فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الدعاء في الركوع

( بابُُ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الرُّكُوع.


[ قــ :773 ... غــ :794 ]
- ( حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن مَنْصُور عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول حَفْص بن عمر.
الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث أَبُو الضُّحَى بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة بِالْقصرِ واسْمه مُسلم بن صبيح بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الْكُوفِي الْعَطَّار التَّابِعِيّ مَاتَ فِي زمن خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
الرَّابِع مَسْرُوق بن الأجدع الْهَمدَانِي الْكُوفِي.
الْخَامِس أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي وكوفي وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن ابْن بشار عَن غنْدر وَفِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُسَدّد وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن حسن بن الرّبيع وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن يحيى وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَعَن سُوَيْد بن نصر وَفِيه التَّفْسِير عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن وَكِيع وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن جرير بِهِ ( ذكر من روى أَيْضا عَن عَائِشَة فِي هَذَا الْبابُُ) روى الْبَزَّار فِي سنَنه عَن عَائِشَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول فِي سُجُوده " يَعْنِي فِي صَلَاة اللَّيْل " سجد وَجْهي للَّذي خلقه فشق سَمعه وبصره بحوله وقوته " وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث مَسْرُوق عَن عَائِشَة قَالَت " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكثر أَن يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فَاغْفِر لي فَإنَّك أَنْت التواب " وَرُوِيَ أَيْضا عَن مطرف عَن عَائِشَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح " وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وروى مُسلم أَيْضا عَن عَائِشَة " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول وَهُوَ رَاكِع أَو ساجد سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت " ( ذكر من روى أَيْضا غير عَائِشَة فِي هَذَا الْبابُُ) روى مُسلم " عَن حُذَيْفَة صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَذكره وَفِيه " ركع فَجعل يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " وَزَاد ابْن مَاجَه بِسَنَد ضَعِيف " ثَلَاثًا ثَلَاثًا " وروى مُسلم أَيْضا عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَذكر صلَاته قَالَ " وَإِذا ركع قَالَ اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَإِذا سجد قَالَ لَك سجدت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ " وروى أَحْمد فِي مُسْنده " عَن ابْن عَبَّاس بت عِنْد مَيْمُونَة فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي سُجُوده " وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ " لما نزلت فسبح باسم رَبك الْعَظِيم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم وَلما نزلت سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ " وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا " عَن حُذَيْفَة أَنه صلى مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة فَكَانَ يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " وَأخرجه الْأَرْبَعَة مطولا وَالدَّارَقُطْنِيّ وروى أَبُو دَاوُد عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ " قُمْت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة " الحَدِيث وَفِيه " يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ ذِي الجبروت والملكوت والكبرياء وَالْعَظَمَة " الحَدِيث ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " سُبْحَانَكَ " مَنْصُوب على الْمصدر وَحذف فعله وَهُوَ أسبح وَنَحْوه لَازم وَهُوَ علم للتسبيح وَمَعْنَاهُ التَّنْزِيه عَن النقائص وَالْعلم لَا يُضَاف إِلَّا إِذا نكر ثمَّ أضيف قَوْله " وَبِحَمْدِك " أَي وسبحت بحَمْدك أَي بتوفيقك وهدايتك لَا بحولي وقوتي وَالْوَاو فِيهِ إِمَّا للْحَال وَإِمَّا للْعَطْف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة سَوَاء قُلْنَا إِضَافَة الْحَمد إِلَى الْفَاعِل وَالْمرَاد من الْحَمد لَازمه مجَازًا وَهُوَ مَا يُوجب الْحَمد من التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة أَو إِلَى الْمَفْعُول وَيكون مَعْنَاهُ وسبحت ملتبسا بحمدي لَك قَوْله " اللَّهُمَّ اغْفِر لي " أَي يَا الله اغْفِر لي وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِن كَانَ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر لبَيَان الافتقار إِلَى الله والإذعان لَهُ وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة وَالشُّكْر وَطلب الدَّوَام أَو الاسْتِغْفَار عَن ترك الأولى أَو التَّقْصِير فِي بُلُوغ حق عِبَادَته مَعَ أَن نفس الدُّعَاء هُوَ عبَادَة وَهَذَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عمل بِمَا أَمر بِهِ فِي قَول الله تَعَالَى { فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ} على أحسن الْوُجُوه ( فَإِن قلت) إِتْيَانه بِهَذَا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مَا حكمته ( قلت) أما كَونه فِي حَال الصَّلَاة فَلِأَنَّهَا أفضل من غَيرهَا وَأما فِي تِلْكَ الْحَالَتَيْنِ فَلَمَّا فيهمَا من زِيَادَة خشوع وتواضع لَيست فِي غَيرهمَا وَالله تَعَالَى أعلم ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ أَن الذّكر فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود سنة وَلَكِن اخْتلفُوا فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد يَدْعُو الْمُصَلِّي بِمَا شَاءَ من الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْأَحَادِيث السَّابِقَة فِي صلَاته سَوَاء كَانَت فرضا أَو نفلا.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة فِي الْمُغنِي يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَإِن زَاد دُعَاء مأثورا أَو ذكرا ثمَّ ذكر مثل الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة هَهُنَا فَحسن لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَه.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ قَالَ الشَّافِعِي يسبح كَمَا أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث عقبَة وَيَقُول كَمَا قَالَ فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقد مر حَدِيثهمَا عَن قريب.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي رِوَايَة السّنة للْمُصَلِّي أَن يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ أدناه وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ أدناه.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ قَالُوا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يزِيد فِي رُكُوعه على سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم يُرَدِّدهَا مَا أحب وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينقص فِي ذَلِك من ثَلَاث مَرَّات وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يزِيد فِي سُجُوده على سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى يُرَدِّدهَا مَا أحب وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينقص فِي ذَلِك من ثَلَاث مَرَّات قَوْله " يُرَدِّدهَا " أَي يُكَرر كلمة سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم مَا شَاءَ فَوق الثَّلَاث غير أَنه إِذا كَانَ إِمَامًا لَا يزِيد على الثَّلَاث إِلَّا بِمِقْدَار مَا لَا يحصل الْمَشَقَّة على الْقَوْم ( قلت) هَذَا كُله فِي الْفَرَائِض وَأما فِي النَّوَافِل فَلَا بَأْس بِهِ لِأَن بابُُ النَّفْل أوسع وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ يسبح الإِمَام ثَلَاثًا وَقيل أَرْبعا ليتَمَكَّن الْمُقْتَدِي من الثَّلَاث وَعند الْمَاوَرْدِيّ أدنى الْكَمَال ثَلَاث والكمال إِحْدَى عشرَة أَو تسع وأوسطه خمس وَفِي بعض شُرُوح الْهِدَايَة إِن زَاد على الثَّلَاث حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى عشرَة فَهُوَ أفضل عِنْد الإِمَام وَعِنْدَهُمَا إِلَى سبع وَعَن بعض الْحَنَابِلَة أدنى الْكَمَال أَن يسبح مثل قِيَامه وَعند الشَّافِعِي عشرَة وَهُوَ مَنْقُول عَن عمر بن الْخطاب وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس قَالَ " مَا صليت وَرَاء أحد بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أشبه صَلَاة بِهِ من هَذَا الْفَتى " يَعْنِي عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ " فحزرنا فِي رُكُوعه عشر تسبيحات " قَالَ صَاحب التَّلْوِيح فِي سَنَده مقَال وَفِي المُصَنّف حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن ابْن عجلَان عَن عون عَن ابْن مَسْعُود قَالَ ثَلَاث تسبيحات فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود.

     وَقَالَ  ابْن الْمُبَارك عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ بَلغنِي أَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود قدر خمس تسبيحات سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَحدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَاصِم بن أبي الضُّحَى قَالَ كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول فِي رُكُوعه سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَذْكَار فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هِيَ سنة فَلَو تَركهَا لم يَأْثَم وَصلَاته صَحِيحَة سَوَاء تَركهَا سَهوا أَو عمدا لَكِن يكره عمدا.

     وَقَالَ  أَحْمد وَإِسْحَق هُوَ وَاجِب فَإِن تَركه عمدا بطلت صلَاته وَإِن نَسيَه لم تبطل زَاد أَحْمد وَيسْجد للسَّهْو وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه سنة.

     وَقَالَ  ابْن حزم هُوَ فرض فَإِن نَسيَه يسْجد للسَّهْو -