فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يقول إذا سمع المنادي

( بابُُ مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُنَادِي)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يَقُول الرجل إِذا سمع الْمُؤَذّن يُؤذن، إِنَّمَا لم يُوضح مَا يَقُول السَّامع لأجل الْخلاف فِيهِ، وَلكنه ذكر حديثين: أَحدهمَا: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَالْآخر: عَن مُعَاوِيَة، فَالْأول عَام، وَالثَّانِي يخصصه، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْمُرَجح عِنْده مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُوله الْمُؤَذّن إلاَّ فِي الحيعلتين، على مَا نبينه عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :595 ... غــ :611 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابً عَن عَطَاءِ بنِ يِزِيدَ اللَّيْثِي عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن) ، فَهَذَا يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي قَوْله: ( مَا يَقُول إِذا سمع الْمُنَادِي) ، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَعَطَاء بن يزِيد من الزِّيَادَة اللَّيْثِيّ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ أَن عَطاء بن يزِيد أخبرهُ، أخرجه أَبُو عوانه، وَاخْتلف على الزُّهْرِيّ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وعَلى مَالك أَيْضا، لكنه اخْتِلَاف لَا يقْدَح فِي صِحَّته، فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه،.

     وَقَالَ  أَحْمد بن صَالح وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: حَدِيث مَالك وَمن تَابعه أصح، وَرَوَاهُ أَيْضا يحيى الْقطَّان عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد.
أخرجه مُسَدّد فِي ( مُسْنده) عَنهُ:.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه خطأ، وَالصَّوَاب الرِّوَايَة الأولى.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن، وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى ابْن سعيد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر وَأبي كريب، كِلَاهُمَا عَن زيد بن الْحبابُ، كلهم عَن مَالك.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( النداء) أَي: الْأَذَان.
قَوْله: ( فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن) مثل مَنْصُوب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف، أَي: قُولُوا قولا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: مثل قَول الْمُؤَذّن، والمثل هُوَ النظير، يُقَال: مثل وَمثل ومثيل مثل: شبه وَشبه وشبيه، والمماثلة بَين الشَّيْئَيْنِ اتحادهما فِي النَّوْع: كزيد وَعَمْرو فِي الإنسانية.
.

     وَقَالَ  ابْن وضاح: قَوْله الْمُؤَذّن، مدرج والْحَدِيث: ( فَقولُوا مثل مَا يَقُول) ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمُؤَذّن، وَفِيه نظر لِأَن الإدراج لَا يثبت بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، وَالرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ: ( مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن) ، وَحذف صَاحب ( الْعُمْدَة) لفظ: الْمُؤَذّن، لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا قَالَ: مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَلم يقل: مثل مَا قَالَ الْمُؤَذّن، بِلَفْظ الْمَاضِي، ليَكُون قَول السَّامع بعد كل كلمة مثل كلمتها، والصريح فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أم حَبِيبَة: ( أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ عِنْدهَا فَسمع الْمُؤَذّن قَالَ مثل مَا يَقُول حِين يسكت) ، وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي ( صَحِيحه) .

     وَقَالَ  الْحَاكِم: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ.
قلت: قَوْله: على شَرط الشَّيْخَيْنِ، غير جيد، لِأَن فِي سَنَده من لَيْسَ عِنْدهمَا، وَلَا عِنْد أَحدهمَا، وَهُوَ: عبد الله بن عتبَة بن أبي سُفْيَان، وَرَوَاهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر من حَدِيث أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَنْهَا، وَكَذَا أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بقوله: ( فَقولُوا) أَصْحَابنَا أَن إِجَابَة الْمُؤَذّن وَاجِبَة على السامعين لدلَالَة الْأَمر على الْوُجُوب، وَبِه قَالَ ابْن وهب من أَصْحَاب مَالك، والظاهرية، أَلا ترى أَنه يجب عَلَيْهِم قطع الْقِرَاءَة وَترك الْكَلَام وَالسَّلَام ورده وكل عمل غير الْإِجَابَة؟ فَهَذَا كُله أَمارَة الْوُجُوب.
.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَجُمْهُور الْفُقَهَاء: الْأَمر فِي هَذَا الْبابُُ على الِاسْتِحْبابُُ دون الْوُجُوب، وَهُوَ اخْتِيَار الطَّحَاوِيّ أَيْضا.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: تسْتَحب إِجَابَة الْمُؤَذّن بالْقَوْل، مثل قَوْله لكل من سَمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وَغَيرهم مِمَّن لَا مَانع لَهُ من الْإِجَابَة.

فَمن أَسبابُُ الْمَنْع: أَن يكون فِي الْخَلَاء، أَو جماع أَهله أَو نَحْوهَا.
وَمِنْهَا: أَن يكون فِي صَلَاة، فَمن كَانَ فِي صَلَاة فَرِيضَة أَو نَافِلَة وَسمع الْمُؤَذّن لم يُوَافقهُ فِي الصَّلَاة، فَإِذا سلم أَتَى بِمثلِهِ، فَلَو فعله فِي الصَّلَاة هَل يكره؟ فِيهِ قَولَانِ للشَّافِعِيّ، فَفِي أظهرهمَا يكره، لَكِن لَا تبطل صلَاته، فَلَو قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، وَالصَّلَاة خير من النّوم، بطلت صلَاته إِن كَانَ عَالما بِتَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ كَلَام آدَمِيّ، وَلَو سمع الْأَذَان وَهُوَ فِي قِرَاءَة وتسبيح وَنَحْوهمَا قطع مَا هُوَ فِيهِ وأتى بمتابعة الْمُؤَذّن، ويتابعه فِي الْإِقَامَة كالأذان إلاَّ أَنه يَقُول فِي لفظ الْإِقَامَة: أَقَامَهَا الله وأدامها، وَإِذا ثوب الْمُؤَذّن فِي صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، قَالَ سامعه: صدقت وبررت.
انْتهى.

وَقَالَ أَصْحَابنَا: يجب على السَّامع أَن يَقُول مثل مَا قَالَ الْمُؤَذّن، إلاَّ قَوْله: حَيّ على الصَّلَاة، فَإِنَّهُ يَقُول مَكَان قَوْله: حَيّ على الصَّلَاة: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم، وَمَكَان قَوْله: حَيّ على الْفَلاح: مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن، لِأَن إِعَادَة ذَلِك تشبه المحاكاة والاستهزاء، وَكَذَا إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الصَّلَاة خير من النّوم، وَلَا يَقُول السَّامع مثله، وَلَكِن يَقُول: صدقت وبررت، وَيَنْبَغِي أَن لَا يتَكَلَّم السَّامع فِي خلال الْأَذَان وَالْإِقَامَة، وَلَا يقْرَأ الْقرَان، وَلَا يسلم وَلَا يرد السَّلَام، وَلَا يشْتَغل بِشَيْء من الْأَعْمَال سوى الْإِجَابَة، وَلَو كَانَ فِي قِرَاءَة الْقرَان يقطع وَيسمع الْأَذَان ويجيب، وَفِي ( فَوَائِد) الرستغفني: لَو سمع وَهُوَ فِي الْمَسْجِد يمْضِي فِي قِرَاءَته، وَإِن كَانَ فِي بَيته فَكَذَلِك، إِن لم يكن أَذَان مَسْجده، وَعَن الْحلْوانِي: لَو أجَاب اللِّسَان وَلم يمش إِلَى الْمَسْجِد لَا يكون مجيبا.
وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد وَلم يجب لَا يكون اثما، وَلَا تجب الْإِجَابَة على من لَا تجب عَلَيْهِ الصَّلَاة، ولأجيب إيضا وَهُوَ فِي الصَّلَاة سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: اخْتلف أَصْحَابنَا: هَل يحْكى الْمُصَلِّي لفظ الْمُؤَذّن فِي حَالَة الْفَرِيضَة أَو النَّافِلَة أم لَا يحكيه فيهمَا، أم يَحْكِي فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة؟ على ثَلَاثَة أَقْوَال.
انْتهى.
ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا: هَل يَقُول عِنْد سَماع كل مُؤذن أم الأول فَقَط؟ وَسُئِلَ ظهير الدّين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ: يجب عَلَيْهِ إِجَابَة مُؤذن مَسْجده بِالْفِعْلِ.
فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: ( كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُغير إِذا طلع الْفجْر، وَكَانَ يستمع الْأَذَان، فَإِن سمع الْأَذَان أمسك وإلاَّ أغار.
قَالَ: فَسمع رجلا يَقُول: الله أكبر الله أكبر، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفطْرَة، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت من النَّار، فنظروا فَإِذا هُوَ راعي معزى)
.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله قَالَ: ( كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَسمع مناديا وَهُوَ يَقُول: الله أكبر الله أكبر، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على الْفطْرَة، فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من النَّار، فابتدرناه فَإِذا هُوَ صَاحب مَاشِيَة أَدْرَكته الصَّلَاة فَأذن لَهَا)
.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سمع الْمُنَادِي يُنَادي.

     وَقَالَ  غير مَا قَالَ، فَدلَّ ذَلِك على أَن قَوْله: ( إِذا سَمِعْتُمْ الْمُنَادِي فَقولُوا مثل الَّذِي يَقُول) ، إِن ذَلِك لَيْسَ على الْإِيجَاب، وَأَنه على الِاسْتِحْبابُُ والندبة إِلَى الْخَيْر وإصابة الْفضل، كَمَا قد علم النَّاس من الدُّعَاء الَّذِي أَمرهم أَن يَقُولُوا فِي دبر الصَّلَوَات وَمَا أشبه ذَلِك.
قلت: الْأَمر الْمُطلق الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن يدل على الْوُجُوب، وَلَا سِيمَا قد تأيد ذَلِك بِمَا رُوِيَ من الْأَخْبَار والْآثَار فِي الْحَث على الْإِجَابَة، وَقد روى ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَاصِم عَن الْمسيب بن رَافع عَن عبد الله قَالَ: من الْجفَاء أَن تسمع الْمُؤَذّن ثمَّ لَا تَقول مثل مَا يَقُول.
انْتهى.
وَلَا يكون من الْجفَاء إِلَّا ترك الْوَاجِب، وَترك الْمُسْتَحبّ لَيْسَ من الْجفَاء، وَلَا تَاركه جَاف، وَالْجَوَاب عَن الْحَدِيثين: أَنَّهُمَا لَا يُنَافِي إِجَابَة الرَّسُول لذَلِك الْمُنَادِي بِمثل مَا قَالَ، وَيكون الرَّاوِي ترك ذكره أَو يكون الْأَمر بالإجابة بعد هَذِه الْقَضِيَّة.
قَوْله: على الْفطْرَة، أَي: على الْإِسْلَام، إِذا كَانَ الْأَذَان شعارهم، وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع أذانا أمسك، وَإِن لم يسمع أغار، لِأَنَّهُ كَانَ فرق مَا بَين بلد الْكفْر وبلد الْإِسْلَام.
فَإِن قلت: كَيفَ يكون مُجَرّد الْقبُول بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِيمَانًا؟ قلت: هُوَ إِيمَان بِاللَّه فِي حق الْمُشرك، وَحقّ من لم يكن بَين الْمُسلمين.
أما الْكِتَابِيّ وَالَّذِي يخالط الْمُسلمين لَا يصير مُؤمنا إِلَّا بالتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة، بل شَرط بَعضهم التبري مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ من الدّين الَّذِي يَعْتَقِدهُ.
وَأما الدَّلِيل على مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا فِي الحيعلتين وَالصَّلَاة خير من النّوم، فسنذكره فِي الحَدِيث الْآتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.





[ قــ :595 ... غــ :61 ]
- حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالةَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ يَحْيَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ بنِ الحَارِثِ قَالَ حدَّثني عِيسَى بنْ طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْما فَقال مِثْلَهُ إلَى قَوْلِهِ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رسولُ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح الْإِبْهَام.
فِي قَوْله: ( مَا يَقُول إِذا سمع الْمُؤَذّن) ، وَقد قُلْنَا: إِنَّه أبهم التَّرْجَمَة لاحتمالها الْوَجْهَيْنِ، فَحَدِيث أبي سعيد أوضح الْوَجْه الأول، وَحَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا أوضح الْوَجْه الثَّانِي.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: معَاذ بن فضَالة، بِضَم الْمِيم وَفتح الْفَاء، تقدم ذكره.
الثَّانِي: هِشَام الدستوَائي.
الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير، الرَّابِع: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الْمدنِي، مضى ذكره فِي: بابُُ الصَّلَاة الْخمس كَفَّارَة.
الْخَامِس: عِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي من أفاضل أهل الْمَدِينَة، مَاتَ فِي زَمَنه عمر بن عبد الْعَزِيز.
السَّادِس: مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأهوازي ويماني ومدني.

وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَحْمُود بن خَالِد عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير بِهِ، وَلم يذكر الزِّيَادَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فَقَالَ مثله) ، أَي: مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن، ويروى: بِمثلِهِ، وَهَهُنَا سَأَلَ الْكرْمَانِي سؤالين: الأول: أَن السماع لَا يَقع إِلَّا على الذوات إِلَّا إِذا وصف بالْقَوْل، وَنَحْوه، كَقَوْلِه تَعَالَى: { سمعنَا مناديا يُنَادي للْإيمَان} ( ال عمرَان: 193) .
وَأجَاب بِأَن القَوْل مُقَدّر، أَي: سمع مُعَاوِيَة قَالَ يَوْمًا، وَلَفظ: فَقَالَ، مُفَسّر: لقَالَ الْمُقدر، وَمثل هَذِه: الْفَاء، تسمى بِالْفَاءِ التفسيرية.
وَالثَّانِي: كلمة: إِلَى، للغاية، وَحكم مَا بعْدهَا خلاف مَا قبلهَا، وَيلْزم أَن لَا يَقُول فِي أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مثله، وَأجَاب بِأَن: إِلَى، هَهُنَا بِمَعْنى: الْمَعِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} ( النِّسَاء: ) .
سلمنَا أَنَّهَا بِمَعْنى الِانْتِهَاء، لَكِن حكمهَا متفاوت، فقد لَا تدخل الْغَايَة تَحت المغيا؟ قَالَ صَاحب ( الْحَاوِي) : الْإِقْرَار بقوله من وَاحِد إِلَى عشرَة إِقْرَار بِتِسْعَة، وَقد تدخل: قَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ إِقْرَار بِالْعشرَةِ، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، سلمنَا وجوب الْمُخَالفَة بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا.
لَكِن لَا نسلم وُجُوبهَا بَين نفس الْغَايَة وَمَا قبلهَا، كَمَا يُقَال: مَا بعد الْمرْفق حكم مُخَالف لحكم مَا قبله، لَا نفس الْمرْفق.
فَفِي مَسْأَلَتنَا: تجب مُخَالفَة حكم الحيعلة لما قبلهَا، لَا حكم الشَّهَادَة بالرسالة.
قلت: الأَصْل فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة عِنْد أبي حنيفَة أَنه لَا يدْخل الِابْتِدَاء وَلَا يدْخل الِانْتِهَاء، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يدخلَانِ جَمِيعًا.
وَعند زفر: لَا يدخلَانِ جَمِيعًا، فَالَّذِي يلْزمه عِنْد أبي حنيفَة تِسْعَة، وَعِنْدَهُمَا عشرَة، وَعند زفر ثَمَانِيَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ الْمُسْتَفَاد من حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْبابُُ: أَن يَقُول السَّامع من الْمُؤَذّن مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن إلاَّ فِي الحيعلتين، وَاخْتصرَ البُخَارِيّ حَدِيث مُعَاوِيَة هَهُنَا، وَقد روى حَدِيثه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْبابُُ مُضْطَرب الْأَلْفَاظ، بَيَان ذَلِك أَنه روى مثل مَا يَقُول طَائِفَة، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن من أول الْأَذَان إِلَى آخِره، رُوِيَ هَذَا عَن الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: ( كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة فَأذن الْمُؤَذّن، فَقَالَ مُعَاوِيَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن يُؤذن فَقولُوا مثل مقَالَته) .
أَو كَمَا قَالَ، وروى عَنهُ: ( مثل مَا يَقُول) ، طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن فِي كل شَيْء إِلَّا قَوْله: حى على الصَّلَاة حى على الْفَلاح، فَإِنَّهُ يَقُول فيهمَا: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ يتم الْأَذَان، وَهُوَ رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) : حَدثنَا معَاذ بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحيى عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: ( أذن الْمُؤَذّن عِنْد مُعَاوِيَة فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر، قَالَ مُعَاوِيَة الله اكبر الله اكبر: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله.
فَقَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله.
قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله.
فَقَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، فَقَالَ: حَيّ على الْفَلاح، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.
فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر، قَالَ مُعَاوِيَة: الله أكبر الله أكبر.
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
.
وَرُوِيَ عَنهُ: مثل مَا يَقُول، طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن فِي التَّشَهُّد وَالتَّكْبِير دون سَائِر الْأَلْفَاظ، وَهُوَ رِوَايَة عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) : عَن ابْن عُيَيْنَة عَن مجمع الْأنْصَارِيّ أَنه سمع أَبَا أُمَامَة بن سهل بن حنيف حِين سمع الْمُؤَذّن كبر وَتشهد بِمَا تشهد بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا حَدثنَا مُعَاوِيَة أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كَمَا يَقُول الْمُؤَذّن، فَإِذا قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَقَالَ: وَأَنا أشهد، ثمَّ سكت.
وروى عَنهُ: مثل مَا يَقُول طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن حَتَّى يبلغ: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح، فَيَقُول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، بدل كل مِنْهُمَا مرَّتَيْنِ، على حسب مَا يَقُول الْمُؤَذّن، ثمَّ لَا يزِيد على ذَلِك، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يخْتم الْأَذَان، وَهُوَ رِوَايَة البُخَارِيّ عَن معَاذ بن فضَالة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ الخ.

ثمَّ مَذَاهِب الْعلمَاء فِي ذَلِك، فَقَالَ النَّخعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَمَالك فِي رِوَايَة: يَنْبَغِي لمن سمع الْأَذَان أَن يَقُول كَمَا يَقُول الْمُؤَذّن حَتَّى يفرغ من أَذَانه، وَهُوَ مَذْهَب أهل الظَّاهِر أَيْضا.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي الْأَصَح، وَمَالك فِي رِوَايَة: يَقُول سامع الْأَذَان مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن إِلَّا فِي الحيعلتين فَإِنَّهُ يَقُول فيهمَا: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسلم: حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، قَالَ: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد ابْن جَهْضَم الثَّقَفِيّ، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن حبيب بن عبد الله بن أساف عَن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب عَن أَبِيه عَن جده عمر بن الْخطاب، قَالَ: ( قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر الله أكبر، فَقَالَ أحدكُم: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَقَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، فَقَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: حَيّ على الْفَلاح، فَقَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: الله أكبر الله أكبر.
فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر.
ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقَالَ: لَا إل هـ إلاَّ اللَّهُ، من قلبه دخل الْجنَّة)
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والطَّحَاوِي.
قَوْله: ( من قلبه) أَي: قَالَ ذَلِك خَالِصا من قلبه، لِأَن الأَصْل فِي القَوْل وَالْفِعْل وَالْإِخْلَاص.





[ قــ :596 ... غــ :613 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حدَّثنا هشامٌ عنْ يَحْيَى نحْوَهُ.
قَالَ يحْيى وحدَّثني بَعْضُ إخْوانِنا أنَّهُ قَالَ لمَّا قَالَ حَيَّ عَلى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ.

     وَقَالَ  هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: إِسْحَاق: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه.
قَالَ الغساني: قَالَ ابْن السكن: كل مَا روى البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب فَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَكَذَلِكَ صرح بِهِ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) وَأخرجه من طَرِيق عبد الله بن شيرويه عَنهُ.
الثَّانِي: وهب بن جرير، بِفَتْح الْجِيم: وَقد مر غير مرّة.
الثَّالِث: هِشَام الدستوَائي.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير.

وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع بِصِيغَة الْجمع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو التحديث الْمَذْكُور بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم.
قَوْله: (قَالَ يحيى، وحَدثني بعض إِخْوَاننَا) هَذَا من بابُُ الرِّوَايَة عَن الْمَجْهُول.
قَالَ الْكرْمَانِي: قيل المُرَاد بِهِ الْأَوْزَاعِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه نظر، لِأَن الظَّاهِر أَن قَائِل ذَلِك ليحيى حَدثهُ بِهِ عَن مُعَاوِيَة، وَأَيْنَ عصر الْأَوْزَاعِيّ من عصر مُعَاوِيَة؟ انْتهى.

قلت: أخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا من أَربع طرق: الأول: من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة ... الحَدِيث، وجده عَلْقَمَة ابْن وَقاص الْمدنِي، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَالثَّانِي: كَذَلِك، وَلَفظه: أَن مُعَاوِيَة قَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والثاالث: عَن عَمْرو بن يحيى عَن عبد الله بن عَلْقَمَة، قَالَ: كنت جَالِسا إِلَى جنب مُعَاوِيَة، فَذكر مثله، ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة: هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول.
وَالرَّابِع: عَن عَمْرو بن يحيى أَن عِيسَى بن عَمْرو أخبرهُ عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص، فَذكر نَحوه.
وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي (سنَنه) : حَدثنَا سعيد بن عَامر حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده: أَن مُعَاوِيَة سمع الْمُؤَذّن قَالَ: الله أكبر الله أكبر فَقَالَ مُعَاوِيَة: الله أكبر الله أكبر) الحَدِيث.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار: حَدثنِي عَمْرو بن يحيى عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ مُعَاوِيَة ... الحَدِيث.
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) من حَدِيث ابْن جريج، قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن عِيسَى بن عَمْرو أخبرهُ عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص، قَالَ: (أَنِّي لعِنْد مُعَاوِيَة) الحَدِيث.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَلْقَمَة عَن أَبِيه عَلْقَمَة بن وَقاص عَن مُعَاوِيَة.
وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن خُزَيْمَة، وَأخرج أَيْضا من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: كنت عِنْد مُعَاوِيَة ... الحَدِيث.
وَفِي هَذِه الطّرق كلهَا الرَّاوِي عَن مُعَاوِيَة هُوَ عَلْقَمَة بن وَقاص، وَعَن عَلْقَمَة ابْنه عبد الله، وَابْنه عَمْرو، وَيحيى بن أبي كثير إِن كَانَ أدْرك عَلْقَمَة فَالْمُرَاد من قَوْله: بعض اخواننا هُوَ: عَلْقَمَة، وَأَن لم يدْرك فَالْمُرَاد غَالِبا أحد ابْني عَلْقَمَة، وهما: عبد الله وَعَمْرو، وَالله أعلم.
وَقد روى عَن مُعَاوِيَة أَيْضا نهشل التَّمِيمِي، أخرجه الطَّبَرَانِيّ بإسنادٍ واهٍ.
ثمَّ إعلم أَن قَوْله: (قَالَ يحيى وحَدثني) إِلَى آخِره، صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَلَيْسَ بتعليق كَمَا زَعمه بَعضهم، بل هُوَ دَاخل فِي إِسْنَاد إِسْحَاق، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ قطب الدّين فِي (شَرحه) : أَن يحيى رَوَاهُ بالإسنادين، وَالْبُخَارِيّ أحَال الْإِسْنَاد الأول بقوله: نَحوه، على الَّذِي قبله، وَالَّذِي قبله لَيْسَ بِتمَام، وَقد ذكرنَا تَمَامه فِيمَا مضى.
قَوْله: (وَلما قَالَ) أَي: الْمُؤَذّن لما قَالَ الحيعلة يَعْنِي: حَيّ على الصَّلَاة، قَالَ: أَي مُعَاوِيَة، الحوقلة وَهِي: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَإِنَّمَا لم يذكر حكم حَيّ على الْفَلاح اكْتِفَاء بِذكر إِحْدَى الحيعلتين عَن الْأُخْرَى لظُهُوره.
قَوْله: (لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه) يجوز فِيهِ خَمْسَة أوجه.
الأول: فتحهما بِلَا تَنْوِين.
وَالثَّانِي: فتح الأول وَنصب الثَّانِي منونا.
الثَّالِث: رفعهما منونين.
وَالرَّابِع: فتح الأول وَرفع الثَّانِي منونا.
وَالْخَامِس: عَكسه.
والحول: الْحَرَكَة أَي: لَا حَرَكَة وَلَا استطاعة إِلَّا بِمَشِيئَة الله تَعَالَى، قَالَه ثَعْلَب وَغَيره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَا حول فِي دفع شَرّ، وَلَا قُوَّة فِي تَحْصِيل خير، إِلَّا بِاللَّه.
وَقيل: لَا حول عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بعصمته، وَلَا قُوَّة على طَاعَته إِلَّا بمعونته.
وَحكي هَذَا عَن ابْن مَسْعُود، وَحكى الْجَوْهَرِي لُغَة غَرِيبَة ضَعِيفَة أَنه يُقَال: لَا حيل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، بِالْيَاءِ، قَالَ: والحيل والحول بِمَعْنى.
قلت: لَا ينْسب إِلَيْهِ الضعْف فِي ذَلِك، وَقد ذكر فِي (الْجَامِع) و (الْمُنْتَهى) و (الموعب) و (الْمُخَصّص) و (الْمُحكم) : الْحول والحيل والحول وَالْحِيلَة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل، كل ذَلِك: جودة النّظر وَالْقدر على التَّصَرُّف، فَلَا ينْفَرد إِذا بِهَذِهِ اللَّفْظَة.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: يُقَال فِي التَّعْبِير عَن قَوْلهم: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه: الحوقلة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الحوقلة، فعلى الأول وَهُوَ الْمَشْهُور الْحَاء وَالْوَاو من الْحول، وَالْقَاف من الْقُوَّة، وَاللَّام من اسْم الله.
وعَلى الثَّانِي: الْحَاء وَاللَّام من الْحول، وَالْقَاف من الْقُوَّة، وَمثلهَا: الحيعلة والبسملة والحمدلة والهيللة والسبحلة، فِي حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح، وبسم الله، وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَسُبْحَان الله.
.

     وَقَالَ  المطرزي: فِي (كتاب اليواقيت) وَفِي غَيره: إِن الْأَفْعَال الَّتِي اخذت من أسمائها سَبْعَة وَهِي: بسمل الرجل، إِذا قَالَ: بِسم الله، وسبحل، إِذا قَالَ: سُبْحَانَ الله، وحوقل، إِذا قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وحيعل، إِذا قَالَ: حَيّ على الْفَلاح.
وَيَجِيء على الْقيَاس: حيصل، إِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، وَلم يذكر: وحمدل، إِذا قَالَ: الْحَمد لله.
و: هيلل، إِذا قَالَ: لَا أَله إِلَّا الله، و: جعفل، إِذا قَالَ: جعلت فداءك.
زَاد الثعالبي: الطيقلة، إِذا قَالَ: أَطَالَ الله بَقَاءَك، و: الدمعزة، إِذا قَالَ: أدام الله عزك.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: قَوْله: الحيصلة على قِيَاس الحيعلة غير صَحِيح، بل الحيعلة تطلق على حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح، كلهَا حيعلة، وَلَو كَانَ على قِيَاسه فِي الحيصلة لَكَانَ الَّذِي يُقَال فِي: حَيّ على الْفَلاح، الحيفلة بِالْفَاءِ، وَهَذَا لم يقل، وَإِنَّمَا الحيعلة من قَوْلهم: حَيّ على كَذَا، فَكيف وَهُوَ بابُُ مسموع لَا يُقَاس عَلَيْهِ؟ وَانْظُر قَوْله: جعفل، فِي: جعلت فدَاك، لَو كَانَ على قِيَاس الحيعلة لقَالَ جعلف، إِذْ اللَّام مُقَدّمَة على الْفَاء، كَذَلِك: والطيقلة، تكون اللَّام على الْقيَاس قبل الْقَاف، وَالله تَعَالَى أعلم.