، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (يَا أَبَا ذَر) ، تَقْدِيره: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا ذَر، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن بطال: سقط كلمة من الْكتاب، وَهِي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَر أتبصر أُحدا؟ هُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لفظ يَا أَبَا ذَر يتَعَلَّق بقوله: (قَالَ لي خليلي) .
قلت: فعلى قَوْله لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير.
قَوْله: (مَا بَقِي من النَّهَار) ، أَي: أَي شَيْء بَقِي من النَّهَار.
قَوْله: (وَأَنا أرى) ، أَي: أَظن.
قَوْله: (قلت: نعم) ، جَوَاب لقَوْله: (أتبصر أُحُدا) قَوْله: (مثل أحد) إِمَّا خبر لِأَن، وَإِمَّا حَال مقدم على الْخَبَر.
وانتصاب (ذَهَبا) على التَّمْيِيز.
قَوْله: (انفقه كُله) أَي: كل مثل أحد ذَهَبا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله يستحسن، فَلم مَا أحبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: المُرَاد أنفقهُ لخاصة نَفسه، أَو المُرَاد أنفقهُ فِي سَبِيل الله وَعدم الْمحبَّة، إِنَّمَا هُوَ للاستثناء الَّذِي فِيهِ.
أَي: مَا أحب إلاَّ إِنْفَاق الْكل.
قَوْله: (إلاَّ ثَلَاثَة دَنَانِير) ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الدَّنَانِير الثَّلَاثَة المؤخرة: وَاحِد لأَهله وَآخر لعتق رَقَبَة وَآخر لدين.
.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن هَذَا الْمِقْدَار كَانَ دينا أَو مِقْدَار كِفَايَة إخراجات تِلْكَ اللَّيْلَة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَإِن هَؤُلَاءِ لَا يعْقلُونَ) ، عطف على: إِنَّهُم لَا يعْقلُونَ شَيْئا، وَلَيْسَ من تَتِمَّة كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هُوَ من كَلَام أبي ذَر، وَكرر للتَّأْكِيد ولربط مَا بعده عَلَيْهِ.
قَوْله: (إِنَّمَا يجمعُونَ الدُّنْيَا) قد قُلْنَا: إِن هَذَا بَيَان لقَوْله: (إِنَّهُم لَا يعْقلُونَ شَيْئا) .
قَوْله: (لَا أسألهم دنيا) ، أَي: لَا أطمع فِي دنياهم.
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (قلت مَالك لإخوانك من قُرَيْش لَا تعتريهم وَلَا تصيب مِنْهُم، قَالَ: وَرَبك لَا أسألهم دنيا) إِلَى آخِره.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (لَا أسألهم عَن دنيا) .
قَالَ النَّوَوِيّ: الأجود حذف: عَن، كَمَا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، (ثمَّ قَالَ: لَا أسألهم شَيْئا من متاعها) .
قَوْله: (لَا تعتريهم) أَي: تأتيهم وتطلب مِنْهُم.
قَوْله: (وَلَا استفتيهم عَن دين) ، أَي: لَا أسألهم عَن أَحْكَام الدّين أَي: أقنع بالبلغة من الدُّنْيَا وأرضى باليسير مِمَّا سَمِعت من الْعلم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: زهد أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ من مذْهبه أَنه يحرم على الْإِنْسَان إدخار مَا زَاد على حَاجته.
وَفِيه: أَن أَبَا ذَر ذهب إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر لفظ: { وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} (التَّوْبَة: 43) .
إِذْ الْكَنْز فِي اللُّغَة: المَال المدفون.
سَوَاء أدّيت زَكَاته أم لَا.
وَفِي قَوْله: (إِنَّمَا يجمعُونَ الدُّنْيَا) دَلِيل على أَن الْكَنْز عِنْده جمع المَال.
وَفِيه: وَعِيد شَدِيد لمن لَا يُؤَدِّي زَكَاته.
وَفِيه: تكنية الشَّارِع لأَصْحَابه، و: الذَّر، جمع ذرة وَهِي: النملة الصَّغِيرَة، وَذكر أَن أَبَا ذَر لما أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انْصَرف إِلَى قومه فَأَتَاهُ بعد مُدَّة فَتوهم اسْمه فَقَالَ: أَنْت أَبُو نملة.
قَالَ أَبُو ذَر: يَا رَسُول الله، بل أَبُو ذَر.
وَقد ذكرنَا أَن اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة.
وَفِيه: فِي قَوْله: أتبصر أُحدا؟ إِلَى آخِره، مثل لتعجيل الزَّكَاة، يَقُول: مَا أحب أَن أحبس مَا أوجبه الله بِقدر مَا بَقِي من النَّهَار.
وَفِيه: مَا يشْعر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُرْسل أفاضل أَصْحَابه فِي حَاجته يفضلهم بذلك، لِأَنَّهُ يصير رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِيه: مَا يشْهد لما، قَالَ سَحْنُون: ترك الدُّنْيَا زهدا أفضل من كسبها من الْحَلَال وإنفاقها فِي سَبِيل الله.
وَفِيه: نفي الْعقل عَن الْعُقَلَاء.