فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 5]

(بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { أَلا يَظُنُّ أُوْلَائِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 4 6)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله تَعَالَى إِلَى آخِره.
قَوْله: { أَلا يظنّ} أَي: أَلا يستيقن، وَالظَّن هُنَا بِمَعْنى الْيَقِين { أَنهم مبعوثون} فَيسْأَلُونَ عَمَّا فعلوا فِي الدُّنْيَا.
قَوْله: { ليَوْم عَظِيم} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة { يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} لفصل الْقَضَاء بَين يَدي رَبهم،.

     وَقَالَ  كَعْب: يقفون ثَلَاثمِائَة عَام،.

     وَقَالَ  مقَاتل: وَذَلِكَ إِذا خَرجُوا من قُبُورهم.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ { وتقطعت بهم الْأَسْبابُُ} (الْبَقَرَة: 961) قَالَ: الوُصُلاتُ فِي الدُّنيا.

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { وتقطعت بهم الْأَسْبابُُ} الوصلات فِي الدُّنْيَا، بِضَم الْوَاو وَالصَّاد الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ضبطناه بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وسكونها،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ جمع الوصلة، وَهِي الِاتِّصَال، وكل مَا اتَّصل بشي فَمَا بَينهمَا وصلَة،.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: الْأَسْبابُُ هِيَ الوصلات الَّتِي كَانُوا يتواصلون بهَا فِي الدُّنْيَا، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْأَسْبابُُ الْأَرْحَام، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ، هُوَ مُنْقَطع.
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة: الْأَسْبابُُ الوصلات الَّتِي كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا يتواصلون بهَا ويتحابون، فَصَارَت عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة.



[ قــ :6193 ... غــ :6531 ]
- حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبانَ حدّثنا عِيسى بنُ يُونُسَ حدّثنا ابنُ عَوْن عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} (المطففين: 6) قَالَ: (يَقُومُ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أنْصافِ أُذُنَيْهِ) .
(انْظُر الحَدِيث 8394) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْمَاعِيل بن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة منصرفاً الْوراق الْوزان الْكُوفِي، وَعِيسَى بن يُونُس بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْكُوفِي، سكن نَاحيَة الشَّام موضعا يُقَال لَهُ الْحَدث، وَمَات بهَا أول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد وَالتَّفْسِير عَن هناد عَن عِيسَى بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن هناد بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بِهِ.

قَوْله: (فِي رشحه) الرشح الْعرق.
قَوْله: (أَنْصَاف أُذُنَيْهِ) كَقَوْلِه: { (66) فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) وَيُمكن الْفرق بِأَنَّهُ لما كَانَ لكل شخص أذنان فَهُوَ من بابُُ إِضَافَة الْجمع إِلَى مثله بِنَاء على أَن أقل الْجمع اثْنَان.

قلت: رُوِيَ فِي هَذَا الْبابُُ أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: أَن الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يبلغ الْعرق نصف الْأذن، وروى الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْكَافِر ليلجم بعرقه يَوْم الْقِيَامَة من طول ذَلِك الْيَوْم، حَتَّى يَقُول: يَا رب أرحني، وَلَو إِلَى النَّار.
وروى مُسلم من حَدِيث سليم بن عَامر عَن الْمِقْدَاد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أدنيت الشَّمْس من الْعباد حَتَّى تكون قيد ميل أَو ميلين قَالَ سليم: لَا أَدْرِي أَرَادَ أَي الميلين أمسافة الأَرْض أَو الَّذِي يكتحل بِهِ قَالَ: فتصهرهم الشَّمْس فيكونون فِي الْعرق بِقدر أَعْمَالهم، فَمنهمْ من يَأْخُذهُ إِلَى حقْوَيْهِ وَمِنْهُم من يلجمه إلجاماً.
قَالَ: فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَهُوَ يُشِير بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
وروى الْحَاكِم عَن عقبَة بن عَامر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تَدْنُو الشَّمْس من الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فيعرق النَّاس، فَمن النَّاس من يبلغ عرقه عقبه، وَمِنْهُم من يبلغ نصف سَاقه، وَمِنْهُم من يبلغ رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُم من يبلغ فَخذه، وَمِنْهُم من يبلغ خاصرته، وَمِنْهُم من يبلغ مَنْكِبَيْه، وَمِنْهُم من يبلغ فَاه: فَأَشَارَ بِيَدِهِ فألجمها، وَمِنْهُم من يغطيه عرقه، وَضرب بِيَدِهِ على رَأسه هَكَذَا.
وروى ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان الْخَبَر قَالَ: تُعْطى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة حر عشر سِنِين ثمَّ تدنى من جماجم النَّاس حَتَّى يكون قاب قوسين.
قَالَ: فيعرقون حَتَّى يرشح الْعرق فِي الأَرْض قامة ثمَّ يرْتَفع حَتَّى يُغَرْغر الرجل.
قَالَ سلمَان: حَتَّى يَقُول الرجل: غرغر.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِن هَذَا لَا يضر مُؤمنا كَامِل الْإِيمَان أَو من استظل بالعرش.
وَرُوِيَ عَن سلمَان: وَلَا يجد حرهَا مُؤمن وَلَا مُؤمنَة، وَأما الْكفَّار فتطبخهم طبخاً حَتَّى يسمع لإحراقهم عق عق.
وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) : عَن عبد الله بن عمر وَبِسَنَد لَا بَأْس بِهِ قَالَ: يشْتَد كرب ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يلجم الْكَافِر الْعرق.
قيل لَهُ: فَأَيْنَ الْمُؤمن؟ قَالَ: على كرْسِي من ذهب، ويظل عَلَيْهِم الْغَمَام.
وَعَن أبي ظبْيَان: قَالَ أَبُو مُوسَى: الشَّمْس فَوق رُؤُوس النَّاس وأعمالهم تظلهم.





[ قــ :6194 ... غــ :653 ]
- حدّثني عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني سُلَيْمانُ عنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ عنْ أبي الغَيْثِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهمْ فِي الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً، ويُلْجِمُهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ) .


ذكر هَذَا عقيب حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لما أَنه يتَضَمَّن بعض مَا فِيهِ والمناسبة بِهَذَا الْمِقْدَار كَافِيَة.

عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ، وَسليمَان بن بِلَال، وَأَبُو الْغَيْث سَالم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن قُتَيْبَة.

قَوْله: ( يعرق) بِفَتْح الرَّاء: ( ويلجمهم) بِضَم الْيَاء من ألْجمهُ المَاء إلجاماً إِذا بلغ فَاه، وَسبب كَثْرَة الْعرق تراكم الْأَهْوَال وَشدَّة الازدحام ودنو الشَّمْس.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْجَمَاعَة إِذا وقفُوا فِي الأَرْض المعتدلة أَخذهم المَاء أخذا وَاحِدًا بِحَيْثُ يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل إِلَى الْأذن مَعَ اخْتِلَاف قاماتهم طولا وقصراً، وَأجَاب بِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد، أَو لَا يكون فِي القامات حينئذٍ اخْتِلَاف.
وَقد روى اخْتلَافهمْ أَيْضا على قدر أَعْمَالهم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.