فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27]

( كتابُ بَدْءِ الخَلْقِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان بَدْء الْخلق، البدء على وزن: فعل، بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي آخِره همزَة، من بدأت الشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ.
وَفِي ( الْعباب) : بدأت بالشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ وبدأت الشَّيْء فعلته ابْتِدَاء، وَبَدَأَ الله الْخلق وأبداهم، بِمَعْنى، والخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق، وَهَكَذَا وَقع: كتاب بَدْء الْخلق، بعد ذكر الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر الْبَسْمَلَة، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ ذكر بَدْء الْخلق بدل: كتاب بَدْء الْخلق.


( بابُُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تعَالى: { وهْوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ} ( الرّوم: 72) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وَمَا جَاءَ فِي قَول الله تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} ( الرّوم: 72) .
وَتَمام الْآيَة: { وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} ( الرّوم: 72) .
قَوْله: { وَهُوَ الَّذِي} أَي: وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق أَي: ينشىء الْمَخْلُوق ثمَّ يُعِيدهُ، أَي: ثَانِيًا للبعث.
قَوْله: { وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} ( الرّوم: 72) .
أَي: الْإِعَادَة أَهْون عَلَيْهِ أَي: أسهل، وَقيل: أيسر، وَقيل: أسْرع عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة: الْإِعَادَة أَهْون عَلَيْهِ من الْبِدَايَة، وكل هَين عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: لِمَ ذكر الضَّمِير فِي قَوْله: { وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} ( الرّوم: 72) .
وَالْمرَاد بِهِ الْإِعَادَة؟ قلت: مَعْنَاهُ: وَأَن يُعِيدهُ أَهْون عَلَيْهِ.
قَوْله: { وَله الْمثل الْأَعْلَى} ( الرّوم: 72) .
أَي: الصّفة الْعليا: { فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه { الْحَكِيم} فِي خلقه.

وقالَ الرَّبِيعُ بنُ خَثيمٍ والحَسَنُ كلٌّ علَيْهِ هَيِّنٌ هَيْنٌ وهَيِّنُ مِثْلُ لَيْنٍ ولَيِّنٍ ومَيْتٍ ومَيِّتٍ وضَيْقٍ وضَيِّقٍ.
أفَعَيِينَا أفأعْيا علَيْنَا حِينَ أنْشَأكُمْ وأنْشأ خَلْقَكُمْ.
لُغُوبٌ النَّصَبُ أطْوَارَاً طَوْرَاً كذَا وطَوْرَاً كذَا عدَا طَوْرَهُ أيْ قَدْرَهُ
الرّبيع، بِفَتْح الرَّاء ضد الخريف ابْن خثيم، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عَائِذ بن عبد الله الثَّوْريّ الْكُوفِي من التَّابِعين الْكِبَار الورعين القانتين، مَاتَ سنة بضع وَسِتِّينَ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ وهما فسرا قَوْله تَعَالَى: { هُوَ أَهْون عَلَيْهِ} ( الرّوم: 72) .
بِمَعْنى: كل عَلَيْهِ هَين، فحملا لفظ: أَهْون، الَّذِي هُوَ أفعل التَّفْضِيل بِمَعْنى: هَين.
وَتَعْلِيق الرّبيع وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُنْذر الثَّوْريّ عَنهُ نَحوه، وَتَعْلِيق الْحسن وَصله الطَّبَرِيّ أَيْضا من طَرِيق قَتَادَة عَنهُ، وَلَفظه: وإعادته أَهْون عَلَيْهِ من بدئه، وكل على الله تَعَالَى هَين.
قَوْله: { هيِّن} بتَشْديد الْيَاء { وهَيْن} بتخفيفها، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، كَمَا جَاءَ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِي الْأَلْفَاظ الَّتِي ذكرهَا، قَالَ الْكرْمَانِي: وغرضه من هَذَا أَن أَهْون بِمَعْنى: هَين، أَي: لَا تفَاوت عِنْد الله بَين الإبداء والإعادة كِلَاهُمَا على السوَاء فِي السهولة.
قَوْله: ( أفعيينا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أفعيينا بالخلق الأول} ( ق: 51) .
وَفَسرهُ بقوله: أفأعيى علينا، يَعْنِي مَا أعجزنا الْخلق الأول حني أنشأناكم وأنشأنا خَلقكُم، وَعدل عَن التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة التفاتاً، وَالظَّاهِر أَن لفظ: ( حِين أنشأكم وأنشأنا خَلقكُم) إِشَارَة إِلَى آيَة أُخْرَى، وَإِلَى تَفْسِيره وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { إِذْ أنشأكم من الأَرْض وَإِذ أَنْتُم أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم} ( النَّجْم: 23) .
وَنقل البُخَارِيّ بِالْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ: حِين أنشأكم، بدل: إِذْ أنشأكم، أَو هُوَ مَحْذُوف فِي اللَّفْظ وَاكْتفى بالمفسر عَن الْمُفَسّر، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { أفعيينا بالخلق الأول} ( ق: 51) .
بقوله: أفأعيى علينا حِين أنشأناكم خلقا جَدِيدا، فشكوا فِي الْبَعْث،.

     وَقَالَ  أهل اللُّغَة: عييت بِالْأَمر إِذا لم تعرف جِهَته، وَمِنْه: العي فِي الْكَلَام.
قَوْله: لغوب، النصب أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} ( ق: 05) .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: اللغوب الإعياء، وَالنّصب التَّعَب وزنا وَمعنى، وَهَذَا تَفْسِير مُجَاهِد، أخرجه عَنهُ ابْن أبي حَاتِم.
وَأخرج من طَرِيق قَتَادَة: أكذب الله الْيَهُود فِي زعمهم أَنه استراح فِي الْيَوْم السَّابِع، قَالَ: وَمَا مسنا من لغوب أَي: من إعياء، وغفل الدَّاودِيّ فَظن أَن النصب فِي كَلَام المُصَنّف بِسُكُون الصَّاد، وَأَنه أَرَادَ ضبط اللغوب، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ بقوله: لم أر أحدا نصب اللاَّم، أَي: من الْفِعْل، وَإِنَّمَا هُوَ بِالنّصب الأحمق.
قَوْله: ( أطواراً) أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله: وَقد خَلقكُم أطواراً ثمَّ فسره بقوله: طوراً كَذَا وطوراً كَذَا، يَعْنِي طوراً نُطْفَة وطوراً علقَة وطوراً مُضْغَة وَنَحْوهَا، والأطوار: الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة.
وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن المُرَاد اخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس من صِحَة وسقم، وَقيل: مَعْنَاهُ أصنافاً فِي الألوان واللغات،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الأطوار التارات وَالْحُدُود، وَاحِدهَا طور، أَي: مرّة ملك وَمرَّة هلك وَمرَّة بؤس وَمرَّة نعم.
قَوْله: ( عدا طوره) ، فسره بقوله: قدره، يُقَال: فلَان عدا طوره إِذا جَاوز قدره.



[ قــ :3044 ... غــ :3190 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبَرَنَا سُفْيَانُ عنْ جامِعِ بنِ شَدَّادٍ عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَ نَفَرٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ يَا بَني تَمِيمٍ أبْشِرُوا قَالُوا بَشَّرْتَنَا فأعْطِنا فتَغيرَ وجْهُهُ فَجاءَهُ أهْلُ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا البُشرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَميمٍ قَالُوا قَبِلْنَا فأخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الخَلْقِ والْعَرْشِ فَجاءَ رَجُلٌ فَقال يَا عِمْرَانُ راحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي لَمْ أقُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( يحدث بَدْء الْخلق) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وجامع بن شَدَّاد بِالتَّشْدِيدِ أَبُو صَخْرَة الْمحَاربي الْكُوفِي وَصَفوَان بن مُحرز، بِضَم الْمِيم على وزن الْفَاعِل من الْإِحْرَاز: الْمَازِني الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن أبي نعيم وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي بَدْء الْخلق أَيْضا عَن عَمْرو بن حَفْص وَفِي التَّوْحِيد عَن عَبْدَانِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

قَوْله: ( جَاءَ نفر) أَي: عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَكَانَ قدومهم فِي سنة تسع.
قَوْله: ( أَبْشِرُوا) ، أَمر بِهَمْزَة قطع من الْبشَارَة، وَأَرَادَ بهَا مَا يجازى بِهِ الْمُسلمُونَ وَمَا يصير إِلَيْهِ عاقبتهم، وَيُقَال: بشرهم بِمَا يَقْتَضِي دُخُول الْجنَّة حَيْثُ عرفهم أصُول العقائد الَّتِي هِيَ المبدأ والمعاد وَمَا بَينهمَا.
قَوْله: ( قَالُوا بشرتنا) ، فَمن الْقَائِلين بِهَذَا الْأَقْرَع بن حَابِس، كَانَ فِيهِ بعض أَخْلَاق الْبَادِيَة.
قَوْله: ( فَأَعْطِنَا) ، أَي: من المَال.
قَوْله: ( فَتغير وَجهه) ، أَي: وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا للأسف عَلَيْهِم كف آثروا الدُّنْيَا، وَإِمَّا لكَونه لم يحضرهُ مَا يعطيهم فيتألفهم بِهِ.
قَوْله: ( فجَاء أهل الْيمن) ، هم الأشعريون قوم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: قدوم الْأَشْعَرِيين صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي صُحْبَة جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه من الْمُهَاجِرين الَّذين كَانُوا بِالْحَبَشَةِ حِين فتح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر، قَوْله: ( اقْبَلُوا الْبُشْرَى) ، حكى عِيَاض: أَن فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: الْيُسْرَى، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة، قَالَ: وَالصَّوَاب الأول.
قَوْله: ( إِذْ لم يقبلهَا) ، كلمة إِذْ، ظرف وَهُوَ اسْم للزمن الْمَاضِي، وَلها استعمالات أَحدهَا أَن تكون ظرفا بِمَعْنى الْحِين، وَهُوَ الْغَالِب، وَهنا كَذَلِك.
قَوْله: ( فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: شرع يحدث.
قَوْله: ( راحلتك) ، الرَّاحِلَة النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل والمركب أَيْضا من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَيجوز فِيهَا الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء، وَأما النصب فعلى تَقْدِير: أدْرك راحلتك.
قَوْله: ( تفلتت) أَي: تشردت وتشمرت.
قَوْله: ( لَيْتَني لم أقِم) ، أَي: قَالَ عمرَان: لَيْتَني لم أقِم من مجْلِس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم يفت مني سَماع كَلَامه.



[ قــ :3045 ... غــ :3191 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثنا جامِعُ ابنُ شَدَّادٍ عنْ صَفْوانَ بنِ مُحْرِزٍ أنَّهُ حَدَّثَهُ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ دخَلَ علَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَقَلْتُ ناقَتِي بالبابُُِ فأتاهُ ناسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقال أقْبلَوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنا فأعْطِنَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ناسٌ مِنْ أهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بنُو تَميمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رسُولَ الله قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْألُكَ عنْ هذَا الأمْرِ قالَ كانَ الله ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ على الماءِ وكتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيْءٍ وخَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ فَنادى مُنادٍ ذَهَبَتْ ناقَتُكَ يَا ابنَ الحُصَيْنِ فانْطَلَقْتُ فإذَا هِي يَقْطَعُ دُونَها السَّرابُ فَوالله لوَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا.
.


هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عمرَان بن الْحصين مَعَ زِيَادَة فِيهِ.
قَوْله: ( جئْنَاك) ، بكاف الْخطاب، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: جِئْنَا، بِلَا كَاف.
قَوْله: ( نَسْأَلك عَن هَذَا الْأَمر) أَي: الْحَاضِر الْمَوْجُود، وَلَفظ: الْأَمر، يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَأْمُور وَيُرَاد بِهِ الشَّأْن، وَالْحَال، وَكَأَنَّهُم سَأَلُوا عَن أَحْوَال هَذَا الْعَالم.
قَوْله: ( كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره) وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد: وَلم يكن شَيْء قبله، وَفِي رِوَايَة غير البُخَارِيّ، وَلم يكن شَيْء مَعَه، وَوَقع هَذَا الحَدِيث فِي بعض الْمَوَاضِع: كَانَ الله وَلَا شَيْء مَعَه وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ، وَهِي زِيَادَة لَيست فِي شَيْء من كتب الحَدِيث نبه عَلَيْهِ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية.
قَوْله: ( وَكَانَ عَرْشه على المَاء) ، أَي: لم يكن تَحْتَهُ إلاَّ المَاء، وَفِيه دَلِيل على أَن الْعَرْش وَالْمَاء كَانَا مخلوقين قبل السَّمَوَات وَالْأَرْض.
فَإِن قلت: بَين هَذِه الْجُمْلَة وَمَا قبلهَا مُنَافَاة ظَاهِرَة لِأَن هَذِه الْجُمْلَة تدل على وجود الْعَرْش، وَالْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا تدل على أَنه لم يكن شَيْء.
قلت: هُوَ من بابُُ الْإِخْبَار عَن حُصُول الجملتين مُطلقًا، وَالْوَاو بِمَعْنى: ثمَّ فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين كَانَ فِي: كَانَ الله، وَبَين كَانَ فِي: وَكَانَ عَرْشه؟ قلت: كَانَ الأول: بِمَعْنى الْكَوْن الأزلي، وَكَانَ الثَّانِي: بِمَعْنى الْحَدث.
وَفِي قَوْله: وَكَانَ عَرْشه على المَاء، دلَالَة على أَن المَاء وَالْعرش كَانَا مبدأ هَذَا الْعَالم لكَوْنهم خلقا قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلم يكن تَحت الْعَرْش إِذْ ذَاك إلاَّ المَاء.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْعَرْش وَالْمَاء مخلوقين أَولا فَأَيّهمَا سَابق فِي الْخلق؟ قلت: المَاء لما روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ مَرْفُوعا: إِن المَاء خلق قبل الْعَرْش، وروى السّديّ فِي تَفْسِيره بأسانيد مُتعَدِّدَة: أَن الله تَعَالَى لم يخلق شَيْئا مِمَّا خلق قبل المَاء.
فَإِن قلت: روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث أبي رزين الْعقيلِيّ مَرْفُوعا أَن المَاء خلق قبل الْعَرْش وروى السّديّ فِي تَفْسِيره بأسانيد مُتعَدِّدَة أَن الله تَعَالَى لم يخلق شَيْئا مِمَّا خلق قبل المَاء ( فَإِن قلت) روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت مَرْفُوعا: أول مَا خلق الله الْقَلَم، ثمَّ قَالَ: أكتب، فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَاخْتَارَهُ الْحسن وَعَطَاء وَمُجاهد، وَإِلَيْهِ ذهب إِبْنِ جرير وَابْن الْجَوْزِيّ، وَحكى ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَنه قَالَ: أول مَا خلق الله تَعَالَى النُّور والظلمة، ثمَّ ميز بَينهمَا فَجعل الظلمَة لَيْلًا أسود مظلماً، وَجعل النُّور نَهَارا أَبيض مبصراً، وَقيل: أَو مَا خلق الله تَعَالَى نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات بِأَن الأولية نسبي، وكل شَيْء قيل فِيهِ إِنَّه أول فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعْدهَا.
قَوْله: ( وَكتب فِي الذّكر) أَي: قدر كل الكائنات وأثبتها فِي الذّكر أَي: اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَوْله: ( تقطع) ، تفعل من التقطع وَهُوَ بِلَفْظ الْمَاضِي وبلفظ الْمُضَارع من الْقطع.
قَوْله: ( السراب) بِالرَّفْع فَاعله، والسراب هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء، وَالْمعْنَى: فَإِذا هِيَ، انْتهى السراب عِنْدهَا.
قَوْله: ( لَوَدِدْت) ، أَي: لأحببت أَنِّي لَو تركتهَا لِئَلَّا يفوت مِنْهُ سَماع كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: السُّؤَال عَن مبادىء الإشياء والبحث عَنْهَا جَائِز شرعا، وللعالم أَن يُجيب عَنْهَا بِمَا يعلم، فَإِن خشِي من السَّائِل إِيهَام شكّ أَو تَقْصِير فَلَا، يجِيبه وينهاه عَن ذَلِك.





[ قــ :3045 ... غــ :319 ]
- وروَاهُ عِيسَى عنْ رَقَبةَ عنْ قَيْسِ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ قامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَقاماً فأخبرَنَا عنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حتَّى دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ منازِلَهُمْ وأهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ ونَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.


عِيسَى هُوَ ابْن مُوسَى البُخَارِيّ أَبُو أَحْمد التَّيْمِيّ مَوْلَاهُم يلقب: غُنْجَار، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالجيم وَبعد الْألف رَاء، لقب بِهِ لاحمرار خديه، كَانَ من أعبد النَّاس، مَاتَ سنة سبع أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، ورقبة، بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مصقلة، بالصَّاد الْمُهْملَة وبالقاف: الْعَبْدي الْكُوفِي.
وَاعْلَم أَن رِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا.
عِيسَى عَن رَقَبَة،.

     وَقَالَ  الجياني: سقط بَينه وَبَين رَقَبَة أَبُو حَمْزَة السكرِي وَهُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون،.

     وَقَالَ  أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: إِنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى، يَعْنِي: ابْن مُوسَى عَن أبي حَمْزَة السكرِي عَن رَقَبَة.

وَقد وصل الطَّبَرَانِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عِيسَى الْمَذْكُور عَن أبي حَمْزَة عَن رَقَبَة وَلم ينْفَرد بِهِ عِيسَى، فقد أخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق عَليّ بن الْحُسَيْن بن شَقِيق عَن أبي حَمْزَة وَلَكِن فِي إِسْنَاده ضعف.

قَوْله: ( قَامَ فِينَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقَاما) يَعْنِي: قَامَ على الْمِنْبَر، بيَّن ذَلِك مَا رَوَاهُ أَحْمد وَمُسلم من حَدِيث أبي زيد الْأنْصَارِيّ، قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة الصُّبْح وَصعد الْمِنْبَر فَخَطَبنَا حَتَّى حضرت الصَّلَاة، ثمَّ نزل فصلى بِنَا الظّهْر ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَخَطَبنَا ثمَّ الْعَصْر كَذَلِك حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فحدثنا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن، فأعلمنا أحفظنا لفظ أَحْمد وَأفَاد هَذَا بَيَان الْمقَام الْمَذْكُور زَمَانا ومكاناً، وَأَنه كَانَ على الْمِنْبَر من أول النَّهَار إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس.
قَوْله: ( حَتَّى دخل) كلمة: حَتَّى، غَايَة للمبدأ وللإخبار، أَي: حَتَّى أخبر عَن دُخُول أهل الْجنَّة، وَالْغَرَض أَنه أخبر عَن المبدأ والمعاش والمعاد جَمِيعًا، وَإِنَّمَا قَالَ: دخل، بِلَفْظ الْمَاضِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل مُبَالغَة للتحقق الْمُسْتَفَاد من خبر الصَّادِق.

وَفِيه: دلَالَة على أَنه أخبر فِي الْمجْلس الْوَاحِد بِجَمِيعِ أَحْوَال الْمَخْلُوقَات من ابتدائها إِلَى انتهائها، وَفِي إِيرَاد ذَلِك كُله فِي مجْلِس وَاحِد أَمر عَظِيم من خوارق الْعَادة، وَكَيف وَقد أعطي جَوَامِع الْكَلم مَعَ ذَلِك؟




[ قــ :3046 ... غــ :3193 ]
- حدَّثني عبْدُ لله بنُ أبِي شَيْبَةَ عنْ أبِي أحْمَدَ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ يَقُولُ الله شَتَمَنِي ابنُ آدَمَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَشْتِمَنِي وتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أمَّا شَتْمُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  إنَّ لِي ولَدَاً وأمَّا تَكْذِيبُهُ فَ.

     قَوْلُهُ  لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأنِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَيْسَ يُعِيدنِي كَمَا بَدَأَنِي) وَهُوَ قَول منكري الْبَعْث من عباد الْأَوْثَان.

وَأَبُو أَحْمد اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن دِرْهَم الْأَزْدِيّ، وَقيل: الْأَسدي الزبيرِي، نِسْبَة إِلَى جده، مَاتَ بالأهواز فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

قَوْله: ( يَشْتمنِي) ، بِالْفِعْلِ الْمُضَارع، ويروى: شَتَمَنِي، بالماضي من الشتم، وَهُوَ توصيف الشَّيْء بِمَا هُوَ إزراء وَنقص لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالغيرة وَإِثْبَات الْوَلَد كَذَلِك، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْإِمْكَان المتداعي للحدوث، قَالُوا: إِن هَذَا الحَدِيث كَلَام قدسي، أَي: نَص إل هِيَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة، لِأَن الله تَعَالَى أخبر نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعْنَاهُ بإلهام وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنهُ أمته بِعِبَارَة نَفسه.
قَوْله: ( وتكذبني) ، من بابُُ التفعل، ويروى: ويكذبني بِضَم الْيَاء من التَّكْذِيب.





[ قــ :3047 ... غــ :3194 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا مُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ القُرَشِيُّ عنْ أبِي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا قَضَى الله الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غلَبَتْ غَضَبِي.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لما قضى الله الْخلق) .
ومغيرة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة، وَالنَّسَائِيّ فِي النعوت كلهم عَن قُتَيْبَة.

قَوْله: ( لما قضى الله الْخلق) ، قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد لما خلق الله الْخلق كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فقضاهن سبع سموات} ( فصلت: 1) .
أَي: خَلقهنَّ،.

     وَقَالَ  ابْن عَرَفَة: قَضَاء الشي إحكامه وإمضاؤه والفراغ مِنْهُ، وَبِه سمي القَاضِي لِأَنَّهُ إِذا حكم فقد فرغ مِمَّا بَين الْخَصْمَيْنِ.
قَوْله: ( كتب فِي كِتَابه) ، أَي: أَمر الْقَلَم أَن يكْتب فِي كِتَابه وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ، والمكتوب هُوَ: أَن رَحْمَتي غلبت غَضَبي.
قَوْله: ( فَهُوَ عِنْده) ، أَي: الْكتاب عِنْده، والعندية لَيست مكانية بل هُوَ إِشَارَة إِلَى كَمَال كَونه مكنوناً عَن الْخلق مَرْفُوعا عَن حيّز إدراكهم.
قَوْله: ( فَوق الْعَرْش) ، قَالَ الْخطابِيّ: قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ دون الْعَرْش استعظاماً أَن يكون شَيْء من الْخلق فَوق الْعَرْش كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { بعوضة فَمَا فَوْقهَا} ( الْبَقَرَة: 6) .
أَي: فَمَا دونهَا أَي: أَصْغَر مِنْهَا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِن لفظ الفوق زَائِد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ} ( النِّسَاء: 11) .
إِذْ الثنتان يرثان الثُّلثَيْنِ.
قلت: فِي كل مِنْهُمَا نظر، أما الأول فَفِيهِ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَوْضِعه، وَأما الثَّانِي فَفِيهِ فَسَاد الْمَعْنى، لِأَن مَعْنَاهُ: يكون حِينَئِذٍ: فَهُوَ عِنْده الْعَرْش، وَهَذَا لَا يَصح، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال معنى قَوْله: فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش أَي: علم ذَلِك عِنْد الله فَوق الْعَرْش لَا ينْسَخ وَلَا يُبدل، أَو ذكر ذَلِك عِنْد الله فَوق الْعَرْش، وَلَا مَحْذُور من إِضْمَار لفظ الْعلم أَو الذّكر، على أَن الْعَرْش مَخْلُوق وَلَا يَسْتَحِيل أَن يمسهُ كتاب مَخْلُوق، فَإِن الْمَلَائِكَة حَملَة الْعَرْش حاملونه على كواهلهم، وَفِيه المماسة فَلَا مَحْذُور أَن يكون كِتَابه فَوق الْعَرْش.
فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص هَذَا بِالذكر على مَا قلت، مَعَ أَن الْقَلَم كتب كل شَيْء؟ قلت: لما فِيهِ من الرَّجَاء الْكَامِل وَإِظْهَار أَن رَحمته وسعت كل شَيْء، بِخِلَاف غَيره.
قَوْله: ( أَن رَحْمَتي) ، بِفَتْح أَن على أَنَّهَا بدل من: كتب، وبكسرها ابْتِدَاء كَلَام يحمي مَضْمُون الْكتاب.
قَوْله: ( غلبت) ، فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد فِي التَّوْحِيد: سبقت، بدل: غلبت، وَالْمرَاد من الْغَضَب مَعْنَاهُ الغائي وَهُوَ لَازمه، وَهُوَ إِرَادَة الإنتقام مِمَّن يَقع عَلَيْهِ الْغَضَب والسبق وَالْغَلَبَة بِاعْتِبَار التَّعَلُّق أَي: تعلق الرَّحْمَة سَابق غَالب على تَعْلِيق الْغَضَب، لِأَن الرَّحْمَة مُقْتَضى ذَاته المقدسة، وَأما الْغَضَب فَإِنَّهُ مُتَوَقف على سَابِقَة عمل من العَبْد حَادث، وَبِهَذَا ينْدَفع إِشْكَال من أورد وُقُوع الْعَذَاب قبل الرَّحْمَة فِي بعض الْمَوَاضِع كمن يدْخل النَّار من الْمُوَحِّدين ثمَّ يخرج بالشفاعة أَو غَيرهَا، وَقيل: الرَّحْمَة وَالْغَضَب من صِفَات الْفِعْل لَا من صِفَات الذَّات فَلَا مَانع من تقدم بعض الْأَفْعَال على بعض،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ فِي سبق الرَّحْمَة إِشَارَة إِلَى أَن قسط الْخلق مِنْهَا أَكثر من قسطهم من الْغَضَب، وَأَنَّهَا تنالهم من غير اسْتِحْقَاق، وَأَن الْغَضَب لَا ينالهم إلاَّ بِاسْتِحْقَاق، فالرحمة تَشْمَل الشَّخْص جَنِينا ورضيعاً وفطيماً وناشئاً قبل أَن يصدر مِنْهُ شَيْء من الطَّاعَة وَلَا يلْحقهُ الْغَضَب إلاَّ بعد أَن يصدر عَنهُ من الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم.