فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا حرم طعامه

( بابٌُ إِذا حَرَّمَ طَعامَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا حرم الشَّخْص طَعَامه بِأَن قَالَ: طَعَام كَذَا أَو شراب كَذَا عَليّ حرَام، أَو قَالَ: نذر لله أَن لَا آكل كَذَا أَو لَا أشْرب كَذَا، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، على عَادَته.
قَوْله: طَعَامه، وَرُوِيَ عَن أبي ذَر، طَعَاما، وَالْجَوَاب ينْعَقد يَمِينه، وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِذا استباحه، لَكِن إِذا حلف وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ البُخَارِيّ، فَلذَلِك أورد حَدِيث الْبابُُ، لِأَن فِيهِ: قد حَلَفت، وَعَن أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ كَذَلِك، وَلَكِن لَا يشْتَرط لفظ الْحلف.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  مَالك: لَا يكون الْحَرَام يَمِينا فِي طَعَام وَلَا شراب إلاَّ فِي الْمَرْأَة، فَإِنَّهُ يكون طَلَاقا يحرمها عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي كَذَلِك، رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ، وَرُوِيَ عَن بعض التَّابِعين أَن التَّحْرِيم لَيْسَ بِشَيْء سَوَاء حرم عَلَيْهِ زَوجته أَو شَيْئا من ذَلِك لَا يلْزمه كَفَّارَة فِي شَيْء من ذَلِك، وَبِه قَالَ أَبُو سَلمَة ومسروق وَالشعْبِيّ.

و.

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ( التَّحْرِيم: 1 2) و.

     قَوْلُهُ : { لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} ( الْمَائِدَة: 78) [/ ح.

ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ إِشَارَة إِلَى بَيَان مَا ذكره من التَّرْجَمَة بِأَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين، وفيهَا الْكَفَّارَة.
لَكِن لفظ الْحلف شَرط عِنْده كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَسبب نزُول الْآيَة الأولى قد مر فِي كتاب الطَّلَاق فِي: بابُُ { لم تحرم مَا أحل الله لَك} وَأورد فِيهِ حديثين عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَبَين فيهمَا قصَّة تَحْرِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَارِيَة الَّتِي أهداها إِلَيْهِ الْمُقَوْقس صَاحب اسكندرية، وَالْعَسَل، وَذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ: هَل نزلت الْآيَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة أَو فِي تَحْرِيم الْعَسَل؟ قَوْله: { تبتغي مرضات أَزوَاجك} أَي: تطلب رضاهن بِتَحْرِيم ذَلِك قَوْله: { قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} ( التَّحْرِيم: 2) .
أَي: قد قدر الله مَا تحللون بِهِ أَيْمَانكُم، وأصل تحللة تَحِلَّة على وزن: تفعلة، فادغمت اللَّام فِي اللَّام وَهِي من المصادر كالترضية وَالتَّسْمِيَة قَوْله: { لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} ( الْمَائِدَة: 78) هَذَا توبيخ لمن فعل ذَلِك، فَلذَلِك قَالَ: { لَا تَعْتَدوا} فَجعل ذَلِك من الاعتداء.



[ قــ :6341 ... غــ :6691 ]
-
حدّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا الحَجَّاجُ عنِ ابنِ جُرَيْج قَالَ: زَعَمَ عَطاءٌ أنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عائِشَةَ تَزْعْمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحش ويَشْرَبُ عِنْدَها عَسَلاً، فَتَواصَيْتُ أَنا وحَفْصَةُ أنَّ أيَّتَنا دَخلَ عَلَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ { أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلى إحْداهُما فَقالَتْ ذالِكَ لهُ، فَقَالَ: ( لَا} بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ، ولَنْ أعُودَ لهُ) فَنَزَلَتْ: { ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ( التَّحْرِيم: 1) { إِن تَتُوبَا إِلَى الله} ( التَّحْرِيم: 4) لِعائِشَةَ وحَفْصَةَ: { وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} ( التَّحْرِيم: 3) لِقَوْلِهِ: ( بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً) .

وَقَالَ لِي إبْراهِيمُ بنُ مُوسى عنْ هِشامٍ: ( ولَنْ أعُودَ لَهُ، وقَددْ حَلَفْتُ فَلا تُخْبِرِي بِذالِكَ أحَداً) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، وَالْحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد المصِّيصِي، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَعبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا مصغر.

والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّلَاق بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( زعم) أَي: قَالَ، وَكَذَا معنى: تزْعم، أَي: تَقول.
قَوْله: ( أَن أَيَّتنَا) بِالتَّاءِ لُغَة فِي أَيّنَا، وَالْمَشْهُور بِغَيْر التَّاء.
قَوْله: ( مَغَافِير) بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء جمع مغْفُور، وَهُوَ نوع من الصمغ يتحلب عَن بعض الشّجر حُلْو كالعسل وَله رَائِحَة كريهة، وَيُقَال أَيْضا: مغاثير، بالثاء الْمُثَلَّثَة بدل الْفَاء جمع: مغثور كثوم وفوم، وَيُقَال: المغفور شَيْء ينضحه شجر العرفط كريه الرَّائِحَة، وَقيل: هُوَ حُلْو كالناطف يحل بِالْمَاءِ وَيشْرب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَيُقَال أَغفر الرمث إِذا ظهر ذَلِك فِيهِ،.

     وَقَالَ  الْكسَائي: خرج النَّاس يتمغفرون إِذا خَرجُوا يجتنونه من ثمره، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن تُوجد مِنْهُ الرَّائِحَة لأجل مُنَاجَاة الْمَلَائِكَة فَحرم على نَفسه بِظَنّ، صدقهما.
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْثَال ذَلِك؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ من مقتضيات الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء، وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شرب فِي بَيت حَفْصَة، والمتظاهرات هِيَ عَائِشَة وَسَوْدَة وَزَيْنَب.

قلت: لَعَلَّ الشّرْب كَانَ مرَّتَيْنِ.
قَوْله: ( وَلنْ أَعُود لَهُ) أَي: قَالَ: وَالله لَا أَعُود لَهُ، فَلذَلِك كفره.
قَوْله: ( لعَائِشَة) أَي: الْخطاب لعَائِشَة وَحَفْصَة.
قَوْله: ( وَإِذ أسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا) لقَوْله: ( بل شربت عسلاً) أَي: الحَدِيث المسر كَانَ ذَلِك القَوْل.

قَوْله:.

     وَقَالَ  لي إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر:.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم، بِغَيْر لفظ: لي، وَقد تقدم فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير يروي عَن هِشَام بن يُوسُف وَصرح بِهِ فِي التَّفْسِير، وَقد اختصر هُنَا بِغَيْر السَّنَد وَمرَاده أَن هشاماً رَوَاهُ عَن ابْن جريج بالسند الْمَذْكُور والمتن إِلَى قَوْله: قَوْله: ( وَلنْ أَعُود) فَزَاد: ( وَقد حَلَفت فَلَا تُخْبِرِي بذلك أحدا) .