فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استعمال البقر للحراثة

( بابُُ اسْتِعْمالِ البَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم اسْتِعْمَال الْبَقر للحراثة، الْبَقر اسْم جنس، وَالْبَقَرَة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخلته الْهَاء على أَنه وَاحِد من جنس، وَالْجمع: بقرات، والباقر: جمَاعَة الْبَقر مَعَ رعاتها.
وَفِي ( الْمغرب) : الباقور والبيقور والأبقور: الْبَقر.
وَعَن قطرب: الباقورة: الْبَقر،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الباقورة الْبَقر بلغَة أهل الْيمن، وَفِي الصَّدَقَة لأهل الْيمن فِي ثَلَاثِينَ باقورة: بقرة:.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: البقير، جمَاعَة الْبَقر.

[ قــ :2227 ... غــ :2324 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَما رجُلٌ راكِبٌ علَى بَقَرةٍ الْتَفَتَتْ إلَيْهِ فَقالَتْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذا خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ قَالَ آمَنْتُ بِهِ أَنا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرَ وأخذَ الذِّئْبُ شَاة فتَبِعَها الرَّاعِي فَقَالَ الذِّئْبُ منْ لَها يَوْمَ السَّبُع يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَها غَيْرِي قَالَ آمَنْتُ بِهِ أَنا وَأَبُو بَكْرً وعُمَرُ قَالَ أبُو سلَمَةَ وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي القَوْمِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: خلقت للحراثة، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، وَقد تكَرر ذكره، وَسعد هُوَ إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَفِي بعض النّسخ: إِبْرَاهِيم مَذْكُور.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي المناقب عَن عَليّ عَن سُفْيَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن عباد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب مقطعا عَن مُحَمَّد ابْن بشار بِهِ وَعَن مَحْمُود بن غيلَان.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بَيْنَمَا) ، قد ذكرنَا غير مرّة أَصله: بَين، زيدت فِيهِ.
مَا، ويضاف إِلَى جملَة، وَجَوَابه.
قَوْله: ( التفتت إِلَيْهِ) .
قَوْله: ( لهَذَا) ، أَي: للرُّكُوب، يدل عَلَيْهِ قَوْله: رَاكب.
قَوْله: ( آمَنت بِهِ) ، أَي: بتكلم الْبَقَرَة.
قَوْله: ( أَنا) ، إِنَّمَا أضمره لصِحَّة الْعَطف على الضَّمِير الْمُتَّصِل على رَأْي الْبَصرِيين.
قَوْله: ( فَقَالَ الذِّئْب: من لَهَا؟) أَي: للشاة.
قَوْله: ( يَوْم السَّبع) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَكثر الْمُحدثين يرونه بِضَم الْبَاء، قَالَ: وَالْمعْنَى على هَذَا، أَي: إِذا أَخذهَا السَّبع لم يقدر على خلاصها فَلَا يرعاها حِينَئِذٍ غَيْرِي، أَي: إِنَّك تهرب وأكون أَنا قَرِيبا مِنْهَا أنظر مَا يفضل لي مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: يتركون الْمَدِينَة على خير مَا كَانَت لَا يَغْشَاهَا إلاَّ العوافي، يُرِيد السبَاع وَالطير.
قَالَ: وَهَذَا لم نسْمع بِهِ، وَلَا بُد من وُقُوعه.
.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: قِرَاءَة النَّاس، بِضَم الْبَاء، وَإِنَّمَا هُوَ بإسكانها وَالضَّم تَصْحِيف، وَيُرِيد بالساكن الْبَاء: الإهمال، وَالْمعْنَى من لَهَا يَوْم يهملها أَرْبابُُهَا لعَظيم مَا هم فِيهِ من الكرب، أما بِمَعْنى: يحدث من فتْنَة، أَو يُرِيد بِهِ يَوْم الصَّيْحَة.
وَفِي ( التَّهْذِيب) للأزهري عَن ابْن الْأَعرَابِي: السَّبع، بِسُكُون الْبَاء، هُوَ الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ الْمَحْشَر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: من لَهَا يَوْم الْقِيَامَة.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: السَّاكِن الْبَاء؛ عيد لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة، كَانُوا يشتغلون بِهِ بلعبهم فيأكل الذِّئْب غَنمهمْ وَلَيْسَ بالسبع الَّذِي يَأْكُل النَّاس.
وَقيل: يَوْم السَّبع بِسُكُون الْبَاء، أَي: يَوْم الْجُوع.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا هُوَ يَوْم السَّبع، بِالْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا، أَي: يَوْم الضّيَاع، يُقَال: أسعت، وأضعت، بِمَعْنى.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: الروايه بِالضَّمِّ وَإِمَّا بِالسُّكُونِ فَمن جعلهَا اسْما للموضع الَّذِي عِنْده الْمَحْشَر أَي من لَهَا يَوْم الْقِيَامَة وَقد أنكر عَلَيْهِ إِذْ يَوْم الْقِيَامَة لَا يكون الذِّئْب راعيها وَلَا لَهُ تعلق بهَا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ من لَهَا عِنْد الْفِتَن حِين يَتْرُكهَا النَّاس هملا لَا راعي لَهَا نهيبة للسباع فَيبقى لَهَا السَّبع رَاعيا أَي مُنْفَردا بهَا قَوْله " مَا هما " أَي لم يكونها يَوْمئِذٍ حاضرين وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِقَة بهما لعلمه بِصدق إيمانهما وَقُوَّة يقينهما وَكَمَال معرفتهما بقدرة الله تَعَالَى ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ علم من أَعْلَام النُّبُوَّة وَفِيه فضل الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لِأَنَّهُ نزلهما بِمَنْزِلَة نَفسه وَهِي من أعظم الخصائص.

     وَقَالَ  ابْن الْمُهلب فِيهِ بَيَان أَن كَلَام الْبَهَائِم من الخصائص الَّتِي خصت بهَا بَنو إِسْرَائِيل وَهَذِه الْوَاقِعَة كَانَت فيهم وَهُوَ الَّذِي فهمه البُخَارِيّ إِذْ خرجه فِي بابُُ ذكر بني إِسْرَائِيل قلت لَا يلْزم من ذكر البُخَارِيّ هَذَا فِي بني إِسْرَائِيل اختصاصهم بذلك وَقد روى ابْن وهب أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَصَفوَان بن أُميَّة وجدا ذئبا أَخذ ظَبْيًا فاستنقذاه مِنْهُ فَقَالَ لَهما طعمة أطعمنيها الله تَعَالَى وَرُوِيَ مثل هَذَا أَيْضا أَنه جرى لأبي جهل وَأَصْحَاب لَهُ وَعند أبي الْقَاسِم عَن أنس قَالَ كنت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فشردت على غنمي فجَاء الذِّئْب فَأخذ مِنْهَا شَاة فاشتدت الرُّعَاة خَلفه فَقَالَ الذِّئْب طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني فبهت الْقَوْم فَقَالَ مَا تعْجبُونَ ( ح) وَذكر ابْن الْأَثِير أَن قصَّة الذِّئْب كَانَت أَيْضا فِي المبعث وَالَّذِي كَلمه الذِّئْب اسْمه أهبان بن أَوْس الْأَسْلَمِيّ أَبُو عقبَة سكن الْكُوفَة وَقيل أهبان بن عقبَة وَهُوَ عَم سَلمَة بن الْأَكْوَع وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وَعَن الْكَلْبِيّ هُوَ أهبان بن الْأَكْوَع واسْمه سِنَان بن عياذ بن ربيعَة.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ أهبان بن أَوْس الْأَسْلَمِيّ يكلم الذِّئْب أَبُو عقبَة كُوفِي وَقيل أَن مُكَلم الذِّئْب أهبان بن عياذ الْخُزَاعِيّ.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على من جعل عِلّة الْمَنْع من أكل الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير أَنَّهَا خلقت للزِّينَة وَالرُّكُوب لقَوْله عز وَجل { لتركبوها وزينة} وَقد خلقت الْبَقر للحراثة كَمَا أنطقها الله عز وَجل وَلم يمْنَع ذَلِك من أكل لحومها لَا فِي بني إِسْرَائِيل وَلَا فِي الْإِسْلَام قلت الْبَقر خلقت للْأَكْل بِالنَّصِّ كَمَا خلقت هَذِه الثَّلَاثَة للرُّكُوب بِالنَّصِّ وَالْبَقر لم تخلق للرُّكُوب فَلذَلِك قَالَت لراكبها لم أخلق لهَذَا وَقَوْلها خلقت للحراثة لَيْسَ بحصر فِيهَا وَلما كَانَت فِيهَا منفعتان الْأكل والحراثة ذكرت مَنْفَعَة الحراثة لكَونهَا أبعد فِي الذِّهْن من مَنْفَعَة الْأكل وَلِأَن الْأكل كَانَ مقررا عِنْد الرَّاكِب بِخِلَاف الحراثة بل رُبمَا كَانَ يظنّ أَنَّهَا غير متصورة عِنْده فنبهته عَلَيْهَا دون الْأكل