فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟

( بابٌُ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّساءِ يَوْمٌ علَى حِدَةٍ فِي العِلْم)

أَي: هَذَا بابُُ، وَهُوَ منون، وَهل، للاستفهام: و: يَجْعَل، على صِيغَة الْمَجْهُول.
و: وَيَوْم، بِالرَّفْع مفعول لَهُ نَاب عَن الْفَاعِل، وَهَذِه رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة؛ وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: يَجْعَل، على صِيغَة الْمَعْلُوم.
أَي: يَجْعَل الإِمَام.
و: يَوْمًا، بِالنّصب مَفْعُوله.
قَوْله: ( على حِدة) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الدَّال، أَي: على انْفِرَاده، وَهُوَ على وزن الْعدة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: تَقول أعْط كل وَاحِد مِنْهُم على حِدة، أَي: على حياله، وَالْهَاء عوض من الْوَاو.
قلت: لِأَنَّهُ من: وحد يحد وحوداً ووحودة ووحداً ووحدة وحدة.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ السَّابِق هُوَ كَيْفيَّة قبض الْعلم، وَمن فَوَائده الْحَث على حفظ الْعلم، وَمن فَوَائِد حَدِيث هَذَا الْبابُُ أَيْضا الْحَث على حفظ الْعلم، وَذَلِكَ أَن النِّسَاء لما سألن رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يَجْعَل لَهُنَّ يَوْمًا، ووعدهن يَوْمًا يَأْتِي إلَيْهِنَّ فِيهِ، أَتَاهُنَّ فِيهِ وحثهن على حفظ الْعلم، وَهَذَا الْقدر كافٍ فِي رِعَايَة الْمُنَاسبَة.

[ قــ :101 ... غــ :101 ]
- حدّثنا آدَمُ قالَ: حَدثنَا شُعْبَةُ قالَ: حدّثني ابنُ الأصبْهَانِيِّ قالَ: سَمعْتُ أَبَا صالِحٍ ذَكْوان يَحُدِّثُ عنْ أبي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ: قالَتِ النِّساءُ للنِّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غَلَبنا عَلَيْكَ الرِّجالُ فاجْعَلْ لنَا يَوْماً مِنْ نَفْسكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْماً لَقِيَهُنَّ فيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأمَرَهُنَّ.
فَكانَ فِيما قالَ لَهُنَّ: ( مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقدِّمُ ثَلاثَةً مِنْ وَلَدِها إلاَّ كانَ لَها حِجاباً مِنَ النَّار) فَقالَتِ امْرَأَةٌ: واثنَيْنِ؟ قَالَ: ( واثْنَيْنِ) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

بَيَان رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: آدم بن أبي إِيَاس.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عبد اللَّه الْأَصْبَهَانِيّ الْكُوفِي، مولى لجديلة قيس، وهم بطن من قيس غيلَان، وهم فهم وعدوان ابْنا عَمْرو بن قيس، أمّهم جديلة، بِفَتْح الْجِيم، نسبوا إِلَيْهَا.
أخرج البُخَارِيّ فِي الْعلم والمحضر وشهود الْمَلَائِكَة بَدْرًا عَن شُعْبَة وَأبي عوَانَة وَابْن عُيَيْنَة عَنهُ عَن عبد اللَّه بن معقل، وَأبي صَالح ذكْوَان أَصله من أَصْبَهَان خرج مِنْهَا حِين افتتحها أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو بكر بن منجويه: توفّي فِي إِمَارَة خَالِد على الْعرَاق، روى لَهُ الْجَمَاعَة إلاَّ النَّسَائِيّ، وأصبهان، بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا وبالباء وَالْفَاء، وَأهل الْمشرق يَقُولُونَ: أصفهان بِالْفَاءِ، وَأهل الْمغرب بِالْبَاء: وَهِي مَدِينَة بعراق الْعَجم عَظِيمَة، خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء والمحدثين.
الرَّابِع: أَبُو صَالح ذكْوَان، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْكَاف غير منصرف، وَقد تقدم.
الْخَامِس: أَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد وَالسَّمَاع والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وواسطي ومدني.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن آدم، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْعلم أَيْضا عَن بنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة، وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة كِلَاهُمَا عَنهُ بِهِ، وَفِي حَدِيث غنْدر عَن شُعْبَة عَنهُ، قَالَ: وَسمعت أَبَا حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ( ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث) .
.

     وَقَالَ  عقيب حَدِيث مُسلم بن إِبْرَاهِيم:.

     وَقَالَ  شريك عَن ابْن الْأَصْبَهَانِيّ: حَدثنِي أَبُو صَالح عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن أبي كَامِل الجحدري عَن أبي عوَانَة، وَعَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ، وَذكر الزِّيَادَة عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن عبيد اللَّه بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بِهِ، وَذكر الزِّيَادَة أَيْضا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار بِهِ، وَعَن أَحْمد بن سلمَان عَن عبيد اللَّه بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَنهُ بِهِ نَحوه.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( قَالَ: قَالَ النِّسَاء) أَي: قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: قَالَ النِّسَاء.
كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر: قَالَ، بتذكير الْفِعْل، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: ( قَالَت النِّسَاء) بالتأنيث، وَكِلَاهُمَا جَائِز فِي كل إِسْنَاد إِلَى ظَاهر الْجمع.
قَوْله: ( غلبنا) ، بِفَتْح الْبَاء جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول و: ( الرِّجَال) بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: ( فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: انْظُر لنا فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا، وَنَحْو ذَلِك، و: اجْعَل، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، والجعل يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد بِمَعْنى: فعل، وَإِلَى مفعولين بِمَعْنى: صير، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا لَازمه وَهُوَ التَّعْيِين، أَي: عين لنا يَوْمًا.
و: يَوْمًا، مفعول بِهِ لَا لأَجله.
وَلَا مفعول فِيهِ، وَكلمَة: من، فِي قَوْله: ( من نَفسك) ابتدائية تتَعَلَّق باجعل، يَعْنِي هَذَا الْجعل منشؤه اختيارك يَا رَسُول الله لَا اختيارنا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد من: وَقت نَفسك، بإضمار الْوَقْت، والظرف صفة ل ( يَوْمًا) ، وَهُوَ ظرف مُسْتَقر على هَذَا الِاحْتِمَال، وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: اجْعَل لنا يَوْمًا من أَيَّام نَفسك، يَعْنِي: الْيَوْم الَّذِي تتفرغ فِيهِ.
قَوْله: ( فوعدهن) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل، وَهُوَ الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ الَّذِي يرجع إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَالْمَفْعُول وَهُوَ الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي يرجع إِلَى النِّسَاء.
فَإِن قلت: كَيفَ يعْطف الْجُمْلَة الخبرية على الْجُمْلَة الإنشائية؟ قلت: هَذَا بابُُ فِيهِ خلاف، فَمَنعه البيانيون وَابْن مَالك وَابْن عُصْفُور فِي ( شرح الْإِيضَاح) ، وَنَقله عَن الْأَكْثَرين.
واجازه الصفار وَجَمَاعَة مستدلين بقوله تَعَالَى: { وَبشر الَّذين آمنُوا} ( يُونُس: 2) وَاسْتدلَّ الصفار بقول الشَّاعِر:
( وقائلة خولان فانكح فَتَاتهمْ)

فَإِن تَقْدِيره: هَذِه خولان، هَكَذَا نقل عَن سِيبَوَيْهٍ، وَأَجَابُوا عَن الْآيَة بِمَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: لَيْسَ الْمُعْتَمد بالْعَطْف، الْأَمر حَتَّى يطْلب لَهُ مشاكل، بل المُرَاد عطف جملَة: ثَوَاب الْمُؤمنِينَ، على جملَة: عَذَاب الْكَافرين، كَقَوْلِك: زيد يُعَاقب بالقيد، وَبشر فلَانا بِالْإِطْلَاقِ.
وَعَن الْبَيْت: إِنَّه ضَرُورَة، وَفِيه تعسف وَالأَصَح عدم الْجَوَاز.
وَأما هَهُنَا فالعطف لَيْسَ على قَوْله: ( فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا) بل الْعَطف على جَمِيع الْجُمْلَة، أَعنِي من قَوْله: ( غلبنا عَلَيْك الرِّجَال فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا من نَفسك) .
قَوْله: ( يَوْمًا) ، مفعول ثَان: لوعد.
قَوْله: ( لقيهن فِيهِ) أَي: فِي الْيَوْم الْمَوْعُود بِهِ، واللقاء فِيهِ إِمَّا بِمَعْنى الرُّؤْيَة، وَإِمَّا بِمَعْنى الْوُصُول، وَمحل الْجُمْلَة الْجُمْلَة النصب لِأَنَّهَا صفة: ليوماً.
وَيحْتَمل أَن يكون استئنافاً.
قَوْله: ( فوعظهن) الْفَاء فِيهِ فصيحة لِأَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مَحْذُوف إِي: فوفى بوعدهن ولقيهن فوعظهن.
وَقَوله: ( وامرهن) عطف على: وعظهن، وَحذف الْمَأْمُور بِهِ لإِرَادَة التَّعْمِيم، وَالتَّقْدِير: فوعظهن بمواعظ، وأمرهن بِالصَّدَقَةِ أَو بِأُمُور دينية.
وَيجوز أَن يكون: فوعظهن وأمرهن من تَتِمَّة الصّفة لليوم.
قَوْله: ( فَكَانَ) الْفَاء فِيهِ فصيحة.
وَاسم: كَانَ، هُوَ قَوْله: ( مَا مِنْكُن امْرَأَة) وَخَبره، قَوْله: ( فِيمَا قَالَ لَهُنَّ) أَي: الَّذِي قَالَه لَهُنَّ.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( مَا مِنْكُن من امْرَأَة) ، وَكلمَة: من، زَائِدَة لفظا.
وَقَوله: امْرَأَة، مُبْتَدأ.
ومنكن، حَال مِنْهَا مقدم عَلَيْهَا، وَخبر الْمُبْتَدَأ الْجُمْلَة الَّتِي بعد آلَة الِاسْتِثْنَاء، لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء مفرغ، إعرابه على حسب العوامل،.
فَإِن قلت: كَيفَ يَقع الْفِعْل مُسْتَثْنى؟ قلت: على تَقْدِير الِاسْم، أَي: مَا امْرَأَة مُقَدّمَة إِلَّا كَائِنا لَهَا حجاب.
وَقَوله: ( تقدم) جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا صفة لامْرَأَة.
وَقَوله: ( ثَلَاثًا) مفعول مقدم، وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة.
قلت: ( حِجَابا) فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا بِالنّصب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: ( حجاب) ، بِالرَّفْع.
أما وَجه النصب فعلى أَنه خبر لَكَانَ، وَاسم كَانَ التَّقْدِيم الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: تقدم.
وَأما وَجه الرّفْع فعلى كَون: كَانَ، تَامَّة على معنى: إلاَّ وَقع لَهَا حجاب أَو حصل، أَو وجد وَنَحْو ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز: ( إلاَّ كن لَهَا حِجَابا) على تَقْدِير الْأَنْفس الَّتِي تقدم، وَفِي الِاعْتِصَام: ( إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابا) أَي: الْأَوْلَاد.
قَوْله: ( واثنين) ، وَهُوَ أَيْضا عطف على الْمَنْصُوب بالتقدير الْمَذْكُور، أَي: وَمن قدم اثْنَيْنِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَمثله يُسمى بالْعَطْف التلقيني، وَنَحْوه فِي الْقُرْآن: { إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي} ( الْبَقَرَة: 124) .
قلت: قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَمن ذريتي، عطف على: الْكَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: وجاعل بعض ذريتي، كَمَا يُقَال لَك: سأكرمك، فَتَقول: وزيداً، وَإِنَّمَا أورد هَذَا الْمِثَال إِشَارَة إِلَى جَوَاب عَمَّا يُقَال إِن: من ذريتي، مقول قَول إِبْرَاهِيم، و: جاعلك للنَّاس، مقول قَول الله تَعَالَى، فَكيف يعْطف أَحدهمَا على الآخر؟ فَكَأَنَّهُ أجَاب بإيراد الْمِثَال الْمَذْكُور أَنه عطف تلقين، كَأَنَّهُ قَالَ: قل وجاعل بعض ذريتي.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( غلبنا عَلَيْك الرِّجَال) مَعْنَاهُ: أَن الرِّجَال يلازمونك كل الْأَيَّام ويسمعون الْعلم وَأُمُور الدّين، وَنحن نسَاء ضعفة لَا نقدر على مزاحمتهم، فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا من الْأَيَّام نسْمع الْعلم ونتعلم أُمُور الدّين.
قَوْله: ( ثَلَاثَة) أَي: ثَلَاثَة أَوْلَاد.
فَإِن قلت: الثَّلَاثَة مُذَكّر فَهَل يشْتَرط أَن يكون الْوَلَد الْمَيِّت ذكرا حَتَّى يحصل لَهَا الْحجاب؟ قلت: تذكيره بِالنّظرِ إِلَى لفظ الْوَلَد، وَالْولد يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَفِي بعض النّسخ: ثَلَاثًا بِدُونِ الْهَاء، فَإِن صَحَّ فَمَعْنَاه ثَلَاث نسمَة، والنسمة تطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى.
قَوْله: ( فَقَالَت امْرَأَة) هِيَ: أم سليم، وَقيل غَيرهَا وَالله أعلم.
قَوْله: ( قَالَ: واثنين) دَلِيل على أَن حكم الْإِثْنَيْنِ حكم الثَّلَاثَة لاحْتِمَال أَنه أُوحِي إِلَيْهِ فِي الْحِين بِأَن يُجيب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك.
وَلَا يمْتَنع أَن ينزل الْوَحْي.
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك حِين السُّؤَال، وَلَا يمْتَنع أَن ينزل الْوَحْي على رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طرفَة عين.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَيجوز أَن يكون أُوحِي إِلَيْهِ قبله.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ، وَغَيره: قد أخرج البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَا يدل على أَن الْوَاحِد كالاثنين، وَهُوَ قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَقُول تَعَالَى: ( مَا لعبدي الْمُؤمن جَزَاء إِذا قبضت صفيّه من أهل الدُّنْيَا، ثمَّ احتسبه، إلاَّ الْجنَّة) .
وَأي صفّي أعظم من الْوَلَد؟ قلت: قد جَاءَ فِي غير الصَّحِيح مَا يدل صَرِيحًا على أَن الْوَاحِد كالاثنين وَالثَّلَاثَة، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من قدم ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث كَانُوا لَهُ حصناً حصيناً من النَّار.
فَقَالَ أَبُو ذَر، رَضِي الله عَنهُ: قدمت اثْنَيْنِ.
قَالَ: واثنين.
قَالَ أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قدمت وَاحِدًا.
قَالَ: وواحداً)
.
قَالَ ابْن بطال وعياض وَغَيرهمَا فِي قَول الْمَرْأَة: ( واثنين يَا رَسُول الله) ؟ وَهِي من أهل اللِّسَان دَلِيل على أَن تعلق الحكم بِعَدَد مَا لَا يدل من جِهَة دَلِيل الْخطاب على انتفائه عَن غَيره من الْعدَد، لَا أقل وَلَا أَكثر.
فَإِن قلت: هَل للرجل مثل مَا للْمَرْأَة إِذا قدم الْوَلَد؟ قلت: نعم، لِأَن حكم الْمُكَلّفين على السوَاء إلاَّ إِذا دلّ دَلِيل على التَّخْصِيص.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ سُؤال النِّسَاء عَن أَمر دينهن وَجَوَاز كلامهن مَعَ الرِّجَال فِي ذَلِك، وَفِيمَا لَهُنَّ الْحَاجة إِلَيْهِ.
الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الْوَعْد.
الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز الْأجر للثكلي.
الرَّابِع: قَالَ الْمُهلب وَغَيره: فِيهِ دَلِيل على أَن أَوْلَاد الْمُسلمين فِي الْجنَّة، لِأَن الله سُبْحَانَهُ إِذا أَدخل الْآبَاء الْجنَّة بِفضل رَحمته للأبناء، فالأبناء أولى بِالرَّحْمَةِ.
قَالَ الْمَازرِيّ: أما أَطْفَال الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فالإجماع مُنْعَقد على أَنهم فِي الْجنَّة، وَكَذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور فِي أَوْلَاد من سواهُم من الْمُؤمنِينَ، وَبَعْضهمْ لَا يَحْكِي خلافًا، بل يَحْكِي الْإِجْمَاع على دُخُولهمْ الْجنَّة، وَبَعض الْمُتَكَلِّمين يقف فيهم، وَلم يثبت الْإِجْمَاع عِنْدهم فَيُقَال بِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي مَوْضِعه من كتاب الْجَنَائِز إِن شَاءَ الله تَعَالَى.




[ قــ :101 ... غــ :101 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار قَالَ حَدثنَا غنْدر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ عَن ذكْوَان عَن أبي سعيد بن الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا وَعَن عبد الرَّحْمَن بن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث) الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول أَن البُخَارِيّ قصد بِإِخْرَاج هَذَا فائدتين أَحدهمَا تَسْمِيَة ابْن الْأَصْبَهَانِيّ لِأَنَّهُ كَانَ مُبْهما فِي الحَدِيث الأول وَهَذِه الرِّوَايَة فسرته وَإِنَّمَا لم بصرح باسمه هُنَاكَ مُحَافظَة على لفظ الشُّيُوخ وَهُوَ من غَايَة احتياطه حَيْثُ وَضعه كَمَا سَمعه عَن شَيْخه وَالْأُخْرَى التَّنْبِيه على زِيَادَة فِي طَرِيق أَبُو هُرَيْرَة وَهِي قَوْله " لم يبلغُوا الْحِنْث ".
النَّوْع الثَّانِي أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَوْصُولَة وَلَيْسَ بتعليق كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ وَهَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ عَن عبد الرَّحْمَن وَذَلِكَ لِأَن شُعْبَة يرويهِ عَن عبد الرَّحْمَن بِإِسْنَادَيْنِ لآن قَوْله وَعَن عبد الرَّحْمَن بن الاصبهاني عطف على قَوْله أَولا عَن عبد الرَّحْمَن تَقْدِير الاسناد الأول حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار قَالَ حَدثنَا غنْدر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الاصبهاني عَن ذكْوَان عَن أبي سعيد عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام " مَا مِنْكُن امْرأ تَقْدِيم ثَلَاثَة من وَلَدهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابا من النَّار فَقَالَت امْرَأَة واثنين فَقَالَ واثنين " أَشَارَ إِلَى هَذَا بقوله بِهَذَا أَي بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَتَقْدِير الْإِسْنَاد الثَّانِي حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار قَالَ حَدثا غنْدر قَالَ حَدثا شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الاصبهاني قَالَ سَمِعت أَبَا حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ " مَا مِنْكُن امْرَأَة تقدم ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث من وَلَدهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابا " الحَدِيث فَإِن قلت هَل فَائِدَة فِي تَقْدِيمه الحَدِيث الأول على الثَّانِي قلت نعم لِأَن الحَدِيث الأول أَعلَى دَرَجَة من الثَّانِي اذفيه بَين شُعْبَة وَالْبُخَارِيّ رجل وَاحِد وَهُوَ ابْن آدم بِخِلَاف الثَّانِي فَإِن بَينهمَا رجلَيْنِ وهما مُحَمَّد بن بشار وغندر النَّوْع الثَّالِث فِي رجال الاسنادين وهم ثَمَانِيَة وَقد مضى مِنْهُم ماخلا أَبُو حَازِم بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي وَهُوَ سُلَيْمَان الاشجعي الْكُوفِي مولى عزة بِالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَة وبالزاي الْمُشَدّدَة الاشجعية توفّي فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ يحيى بن معِين هُوَ كُوفِي ثِقَة روى لَهُ الْجَمَاعَة وَرُبمَا يشْتَبه بِأبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الزَّاهِد فَإِنَّهَا تابعيان مشتركان فِي الكنية قَالَ أَبُو عَليّ الجياني أَبُو حَازِم رجلَانِ تابعيان يكنيان بِأبي حَازِم يرويان عَن الصَّحَابَة فَالْأول الاشعي اسْمه سُلَيْمَان يروي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ الْأَعْمَش وَمَنْصُور وفضيل بن غَزوَان وَالثَّانِي سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج يروي عَن سهل بن سعد روى عَنهُ مَالك وَالثَّوْري وَابْن عُيَيْنَة وَسليمَان ابْن بِلَال قلت وَمن الْفرق بَينهمَا أَن الأول توفّي فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز وَالثَّانِي توفّي فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَالْأول لم يرو فِي البُخَارِيّ وَمُسلم إِلَّا عَن أبي هُرَيْرَة وَالثَّانِي لم يرو فِي الصَّحَابَة إِلَّا عَن سهل بن سعد وَكِلَاهُمَا ثقتان فَالْأول وثقة يحيى وَالثَّانِي وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم النَّوْع الرَّابِع قَوْله " لم يبلغُوا الْحِنْث " أَي الْإِثْم الْمَعْنى أَنهم مَاتُوا قبل بلوغهم التَّكْلِيف فَلم يكْتب عَلَيْهِم الآثام وَيُقَال مَعْنَاهُ لم يبلغُوا زمَان التَّكْلِيف وَسن الْعقل والحنث بِكَسْر الْحَاء الْإِثْم قَالَ الْجَوْهَرِي يُقَال بلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة.

     وَقَالَ  الصغاني وَبلغ الْغُلَام الْحِنْث أَي بلغ مبلغا جرى عَلَيْهِ الْقَلَم بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَة والحنث الزِّنَا أَيْضا والحنث فِي الْيَمين والحنث الْعدْل الْكَبِير الثقيل والحنث الْميل من بَاطِل إِلَى حق أَو من حق إِلَى بَاطِل يُقَال قد حنثت على أَي ملت إِلَى هُوَ أَن عَليّ فَإِن قلت لم خص الحكم باللذين لم يبلغُوا الْحِنْث وهم صغَار قلت لِأَن قلب الْوَالِدين على الصَّغِير ارْحَمْ واشفق دون الْكَبِير ن الْغَالِب على الْكَبِير عدم السَّلامَة من مُخَالفَة وَالدية وعقوقهم