فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في الغرس

( بابُُ مَا جاءَ فِي الْغَرْسِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ مَا جَاءَ فِي غرس مَا يغْرس من أصُول النباتات.



[ قــ :2250 ... غــ :2349 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقوبُ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ قالَ إنَّا كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ كانَتْ لَنا عَجُوزٌ تأخُذُ مِنْ أصُولِ سِلْقٍ لَنا كُنَّا نَغرُسُهُ فِي أرْبِعَائِنَا فتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا فتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ لَا أعْلَمُ إلاَّ أنَّهُ قَالَ لَيسَ فِيهِ شَحْمٌ ولاَ ودَكٌ فإذَا صلَّيْنَا الجُمُعَةُ زُرْنَاهَا فقَرَّبَتْهُ إلَيْنَا فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ وَمَا كُنَّا نتَغَدَّى ولاَ نَقِيلُ إلاَّ بَعْدَ الجُمُعَةِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: كُنَّا نغرسه فِي أربعائنا، وإدخاله هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْمُزَارعَة من حَيْثُ إِن الْغَرْس وَالزَّرْع من بابُُ وَاحِد، وَقد مضى الحَدِيث فِي آخر الْجُمُعَة فِي: بابُُ قَول الله عز وَجل: { فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} ( الْجُمُعَة: 01) .
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مقطعاً بطريقين، وَفِيهِمَا اخْتِلَاف بِبَعْض زِيَادَة ونقصان.
الطَّرِيق الأول: عَن سعيد ابْن أبي مَرْيَم عَن أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد.
وَالثَّانِي: عَن عبد الله بن مسلمة عَن ابْن أبي حَازِم عَن سهل، وَهَهُنَا أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَارِي من قارة، حَيّ من الْعَرَب، أَصله مدنِي سكن الاسكندرية، عَن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج الْمدنِي، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فِي أربعائنا) ، قد مر عَن قريب أَن الْأَرْبَعَاء جمع: ربيع، وَهُوَ النَّهر الصَّغِير، وَمَعْنَاهُ كُنَّا نغرسه على الْأَنْهَار والسلق، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة: والودك، بِفتْحَتَيْنِ، دسم اللَّحْم.
قَوْله: ( لَا أعلم إِلَّا أَنه قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَحم وَلَا ودك) ، من قَول يَعْقُوب الرَّاوِي.





[ قــ :51 ... غــ :350 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ يَقُولُونَ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ وَالله المَوْعِدُ ويَقولُونَ مَا لِلْمُهَاجرينَ والأنْصارَ لاَ يُحدِّثونَ مِثْلَ أحادِيثِهِ وإنَّ إخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ وإنَّ إخْوَتِي مِنَ الأنْصَارِ كانَ يَشْغَلهمْ عَمَلُ أمْوَالِهِمْ وكُنْتُ امْرَءًا مِسْكِيناً ألْزَمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى ملءِ بَطْنِي فأحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وأعِي حِينَ يَنْسَوْنَ.

     وَقَالَ  النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْماً لَنْ يَبْسُطَ أحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أقْضِي مقَالَتي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئاً أبدا فبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُها حتَّى قَضَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُها إلَى صَدْرِي فَوالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقالَتِهِ تِلْكَ إلَى يَوْمِي هَذا وَالله لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئاً أبَداً { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ} إِلَى قوْلِه: { الرَّحِيمُ} ( الْبَقَرَة: 951) .
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَإِن إخْوَانِي من الْأَنْصَار كَانَ يشغلهم عمل أَمْوَالهم) ، فَإِن المُرَاد من ذَلِك عَمَلهم فِي الْأَرَاضِي بالزراعة وَالْغَرْس، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ حفظ الْعلم، أخصر من ذَلِك، فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَهنا أخرجه: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل ابْن أبي سَلمَة الْمنْقري الْبَصْرِيّ الْمدنِي: يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي وَقد تكَرر ذكره عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف أبي إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمَدِينِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( وَالله الْموعد) ، إِمَّا مصدر ميمي، وَإِمَّا اسْم زمَان، أَو اسْم مَكَان، وعَلى كل تَقْدِير لَا يَصح أَن يخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى، وَلَكِن لَا بُد من إِضْمَار تَقْدِيره فِي كَونه مصدرا.
وَالله هُوَ الواعد، وَإِطْلَاق الْمصدر على الْفَاعِل للْمُبَالَغَة، يَعْنِي: الواعد فِي فعله بِالْخَيرِ وَالشَّر، والوعد يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر، يُقَال: وعدته خيرا ووعدته شرا، فَإِذا أسقط الْخَيْر وَالشَّر يُقَال فِي الْخَيْر: الْوَعْد وَالْعدة، وَفِي الشَّرّ: الإيعاد والوعيد.
وَتَقْدِيره فِي كَونه اسْم زمَان، و: عِنْد الله الْموعد يَوْم الْقِيَامَة وَتَقْدِيره فِي كَونه اسْم مَكَان، و: عِنْد الله الْموعد فِي الْحَشْر، وَحَاصِل الْمَعْنى على كل تَقْدِير: فَالله تَعَالَى يحاسبني إِن تَعَمّدت كذبا، وَيُحَاسب من ظن بِي ظن السوء.
قَوْله: ( عمل أَمْوَالهم) ، أَي: الزَّرْع وَالْغَرْس.
قَوْله: ( على ملْء بَطْني) ، بِكَسْر الْمِيم.
قَوْله: ( وأعي) ، أَي: أحفظ من: وعى يعي وعياً إِذا حفظ، وَفهم.
وَأَنا واعٍ، وَالْأَمر مِنْهُ: عِ أَي: إحفظ.
قَوْله: ( ثمَّ يجمعه) ، بِالنّصب عطفا على قَوْله: لن يبسط، وَكَذَا قَوْله: فينسى، وَالْمعْنَى: إِن الْبسط الْمَذْكُور وَالنِّسْيَان لَا يَجْتَمِعَانِ، لِأَن الْبسط الَّذِي بعده الْجمع المتعقب للنسيان منفي، فَعِنْدَ وجود الْبسط يَنْعَدِم النسْيَان، وَبِالْعَكْسِ فَافْهَم.
قَوْله: ( نمرة) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم: وَهِي بردة من صوف يلبسهَا الْأَعْرَاب، وَالْمرَاد: بسط بَعْضهَا لِئَلَّا يلْزم كشف الْعَوْرَة.
قَوْله: ( فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ) أَي: فَحق الله الَّذِي بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: { إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
هَذِه آيتان فِي سُورَة الْبَقَرَة { إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى من بعد مَا بَيناهُ للنَّاس فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلاَّ الَّذِي تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا فَأُولَئِك أَتُوب عَلَيْهِم وَأَنا التواب الرَّحِيم} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
هَذَا وَعِيد شَدِيد لمن كتم مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل من الدلالات الْبَيِّنَة الصَّحِيحَة، وَالْهَدْي النافع للقلوب من بعد مَا بَينه الله لِعِبَادِهِ فِي كتبه الَّتِي أنزلهَا على رسله، قَالَ ابْن عَبَّاس: نزلت فِي رُؤَسَاء الْيَهُود: كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَعب بن أسيد وَمَالك بن الضَّيْف وَغَيرهم، كَانُوا يتمنون أَن يكون النَّبِي مِنْهُم، فَلَمَّا بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَافُوا أَن تذْهب مأكلتهم من السفلة، فعمدوا إِلَى صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغيروها فِي كِتَابهمْ ثمَّ أخرجوها إِلَيْهِم، فَقَالُوا: هَذَا نعت النَّبِي الَّذِي يبْعَث فِي آخر الزَّمَان، وَهُوَ لَا يشبه نعت النَّبِي الَّذِي بِمَكَّة، فَلَمَّا تطرق السلفة إِلَى صفة النَّبِي من الَّتِي غيروها جحدوه لأَنهم وجدوه مُخَالفا، فَقَالَ الله تَعَالَى: { إِن الَّذين يكتمون} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة: نزلت فِي أهل الْكتاب كتموا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أخبر أَنهم يلعنهم كل شَيْء على صنيعهم ذَلِك، ولعنة الله على عباده عبارَة عَن طرده إيَّاهُم وإبعاده، ولعنة اللاعنين عبارَة عَن دُعَائِهِمْ باللعن قَوْله: { اللاعنون} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
جمع: لَاعن، يَعْنِي: دَوَاب الأَرْض، هَكَذَا قَالَ الْبَراء بن عَازِب،.

     وَقَالَ  عَطاء بن أبي رَبَاح: اللاعنون كل دَابَّة وَالْجِنّ وَالْإِنْس،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: إِذا أجدبت الأَرْض قَالَت الْبَهَائِم: هَذَا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.
.

     وَقَالَ  قَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة وَالربيع بن أنس: { يلعنهم اللاعنون} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
يَعْنِي: يلعنهم مَلَائِكَة الله والمؤمنون، ثمَّ اسْتثْنى الله تَعَالَى من هَؤُلَاءِ من تَابَ إِلَيْهِ بقوله: { إِلَّا الَّذين تَابُوا} ( الْبَقَرَة: 951، 061) .
الْآيَة.

وَفِيه: دلَالَة على أَن الداعية إِلَى كفر أَو بِدعَة إِذا تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ.
قَوْله: { وبينوا} أَي: رجعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ وَأَصْلحُوا أَحْوَالهم وأعمالهم، وبينوا للنَّاس مَا كَانُوا كتموه.
وَقد ورد أَن الْأُمَم السالفة لم تكن تقبل التَّوْبَة من مثل هَؤُلَاءِ، وَلَكِن هَذَا من شَرِيعَة نَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الرَّحْمَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
<