فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه

( بابٌُ إِذا زَنَتِ الأمَةُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا زنت الْأمة وَلم يذكر جَوَاب إِذا الَّذِي هُوَ الحكم اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الحَدِيث على عَادَته، وَلم يذكر الْأصيلِيّ هَذِه التَّرْجَمَة، وَجرى على ذَلِك ابْن بطال.



[ قــ :6477 ... غــ :6838 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالكٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الأمَةِ إِذا زَنَتْ ولمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إِذا زَنَتْ فاجْلدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها ثمَّ بيعُوها ولوْ بِضَفِيرٍ
قَالَ ابنُ شِهابٍ: لَا أدْرِي بَعْد الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَفِي الْعتْق عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله " وَلم تحصن " من الْإِحْصَان الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْعِفَّة عَن الزِّنَا وَفِي التَّلْوِيح اخْتلف الْعلمَاء فِي إِحْصَان الْإِمَاء غير ذَات الْأزْوَاج مَا هُوَ فَقَالَت طَائِفَة إِحْصَان الْأمة تَزْوِيجهَا فَإِذا زنت وَلَا زوج لَهَا فعلَيْهَا الْأَدَب وَلَا حد عَلَيْهَا هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَقَتَادَة وَبِه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.

     وَقَالَ ت طَائِفَة إحصانها إسْلَامهَا فَإِذا كَانَت الْأمة مسلمة وزنت وَجَبت عَلَيْهَا خَمْسُونَ جلدَة سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لم تكن رُوِيَ هَذَا عَن عمر بن الْخطاب فِي رِوَايَة وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَإِلَيْهِ ذهب النَّخعِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَزعم أهل الْمقَالة الأولى أَنه لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث وَلم تحصن غير مَالك وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا لِأَنَّهُ رَوَاهُ يحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب كَمَا رَوَاهُ مَالك وَرَوَاهُ كَذَلِك طَائِفَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَإِذا اتّفق مَالك وَيحيى وسُفْيَان على شَيْء فهم حجَّة على من خالفهم قَوْله " وَلَو بضفيرة " بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وبالراء وَهُوَ الشّعْر المنسوج وَالْحَبل المفتول بِمَعْنى المضفور فعيل بِمَعْنى مفعول قَوْله " ثمَّ بيعوها " أَمر ندب وحث على مباعدة الزَّانِيَة وَخرج اللَّفْظ فِي ذَلِك على الْمُبَالغَة.

     وَقَالَ ت الظَّاهِرِيَّة بِوُجُوب بيعهَا إِذا زنت الرَّابِعَة وجلدت وَلم يقل بِهِ أحد من السّلف قَوْله " قَالَ ابْن شهَاب " مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله " لَا أَدْرِي " بعد الثَّالِثَة أَي لَا أَدْرِي هَل يجلدها ثمَّ يَبِيعهَا وَلَو بضفير بعد الزنية الثَّالِثَة أَو بعد الزنية الرَّابِعَة وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها ثَلَاثًا بِكِتَاب الله فَإِن عَادَتْ فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الرَّابِعَة وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل فَقَالَ جاريتي زنت فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين فَأَتَاهُ.

     وَقَالَ  عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ بعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الثَّالِثَة



( بابُُ مَنْ أمَرَ غَيْرَ الإِمَام بإقامَةِ الحَدِّ غائِباً عَنْهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من أَمر ... الخ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فِي عِبَارَته تعسف وَالْأولَى أَن يُقَال: من أمره الإِمَام وغائباً حَال من فَاعل الْإِقَامَة وَهُوَ الْغَيْر، وَيحْتَمل أَن يكون حَالا من الْمَحْدُود الْمقَام عَلَيْهِ.



[ قــ :6477 ... غــ :6835 ]
- حدّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيَ، حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَيْدِ بنِ خالِدٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ الأعْرَابِ جاءَ إِلَى النَّبيِّ وهْوَ جالِسٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله اقْضِ بِكتاب الله.
فقامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ لهُ يَا رسولَ الله بِكِتابِ الله، إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفاً عَلى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأتِهِ، فأخْبرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي الرَّجْم، فافْتَديْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَألْتُ أهْلَ العِلْمِ فَزَعَمُوا أنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْريب عامٍ، فَقَالَ: والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله، أمَّا الغَنَمُ والوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وعلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنْتَ يَا أُنَيْسُ فاغْدُ عَلى امْرَأةِ هاذا فارْجُمْها فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَها.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وَابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.

والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي النذور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الصُّلْح وَالْأَحْكَام عَن آدم وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة وسيجىء فِي الِاعْتِصَام وَخبر الْوَاحِد.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة وَقد مر عَن قريب أَيْضا فِي: بابُُ الِاعْتِرَاف بالزنى.

قَوْله: إِن ابْني هَذَا كَلَام الْأَعرَابِي لَا خَصمه، مر فِي كتاب الصُّلْح هَكَذَا: جَاءَ الْأَعرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله اقضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه فَقَالَ: صدق، فَقَالَ الْأَعرَابِي: إِن ابْني.
.
هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي،.

     وَقَالَ  بَعضهم: بل الَّذِي قَالَ: اقْضِ بَيْننَا هُوَ وَالِد العسيف.
قلت: الِاخْتِلَاف فِي هَذَا على ابْن أبي ذِئْب يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ.
قَوْله: كَانَ عسيفاً أَي أَجِيرا.
قَوْله: فارجمها فِيهِ اخْتِصَار أَي: فَإِن اعْترفت بالزنى فارجمها، تشهد عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات وَالْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة.