فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا بقي في حثالة من الناس

( بابٌُ إذَا بَقِيَ فِي حُثالَةٍ مِنَ النَّاسِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ، إِذا بَقِي مُسلم فِي حثالة من النَّاس، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهِي رَدِيء كل شَيْء وَمَا لَا خير فِيهِ.
وَجَوَاب: إِذا، مُقَدّر وَهُوَ: مَاذَا يصنع؟ قيل: هَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه الطَّبَرِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان من طَرِيق الْعَلَاء بن عبد الرحمان بن يَعْقُوب عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: كَيفَ بك يَا عبد الله بن عَمْرو إِذا بقيت فِي حثالة من النَّاس قد مرجت عهودهم وأماناتهم وَاخْتلفُوا فصاروا هَكَذَا؟ وَشَبك بَين أَصَابِعه.
قَالَ: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: عَلَيْك بخاصتك ودع عَنْك عوامهم.

     وَقَالَ  ابْن بطال: أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى هَذَا الحَدِيث وَلم يُخرجهُ لِأَن الْعَلَاء لَيْسَ من شَرطه فَأدْخل مَعْنَاهُ فِي حَدِيث حُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.



[ قــ :6710 ... غــ :7086 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ، أخبرنَا، سُفْيانُ، حدّثنا الأعمَشُ، عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ، حَدثنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدثنَا رسولُ الله حَدِيثَيْن رأيْتُ أحَدَهُما وَأَنا أنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدثنَا: أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجالِ، ثُمَّ علِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِن السُّنةِ.
وَحدثنَا عنْ رفْعِها.
قَالَ: يَنامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أثَرُها مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ، ثمَّ يَنامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيها أثَرُها مِثْلَ أثَرِ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجتَهُ عَلى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَراهُ مُنْتَبِراً ولَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبَحُ النّاسُ يَتَبايَعُونَ فَلا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمانَةَ، فَيُقالُ: إنَّ فِي بَني فُلانٍ رجُلاً أمِيناً، ويُقالُ لِلرَّجُلِ: مَا أعْقَلَهُ وَمَا أظْرَفَهُ وَمَا أجْلَدَهُ؟ وَمَا فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ، ولَقَدْ أتَى عَليَّ زَمانٌ وَلَا أُبالي أيَّكُمْ بايَعْتُ، لَئنْ كانَ مُسْلِماً رَدَّهُ عَليَّ الإسْلاَمُ، وإنْ كانَ نَصْرانِيّاً ردَّهُ عَليَّ ساعِيهِ، وأمَّا اليوْمَ فَما كُنْتُ أُبايِعُ إلاّ فُلاَناً وفُلاَناً
انْظُر الحَدِيث 6497 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَقد ذكرنَا أَن ابْن بطال قَالَ: أَدخل البُخَارِيّ معنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن فِي حَدِيث حُذَيْفَة.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي كتاب الرقَاق فِي بابُُ رفع الْأَمَانَة، فَرَاجعه لِأَن الْكَلَام فِيهِ قد بسطناه.

قَوْله: وَحدثنَا عَن رَفعهَا هُوَ الحَدِيث الثَّانِي، وَفِيه علم من أَعْلَام نبوته لِأَن فِيهِ الْإِخْبَار عَن فَسَاد أَدْيَان النَّاس وَقلة أمانتهم فِي آخر الزَّمَان، والجذر بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة: الأَصْل أَي: كَانَت لَهُم بِحَسب الْفطْرَة وحصلت لَهُم بِالْكَسْبِ من الشَّرِيعَة.
والوكت، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْكَاف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الْأَثر الْيَسِير، وَقيل: السوَاد، وَقيل: اللَّوْن الْمُخَالف للون الَّذِي قبله والمجل بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتحهَا: هُوَ التنفط الَّذِي يحصل فِي الْيَد من الْعَمَل، ونفط بِكَسْر الْفَاء وَلم يؤنث الضَّمِير بِاعْتِبَار الْعُضْو.
ومنتبراً مفتعلاً من الانتبار وَهُوَ الِارْتفَاع، وَمِنْه: الْمِنْبَر وَالْأَمَانَة ضد الْخِيَانَة، وَقيل: هِيَ التكاليف الإلاهية.
وَمعنى الْمُبَايعَة هُنَا البيع وَالشِّرَاء أَي: كنت أعلم أَن الْأَمَانَة فِي النَّاس فَكيف أقدم على مُعَاملَة من اتّفق غير مبال بِحَالهِ وثوقاً بأمانته أَو أَمَانَة الْحَاكِم عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسلما فدينه يمنعهُ من الْخِيَانَة ويحمله على أَدَائِهَا، وَإِن كَانَ كَافِرًا وَذكر النَّصْرَانِي على سَبِيل التَّمْثِيل فساعيه أَي الْمولى عَلَيْهِ يقوم بالأمانة فِي ولَايَته فينصفني ويستخرج حَقي مِنْهُ، وَأما الْيَوْم فقد ذهبت الْأَمَانَة فلست أَثِق الْيَوْم بِأحد أئتمنه على بيع أَو شِرَاء إلاَّ فلَانا وَفُلَانًا يَعْنِي أفراداً من النَّاس قَلَائِل.