فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله عز وجل: {مخلقة وغير مخلقة} [الحج: 5]

(بابٌُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرَ مُخَلَّقَةٍ}
(الْحَج: 5)
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول فِي إعرابه: الْأَحْسَن أَن يكون: بابُُ، منونا، وَيكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا بابُُ فِيهِ بَيَان.
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِذا أَرَادَ أَن يقْضِي الله خلقه، قَالَ الْملك: مخلقة، وَإِن لم يرد قَالَ: غير مخلقة) .
وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة: (إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الرَّحِم قَالَ لَهُ الْملك: مخلقة أوغير مخلقة؟ فَإِن قَالَ: غير مخلقة مجت الرَّحِم دَمًا، وَإِن قَالَ: مخلقة.
قَالَ أذكر أم أُنْثَى؟) وَيحْتَمل أَن يكون البُخَارِيّ أَرَادَ الْآيَة الْكَرِيمَة، فأورد الحَدِيث لِأَن فِيهِ ذكر المضغة، والمضغة مخلقة وَغير مخلقة.

     وَقَالَ  بَعضهم: روينَاهُ بِالْإِضَافَة أَي: بابُُ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {مخلقة وَغير مخلقة} (الْحَج: 5) قلت لَيْت شعري أَنه روى هَذَا عَن البُخَارِيّ نَفسه أم عَن الْفربرِي وَكَيف يَقُول بابُُ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {مخلقة وَغير مخلقة} وَلَيْسَ فِي متن حَدِيث الْبابُُ: مخلقة وَغير مخلقة، وَإِنَّمَا فِيهِ ذكر المضغة، وَهِي مخلقة وَغير مخلقة.
لما ذكرنَا.

النَّوْع الثَّانِي: إِن غَرَض البُخَارِيّ من وضع هَذَا الْبابُُ هُنَا الْإِشَارَة إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض، لِأَن اشْتِمَال الرَّحِم على الْوَلَد يمْنَع خُرُوج دم الْحيض.
وَيُقَال: إِنَّه يصير غذَاء للجنين، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض الْكُوفِيُّونَ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد بن حَنْبَل وَأَبُو نور وَابْن الْمُنْذر وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو عبيد وَعَطَاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَجَابِر بن زيد وَالشعْبِيّ وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَهُوَ قَوْله الْقَدِيم،.

     وَقَالَ  فِي الْجَدِيد: إِنَّهَا تحيض، وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، وَحكي عَن بعض الْمَالِكِيَّة: إِن كَانَ فِي آخر الْحمل فَلَيْسَ بحيض، وَذكر الدَّاودِيّ أَن الِاحْتِيَاط أَن تَصُوم وَتصلي ثمَّ تقضي الصَّوْم وَلَا يَأْتِيهَا زَوجهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ بِإِدْخَال هَذَا الحَدِيث فِي أَبْوَاب الْحيض تَقْوِيَة مَذْهَب من يَقُول: إِن الْحَامِل لَا تحيض.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِي الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على أَنَّهَا لَا تحيض نظر، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون مَا يخرج من الْحَامِل من السقط الَّذِي لم يصور أَن لَا يكون الدَّم الَّذِي ترَاهُ الْمَرْأَة الَّتِي يسْتَمر حملهَا لَيْسَ بحيض، وَمَا ادَّعَاهُ الْمُخَالف من أَنه رشح من الْوَلَد أَو من فضلَة غذائه أَو من دم فَاسد لعِلَّة فمحتاج إِلَى الدَّلِيل، لِأَن هَذَا دم بِصِفَات دم الْحيض، وَفِي زمن إِمْكَانه فَلهُ حكم دم الْحيض.
فَمن ادّعى خِلَافه فَعَلَيهِ الْبَيَان.

قلت: إِنَّمَا ادعيت الْخلاف وَعلي الْبَيَان: أما أَولا فَنَقُول: لنا فِي هَذَا الْبابُُ أَحَادِيث وأخبار.
مِنْهَا: حَدِيث سَالم عَن أَبِيه وَهُوَ: (إِن ابْن عمر طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليمسكها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر، ثمَّ إِن شَاءَ أمْسكهَا وَإِن شَاءَ طَلقهَا قبل أَن يمس، فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء) مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: (لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع، وَلَا حَائِل حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَمِنْهَا: حَدِيث رويفع بن ثَابت، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [حم (لَا يحل لأحد أَن يسْقِي بمائه زرع غَيره، وَلَا يَقع على أمة حَتَّى تحيض أَو يتَبَيَّن حملهَا) [/ حم.
رَوَاهُ أَحْمد، فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجود الْحيض علما على بَرَاءَة الرَّحِم من الْحَبل فِي الْحَدِيثين، وَلَو جَازَ اجْتِمَاعهمَا لم يكن دَلِيلا على انتفائه، وَلَو كَانَ بعد الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة احْتِمَال الْحمل لم يحل وَطْؤُهَا للِاحْتِيَاط فِي أَمر الإبضاع.
وَأما الاخبار فَمِنْهَا: مَا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: (إِن الله تَعَالَى رفع الْحيض عَن الحبلى وَجعل الدَّم رزقا للْوَلَد مِمَّا تفيض الْأَرْحَام) ، رَوَاهُ أَبُو حَفْص بن شاهين.
وَمِنْهَا: مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: [حم (إِن الله رفع الْحيض عَن الحبلى وَجعل الدَّم رزقا للْوَلَد) [/ حم، رَوَاهُ ابْن شاهين أَيْضا.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْأَثْرَم، وَالدَّارَقُطْنِيّ بإسنادهما عَن عَائِشَة فِي: [حم (الْحَامِل ترى الدَّم، فَقَالَت: الحبلى لَا تحيض وتغتسل وَتصلي) [/ حم، وَقَوْلها: تَغْتَسِل، اسْتِحْبابُُ لكَونهَا مُسْتَحَاضَة، وَلَا يعرف عَن غَيرهم خِلَافه.
ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَاسْتدلَّ ابْن التِّين على أَنه: لَيْسَ بِدَم حيض، بِأَن الْملك مُوكل برحم الْحَامِل، وَالْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ قذر.
وَأجِيب: بِأَن لَا يلْزم من كَون الْملك موكلاً بِهِ أَن يكون حَالا فِيهِ، ثمَّ هُوَ مُشْتَرك الْإِلْزَام لِأَن الدَّم كُله قذر.
قلت: وَلَا يلْزم أَيْضا أَن لَا يكون حَالا فِيهِ، وَالدَّم فِي معدته لَا يُوصف بِالنَّجَاسَةِ، وَإِلَّا يلْزم أَن لَا يُوجد أحد طَاهِرا خَالِيا عَن النَّجَاسَة.

النَّوْع الثَّالِث فِي معنى المخلقة: وَعَن قَتَادَة: {مخلقة وَغير مخلقة} (الْحَج: 5) أَي: تَامَّة وَغير تَامَّة، وَعَن الشّعبِيّ: النُّطْفَة والعلقة والمضغة إِذا أكسيت فِي الْخلق الرَّابِع كَانَت مخلقة، وَإِذا قذفتها قبل ذَلِك كَانَت غير مخلقة.
وَعَن أبي الْعَالِيَة: المخلقة المصورة، وَغير المخلقة، السقط.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: مُضْغَة مخلقة أَي تَامَّة الْخلق،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: مخلقة أَي مسواة ملساء من النُّقْصَان وَالْعَيْب، يُقَال: خلق السِّوَاك إِذا سواهُ وملسه، وَغير مخلقة أَي غير مسواة.

النَّوْع الرَّابِع فِي وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبابُُ وَالْبابُُ الَّذِي قبله من حَيْثُ إِن الْبابُُ الَّذِي قبله يشْتَمل على أُمُور من أَحْكَام الْحيض، وَهَذَا الْبابُُ أَيْضا يشْتَمل على حكم من أَحْكَام الْحيض، وَهُوَ أَن الْحَامِل إِذا رَأَتْ دَمًا هَل يكون حيضا أم لَا؟ وَقد ذكرنَا أَن غَرَض البُخَارِيّ من وضع هَذَا الْبابُُ هُوَ الْإِشَارَة إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض، وَنَذْكُر كَيْفيَّة ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.


[ قــ :314 ... غــ :318 ]
-
(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن عبيد الله بن أبي بكر عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله عز وَجل وكل بالرحم ملكا يَقُول يَا رب نُطْفَة يَا رب علقَة يَا رب مُضْغَة فَإِذا أَرَادَ أَن يقْضِي خلقه قَالَ أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد فَمَا الرزق وَمَا الْأَجَل فَيكْتب فِي بطن أمه) وَجه تطابق هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يُفَسر المخلقة وَغير المخلقة فَإِن قَوْله فَإِذا أَرَادَ أَن يقْضِي خلقه هُوَ المخلقة وبالضرورة يعلم مِنْهُ أَنه إِذا لم يرد خلقه يكون غير مخلقة وَقد بَين ذَلِك حَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ " إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الرَّحِم بعث الله ملكا فَقَالَ يَا رب مخلقة أَو غير مخلقة فَإِن قَالَ غير مخلقة مجها الرَّحِم دَمًا وَإِن قَالَ مخلقة قَالَ يَا رب فَمَا صفة هَذِه النُّطْفَة فَيُقَال لَهُ انْطلق إِلَى أم الْكتاب فَإنَّك تَجِد قصَّة هَذِه النُّطْفَة فَينْطَلق فيجد قصَّتهَا فِي أم الْكتاب " وَهُوَ مَوْقُوف لفظا مَرْفُوع حكما لِأَن الْإِخْبَار عَن شَيْء لَا يُدْرِكهُ الْعقل مَحْمُول على السماع (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة.
الأول مُسَدّد بن مسرهد الثَّانِي حَمَّاد بن زيد الْبَصْرِيّ الثَّالِث عبيد الله بِلَفْظ الصَّغِير ابْن أبي بكر بن أنس بن مَالك أَبُو مُعَاوِيَة الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع أنس بن مَالك وَهُوَ جده يروي عَنهُ.
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون وَفِيه الرِّوَايَة عَن الْجد (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي خلق بني آدم عَن أبي النُّعْمَان وَفِي الْقدر عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي كَامِل الجحدري الْكل عَن حَمَّاد بن زيد (ذكر لغاته) قَوْله " نُطْفَة " بِضَم النُّون قَالَ الْجَوْهَرِي النُّطْفَة المَاء الصافي قل أَو كثر وَالْجمع النطاف ونطفان المَاء سيلانه وَقد نطف ينطف وينطف من بابُُ نصر ينصر وَضرب يضْرب وَلَيْلَة نطوف تمطر إِلَى الصَّباح وَيُقَال جمع النُّطْفَة نطف أَيْضا وكل شَيْء خَفِي نُطْفَة ونطافة حَتَّى أَنهم يسمون الشَّيْء الْخَفي بذلك وَأَصله للْمَاء الْقَلِيل يبْقى فِي الغدير أَو السقاء أَو غَيره من الْآنِية وَيُقَال لَهُ مَا دَامَ نُطْفَة صراة ذكره ابْن سَيّده فِي الْمُخَصّص قَوْله " علقَة " بِفَتْح اللَّام قَالَ الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب الْعلقَة الدَّم الجامد الغليظ وَمِنْه قيل لهَذِهِ الدَّابَّة الَّتِي تكون فِي المَاء علقَة لِأَنَّهَا حَمْرَاء كَالدَّمِ وكل دم غليظ علق وَفِي الموعب العلق الدَّم مَا كَانَ وَقيل هُوَ الجامد قبل أَن ييبس وَقيل هُوَ مَا اشتدت حمرته والقطعة مِنْهُ علقَة وَفِي المغيث هُوَ مَا انْعَقَد وَقيل الْيَابِس كَأَن بعضه علق بِبَعْض تعقدا ويبسا قَوْله " مُضْغَة " قَالَ الْجَوْهَرِي المضغة قِطْعَة لحم وَفِي الغريبين وَجَمعهَا مضغ وَيُقَال مضيغة وَتجمع على مضائغ وَيُقَال المضغة اللحمة الصَّغِيرَة قدر مَا يمضغ وَفِي الْمُحكم قَالَ عمر بن الْخطابِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّا لَا نتغافل المضغ بَيْننَا أَرَادَ الْجِرَاحَات وسماها مضغا على التَّشْبِيه بمضغة الْإِنْسَان فِي حلقه يذهب بذلك إِلَى تصغيرها وتقليلها (ذكر مَعْنَاهُ ونكاته) قَوْله " وكل " بِالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم} وَظَاهر قَوْله " أَن الله وكل بالرحم ملكا " يدل على أَن بَعثه إِلَيْهِ عِنْد وُقُوع النُّطْفَة فِي الرَّحِم وَلَكِن فِيهِ اخْتِلَاف الرِّوَايَات فَفِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " أَن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيكْتب رزقه وأجله وَعَمله وشقي أَو سعيد " وَظَاهره إرْسَال الْملك بعد الْأَرْبَعين الثَّالِثَة وَفِي رِوَايَة " يدْخل الْملك على النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين لَيْلَة فَيَقُول يَا رب شقي أَو سعيد " وَعند مُسلم " إِذا مر بالنطفة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ أَو ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ أَو خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ " وَفِي أُخْرَى " إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها " وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة بن أسيد " أَن النُّطْفَة تقع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ يتسور عَلَيْهَا الْملك " وَفِي أُخْرَى " أَن ملكا وكل بالرحم إِذا أَرَادَ الله أَن يخلق شَيْئا يَأْذَن لَهُ لبضع وَأَرْبَعين لَيْلَة " وَجمع الْعلمَاء بَين ذَلِك بِأَن الْمَلَائِكَة لَازِمَة ومراعية بِحَال النُّطْفَة فِي أَوْقَاتهَا وَأَنه يَقُول يَا رب هَذِه نُطْفَة هَذِه علقَة هَذِه مُضْغَة فِي أَوْقَاتهَا وكل وَقت يَقُول فِيهِ مَا صَارَت إِلَيْهِ بِأَمْر الله تَعَالَى وَهُوَ أعلم.
ولكلام الْملك وتصرفه أَوْقَات.
أَحدهَا حِين يكون نُطْفَة ثمَّ ينقلها علقَة وَهُوَ أول علم الْملك أَنه ولد إِذْ لَيْسَ كل نُطْفَة تصير ولدا وَذَلِكَ عقيب الْأَرْبَعين الأولى وَحِينَئِذٍ يكْتب رزقه وأجله وشقي أَو سعيد ثمَّ للْملك فِيهِ تصرف آخر وَهُوَ تَصْوِيره وَخلق سَمعه وبصره وَكَونه ذكرا أَو أُنْثَى وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون فِي الْأَرْبَعين الثَّانِيَة وَهِي مُدَّة المضغة وَقبل انْقِضَاء هَذِه الْأَرْبَعين وَقبل نفخ الرّوح لِأَن النفخ لَا يكون إِلَّا بعد تَمام صورته وَالرِّوَايَة السالفة " إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة " لَيست على ظَاهره قَالَه عِيَاض وَغَيره بل المُرَاد بتصويرها وَخلق سَمعهَا إِلَى آخِره أَنه يكْتب ذَلِك ثمَّ يَفْعَله فِي وَقت آخر لِأَن التَّصْوِير عقيب الْأَرْبَعين الأولى غير مَوْجُود فِي الْعَادة وَإِنَّمَا يَقع فِي الْأَرْبَعين الثَّانِيَة وَهِي مُدَّة المضغة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة} الْآيَة ثمَّ يكون للْملك فِيهِ تصرف آخر وَهُوَ وَقت نفخ الرّوح عقيب الْأَرْبَعين الثَّالِثَة حَتَّى يكمل لَهُ أَرْبَعَة أشهر.
وَاتفقَ الْعلمَاء أَن نفخ الرّوح لَا يكون إِلَّا بعد أَرْبَعَة أشهر ودخوله فِي الْخَامِسَة.

     وَقَالَ  الرَّاغِب وَذكر الْأَطِبَّاء أَن الْوَلَد إِذا كَانَ ذكرا يَتَحَرَّك بعد ثَلَاثَة أشهر وَإِذا كَانَ أُنْثَى بعد أَرْبَعَة أشهر (فَإِن قلت) وَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ " أَن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ ثمَّ يكون علقَة مثله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله ثمَّ يبْعَث الله فِيهِ الْملك فَيُؤذن بِأَرْبَع كَلِمَات فَيكْتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح " فَأتى فِيهِ بِكَلِمَة ثمَّ الَّتِي هِيَ تَقْتَضِي التَّرَاخِي فِي الْكتب إِلَى مَا بعد الْأَرْبَعين الثَّالِثَة وَالْأَحَادِيث الْبَاقِيَة تَقْتَضِي الْكتب عقيب الْأَرْبَعين الأولى (قلت) أُجِيب بِأَن قَوْله " ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ الْملك فَيُؤذن بِأَرْبَع كَلِمَات فَيكْتب " مَعْطُوف على قَوْله " يجمع فِي بطن أمه " ومتعلقا بِهِ لَا بِمَا قبله وَهُوَ قَوْله " ثمَّ يكون مُضْغَة مثله " وَيكون قَوْله " ثمَّ يكون علقَة مثله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله " مُعْتَرضًا بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِز مَوْجُود فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح وَكَلَام الْعَرَب.

     وَقَالَ  عِيَاض وَالْمرَاد بإرسال الْملك فِي هَذِه الْأَشْيَاء أمره بهَا وَالتَّصَرُّف فِيهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَال وَإِلَّا فقد صرح فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ وكل بالرحم ملكا وَأَنه يَقُول يَا رب نُطْفَة يَا رب علقَة وَقَوله فِي حَدِيث أنس " وَإِذا أَرَادَ الله أَن يقْضِي خلقا قَالَ يَا رب أذكر أم أُنْثَى " لَا يُخَالف مَا قدمْنَاهُ وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يَقُول ذَلِك بعد المضغة بل هُوَ ابْتِدَاء كَلَام وإخبار عَن حَالَة أُخْرَى فَأخْبر أَولا بِحَال الْملك مَعَ النُّطْفَة ثمَّ أخبر أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ خلق النُّطْفَة علقَة كَانَ كَذَا وَكَذَا ثمَّ المُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذكر من الرزق وَالْأَجَل والشقاء والسعادة وَالْعقل والذكورة وَالْأُنُوثَة يظْهر ذَلِك للْملك فَيُؤْمَر بإنفاذه وكتابته وَإِلَّا فقضاء الله تَعَالَى وَعلمه وإرادته سَابِقَة على ذَلِك قَوْله فِي حَدِيث أنس " فَيكْتب " بَيَانه فِي حَدِيث يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة حَدثنَا دَاوُد عَن عَامر عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود يرفعهُ " أَن النُّطْفَة إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِم أَخذهَا الْملك بكفه قَالَ أَي رب أذكر أم أُنْثَى مَا الْأَمر بِأَيّ أَرض تَمُوت فَيُقَال لَهُ انْطلق إِلَى أم الْكتاب فَإنَّك تَجِد قصَّة هَذِه النُّطْفَة فَينْطَلق فيجد صفتهَا فِي أم الْكتاب " قَوْله " وَمَا الْأَجَل " ويروى " فَمَا الرزق وَالْأَجَل " قَوْله " فَيكْتب ويروى " قَالَ فَيكْتب " (بَيَان إعرابه) قَوْله " ملكا " مَنْصُوب بقوله " وكل " قَوْله " يَقُول " جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَهُوَ الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْملك فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة الْملك وَقَوله " يَا رب " بِحَذْف يَاء الْمُتَكَلّم وَفِي مثله يجوز يَا رَبِّي وَيَا رب وَيَا رَبًّا وَيَا رباه بِالْهَاءِ وَقفا قَوْله " نُطْفَة " يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب أما النصب فَهُوَ رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَوَجهه أَن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره جعلت الْمَنِيّ نُطْفَة فِي الرَّحِم أَو خلقت نُطْفَة وَأما وَجه الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي يَا رب هَذِه نُطْفَة " فَإِن قلت " كَيفَ يكون الشَّيْء الْوَاحِد نُطْفَة علقَة مُضْغَة " قلت " هَذِه الْأَخْبَار الثَّلَاثَة تصدر من الْملك فِي أَوْقَات مُتعَدِّدَة لَا فِي وَقت وَاحِد وَلَا يُقَال لَيْسَ فِيهِ فَائِدَة الْخَبَر وَلَا لَازمه لِأَن الله علام الغيوب لأَنا نقُول هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ الْكَلَام جَارِيا على ظَاهره أما إِذا عدل عَن الظَّاهِر فَلَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور وَهَهُنَا المُرَاد التمَاس إتْمَام خلقه وَالدُّعَاء بإفاضة الصُّورَة الْكَامِلَة عَلَيْهِ أَو الاستعلام عَن ذَلِك وَنَحْوهمَا وَمثل هَذَا كثير وَوَقع فِي الْقُرْآن أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن أم مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام {رَبِّي إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} فَإِنَّهُ يكون للاعتذار وَإِظْهَار التأسف قَوْله " فَإِذا أَرَادَ أَن يقْضِي " أَي فَإِذا أَرَادَ الله أَن يقْضِي أَي أَن يتم خلقه أَي خلق مَا فِي الرَّحِم من النُّطْفَة الَّتِي صَارَت علقَة ثمَّ صَارَت مُضْغَة وَيَجِيء الْقَضَاء بِمَعْنى الْفَرَاغ أَيْضا قَوْله " قَالَ " أَي الْملك قَوْله " أذكر أم أُنْثَى " أَي أذكر هُوَ أم أُنْثَى وَقَوله " ذكر " مُبْتَدأ أَو خبر فَإِذا قُلْنَا خبر يكون لَفْظَة هُوَ المؤخرة مُبْتَدأ وَلَا يُقَال النكرَة لَا تقع مُبْتَدأ لِأَن فِيهِ المسوغ لوُقُوعه مُبْتَدأ وَهِي كَونهَا قد تخصصت بِثُبُوت أَحدهمَا إِذْ السُّؤَال فِيهِ عَن التَّعْيِين فصح الِابْتِدَاء بِهِ وَهُوَ من جملَة المخصصات لوُقُوع الْمُبْتَدَأ نكرَة ويروي " أذكرا " بِالنّصب فوجهه إِن صحت الرِّوَايَة أَي أَتُرِيدُ أَو أتخلق ذكرا قَوْله " شقي أم سعيد " الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي أذكر أم أُنْثَى وَمعنى شقي عَاص لله تَعَالَى وَسَعِيد أَي مُطِيع لَهُ قَالَ الْكرْمَانِي " فَإِن قلت " أم الْمُتَّصِلَة ملزومة لهمزة الِاسْتِفْهَام فَأَيْنَ هِيَ " قلت " مقدرَة ووجودها فِي قرينها يدل عَلَيْهِ كَمَا هُوَ قَول الشَّاعِر
(بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان ... )
أَي أبسبع قَوْله " فَمَا الرزق " الرزق فِي كَلَام الْعَرَب الْحَظ قَالَ الله تَعَالَى {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} أَي حظكم من هَذَا الْأَمر والحظ هُوَ نصيب الرجل وَمَا هُوَ خَاص لَهُ دون غَيره وَقيل الرزق كل شَيْء يُؤْكَل أَو يسْتَعْمل وَهَذَا بَاطِل لِأَن الله تَعَالَى أمرنَا بِأَن ننفق مِمَّا رزقنا فَقَالَ {وأنفقوا مِمَّا رزقناكم} فَلَو كَانَ الرزق هُوَ الَّذِي يُؤْكَل لما أمكن إِنْفَاقه وَقيل الرزق هُوَ مَا يملك وَهُوَ أَيْضا بَاطِل لِأَن الْإِنْسَان قد يَقُول اللَّهُمَّ ارزقني ولدا صَالحا وَزَوْجَة صَالِحَة وَهُوَ لَا يملك الْوَلَد وَالزَّوْجَة.
وَأما فِي عرف الشَّرْع فقد اخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ الرزق هُوَ تَمْكِين الْحَيَوَان من الِانْتِفَاع بالشَّيْء والحظر على غَيره أَن يمنعهُ من الِانْتِفَاع بِهِ وَلما فسرت الْمُعْتَزلَة الرزق بِهَذَا لَا جرم قَالُوا الْحَرَام لَا يكون رزقا.

     وَقَالَ  أهل السّنة الْحَرَام رزق لِأَنَّهُ فِي أصل اللُّغَة الْحَظ والنصيب كَمَا ذكرنَا فَمن انْتفع بالحرام فَذَلِك الْحَرَام صَار حظا لَهُ ونصيبا فَوَجَبَ أَن يكون رزقا لَهُ وَأَيْضًا قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} وَقد يعِيش الرجل طول عمره لَا يَأْكُل إِلَّا من السّرقَة فَوَجَبَ أَن نقُول طول عمره لم يَأْكُل من رزقه شَيْئا قَوْله " وَمَا الْأَجَل " ويروى " وَالْأَجَل " بِدُونِ كلمة مَا وَالْأَجَل هُوَ الزَّمَان الَّذِي علم الله أَن الشَّخْص يَمُوت فِيهِ أَو مُدَّة حَيَاته لِأَنَّهُ يُطلق على غَايَة الْمدَّة وعَلى الْمدَّة قَوْله " فَيكْتب " على صِيغَة الْمَعْلُوم قيل الضَّمِير الَّذِي هُوَ فَاعله هُوَ الله تَعَالَى وَقيل يرجع إِلَى الْملك ويروى على صِيغَة الْمَجْهُول وَهَذِه الْكِتَابَة يجوز أَن تكون حَقِيقَة لِأَنَّهُ أَمر مُمكن وَالله على كل شَيْء قدير وَيجوز أَن تكون مجَازًا عَن التَّقْدِير قَوْله " فِي بطن أمه " ظرف لقَوْله " يكْتب " وَهُوَ الْمَكْتُوب فِيهِ والشخص هُوَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ كَمَا تَقول كتبت فِي الدَّار فَإِن فِي الدَّار ظرف لِقَوْلِك كتبت والمكتوب عَلَيْهِ خَارج عَن ذَلِك وَالتَّقْدِير أزلي وَهُوَ أَمر عَقْلِي مَحْض وَيُسمى قَضَاء وَالْحَاصِل فِي الْبَطن تعلقه بِالْمحل الْمَوْجُود وَيُسمى قدرا والمكتوب هُوَ الْأُمُور الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْفَوَائِد وَغَيرهَا من الْأَحْكَام) اعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث جَامع لجَمِيع أَحْوَال الشَّخْص إِذْ فِيهِ من الْأَحْكَام بَيَان حَال المبدأ وَهُوَ ذَاته ذكرا وَأُنْثَى وَحَال الْمعَاد وَهُوَ السَّعَادَة والشقاوة وَمَا بَينهمَا وَهُوَ الْأَجَل وَمَا يتَصَرَّف فِيهِ وَهُوَ الرزق.
وَقد جَاءَ أَيْضا " فرغ الله من أَربع من الْخلق والخلق وَالْأَجَل والرزق " والخلق بِفَتْح الْخَاء إِشَارَة إِلَى الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَة وَبِضَمِّهَا السَّعَادَة وضدها.

     وَقَالَ  الْمُهلب أَن الله تَعَالَى علم أَحْوَال الْخلق قبل أَن يخلقهم وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة.
وَأجْمع الْعلمَاء أَن الْأمة تكون أم ولد بِمَا أسقطته من ولد تَامّ الْخلق.
وَاخْتلفُوا فِيمَن لم يتم خلقه من المضغة والعلقة فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك تكون بالمضغة أم ولد مخلقة كَانَت أَو غير مخلقة وتنقضي بهَا الْعدة وَعَن ابْن الْقَاسِم تكون أم ولد بِالدَّمِ الْمُجْتَمع وَعَن أَشهب لَا تكون أم ولد وَتَكون بالمضغة والعلقة.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا إِن كَانَ قد تبين فِي المضغة شَيْء من الْخلق أصْبع أَو عين أَو غير ذَلِك فَهِيَ أم ولد وعَلى مثله هَذَا انْقِضَاء الْعدة.
ثمَّ المُرَاد بِجَمِيعِ مَا ذكر من الرزق وَالْأَجَل والسعادة والشقاوة وَالْعَمَل والذكورة وَالْأُنُوثَة أَنه يظْهر ذَلِك للْملك وَيُؤمر بإنفاذه وكتابته وَإِلَّا فقضاء الله وَعلمه وإرادته سَابق على ذَلِك قَالَ القَاضِي عِيَاض وَلم يخْتَلف أَن نفخ الرّوح فِيهِ يكون بعد مائَة وَعشْرين يَوْمًا وَذَلِكَ تَمام أَرْبَعَة أشهر ودخوله فِي الْخَامِس وَهَذَا مَوْجُود بِالْمُشَاهَدَةِ وَعَلِيهِ يعول فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَحْكَام من الِاسْتِلْحَاق وَوُجُوب النَّفَقَات وَذَلِكَ للثقة بحركة الْجَنِين فِي الْجوف وَقيل أَن الْحِكْمَة فِي عدتهَا عَن الْوَفَاة بأَرْبعَة أشهر وَالدُّخُول فِي الْخَامِس تحقق بَرَاءَة الرَّحِم ببلوغ هَذِه الْمدَّة إِذا لم يظْهر حمل وَنفخ الْملك فِي الصُّورَة سَبَب لخلق الله عِنْده فِيهَا الرّوح والحياة لِأَن النفخ الْمُتَعَارف إِنَّمَا هُوَ إِخْرَاج ريح من النافخ فيصل بالمنفوخ فِيهِ فَإِن قدر حُدُوث شَيْء عِنْد ذَلِك النفخ بإحداث الله تَعَالَى لَا بالنفخ وَغَايَة النفخ أَن يكون سَببا عَادَة لَا مُوجبا عقلا وَكَذَلِكَ القَوْل فِي سَائِر الْأَسْبابُُ الْمُعْتَادَة