فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الجهر في المغرب

(بابُُ الجَهْرِ فِي المَغْرِبِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم جهر الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْمغرب، وَاعْتِرَاض ابْن الْمُنِير على هَذِه التَّرْجَمَة وَالَّتِي بعْدهَا: بِأَن الْجَهْر فيهمَا لَا خلاف فِيهِ سَاقِط، لِأَن البُخَارِيّ وضع كِتَابه لبَيَان الْأَحْكَام من حَيْثُ هِيَ مُطلقًا، وَلم يقصره على بَيَان الخلافيات.



[ قــ :744 ... غــ :765 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأ فِي المَغْرِبِ بالطُّورِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي الْمصْرِيّ، وَمَالك بن أنس، وَمُحَمّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن جُبَير، بِضَم الْجِيم: ابْن مطعم، بِضَم الْمِيم وَكسر الْعين، وَأَبوهُ جُبَير بن مطعم بن عدي قد مر فِي: بابُُ من أَفَاضَ فِي كتاب الْغسْل.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع، وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مصري ومدني.
وَفِيه: عَن مُحَمَّد بن جُبَير، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق سُفْيَان: عَن الزُّهْرِيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن جُبَير.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن مَحْمُود، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَعَن الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك، وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب، وَعَن حَرْمَلَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد بن حميد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين.
وَأخرجه ابْن مَاجَه مُحَمَّد بن الصَّباح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَرَأَ) وَفِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر: (يقْرَأ) ، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَكَذَا هُوَ فِي (الْمُوَطَّأ) .
قَوْله: (فِي الْمغرب) أَي: فِي صَلَاة الْمغرب.
قَوْله: (بِالطورِ) أَي: بِسُورَة الطّور.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: يجوز أَن يُرِيد بقوله: (وَالطور) قَرَأَ بِبَعْضِهَا، وَذَلِكَ جَائِز فِي اللُّغَة، يُقَال: فلَان قَرَأَ الْقُرْآن إِذا قَرَأَ بعضه، وَيحْتَمل قَرَأَ بِالطورِ قَرَأَ بكلها، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك: هَل يرْوى فِيهِ شَيْء يدل على أحد التَّأْويلَيْنِ؟ فَإِذا صَالح بن عبد الرَّحْمَن وَابْن أبي دَاوُد قد حدثانا قَالَا: نَا سعيد بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه، قَالَ: (قدمت الْمَدِينَة على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأكلمه فِي أُسَارَى بدر، فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي أَصْحَابه صَلَاة الْمغرب فَسَمعته يَقُول: { إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} (الطّور: 7) .
فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي، فَلَمَّا فرغ كَلمته فيهم فَقَالَ شيخ: لَو كَانَ أَتَانِي لشفعته فيهم) .
يَعْنِي: أَبَاهُ مطعم بن عدي، فَهَذَا هشيم قد روى هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ، فَبين الْقِصَّة على وَجههَا، وَأخْبر أَن الَّذِي سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ قَوْله عز وَجل: { إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} (الطّور: 7) .
فَبين هَذَا أَن قَوْله فِي الحَدِيث الأول: (قَرَأَ بِالطورِ) إِنَّمَا هُوَ مَا سَمعه يَقْرَؤُهُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لفظ جُبَير إلاّ مَا روى هشيم، لِأَنَّهُ سَاق الْقِصَّة على وَجههَا، فَصَارَ مَا حكى فِيهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ قِرَاءَته: { إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} (الطّور: 7) .
خَاصَّة.
انْتهى.

وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ نظر فِي مَوَاضِع: الأول: لما رَوَاهُ ابْن مَاجَه: (فَلَمَّا سمعته يقْرَأ { أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ} (الطّور: 35) .
إِلَى قَوْله: { فليأت مستمعهم بسُلْطَان مُبين} (الطّور: 38) .
كَاد قلبِي يطير) .
وَلما رَوَاهُ السراج فِي كِتَابه بِسَنَد صَحِيح: (سمعته يقْرَأ فِي الْمغرب { بِالطورِ وَكتاب مسطور فِي رق منشور} (الطّور: 1 و 3) .
الثَّانِي: قَوْله: (رَوَاهُ هشيم عَن الزُّهْرِيّ) ، وَخَالفهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الصَّغِير) ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه عَن جده،.

     وَقَالَ : لم يروه عَن إِبْرَاهِيم إلاّ هشيم، تفرد بِهِ عُرْوَة بن سعيد الربعِي وَهُوَ ثقاة، الثَّالِث: قَوْله: (قَالَ جُبَير: فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي) فِيهِ نظر، لما ذكره مُحَمَّد بن سعد من حَدِيث نَافِع ابْنه عَنهُ، قَالَ: (قدمت فِي فدَاء أُسَارَى بدر، فاضطجعت فِي الْمَسْجِد بعد الْعَصْر، وَقد أصابني الْكرَى، فَنمت، فأقيمت صَلَاة الْمغرب فَقُمْت فَزعًا بِقِرَاءَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْمغرب: { بِالطورِ وَكتاب مسطور} (الطّور: 1 و 3) .
فَاسْتَمَعْت قِرَاءَته حَتَّى خرجت من الْمَسْجِد، وَكَانَ يَوْمئِذٍ أول مَا دخل الْإِسْلَام قلبِي) انْتهى.
قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ أصح من غَيره، وَفِي (الِاسْتِيعَاب) روى جمَاعَة من أَصْحَاب ابْن شهَاب عَنهُ: عَن مُحَمَّد بن جُبَير عَن أَبِيه: الْمغرب وَالْعشَاء، وَزعم الدَّارَقُطْنِيّ أَن رِوَايَة من روى عَن ابْن شهَاب عَن نَافِع بن جُبَير وهم.

وَأما الطّور فَعَن ابْن عَبَّاس: الطّور الْجَبَل الَّذِي كلم الله، عز وَجل، مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَلَيْهِ لُغَة سريانية.
وَفِي (الْمُحكم) : الطّور الْجَبَل، وَقد غلب طور سيناء، على جبل بِالشَّام، وَهُوَ بالسُّرْيَانيَّة: طورى، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ: طوري وطوراني، وَزعم أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: أَنه جبل بِبَيْت الْمُقَدّس ممتد مَا بَين مصر وأيلة سمي بطور إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ طور سيناء وطور سينين، وَفِي (الْمُتَّفق وضعا والمختلف صنفا) اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: هُوَ جبل بِقرب أَيْلَة: وَقيل: هُوَ جبل بِالشَّام، وَأما طور زيتا، بِالْقصرِ، فجبل بِقرب رَأس عين، وببيت الْمُقَدّس أَيْضا جبل يعرف: بطور زيتا، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الحَدِيث: (مَاتَ بطور زيتا سَبْعُونَ ألف نَبِي كلهم قَتلهمْ الْجُوع) .
وَهُوَ شَرْقي وَادي سلوان، وعَلى مَدِينَة طبرية يُقَال لَهُ: الطّور، مطل عَلَيْهَا، وبأرض مصر جبل يُقَال لَهُ: الطّور بَين مصر وفاران، يشْتَمل على عدَّة قرى، وطور عَبْدَيْنِ: اسْم بليدَة بنواحي نَصِيبين، وَفِي قبلي الْبَيْت الْمُقَدّس جبل عَال يُقَال لَهُ: الطّور، فِيهِ فِيمَا يُقَال قبر هَارُون، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: أَن الْقِرَاءَة فِي صَلَاة الْمغرب جهرية، وَلذَلِك وضع البُخَارِيّ الْبابُُ، فَإِن أسر فِيهَا إِن كَانَ عمدا يكون تَارِكًا للسّنة، وَإِن كَانَ سَهوا يجب عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو.
وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب، وَقد ذكرنَا أَن قِرَاءَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست كَقِرَاءَة غَيره، وَله أَحْوَال فِي ذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ.
مِنْهَا: أَن قِرَاءَته فِي الْمغرب بِالطورِ وَنَحْوهَا يجوز أَن تكون لبَيَان الْجَوَاز.
وَمِنْهَا: أَن تكون لعلمه بِعَدَمِ الْمَشَقَّة، ألاَ ترى كَيفَ أنكر على معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما طول الصَّلَاة بافتتاحه بِسُورَة الْبَقَرَة، فَقَالَ لَهُ: (أفتان أَنْت يَا معَاذ؟ قَالَهَا مرَّتَيْنِ، لَو قَرَأت بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَالشَّمْس وَضُحَاهَا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي خَلفك ذُو الْحَاجة والضعيف وَالصَّغِير وَالْكَبِير) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي مَوْضِعه.
وَفِيه: احتجاج من ذهب إِلَى أَن الْمُسْتَحبّ قِرَاءَة السُّور الَّتِي قَرَأَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي الْبابُُ السَّاب