فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل الحج المبرور

( بابُُ فَضْلِ الحَجِّ المَبْرُورِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل الْحَج المبرور أَي: المقبول، قَالَه ابْن خالويه،.

     وَقَالَ  غَيره: الْحَج المبرور الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من المأثم، وَهُوَ من الْبر وَهُوَ اسْم جَامع للخير، يُقَال: بر عمله وبر عمله، بِفَتْح الْبَاء وَضمّهَا، بريرا وبرورا، وأبره الله تَعَالَى.
قَالَ الْفراء: بُر حجَّة، فَإِذا قَالُوا: أبر الله حجك قَالُوهُ بِالْألف.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: بر حجك لِأَن الْعَامَّة تَقول: بر حجك، بِفَتْح الْبَاء، يجْعَلُونَ الْفِعْل لِلْحَجِّ، وَإِنَّمَا الْحَج مفعول بِهِ مبرور وَلَيْسَ ببار، وَحكى أَبُو عبيد واللحياني وَابْن التياني وَأَبُو الْمعَانِي وَأَبُو نصر فِي آخَرين: بر، بِفَتْح الْبَاء.



[ قــ :1459 ... غــ :1519 ]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَعِيدٍ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ قالَ إيمَانٌ بِاللَّه ورسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ ماذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ الله قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ.

( انْظُر الحَدِيث 62) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث تقدم فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ من قَالَ إِن الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أَحْمد بن يُونُس ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل كِلَاهُمَا عَن إِبْرَاهِيم بن سعد إِلَى آخِره، وَهَهُنَا أخرجه: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله ابْن يحيى بن عَمْرو أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي.
وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ.





[ قــ :1460 ... غــ :150 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ المُبَارَكِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ قَالَ أخبرنَا حَبِيبُ بنُ أبي عَمْرَةَ عنْ عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ المؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها قالَتْ يَا رسولَ الله نَرَي الجِهَادَ أفْضَلَ العمَلَ أفَلاَ نُجَاهِدُ قَالَ لاَ لاكِنْ أفْضلَ الجِهادِ حَجٌّ مَبرُورٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك بن عبد الله العيشي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة.
الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان.
الثَّالِث: حبيب ابْن أبي عمْرَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء وَفِي آخرهَا هَاء: القصاب.
الرَّابِع: عَائِشَة بنت طَلْحَة بنت عبيد الله التميمية القرشية، وَكَانَت من أجمل نسَاء قُرَيْش، أصدقهَا مُصعب بن الزبير ألف ألف دِرْهَم.
الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة الصديقة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه لَيْسَ أَخا لعبد الله بن الْمُبَارك الْفَقِيه الْمَشْهُور فَإِنَّهُ مروزي وَشَيخ البُخَارِيّ بَصرِي من بني عَيْش.
وَفِيه: أَن خَالِدا واسطي وَأَن حبيبا كُوفِي وَأَن عَائِشَة بنت طَلْحَة مَدَنِيَّة.
وَفِيه: رِوَايَة التابعية عَن الصحابية.
وَفِيه: رِوَايَتهَا عَن خَالَتهَا، فَإِن عَائِشَة الصديقة خَالَة عَائِشَة بنت طَلْحَة لِأَن أمهَا أم كُلْثُوم بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد: عَن مُسَدّد عَن خَالِد بن عبد الله، وَفِي الْحَج أَيْضا: عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَفِي الْجِهَاد أَيْضا: عَن قبيصَة عَن سُفْيَان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير عَن حبيب بن أبي عمْرَة نَحوه.
وَأخرجه ابْن مَاجَه، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَفلا نجاهد؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الإستخبار.
قَوْله: (قَالَ: لَا) ، أَي: لَا تجاهدن، قَوْله: (لَكِن) ، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِضَم الْكَاف وَالنُّون لجَماعَة النِّسَاء خطابا لَهُنَّ،.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيّ: هَذَا هُوَ الَّذِي تميل إِلَيْهِ نَفسِي، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: (وَلَكِن) ، بِكَسْر الْكَاف وَزِيَادَة الْألف قبلهَا بِلَفْظ الِاسْتِدْرَاك.
قلت: فعلى هَذِه الرِّوَايَة اسْم لَكِن هُوَ قَوْله: (أفضل الْجِهَاد) بِالنّصب وخبرها هُوَ قَوْله: (حج مبرور) ، والمستدرك مِنْهُ يُسْتَفَاد من السِّيَاق تَقْدِيره: لَيْسَ لَكِن الْجِهَاد وَلَكِن أفضل الْجِهَاد فِي حقكن حج مبرور، وعَلى الرِّوَايَة الأولى: أفضل الْجِهَاد مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره هُوَ قَوْله: لَكِن، تَقْدِيره: أفضل الْجِهَاد لَكِن حج مبرور، وَفِي لفظ النَّسَائِيّ: (أَلا نخرج فنجاهد مَعَك؟ .
.
فَإِنِّي لَا أرى عملا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم أفضل من الْجِهَاد؟ فَقَالَ: لَكِن أحسن الْجِهَاد وأجمله حج الْبَيْت حج مبرور) .
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قلت: يَا رَسُول الله! هَل على النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا قتال فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة) .
وَعِنْده أَيْضا عَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْحَج جِهَاد كل ضَعِيف) .
وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ رَحمَه الله تَعَالَى، بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (جِهَاد الْكَبِير وَالصَّغِير والضعيف وَالْمَرْأَة: الْحَج وَالْعمْرَة) .
وَإِنَّمَا قيل لِلْحَجِّ جِهَاد لِأَنَّهُ يُجَاهد فِي نَفسه بالكف عَن شهواتها والشيطان وَدفع الْمُشْركين عَن الْبَيْت باجتماع الْمُسلمين إِلَيْهِ من كل نَاحيَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا وَفِي إِذن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَهُنَّ بِالْحَجِّ إبِْطَال إفْك المشغبين وَكذب الرافضة فِيمَا اختلقوه من الْكَذِب من أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأزواجه: هَذِه، ثمَّ ظُهُور الْحصْر) وَهَذَا ظَاهر الاختلاق لِأَنَّهُ حضهن على الْحَج وبشرهن أَنه أفضل جهادهن، وَإِذن عمر لَهُنَّ، وسير عُثْمَان مَعَهُنَّ حجَّة قَاطِعَة على مَا كذب بِهِ على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر أم الْمُؤمنِينَ، وَكَذَا قَوْلهم عَنهُ: إِنَّه قَالَ لَهَا: تقاتلي عليا وَأَنت لَهُ ظالمة، فَإِنَّهُ لَا يَصح.
انْتهى.

قَوْله: (وَأذن عمر لَهُنَّ وسير عُثْمَان مَعَهُنَّ) أَرَادَ بِهِ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى فِي: بابُُ حج النِّسَاء فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج، قَالَ: قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد: (حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جده: أذن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا، فبعص مَعَهُنَّ عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم) .
قلت: إِنْكَار الْمُهلب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه ثمَّ ظُهُور الْحصْر لَا وَجه لَهُ، فَإِن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ فِي (سنَنه).

     وَقَالَ : حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن زيد بن أسلم عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لأزواجه فِي حجَّة الْوَدَاع: هَذِه ثمَّ ظُهُور الْحصْر، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَفِي الحَدِيث (أفضل الْجِهَاد وأجمله حج مبرور ثمَّ لُزُوم الْحصْر) .
وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ لأزواجه: (هَذِه ثمَّ لُزُوم الْحصْر) أَي: إنكن لَا تعدن تخرجن من بيوتكن وتلزمن الْحصْر، هِيَ: جمع الْحَصِير الَّذِي يبسط فِي الْبَيْت، وتضم الصَّاد وتسكن تَخْفِيفًا.

وَأما حَدِيث: تقاتلي عليا وَأَنت لَهُ ظالمة، فَلَيْسَ بِمَعْرُوف، وَالْمَعْرُوف أَن هَذَا قَالَه للزبير بن الْعَوام، وَالله أعلم، وَسَنَد حَدِيثه ضَعِيف،.

     وَقَالَ  الْمُهلب أَيْضا، قَوْله: (لَكِن أفضل الْجِهَاد حج مبرور) تَفْسِير قَوْله: { وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن} (الْأَحْزَاب: 33) .
الْآيَة لَيْسَ على الْفَرْض لملازمة الْبيُوت كَمَا زعم من أَرَادَ تنقيص أم الْمُؤمنِينَ فِي خُرُوجهَا إِلَى الْعرَاق للإصلاح بَين الْمُسلمين، وَهَذَا الحَدِيث يخرج الْآيَة عَمَّا تأولوها، لِأَنَّهُ قَالَ: (لَكِن أفضل الْجِهَاد حج مبرور) فَدلَّ أَن لَهُنَّ جهادا غير الْحَج، وَالْحج أفضل مِنْهُ.
فَإِن قيل: النِّسَاء لَا يحل لَهُنَّ الْجِهَاد؟ قيل لَهُ: قَالَت حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: قدمت علينا امْرَأَة غزت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ غزوات،.

     وَقَالَ ت: كُنَّا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى.
وَفِي (الصَّحِيح) : وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا إراد الْغَزْو أَقرع بَين نِسَائِهِ فأيتهن خرج سهمها غزا بهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَإِنَّمَا جعل الْجِهَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة أفضل من الْحَج لِأَن ذَلِك كَانَ فِي أول الْإِسْلَام وقلته، وَكَانَ الْجِهَاد فرضا مُتَعَيّنا على كل أحد، فَأَما إِذا ظهر الْإِسْلَام وَفَشَا وَصَارَ الْجِهَاد من فروض الْكِفَايَة على من قَامَ بِهِ، فالحج حِينَئِذٍ أفضل، ألاَّ ترى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة: (أفضل جهادكن الْحَج) ، لما لم تكن من أهل الْغناء وَالْجهَاد للْمُشْرِكين، فَإِن حل الْعَدو ببلدة واجتيج إِلَى دَفعه وَكَانَ لَهُ ظهورة وَقُوَّة وَخيف مِنْهُ فرض الْجِهَاد على الْأَعْيَان كَانَ أفضل من الْحَج.





[ قــ :1461 ... غــ :151 ]
- حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا سَيَّارٌ أَبُو الحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنْ حَجَّ لله فلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رجَعَ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أمُّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( رَجَعَ كَمَا وَلدته أمه) .

ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: آدم بن أبي إِيَاس.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: سيار، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف رَاء على وزن فعال، فَقَالَ أَبُو الحكم: بِفتْحَتَيْنِ، مر فِي أول التَّيَمُّم.
الرَّابِع: أَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسْمه سُلَيْمَان الْأَشْجَعِيّ مَاتَ فِي أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار صَاحب سهل بن سعد فَلم يسمع من أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: السماع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: راويان مذكوران بالكنية أَحدهمَا باسمه.
وَفِيه: راويان ذكرا بِلَا نِسْبَة إِلَى الْأَب، وَفِيه: أَن شَيْخه من خُرَاسَان وَسكن عسقلان وَشعْبَة وسيار واسطيان وَأَبُو حَازِم كُوفِي.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن هشيم بن مَنْصُور.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( من حج لله) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: ( من حج هَذَا الْبَيْت) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق جرير عَن مَنْصُور: ( من أَتَى هَذَا الْبَيْت) ، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي حَازِم بِلَفْظ: ( من حج أَو اعْتَمر) ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود: ( تابعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّهُمَا ينفيان الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَيْسَ لِلْحَجِّ المبرور ثَوَاب دون الْجنَّة) .
وَفِي رِوَايَة أَحْمد من حَدِيث جَابر: ( الْحَج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إلاَّ الْجنَّة، قَالُوا: يَا رَسُول الله! مَا الْحَج المبرور؟ قَالَ: إطْعَام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام، وَفِيه مقَال) ،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: هَذَا حَدِيث مُنكر يشبه الْمَوْضُوع، وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم من حَدِيث جَابر: ( سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بر الْحَج؟ قَالَ إطْعَام الطَّعَام وَطيب الْكَلَام) .
.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
قَوْله: ( فَلم يرْفث) ، بِضَم الْفَاء وَكسرهَا، الْفَاء فِيهِ عطف على الشَّرْط، أَعنِي قَوْله: ( من) ، وَيَرْفث بِضَم الْفَاء وَكسرهَا وَفتحهَا، والأفصح الْفَتْح فِي الْمَاضِي، وَالضَّم فِي الْمُسْتَقْبل.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الرَّفَث: الْجِمَاع، وَقد رفث إِلَيْهَا ورفث فِي كَلَامه يرْفث رفثا وأرفث: أفحش، والرفث: التَّعْرِيض بِالنِّكَاحِ.
وَفِي ( الْجَامِع) : الرَّفَث اسْم جَامع لكل شَيْء مِمَّا يُرِيد الرجل من الْمَرْأَة.
قَوْله: ( وَلم يفسق) ، الْفسق الْعِصْيَان وَالتّرْك لأمر الله تَعَالَى، وَالْخُرُوج عَن طَرِيق الْحق.
فسق يفسق ويفسق فسقا وفسوقا، وَفسق، بِالضَّمِّ عَن اللحياني،.

     وَقَالَ : رَوَاهُ الْأَحْمَر وَلم يعرفهُ الْكسَائي.
وَقيل: الْفسق الْخُرُوج عَن الدّين، وَرجل فَاسق وفسيق وَفسق، وَيُقَال فِي الْمَرْء: يَا فسق، وللأنثى يَا فساق، وَالْفِسْق الْخُرُوج عَن الْأَمر، ذكره ابْن سَيّده.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: أَصله من قَوْلهم: انفسقت الرّطبَة إِذا أخرجت من قشرها، فَسُمي بذلك الْفَاسِق لِخُرُوجِهِ من الْخَيْر وانسلاخه مِنْهُ.
وَقيل: الْفَاسِق الْجَائِز.
قَالُوا: وَالْفِسْق والفسوق فِي الدّين اسْم إسلامي لم يسمع فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا يُوجد فِي أشعارهم، وَإِنَّمَا هُوَ مُحدث سمي بِهِ الْخَارِج عَن الطَّاعَة بعد نزُول الْقُرْآن الْعَظِيم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: لم يسمع قطّ فِي كَلَام الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي شعرهم: فَاسق، وَهَذَا عَجِيب، وَهُوَ كَلَام عَرَبِيّ.
قَوْله: ( رَجَعَ كَيَوْم وَلدته أمه) أَي: رَجَعَ مشابها لنَفسِهِ فِي الْبَراء من الذُّنُوب فِي يَوْم وَلدته أمه، وَرجع بِمَعْنى: صَار، جَوَاب الشَّرْط.
وَلَفظ: ( كَيَوْم) يجوز فِيهِ الْبناء على الْفَتْح.
فَإِن قلت: ذكر هُنَا الرَّفَث والفسوق وَلم يذكر الْجِدَال، كَمَا فِي الْقُرْآن؟ قلت: اعْتِمَادًا على الْآيَة، وَالله أعلم.