فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من النياحة على الميت

(بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره من النِّيَاحَة: أَي: كَرَاهَة التَّحْرِيم، وَكلمَة: مَا يجوز أَن تكون مَوْصُولَة، وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير على الأول: بابُُ فِي بَيَان الَّذِي يكره، وعَلى الثَّانِي: بابُُ فِي بَيَان الْكَرَاهَة من النِّيَاحَة، وعَلى الْوَجْهَيْنِ كلمة: من، بَيَانِيَّة.
قيل: يحْتَمل أَن تكون تبعيضية، وَالتَّقْدِير: كَرَاهَة بعض النِّيَاحَة، وَكَأن قَائِل هَذَا لمح مَا نَقله ابْن قدامَة عَن أَحْمد فِي رِوَايَته: إِن بعض النِّيَاحَة لَا يحرم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينْه عمَّة جَابر لما ناحت، فَدلَّ على أَن النِّيَاحَة إِنَّمَا تحرم إِذا انضاف إِلَيْهَا فعل من ضرب خد أَو شقّ جيب، ورد بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا نهى عَن النِّيَاحَة بعد هَذِه الْقِصَّة، لِأَنَّهَا كَانَت بِأحد.
وَقد قَالَ فِي أحد: لَكِن حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا بواكي لَهُ، ثمَّ نهى عَن ذَلِك، وتوعد عَلَيْهِ، وبيَّن ذَلِك ابْن مَاجَه: حَدثنَا هَارُون ابْن سعيد الْمصْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وهب، قَالَ: أخبرنَا أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بنساء عبد الْأَشْهَل يبْكين هلكاهن يَوْم أحد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَكِن حَمْزَة لَا بواكي لَهُ، فَجَاءَت نسَاء الْأَنْصَار يبْكين حَمْزَة، فَاسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ويحهن مَا انقلبن بعد، مروهن فلينقلبن وَلَا يبْكين على هَالك بعد الْيَوْم) .
وَأخرجه أَحْمد أَيْضا وَالْحَاكِم وَصَححهُ.

وَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنَّ نَقْعٌ أوْ لَقْلَقَةٌ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن يُوسُف الْأَصْفَهَانِي: أخبرنَا أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي حَدثنَا سَعْدَان بن نصر حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق، قَالَ: لما مَاتَ خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اجْتمع نسْوَة بني الْمُغيرَة يبْكين عَلَيْهِ، فَقيل لعمر: أرسل إلَيْهِنَّ فإنههن، فَقَالَ عمر: مَا عَلَيْهِنَّ أَن يُهْرِقَن دُمُوعهنَّ على أبي سُلَيْمَان، مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة، وَأَبُو سُلَيْمَان كنية خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

قَالَ بَعضهم: اتنبيه: كَانَت وَفَاة خَالِد بن الْوَلِيد بِالشَّام سنة إِحْدَى وَعشْرين.
قلت: لم يُنَبه أحدا، فَإِن الشَّام اسْم لهَذِهِ الأقاليم الْمَشْهُورَة وحدَّها من الغرب بَحر الرّوم من طرسوس إِلَى رفح الَّتِي فِي أول الجفار بَين مصر وَالشَّام، وَمن الْجنُوب من رفح إِلَى حُدُود تيه بني إِسْرَائِيل إِلَى مَا بَين الشوبك وأيلة إِلَى البلقاء، وَمن الشرق إِلَى مَشَارِق صرخد إِلَى مشارف حلب إِلَى بالس، وَمن الشمَال من بالس مَعَ الْفُرَات إِلَى قلعة نجم إِلَى البئيرة إِلَى قلعة الرّوم إِلَى سمياط إِلَى حصن الرّوم إِلَى بهنسا إِلَى مرعش إِلَى طرسوس إِلَى بَحر الرّوم من حَيْثُ ابتدأنا، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك كَيفَ يُنَبه النَّاظر؟ وَكَيف يعلم وَفَاة خَالِد فِي أَي صقع من بِلَاد الشَّام كَانَت؟ فَنَقُول: قد اخْتلف أهل السّير وَالْأَخْبَار فِي مَكَان وَفَاته، قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي بعض قرى حمص على ميل من حمص فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين، قَالَ صَاحب (الْمرْآة) : هَذَا قَول عَامَّة المؤرخين، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التلقيح) : قَالَ: لما عزل عمر خَالِدا لم يزل مرابطا بحمص حَتَّى مَاتَ.
.

     وَقَالَ  إِسْحَاق بن بشر: قَالَ مُحَمَّد: مَاتَ خَالِد بن الْوَلِيد بِالْمَدِينَةِ، فَخرج عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي جنَازَته وَإِذا أمه تندب وَتقول أبياتا أَولهَا هُوَ قَوْلهَا:
(أَنْت خير من ألف ألف من الْقَوْم ... إِذا مَا كنت وُجُوه الرِّجَال)

فَقَالَ عمر: صدثت إِن كَانَ كَذَلِك، وَجَمَاعَة عَن أَنه مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ سيف بن عمر عَن مُبشر عَن سَالم قَالَ: حج عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واشتكى خَالِد بعده وَهُوَ خَارج الْمَدِينَة زَائِرًا لأمه، فَقَالَ لَهَا: قدموني إِلَى مُهَاجِرِي، فَقدمت بِهِ الْمَدِينَة ومرضته، فَلَمَّا ثقل وأظل قدوم عمر لقِيه لاقٍ على مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَقد صدر عمر عَن الْحَج، فَقَالَ لَهُ عمر: مَهيم؟ فَقَالَ: خَالِد بن الْوَلِيد ثقل لما بِهِ، فطوى ثَلَاثًا فِي لَيْلَة فأدركه حِين قضى، فرقَّ عَلَيْهِ فَاسْتَرْجع وَجلسَ بِبابُُِهِ حَتَّى جهز وبكته البواكي، فَقيل لعمر: أَلا تسمع لهَذِهِ؟ فَقَالَ: وَمَا على نسَاء آل الْوَلِيد أَن يسفحن على خَالِد من دُمُوعهنَّ مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة؟.

     وَقَالَ  الْمُوفق فِي الْأَنْسَاب: عَن مُحَمَّد بن سَلام، قَالَ: لم تبْق امْرَأَة من نسَاء بني الْمُغيرَة إلاَّ وضعت لمتها على قبر خَالِد، أَي: حلقن رَأسهَا وشققن الْجُيُوب ولطمن الخدود وأطعمن الطَّعَام، مَا نهاهن عمر.
قَالُوا: فَهَذَا كُله يَقْتَضِي مَوته بِالْمَدِينَةِ، وَإِلَيْهِ ذهب دُحَيْم أَيْضا.
.

     وَقَالَ ت عَامَّة الْعلمَاء، مِنْهُم: الْوَاقِدِيّ وَأَبُو عبيد وإبرهيم بن الْمُنْذر وَمُحَمّد بن عبد الله وَأَبُو عمر والعصفري ومُوسَى بن أَيُّوب وَأَبُو سُلَيْمَان بن أبي مُحَمَّد، وَآخَرُونَ: إِنَّه مَاتَ بحمص سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَزَاد الْوَاقِدِيّ: وَأوصى إِلَى عمر ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلى الرَّأسِ، واللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ

فسر البُخَارِيّ النَّقْع: بِالتُّرَابِ، وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْقَاف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَفسّر اللَّقْلَقَة، باللامين والقافين: بالصوت.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: النَّقْع هَهُنَا الصَّوْت العالي، وَاللَّقْلَقَة حِكَايَة صَوت ترديد النواحة.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: النَّقْع الصَّوْت بالبكاء.
قَالَ: وَبِهَذَا فسره البُخَارِيّ، فَهَذَا كَمَا رَأَيْت مَا فسر البُخَارِيّ النَّقْع إلاَّ بِالتُّرَابِ.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَالَّذِي رَأَيْت فِي سَائِر نسخ البُخَارِيّ، الَّذِي رَأَيْته، يَعْنِي: فسر النَّقْع بِالتُّرَابِ، وروى سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: النَّقْع الشق أَي: شقّ الْجُيُوب.
وَكَذَا قَالَ وَكِيع فِيمَا رَوَاهُ ابْن سعد عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الْكسَائي: هُوَ صَنْعَة الطَّعَام فِي المأتم،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد النقيعة: طَعَام الْقدوم من السّفر، وَفِي (الْمُجْمل) : النَّقْع الصُّرَاخ.
وَيُقَال: هُوَ النقيع.
وَفِي (الصِّحَاح) : النقيع الصُّرَاخ، ونقع الصَّوْت واستنقع أَي: ارْتَفع.
وَفِي (الموعب) : نقع الصَّارِخ بِصَوْتِهِ وانقع إِذا تَابعه.
وَفِي (الْجَامِع) و (الجمهرة) : الصَّوْت واختلاطه فِي حَرْب أَو غَيرهَا.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: اللَّقْلَقَة تتَابع ذَلِك، كَمَا تفعل النِّسَاء فِي المأتم وَهُوَ شدَّة الصَّوْت.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده عَن ابْن الْأَعرَابِي: تقطيع الصَّوْت، وَقيل: الجلبة.



[ قــ :1243 ... غــ :1291 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ رَبِيعَةَ عنِ المُغِيرَةِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنَّ كَذِبا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: سعيد ابْن عبيد الطَّائِي أَبُو الْهُذيْل.
الثَّالِث: عَليّ بن ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء: الْوَالِبِي، بِكَسْر اللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة، يكنى أَبَا الْمُغيرَة.
الرَّابِع: الْمُغيرَة بن شُعْبَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون.
وَفِيه: أَن عَليّ بن ربيعَة لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه: أَنه من الرباعيات.
وَفِيه: سعيد عَن عَليّ، قَالَ بَعضهم: وَصرح فِي رِوَايَة مُسلم بِسَمَاع سعيد عَن عَليّ وَلَفظه: حَدثنَا.
قلت: لم نر فِي مُسلم ذَلِك إلاَّ فِي مقدمته، وَفِي غَيرهَا إِنَّمَا هُوَ بالعنعنة كَمَا هُوَ هَهُنَا.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن عَليّ بن حجر وَعَن ابْن أبي عمر، وَفِي مُقَدّمَة كِتَابه: عَن مُحَمَّد بن عبد الله.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ أَيْضا عَن أَحْمد بن منيع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن كذبا) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر الذَّال، وبكسر الْكَاف وَسُكُون الذَّال، وَكِلَاهُمَا مصدر: كذب يكذب فَهُوَ كَاذِب وَكَذَّاب وكذوب وكيذوبان ومكذبان ومكذبان ومكذبانة وكذبة، مثل: همزَة، وكذبذب مخفف، وَقد يشدد.
وَالْكذب خلاف الصدْق، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ من كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (على أحد) أَي: غَيْرِي، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْكَذِب على غَيره أَيْضا مَعْصِيّة: { وَمن يعَض الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا} (النِّسَاء: 41) .
قلت الْكَذِب عَلَيْهِ كَبِيرَة لِأَنَّهَا على الصَّحِيح مَا توعد الشَّارِع عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا كَذَلِك، بِخِلَاف الْكَذِب على غَيره فَإِنَّهُ صَغِيرَة، مَعَ أَن الْفرق ظَاهر بَين دُخُول النَّار فِي الْجُمْلَة وَبَين جعل النَّار مسكنا ومثوىً، سِيمَا وَبابُُ التفعيل يدل على الْمُبَالغَة، وَلَفظ الْأَمر على الْإِيجَاب، أَو المُرَاد بالمعصية فِي الْآيَة: الْكَبِيرَة أَو الْكفْر بِقَرِينَة الخلود.
قَوْله: (فَليَتَبَوَّأ) أَي: فليتخذ لَهُ مسكنا فِي النَّار.
قَوْله: (من ينح عَلَيْهِ) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: من النوح، وَأَصله يناح سَقَطت الْألف عَلامَة الْجَزْم لِأَن: من، شَرْطِيَّة.
وَقَوله: (يعذب) على صِيغَة الْمَجْهُول بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: فَهُوَ يعذب، وَهَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين.
ويروى: (من نيح عَلَيْهِ) بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْيَاء وَفتح الْحَاء: على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من يناح) ، ووجهها أَن تكون: من، مَوْصُولَة.
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ ابْن عبد الْعَزِيز عَن أبي نعيم بِلَفْظ: (إِذا نيح على الْمَيِّت عذب بالنياحة عَلَيْهِ) .
قَوْله: (بِمَا نيح عَلَيْهِ) الْبَاء للسَّبَبِيَّة، و: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: بِسَبَب النوح عَلَيْهِ، وَهُوَ بِكَسْر النُّون عِنْد الْجَمِيع، ويروى: (مَا نيح) ، بِغَيْر الْبَاء.
قَالَ بَعضهم: على أَن: مَا، ظرفية.
قلت: فِي هَذِه الرِّوَايَة تكون: مَا، للمدة أَي: يعذب مُدَّة النوح عَلَيْهِ، وَلَا يُقَال: مَا، ظرفية، وَيجوز أَن يكون (بِمَا نيح) حَالا، وَمَا، مَوْصُولَة أَي: يعذب ملتبسا بِمَا ندب عَلَيْهِ من الْأَلْفَاظ: يَا جبلاه، يَا كهفاه، وَنَحْوهمَا على سَبِيل التهكم.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن النوح حرَام بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ جاهلي، وَكَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يشْتَرط على النِّسَاء فِي مبايعتهن على الْإِسْلَام أَن لَا يَنحن، وَالْبابُُ دَال على أَن النَّهْي عَن الْبكاء على الْمَيِّت إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ فِيهِ نوح، وَأَنه جَائِز بِدُونِهِ، فقد أَبَاحَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَهُنَّ الْبكاء بِدُونِهِ، وَشرط الشَّارِع فِي حَدِيث الْمُغيرَة أَنه: (يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ) يدل على أَن الْبكاء بِدُونِهِ لَا عَذَاب فِيهِ.

ذكر الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذ الْبابُُ: وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي الْبابُُ عَن خَمْسَة عشر صحابيا فِي لعن فَاعله، والوعيد والتبري، ابْن مَسْعُود، وَأَبُو مُوسَى، وَمَعْقِل بن مقرن، وَأَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَمُعَاوِيَة، وَأَبُو سعيد، وَأَبُو أُمَامَة وَعلي، وَجَابِر، وَقيس بن عَاصِم، وجنادة بن مَالك، وَأم عَطِيَّة، وَأم سَلمَة.
وَذكرهمْ بالعد دون بَيَان من استخرج أَحَادِيثهم، فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: أما حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَأخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.
وَحَدِيث أبي مُوسَى عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا على مَا يَأْتِي.
وَحَدِيث معقل بن مقرون عِنْد الْكَجِّي فِي (السّنَن الْكَبِير) بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن معقل بن مقرن: (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المرنة والشاقة جيبها واللاطمة وَجههَا) .
وَحَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عِنْد مُسلم من رِوَايَة أبي سَلام: أَن أَبَا مَالك الْأَشْعَرِيّ حَدثهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة لَا يتركونهن: الْفَخر فِي الأحساب، والطعن فِي الْأَنْسَاب، وَالِاسْتِسْقَاء بالأنواء، والنياحة.
.

     وَقَالَ : النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب) .
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَلَفظه: (النِّيَاحَة من أَمر الْجَاهِلِيَّة، وَأَن النائحة إِذا لم تتب قطع الله لَهَا ثيابًا من قطران وَدِرْعًا من لَهب النَّار) .
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة لَيْسَ يدعهن النَّاس: النِّيَاحَة.
.
) الحَدِيث، وَتفرد بِهِ التِّرْمِذِيّ.
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) بِإِسْنَادِهِ عَنهُ.
{ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} (الممتحنة: 21) .
قَالَ (مَنعهنَّ أَن يَنحن، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُمَزِّقْنَ الثِّيَاب، وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوه، وَيَقْطَعْنَ الشُّعُور، وَيدعونَ بالثبور وَالثُّبُور الويل.
وَحَدِيث مُعَاوِيَة أخرجه ابْن مَاجَه: خطب مُعَاوِيَة بحمص، فَذكر فِي خطبَته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نهى عَن النوح) .
وَحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لعن الله النائحة والمستمعة) .
وَحَدِيث أبي أُمَامَة أخرجه ابْن مَاجَه: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعن الخامشة وَجههَا والشاقة جيبها والداعية بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور) .
وَحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه (نهى عَن النوح) .
وَحَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَنهُ، أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِنَّمَا نهيت عَن النوح) .
وَحَدِيث قيس بن عَاصِم أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ قَالَ: (لَا تنوحوا عَليّ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ينح عَلَيْهِ) .
وَحَدِيث جُنَادَة بن مَالك أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ثَلَاث من فعل الْجَاهِلِيَّة لَا يدعهن أهل الْإِسْلَام: استسقاء بالكواكب، وَطعن فِي النّسَب، والنياحة على الْمَيِّت) .
وَحَدِيث أم عَطِيَّة عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ.
وَحَدِيث أم سَلمَة أخرجه ابْن مَاجَه عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم { وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} (الممتحنة: 21) .
قَالَ: النوح.

قلت: وَفِي الْبابُُ أَيْضا عَن امْرَأَة من المبايعات، وَعَن عمر، وَعَن أنس، وَعَن عَمْرو بن عَوْف، وَابْن عمر، وَعمْرَان ابْن حُصَيْن، وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وسلمان، وَسمرَة وَامْرَأَة أبي مُوسَى.
فَحَدِيث امْرَأَة من المبايعات أخرجه أَبُو دَاوُد عَنْهَا، قَالَت: (كَانَ فِيمَا أَخذ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَعْرُوف الَّذِي أَخذ علينا أَن لَا نعصيه فِيهِ: أَن لَا نخمش وَجها وَلَا نَدْعُو ويلاً وَلَا نشق جيبا وَأَن لَا ننشر شعرًا) .
وَحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.
وَحَدِيث أنس أخرجه النَّسَائِيّ: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخذ على النِّسَاء حِين بايعهن أَن لَا يَنحن) الحَدِيث.
وَحَدِيث عَمْرو بن عَوْف أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) : عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ثَلَاث من أَعمال الْجَاهِلِيَّة لَا يتركهن النَّاس: الطعْن فِي الْأَنْسَاب، والنياحة، وَقَوْلهمْ: مُطِرْنَا بِنَجْم كَذَا وَكَذَا) .
وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه الْبَيْهَقِيّ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن النائحة والمستمعة والحالقة والواشمة والمتوشمة،.

     وَقَالَ : لَيْسَ للنِّسَاء فِي اتِّبَاع الْجَنَائِز أجر) .
وَحَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ، قَالَ: (الْمَيِّت يعذب بنياحة أَهله عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رجل: أَرَأَيْت رجلا مَاتَ بخراسان وناح أَهله عَلَيْهِ هَهُنَا أَكَانَ يعذب بنياحة أَهله عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكذبت أَنْت وَحَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَنهُ قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي، فَقَالَ: يَا عَبَّاس، ثَلَاث لَا يدعهن قَوْمك: الطعْن فِي النّسَب، والنياحة، والاستمطار بالأنواء) .
وَحَدِيث سلمَان أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ثَلَاثَة من الْجَاهِلِيَّة: الْفَخر فِي الأحساب، والطعن فِي الْأَنْسَاب والنياحة) .
وَحَدِيث سَمُرَة أخرجه الْبَزَّار عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْمَيِّت يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ) .
وَحَدِيث امْرَأَة أبي مُوسَى عِنْد أبي دَاوُد، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ منا من حلق وَمن سلق وَمن خرق) .
قلت: امْرَأَة أبي مُوسَى أم عبد الله، بنت أبي دومة.
قَوْله: (من حلق) أَي: شعره عِنْد الْمُصِيبَة إِذا حلت بِهِ.
قَوْله: (وَمن سلق) ، أَي: رفع صَوته عِنْد الْمُصِيبَة، وَقيل: أَن تصك الْمَرْأَة وَجههَا، وَأَن تخدشه وَيُقَال: صلق بالصَّاد.
قَوْله: (وَمن خرق) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: شقّ ثِيَابه عِنْد الْمُصِيبَة.





[ قــ :144 ... غــ :19 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبرنِي أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ.

(أنظر الحَدِيث 781 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان، وَأَبُو عُثْمَان ابْن جبلة، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحتين: ابْن أبي رواد ابْن أخي عبد الْعَزِيز بن أبي رواد الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رواد اسْمه: ثَابت.
قَوْله: (عَن سعيد بن الْمسيب) ويروى: (حَدثنَا سعيد بن الْمسيب.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم، أَي:، فِي الْجَنَائِز عَن ابْن الْمثنى، وَعَن ابْن بشار، وَأخرجه النَّسَائِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن بنْدَار وَمُحَمّد بن الْوَلِيد وَعَن نصر بن عَليّ.

تابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ قَالَ حدَّثنا قَتَادَةُ.
.

     وَقَالَ  آدَمُ عنْ شُعْبَةَ المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ عَلَيْهِ

أَي: تَابع عَبْدَانِ عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، قَالَ: حَدثنَا يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع، مصغر زرع، قَالَ: حَدثنَا سعيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، قَالَ: حَدثنَا قَتَادَة يَعْنِي: عَن سعيد بن الْمسيب، وَقد وَصله أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد كَذَلِك.
قَوْله: (وَقَالَ آدم) ، هُوَ ابْن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة، يَعْنِي بِإِسْنَاد حَدِيث الْبابُُ، لَكِن بِغَيْر لفظ الْمَتْن وَهُوَ قَوْله: (يعذب ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ) وَتفرد آدم بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد رَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وحجاج بن مُحَمَّد، كلهم عَن شُعْبَة كَالْأولِ، وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: سَمِعت قَتَادَة يحدث عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (الْمَيِّت يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ) .
<

( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ لفظ بابُُ وَحده كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَلَيْسَ بمذكور فِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة.



[ قــ :145 ... غــ :193 ]
- حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدثنَا ابنُ المُنْكَدِرِ.
قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ جِيءَ بِأبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أنْ أكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أكْشفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هاذِهِ فقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍ وأوْ أخْتُ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  فَلِمَ تَبْكي أوْ لاَ تَبْكِي فَمَا زَالَتِ المَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ.

لما كَانَ حَدِيث هَذَا الْبابُُ الْمُجَرّد على تَقْدِير وجود الْبابُُ دَاخِلا فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، المترجم بِمَا يكره من النِّيَاحَة على الْمَيِّت، طابق ذكره هَهُنَا لدُخُوله فِي تَرْجَمَة ذَلِك الْبابُُ، فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من هَذِه؟) لما سمع صَوت صائحة، إِنْكَار فِي نفس الْأَمر، وَإِن لم يُصَرح بِهِ.
وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل بابُُ الْجِنَازَة فِي: بابُُ الدُّخُول على الْمَيِّت، أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله ... إِلَى آخِره.
وَهنا أخرجه عَن عَليّ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، قَالَ: سَمِعت جَابِرا.

قَوْله: ( قد مثل بِهِ) ، جملَة وَقعت حَالا، وَمثل، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء الْمُثَلَّثَة: من التَّمْثِيل، يُقَال: مثل بالقتيل إِذا جدع أَنفه وَأذنه أَو مذاكيره أَو شَيْء من أَطْرَافه، والإسم: الْمثلَة، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الثَّاء، وَيجوز: مثل، بتَخْفِيف الثَّاء، يُقَال: مثلت بِالْحَيَوَانِ أمثله بِهِ مثلا.
قَالَ ابْن الْأَثِير: وَأما مثل، بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ للْمُبَالَغَة.
قَوْله: ( وَقد سُجِّي) أَي: غطي من، سجى يسجى تسجية، وانتصاب ثوبا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِثَوْب.
قَوْله: ( أُرِيد) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: ( ذهبت) ، و: أَن، مَصْدَرِيَّة.
قَوْله: ( اكشف عَنهُ) ، حَال.
قَوْله: ( فَرفع) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: ( صائحة) أَي: امْرَأَة صائحة.
قَوْله: ( بنت عَمْرو) ، هِيَ عمَّة الْمَقْتُول، وَاسْمهَا: فَاطِمَة بنت عَمْرو، وَعَمْرو جد جَابر لِأَنَّهُ ابْن عبد الله بن عَمْرو بن حرَام ضد حَلَال وَقد صرح فِي: بابُُ الدُّخُول على الْمَيِّت، بقوله: ( فَجعلت عَمَّتي فَاطِمَة تبْكي) ، وَوَقع فِي ( الإكليل) للْحَاكِم: أَنَّهَا هِنْد بنت عَمْرو،.

     وَقَالَ  بَعضهم لَعَلَّ لَهَا إسمين أَو أَحدهمَا أسمها وَالْآخر لقبها.
قلت: لَا يلقب بالأسماء الْمَوْضُوعَة للمسميات، فَإِن صَحَّ مَا فِي الإكليل فَيحمل على أَنَّهُمَا كَانَتَا أُخْتَيْنِ وهما عمتا جَابر: إِحْدَاهمَا تسمى فَاطِمَة، وَالْأُخْرَى: تسمى هندا.
قَوْله: ( أَو أُخْت عَمْرو) شكّ من الرَّاوِي، فَإِن كَانَت بنت عَمْرو تكون أُخْت الْمَقْتُول عمَّة جَابر، وَإِن كَانَت أُخْت عَمْرو تكون عمَّة الْمَقْتُول، وَهُوَ عبد الله.
قَوْله: ( فلِمَ تبْكي) بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم، اسْتِفْهَام عَن الغائبة؟ قَوْله: ( أَو لَا تبْكي) ، شكّ من الرَّاوِي، وَلَيْسَ باستفهام، بل هُوَ نهي الغائبة، وَحَاصِل الْمَعْنى: تبْكي هَذِه الْمَرْأَة عَلَيْهِ، أَو لَا تبْكي فَإِن الْمَلَائِكَة قد أظلته بأجنحتها، فَلَا يَنْبَغِي الْبكاء لأَجله لحُصُول هَذِه الْمنزلَة بل يَنْبَغِي أَن يفرح بذلك.