فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قصة أبي طالب

( بابُُ قِصةِ أبي طالِبٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان قصَّة أبي طَالب واسْمه عبد منَاف واشتهر بكنيته، وَهُوَ شَقِيق وَالِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلذَلِك أوصى بِهِ عبد الْمطلب عِنْد مَوته إِلَيْهِ فَكَفَلَهُ إِلَى أَن كبر وَاسْتمرّ على نَصره بعد أَن بعث إِلَى أَن مَاتَ قبل الْهِجْرَة، وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسُونَ سنة إلاَّ ثَلَاثَة أشهر وأياماً، وَيُقَال: مَاتَ بعد خُرُوجهمْ من الشّعب وَذَلِكَ فِي آخر السّنة الْعَاشِرَة.



[ قــ :3704 ... غــ :3883 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ حدَّثنا عبْدُ الله بنُ الحارِثِ حدَّثنا العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أغْنَيْتَ عنْ عَمِّكَ فإنَّهُ كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لكَ قَالَ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نارٍ ولَوْلاَ أنَا لَكانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بعض قصَّة أبي طَالب، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَعبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وعباس عَم جده.

والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن أبي بكر وَعبيد الله بن عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الْملك وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن يحيى.

قَوْله: ( مَا أغنيت عَن عمك) ، أَي: أَي شَيْء دَفعته عَنهُ وماذا نفعته؟ قَوْله: ( يحوطك) ، من حاطه إِذا صانه وَحفظه وذب عَنهُ وتوفر على مَصَالِحه.
قَوْله: ( فِي ضحضاح) ، بِفَتْح الضادين المعجمتين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة الأولى، وَهُوَ قريب القعر، وضحضح الشَّرَاب إِذا دق، وَيُقَال: هُوَ اسْتِعَارَة، فَإِن الضحضاح من المَاء مَا يبلغ الكعب، وَيُقَال أَيْضا لما قرب من المَاء، وَالْمعْنَى أَنه خفف عَنهُ الْعَذَاب.
وروى الْبَزَّار من حَدِيث جَابر، قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل نَفَعت أَبَا طَالب؟ قَالَ: أخرجته من النَّار إِلَى ضحضاح مِنْهَا.
قَوْله: ( فِي الدَّرك) ، بِفَتْح الرَّاء وسكونها وَفِيه التَّصْرِيح بتفاوت عَذَاب أهل النَّار، فَإِن قلت: أَعمال الْكَفَرَة هباء منثوراً لَا فَائِدَة فِيهَا.
قلت: هَذَا النَّفْع من بركَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخصائصه.
فَإِن قلت: روى ابْن إِسْحَاق من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن أَبَا طَالب لما تقَارب مِنْهُ الْمَوْت بعد أَن عرض عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله، فَأبى، فَنظر الْعَبَّاس إِلَيْهِ وَهُوَ يُحَرك شَفَتَيْه فأصغى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْن أخي! وَالله لقد قَالَ أخي الْكَلِمَة الَّتِي أَمرته أَن يَقُولهَا.
قلت: فِي سَنَده من لم يسم، وَلَو كَانَ صَحِيحا لعارضه حَدِيث الْبابُُ لِأَنَّهُ أصح مِنْهُ، فضلا عَن أَنه لم يَصح.





[ قــ :3705 ... غــ :3884 ]
- حدَّثنا مَحْمُودٌ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخْبَرَنا معْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ أنَّ أَبَا طالِبٍ لَّما حضَرَتْهُ الوَفاةُ دخَلَ علَيْهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ فَقالَ أيْ عَمِّ قُلْ لَا إلاه إلاَّ الله كَلِمَةَ أُحاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله فَقَالَ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ الله بنُ أبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أتَرْغَبُ عنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فلَمْ يَزالا يُكَلِّمَانِهِ حتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كُلَّمهُمْ بِهِ علَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عنْهُ فنَزَلَتْ { مَا كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أولِي قُرْبَى منْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيم} ( التَّوْبَة: 113) .
فنَزَلَتْ { مَا كَانَ للنَّبِي} الْآيَة قيل فِي نزُول هَذِه الْآيَة فِي هَذِه الْقِصَّة نظر لِأَنَّهَا عَامَّة فِي حَقه وَحقّ غَيره قَوْله { إنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ} ( الْقَصَص: 56) .
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ومحمود هُوَ ابْن غيلَان أَبُو أَحْمد الْعَدوي الْمروزِي، وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد يروي عَن أَبِيه الْمسيب ابْن حزن بن أبي وهب الْقرشِي المَخْزُومِي، وَقيل: قَالَ الْحفاظ: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ سعيد، وَالْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ أَنه لَا يروي عَمَّن لَهُ راوٍ وَاحِد.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

قَوْله: ( لما حَضرته الْوَفَاة) ، أَي: قربت وَفَاته وَظَهَرت علاماتها وَذَلِكَ قبل النزع والغرغرة.
قَوْله: ( وَعِنْده أَبُو جهل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَأَبُو جهل هُوَ عَمْرو ابْن هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي، عَدو الله فِرْعَوْن هَذِه الْأمة.
قَوْله: ( أَي عَم) ، أَي: يَا عمي.
قَوْله: ( كلمة) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ بدل من مقول القَوْل الَّذِي هُوَ: لَا إلاه إلاَّ الله.
قَوْله: ( أحاجّ) ، بتَشْديد الْجِيم، وَأَصله: أحاجج، وَقد تقدم فِي آخر الْجَنَائِز بِلَفْظ: أشهد لَك بهَا عِنْد الله.
قَوْله: ( بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة.
قَوْله: ( وَعبد الله بن أبي أُميَّة) ، هُوَ ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم، وَهُوَ أَخُو أم سَلمَة الَّتِي تزَوجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك، وَقد أسلم عبد الله هَذَا يَوْم الْفَتْح، وَقيل: قبل الْفَتْح، وَاسْتشْهدَ فِي تِلْكَ السّنة فِي غَزْوَة حنين.
قَوْله: ( أترغب؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( فَلم يَزَالَا) أَي: أَبُو جهل وَعبد الله الْمَذْكُور.
قَوْله: ( يكلمانه) ، ويروى: يُكَلِّمَاهُ، بِإِسْقَاط النُّون على لُغَة قَليلَة قَوْله: ( على مِلَّة) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا على مِلَّة عبد الْمطلب أَي: على مَا كَانَ يَعْتَقِدهُ من غير دين الْإِسْلَام.
قَوْله: ( مَا لم أُنْهَ) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: مَا لم ينهني الله عَنهُ، أَي: عَن الاسْتِغْفَار الْمَذْكُور الَّذِي دلّ عَلَيْهِ.
قَوْله: ( لأَسْتَغْفِرَن لَك) قَوْله: وَنزلت: { إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} ( الْقَصَص: 56) .
هَذَا ظَاهر أَنه نزل فِي قصَّة أبي طَالب، وروى أَحْمد من طَرِيق أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة أبي طَالب، قَالَ: فَأنْزل الله: { إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} ( الْقَصَص: 56) .
وَهَذَا كُله ظَاهر على أَنه مَاتَ على غير الْإِسْلَام.
فَإِن قلت: ذكر السُّهيْلي أَنه رأى فِي بعض كتب المَسْعُودِيّ أَنه أسلم.
قلت: مثل هَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الصَّحِيح، وَالله أعلم.





[ قــ :3706 ... غــ :3885 ]
- حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ حدَّثني سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ أوْ قَالَ حدَّثني الحَكَمُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ أمرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبْزَى قَالَ سَلِ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أمْرُهُمَا: { ولاَ تَقْتُلُوا النَّفُسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إلاَّ بالحَقِّ} ( الْفرْقَان: 86) .
وَ { مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} ( النِّسَاء: 39) .
فسَألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله ودَعَوْنَا مَعَ الله إلاهَاً آخرَ وقَدْ أتَيْنَا الفَوَاحِشَ فأنْزَلَ الله إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ الآيَةَ فَهَذِهِ لأِولَئِكَ وأمَّا الَّتِي فِي النِّساءِ الرَّجُلُ إذَا عَرَفَ الإسْلاَمَ وشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خالِدَاً فِيهَا فذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ إلاَّ مَنْ نَدِمَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( مشركو أهل مَكَّة: فقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله) لِأَنَّهُ لم يَك فِي إيصالهم الْأَذَى للْمُسلمين أَشد من قَتلهمْ وتعذيبهم إيَّاهُم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ أَي من هَذَا الحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى أَن صَنِيع الْمُشْركين بِالْمُسْلِمين من الْقَتْل والتعذيب وَغير ذَلِك يسْقط عَنْهُم بِالْإِسْلَامِ.
انْتهى.
قلت: أَرَادَ بذلك بَيَان وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكره أصلا، لِأَن التَّرْجَمَة لَيست بمعقودة لما ذكره.

وَعُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو شيبَة اسْمه إِبْرَاهِيم وَهُوَ جدهما لِأَنَّهُمَا ابْنا مُحَمَّد بن أبي شيبَة، وَكِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْحكم، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف: هُوَ ابْن عتيبة الْكُوفِي وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي مَقْصُورا: مولى خُزَاعَة كُوفِي أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصلى خَلفه، مر فِي التَّيَمُّم.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن آدم وَعَن عَبْدَانِ وَعَن سعد بن حَفْص، وَحَدِيثه أتم.
وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَعَن هَارُون بن عبد الله.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن عَن يُوسُف بن مُوسَى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ.

قَوْله: ( أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم) أَي: أَو قَالَ مَنْصُور: حَدثنِي الحكم بن عتيبة عَن سعيد بن جُبَير، الْحَاصِل أَن منصوراً شكّ فِي رِوَايَته بَين سعيد وَبَين الحكم حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي سعيد بن جُبَير، أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم عَن سعيد بن جُبَير.
قَوْله: ( مَا أَمرهمَا) أَي: مَا التَّوْفِيق بَينهمَا حَيْثُ دلّت الأولى على الْعَفو عِنْد التَّوْبَة، وَالثَّانيَِة على وجوب الْجَزَاء مُطلقًا.
قَوْله: ( وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِى حرم الله إلاَّ بِالْحَقِّ) ، كَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، وَالَّذِي وَقع فِي التِّلَاوَة وَهُوَ: { وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاَّ بِالْحَقِّ} ( الْفرْقَان: 86) .
كَذَا فِي سُورَة الْفرْقَان.
قَوْله: ( قَالَ: لما أنزلت) جَوَاب ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَن الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وَهِي الأولى فِي حق الْكفَّار، وَالَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء وَهِي الثَّانِيَة فِي حق الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: أَمرنِي عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى أَن أسأَل ابْن عَبَّاس عَن هَاتين الْآيَتَيْنِ: { وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} ( النِّسَاء: 39) .
فَسَأَلته فَقَالَ: لم ينسخها شَيْء، وَعَن هَذِه الْآيَة: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاَّ بِالْحَقِّ} ( الْفرْقَان: 86) .
نزلت فِي أهل الشّرك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} إِلَى قَوْله: { فِيهِ مهانا} ( الْفرْقَان: 86) .
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: وَمَا يُغني عَنَّا الْإِسْلَام وَقد عدلنا بِاللَّه وَقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله، وآتينا الْفَوَاحِش.
فَأنْزل الله تَعَالَى: { إلاَّ من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا ... } ( الْفرْقَان: 07) .
إِلَى آخر الْآيَة، قَالَ: فَأَما من دخل فِي الْإِسْلَام وعقل ثمَّ قتل فَلَا تَوْبَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَلِمَنْ قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: فتلوت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاَّ بِالْحَقِّ} ( الْفرْقَان: 86) .
إِلَى آخر الْآيَة.
قَالَ: هَذِه آيَة مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة: { وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} ( النِّسَاء: 39) .
وَحَاصِل الْكَلَام أَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: إِن قَاتل النَّفس عمدا بِغَيْر حق لَا تَوْبَة لَهُ، وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى: { وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} ( النِّسَاء: 39) .
ادّعى أَن هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة نسخت هَذِه الْآيَة المكية، وَهِي: { وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} ( الْفرْقَان: 86) .
الْآيَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنهُ أَن لَهُ تَوْبَة، وَجَوَاز الْمَغْفِرَة لَهُ لقَوْله تَعَالَى: { وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} ( النِّسَاء: 011) .
وَهَذِه الرِّوَايَة الثَّانِيَة هِيَ مَذْهَب جَمِيع أهل السّنة وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ.
قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا رُوِيَ عَن بعض السّلف مِمَّا يُخَالف هَذَا فَمَحْمُول على التَّغْلِيظ والتحذير من الْقَتْل، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي احْتج بهَا ابْن عَبَّاس تَصْرِيح بِأَنَّهُ يخلد، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنه جَزَاؤُهُ، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يجازى.
قَوْله: ( فَذَكرته لمجاهد) أَي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى: فَذكرت الحَدِيث لمجاهد بن جُبَير ( فَقَالَ: إِلَّا من نَدم) يَعْنِي: قَالَ الْآيَة الثَّانِيَة مُطلقَة فتقيد بقوله: إلاَّ من نَدم، إلاَّ من تَابَ حملا للمطلق على الْمُقَيد.





[ قــ :3706 ... غــ :3885 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ حدَّثنا ابنُ الْهادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذُكِرَ عِنْدَهُ عَمَّهُ فَقال لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلي مِنْهُ دِماغُهُ.
( الحَدِيث 3885 طرفه فِي: 6564) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه من جملَة قصَّة مَا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث، وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة ابْن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خبابُ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك بن سِنَان الْخُدْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ.
قَوْله: ( وَذكر عِنْده) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يُؤْخَذ من الحَدِيث الأول أَن الذاكر هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، لِأَنَّهُ الَّذِي سَأَلَ عَن ذَلِك.
قلت: لَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الذاكر هُوَ الْعَبَّاس لاحْتِمَال أَن يكون الذاكر غَيره.
قَوْله: ( يبلغ كعبيه) قَالَ السُّهيْلي: الْحِكْمَة فِيهِ أَن أَبَا طَالب كَانَ تَابعا لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بجملته إلاَّ أَنه اسْتمرّ ثَابت الْقدَم على دين قومه، فَسلط الْعَذَاب على قَدَمَيْهِ خَاصَّة لتثبيته إيَّاهُمَا على دين قومه.





[ قــ :3706 ... غــ :3885 ]
- ( حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة حَدثنَا ابْن أبي حَازِم والدراوردي عَن يزِيد بِهَذَا.

     وَقَالَ  تغلي مِنْهُ أم دماغه)
هَذَا طَرِيق آخر عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أبي اسحق الربيري الْأَسدي الْمَدِينِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم واسْمه سَلمَة بن دِينَار والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد روى لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ هُنَا وَفِي مَوَاضِع وروى لَهُ مُسلم وَكِلَاهُمَا يرويان عَن يزِيد بن الْهَاد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق قَوْله بِهَذَا أَي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَلَفظه تغلي مِنْهُ أم دماغه أَي أصل دماغه.

     وَقَالَ  الدَّرَاورْدِي المُرَاد أم رَأسه وَأطلق على الرَّأْس الدِّمَاغ من تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يُقَارِبه وَجَاء فِي الرقَاق من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير نَحوه وَفِي آخِره كَمَا يغلي الْمرجل بالقمقم والمرجل بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم الْإِنَاء الَّذِي يغلي فِيهِ المَاء وَغَيره والقمقم بِضَم القافين وَسُكُون الْجِيم الأولى مَعْرُوف وَهُوَ الَّذِي يسخن فِيهِ المَاء قَالَ ابْن الْأَثِير كَذَا وَقع كَمَا يغلي الْمرجل والقمقم وَهَذَا أوضح إِن صحت الرِّوَايَة وَقيل يحْتَمل أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى مَعَ وَقيل القمقم هُوَ الْبُسْر كَانُوا يغلونه على النَّار استعجالا لنضجه فَإِن ثَبت هَذَا فَلَا يبْقى إِشْكَال وَفِيه دَلِيل على أَن الْعَذَاب متفاوت وَجَاء فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أَهْون أهل النَّار عذَابا من ينتعل نَعْلَيْنِ من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه حَتَّى يسيل على قَدَمَيْهِ