فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من نام عند السحر

( بابُُ من نَام عِنْد السحر)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من نَام عِنْد السحر وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني " عِنْد السّحُور " السحر بِفتْحَتَيْنِ قبيل الصُّبْح تَقول لَقيته سحرنَا هَذَا إِذا أردْت بِهِ سحر ليلتك لم تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن الْألف وَاللَّام وَهُوَ معرفَة وَقد غلب عَلَيْهِ التَّعْرِيف بِغَيْر إِضَافَة وَلَا ألف وَلَام وَإِذا أردْت بِسحر بكرَة صرفته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} والسحور مَا يتسحر بِهِ وَهُوَ أَيْضا لَا يكون إِلَّا قبيل الصُّبْح وَلكُل وَاحِد من الرِّوَايَتَيْنِ وَجه وَلَكِن عِنْد السحر أوجه وَأقرب

[ قــ :1092 ... غــ :1131 ]
- ( حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَن عَمْرو بن أَوْس أخبرهُ أَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَأحب الصّيام إِلَى الله صِيَام دَاوُد وَكَانَ ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا) مطابقته للتَّرْجَمَة " وينام سدسه " وَهُوَ النّوم عِنْد السحر كَمَا سنبينه عَن قريب ( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار.
الرَّابِع عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الْمَكِّيّ مَاتَ سنة أَرْبَعَة وَتِسْعين وَفِي تذهيب التَّهْذِيب عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.

     وَقَالَ  بَعضهم هُوَ تَابِعِيّ كَبِير وَوهم من ذكره فِي الصَّحَابَة وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَذكر الذَّهَبِيّ عَمْرو بن أَوْس فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي لَهُ وفادة وَرِوَايَة روى عَنهُ ابْنه عُثْمَان.
الْخَامِس عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه مدنِي والبقية مكيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وعَلى قَول من يَقُول أَن عَمْرو بن أَوْس من الصَّحَابَة يكون فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَمُحَمّد بن عِيسَى ومسدد ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن ماجة فِي الصَّوْم عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي الْمَكِّيّ عَن سُفْيَان بِهِ ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لَهُ " أَي لعبد الله بن عَمْرو قَوْله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله " لَفْظَة أحب بِمَعْنى المحبوب وَهُوَ قَلِيل إِذْ غَالب أفعل التَّفْضِيل أَن يكون بِمَعْنى الْفَاعِل وَإِطْلَاق الْمحبَّة على الله تَعَالَى كِنَايَة عَن إِرَادَة الْخَيْر قَوْله " صَلَاة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ".

     وَقَالَ  الْمُهلب كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يجم نفس بنوم أول اللَّيْل ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي فِيهِ الرب هَل من سَائل فَأعْطِيه سؤله هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ ثمَّ يسْتَدرك من النّوم مَا يستريح بِهِ من نصب الْقيام فِي بَقِيَّة اللَّيْل وَإِنَّمَا صَار ذَلِك أحب إِلَى الله من أجل الْأَخْذ بالرفق على النُّفُوس الَّتِي يخْشَى مِنْهَا السَّآمَة الَّتِي هِيَ سَبَب ترك الْعِبَادَة وَالله يحب أَن يديم فَضله ويوالي إحسانه وَقيل يُرَاد بقوله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد " من عدا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقَوْله تَعَالَى { يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} الْآيَات وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الْأَمر قد نسخ وَفِي كتاب الْمحَامِلِي وَإِن صلى بعض اللَّيْل فَأَي وَقت أفضل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن يُصَلِّي جَوف اللَّيْل وَالثَّانِي وَقت السحر ليُصَلِّي بِهِ صَلَاة الْفجْر قَوْله " وَأحب الصّيام إِلَى الله صِيَام دَاوُد " ظَاهره أَنه أفضل من صَوْم الدَّهْر عِنْد عدم التضرر وَلَا شكّ أَن الْمُكَلف لم يتعبد بالصيام خَاصَّة بل بِهِ وبالحج وبالجهاد وَغير ذَلِك فَإِذا استفرغ جهده فِي الصَّوْم خَاصَّة انْقَطَعت قوته وَبَطلَت سَائِر الْعِبَادَات فَأمر أَن يستبقي قوته قَوْله " وَكَانَ " أَي دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَذَا بَيَان صلَاته وَقَوله " ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا " بَيَان صِيَامه



[ قــ :1093 ... غــ :113 ]
- ( حَدثنِي عَبْدَانِ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث قَالَ سَمِعت أبي قَالَ سَمِعت مسروقا قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَي الْعَمَل كَانَ أحب إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت الدَّائِم قلت مَتى كَانَ يقوم قَالَت يقوم إِذا سمع الصَّارِخ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " إِذا سمع الصَّارِخ " والصارخ هُوَ الديك وَإِنَّمَا كَانَ يصْرخ فِي حُدُود الثُّلُث الْأَخير وَوقت السحر فِيهِ ( ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة الأول عَبْدَانِ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عبد الله وعبدان لقب عَلَيْهِ وَقد مر فِي كتاب الْوَحْي الثَّانِي أَبوهُ عُثْمَان بن جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة مر فِي بابُُ تَضْييع الصَّلَاة عَن وَقتهَا الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج وَقد تكَرر ذكره الرَّابِع أَشْعَث بِسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره تَاء مُثَلّثَة الْخَامِس أَبوهُ أَبُو الشعْثَاء واسْمه سليم بن أسود الْمحَاربي السَّادِس مَسْرُوق بن الأجدع السَّابِع عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن شَيْخه مروزي سكن الْبَصْرَة وَأَبوهُ كَذَلِك وَشعْبَة واسطي وَأَشْعَث وَأَبوهُ ومسروق كوفيون وَفِيه أَن شَيْخه مَذْكُور بلقبه وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب فِي موضِعين وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبابُُ عَن مُحَمَّد عَن أبي الْأَحْوَص وَأخرجه فِي الرقَاق أَيْضا عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هناد عَن أبي الْأَحْوَص بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ وهناد بن السّري كِلَاهُمَا عَن أبي الْأَحْوَص وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن صدران ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الدَّائِم " مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَهُوَ من الدَّوَام وَهُوَ الْمُلَازمَة الْعُرْفِيَّة لَا شُمُول الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ مُتَعَذر وَمَا ذَاك إِلَّا تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق وَيُقَال الدَّوَام على الْعَمَل الْقَلِيل يكون أَكثر وَإِذا تكلّف الْمَشَقَّة فِي الْعَمَل انْقَطع عَنهُ فَيكون أقل قَوْله " الصَّارِخ " أَي الديك والصرخة الصَّيْحَة الشَّدِيدَة قَالَ مُحَمَّد بن نَاصِر جرت الْعَادة بِأَن الديك يَصِيح عِنْد نصف اللَّيْل غَالِبا.

     وَقَالَ  ابْن التِّين هُوَ مُوَافق لقَوْل ابْن عَبَّاس نصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل.

     وَقَالَ  ابْن بطال الصَّارِخ يصْرخ عِنْد ثلث اللَّيْل فَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يتحَرَّى الْوَقْت الَّذِي يُنَادي الله فِيهِ هَل من سَائل كَذَا وَالْمرَاد من الدَّوَام قِيَامه كل لَيْلَة فِي ذَلِك الْوَقْت لَا الدَّوَام الْمُطلق ( قلت) وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا يُقَال الصَّارِخ يدل على عدم الدَّوَام فَيكون مناقضا لقَوْله " الدَّائِم " ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْحَث على المداومة على الْعَمَل وَإِن قَلِيله الدَّائِم خير من كثير يَنْقَطِع وَذَلِكَ لِأَن مَا يَدُوم عَلَيْهِ بِلَا مشقة وملل تكون النَّفس بِهِ أنْشد وَالْقلب منشرحا بِخِلَاف مَا يتعاطاه من الْأَعْمَال الشاقة فَإِنَّهُ بصدد أَن يتْركهُ كُله أَو بعضه أَو يَفْعَله بِغَيْر الانشراح فيفوته خير كثير وَفِيه الاقتصاد فِي الْعِبَادَة وَالنَّهْي عَن التعمق فِيهَا.




[ قــ :1093 ... غــ :113 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَشْعَث قَالَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ فصلى) هَذَا حَدِيث آخر فِي الحَدِيث السَّابِق رَوَاهُ عَن مُحَمَّد وَهُوَ ابْن سَلام وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَمُحَمّد بن سَلام وَكَذَا نسبه أَبُو عَليّ بن السكن قَالَ الجياني فِي نُسْخَة أبي ذَر عَن أبي أَحْمد الْحَمَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم.

     وَقَالَ  أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ مُحَمَّد ابْن سَالم وسَاق الحَدِيث حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم وعَلى سَالم عَلامَة الْحَمَوِيّ قَالَ وَسَأَلت عَنهُ أَبَا ذَر فَقَالَ أرَاهُ ابْن سَلام وسها فِيهِ أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَلَا أعلم فِي طبقَة البُخَارِيّ مُحَمَّد بن سَالم وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى الْمروزِي حَدثنَا خلف بن هِشَام حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أَشْعَث عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق وَالْأسود قَالَ سَأَلت عَائِشَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ وَلم يذكر البُخَارِيّ بعد أَشْعَث فِي هَذَا أحدا وَأَبُو الْأَحْوَص اسْمه سَلام بن سليم الْكُوفِي مر فِي بابُُ النَّحْر بالمصلى وَأخرجه مُسلم من طَرِيقه فَقَالَ حَدثنِي هناد بن السّري قَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن عمل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت كَانَ يحب الدَّائِم قَالَ قلت أَي حِين كَانَ يُصَلِّي فَقَالَت كَانَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ فصلى " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا حَدثنَا إِبْرَاهِيم أخبرنَا أَبُو الْأَحْوَص وَحدثنَا هناد عَن أبي الْأَحْوَص وَهَذَا حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت لَهَا أَي حِين كَانَ يُصَلِّي قَالَت كَانَ إِذا سمع الصُّرَاخ قَامَ فصلى " قَوْله " إِذا سمع الصُّرَاخ " أَي صياح الديك وَهَذَا يدل على أَن قِيَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يكون فِي الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل لِأَن الديك مَا يكثر الصياح إِلَّا فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا اخْتَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ وَقت نزُول الرَّحْمَة وَوقت السّكُون وهدو الْأَصْوَات.




[ قــ :1094 ... غــ :1133 ]
- ( حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد قَالَ ذكر أبي عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما تَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) -
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن نَومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد السحر.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي.
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد.
الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الرِّوَايَة بطرِيق الذّكر وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي تَوْبَة فَقَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن سُفْيَان عَن جُمُعَة بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بِهِ.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ سعد بن إِبْرَاهِيم يرْوى عَن عَمه كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، فَإِن سعد بن إِبْرَاهِيم من أجلة التَّابِعين وفقهائهم وصالحيهم.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كريب عَن مُحَمَّد بن بشر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي تَوْبَة الرّبيع بن نَافِع عَن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مَا ألفاه) ، بِالْفَاءِ أَي: مَا وجده، يُقَال: الفيت الشَّيْء أَي: وجدته، وتلافيته أَي: تداركته.
قَالَ تَعَالَى: { وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبابُُ} ( يُوسُف: 5) .
أَي: وجداه.
قَوْله: ( السحر) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل ( الفاه) ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: ألفاه، رَاجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُقَال: إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر لِأَن أَبَا سَلمَة كَانَ سَأَلت عَائِشَة عَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت السحر بعد رَكْعَتي الْفجْر، وكانتا فِي ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَيْضًا فسرت عَائِشَة الضَّمِير بقولِهَا: تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت: وَقت السحر يُطلق على قبيل الصُّبْح عِنْد أهل اللُّغَة، وَأَيْضًا اشتقاق السّحُور مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يجوز إلاّ قبل انفجار الصُّبْح، فَهَل كَانَ نَومه فِي هَذَا الْوَقْت أَو فِي غَيره؟ قلت: قَالَ بَعضهم: المُرَاد نَومه بعد الْقيام الَّذِي مبدؤه عِنْد سَماع الصَّارِخ.
انْتهى.
وَالَّذِي يظْهر لي أَنه اضطجاعه بعد رَكْعَتي الْفجْر، وعَلى هَذَا ترْجم مُسلم فَقَالَ: بابُُ الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا ابْن بشر عَن مسعر عَن سعد عَن أبي سَلمَة ( عَن عَائِشَة مَا ألفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السحر على فِرَاشِي أَو عِنْدِي إلاّ نَائِما) .
وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ تَرْجَمَة الْبابُُ الَّذِي عقيب الْبابُُ الْمَذْكُور، يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ، وَذكر بعض من يعتني بشرح الْأَحَادِيث فِي ( شرح سنَن أبي دَاوُد) فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما) يَعْنِي: مَا أَتَى عَلَيْهِ السحر عِنْدِي إلاّ وَهُوَ نَائِم، فعلى هَذَا كَانَت صلَاته بِاللَّيْلِ، وَفعله فِيهِ إِلَى السحر، وَيُقَال: هَذَا النّوم هُوَ النّوم الَّذِي كَانَ دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ينَام، وَهُوَ أَنه كَانَ ينَام أول اللَّيْلَة ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي فِيهِ الله، عز وَجل، هَل من سَائل؟ ثمَّ يسْتَدرك من النّوم مَا يستريح بِهِ من نصب الْقيام فِي اللَّيْل، وَهَذَا هُوَ النّوم عِنْد السحر، على مَا بوب لَهُ البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قَوْلهَا: ( إلاّ نَائِما) أَي: مُضْطَجعا على جنبه، لِأَنَّهَا قَالَت فِي حَدِيث آخر: ( فَإِن كنت يقظانة حدَّثني وإلاّ اضْطجع حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُنَادِي للصَّلَاة) ، فَيحصل بالضجعة الرَّاحَة من نصب الْقيام، وَلما يستقبله من طول صَلَاة الصُّبْح، فَلهَذَا كَانَ ينَام عِنْد السحر.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: النّوم وَقت السحر كَانَ يَفْعَله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيَالِي الطوَال، وَفِي غير شهر رَمَضَان، لِأَنَّهُ قد ثَبت عَنهُ تَأْخِير السّحُور، على مَا يَأْتِي فِي الْبابُُ الَّذِي بعده.