فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب النزول بين عرفة وجمع

( بابُُ النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفةَ وجَمْعٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان نزُول الْحَاج بَين عَرَفَة وَجمع، وَهُوَ الْمزْدَلِفَة لقَضَاء حَاجته، أَي حَاجَة كَانَت، وَلَيْسَ هَذَا من الْمَنَاسِك.



[ قــ :1597 ... غــ :1667 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنْ أُسَامةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أفاضَ منْ عَرَفَةَ مَال إلَى الشّعْبِ فقَضى حاجَتَهُ فَتَوَضِّأ فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أتُصَلِّي فَقَالَ الصَّلاَةُ أمامَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مَال إِلَى الشّعب فَقضى حَاجته) ، لِأَن مَعْنَاهُ نزل هُنَاكَ وَهُوَ بَين عَرَفَة وَجمع على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ وَرِوَايَته عَن مُوسَى بن عقبَة من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُمَا تابعيان صغيران، وَقد حمله مُوسَى عَن كريب فَصَارَ فِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من التَّابِعين.

والْحَدِيث أخرجه فِي كتاب الْوضُوء فِي: بابُُ إسباغ الْوضُوء عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( حَيْثُ أَفَاضَ) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت: ( حِين أَفَاضَ) ، وَهِي أصوب لِأَنَّهُ ظرف زمَان، وَحَيْثُ ظرف مَكَان.
قَوْله: ( إِلَى الشّعب) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الطَّرِيق بَين الجبلين.
قَوْله: ( فَقضى حَاجته) أَي: استنجى.
قَوْله: ( أَتُصَلِّي؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام، ويروى بِدُونِ الْهمزَة وَلكنهَا مقدرَة.
قَوْله: ( الصَّلَاة أمامك؟) ، بِفَتْح الْهمزَة، أَي: الصَّلَاة فِي هَذِه اللَّيْلَة مَشْرُوعَة فِيمَا بَين يَديك أَي فِي الْمزْدَلِفَة، وَيجوز فِي لفظ: الصَّلَاة، الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره الصَّلَاة حَاضِرَة أَو حانت أمامك، وَأما النصب فبفعل مُقَدّر.





[ قــ :1598 ... غــ :1668 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والْعِشَاءِ بِجَمْعٍ غَيْرَ أنَّهُ يَمُرُّ بالشَّعْبِ الَّذِي أخذَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَدْخُلُ فيَنْتَفِضُ ويَتَوَضِّأُ ولاَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّي بِجَمعٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( غير أَنه يمر بِالشعبِ فَيدْخل فينتفض) ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي وَجُوَيْرِية تَصْغِير جَارِيَة ابْن أَسمَاء الضبعِي الْبَصْرِيّ.

قَوْله: ( بِجمع) ، هُوَ الْمزْدَلِفَة.
قَوْله: ( غير أَنه يمر) ، هَذَا فِي معنى الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع أَي: بِجمع، لَكِن بِهَذَا التَّفْصِيل من الْمُرُور بِالشعبِ وَمَا بعده لَا مُطلقًا.
قَوْله: ( الَّذِي أَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يُصَلِّي أَي: قَوْله: ( فينتفض) ، بفاء وضاد مُعْجمَة: من الانتفاض وَهُوَ كِنَايَة عَن قَضَاء الْحَاجة، مَعْنَاهُ: يستنجي ثمَّ يتَوَضَّأ وَلَا يُصَلِّي شَيْئا حَتَّى يُصَلِّي بِجمع.





[ قــ :1599 ... غــ :1669 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبي حَرْمَلَةَ عنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ رَدِفْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَرَفاتٍ فلَمَّا بلَغَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشِّعْبَ الأيْسَرَ الَّذِي دُونَ المُزْدَلِفَهِ أناخَ فَبالَ ثُمَّ جاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوضُوء تَوَضَّأ وُضُوءًا خَفِيفا فقُلْتُ الصَّلاةُ يَا رسولَ الله قَالَ الصَّلاةُ أمامَكَ فَرَكِبَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى ثُمَّ رَدِفَ الفَضْلُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاةَ جَمْعٍ.
قَالَ كُرَيْبٌ فأخْبَرَنِي عَبْدُ الله بنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ الفَضْلِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الجَمْرَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشّعب الْأَيْسَر الَّذِي دون الْمزْدَلِفَة أَنَاخَ فَبَال) ، والإناخة وَالْبَوْل لَا يكونَانِ إلاَّ بالنزول، وَكَانَ ذَلِك بَين عَرَفَة وَجمع.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: قُتَيْبَة بن سعيد.
الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ مولى زُرَيْق الْمُؤَدب، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمِيم، وَلَا يعرف اسْمه، وَهُوَ مولى إِلَى حويطب، وَكَانَ خصيف يروي عَنهُ فَيَقُول: حَدثنِي مُحَمَّد بن حويطب، فَذكر ابْن حبَان أَن خصيفا كَانَ ينْسبهُ إِلَى جده وَإِلَيْهِ، وَذكر فِي ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة الْقرشِي يكنى أَبَا عبد الله مولى عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب بن عبد الْعزي.
قَالَ الْوَاقِدِيّ، مَاتَ فِي أول خلَافَة أبي جَعْفَر.
الرَّابِع: كريب، بِضَم الْكَاف.
الْخَامِس: أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة.
السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.
السَّابِع: الْفضل بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه بغلاني بغلان بَلخ، والبقية من الروَاة كلهم مدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وهما عبد الله بن عَبَّاس وَالْفضل بن عَبَّاس.
وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ وهما الْمَذْكُورَان.
وَفِيه: ثَلَاثَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَيحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي بن حجر أربعتهم عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( ردفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الدَّال، أَي: ركبت وَرَاءه.
قَوْله: ( أَنَاخَ) أَي: رَاحِلَته.
قَوْله: ( الْوضُوء) ، بِفَتْح الْوَاو هُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ.
قَوْله: ( تَوَضَّأ) ويروى: ( فتوضا) بفاء الْعَطف.
قَوْله: ( وضُوءًا خَفِيفا) إِمَّا بِأَنَّهُ تَوَضَّأ مرّة مرّة أَو بِأَنَّهُ خفف اسْتِعْمَال المَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَالب عَادَته، وَيُؤَيّد هَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْآتِيَة بعد بابُُ، فَلم يسبغ الْوضُوء.
قَوْله: ( فَقلت: الصَّلَاة) الْقَائِل هُوَ أُسَامَة، وَالصَّلَاة مَنْصُوبَة بِفعل مُقَدّر، وَيجوز رَفعهَا على تَقْدِير: الصَّلَاة حضرت.
قَوْله: ( الصَّلَاة أمامك) ، بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: ( حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى) ، أَي: لم يبْدَأ بِشَيْء قبل الصَّلَاة.
وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عقبَة: ثمَّ سَار حَتَّى بلغ جمعا فصلى الْمغرب وَالْعشَاء.
قَوْله: ( غداء جمع) ، أَي: غَدَاة اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت بِهِ، أَي: صبح يَوْم النَّحْر.
قَوْله: ( حَتَّى بلغ الْجَمْرَة) أَي: جَمْرَة الْعقبَة، ويروى: حَتَّى بلغ رمي الْجَمْرَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الرّكُوب حَال الدّفع من عَرَفَة.
وَفِيه: جَوَاز الارتداف على الدَّابَّة لَكِن إِذا كَانَت مطيقة.
وَفِيه: الِاسْتِعَانَة فِي الْوضُوء وللفقهاء فِيهِ تَفْصِيل لِأَن الِاسْتِعَانَة إِمَّا أَن تكون فِي إِحْضَار المَاء مثلا، أَو فِي صبه على المتوضيء، أَو مُبَاشرَة غسل أَعْضَائِهِ.
فَالْأول جَائِز بِلَا خلاف، وَالثَّالِث مَكْرُوه إلاَّ إِن كَانَ لعذر، وَاخْتلف فِي الثَّانِي، وَالأَصَح أَنه: لَا يكره لكنه خلاف الأولى، وَأما الَّذِي وَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إِمَّا لبَيَان الْجَوَاز، وَهُوَ حِينَئِذٍ أفضل فِي حَقه، أَو كَانَ للضَّرُورَة.
وَفِيه: الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
لِأَنَّهُ عقد لَهُ بابُُا.
وَفِيه: التَّلْبِيَة إِلَى أَن يَأْتِي إِلَى مَوضِع رمي الْجَمْرَة، وَسَيَأْتِي بَيَانه لِأَنَّهُ عقد بابُُا لَهُ.