فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استعذاب الماء

( بابُُ اسْتِعْذَاب المَاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان استعذاب المَاء أَي: فِي طلب المَاء العذب، أَي: الحلو.



[ قــ :5312 ... غــ :5611 ]
- حدّثناعَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله أنهُ سمِع أنَسَ بنَ مالِك يَقُولُ: كانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ أنْصارِيّ بالمَدِينَةِ مَالا منْ نَخْلٍ، وكانَ أحَبَّ مالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحاءٍ، وكانَتْ مُسْتَقْبِلَ المَسْجِدِ، وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْخُلُها ويَشْرَبُ منْ ماءٍ فِيها طَيِّبٍ، قَالَ أنَسٌ: فَلمَّا نَزَلَتْ: { لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} ( آل عمرَان: 92) .
قامَ أبُو طَلْحَة فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنَّ الله يَقُولُ: { لَنْ تنالُو البِرَّ حتاى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإنَّ أحَبَّ مَالِي إلَيَّ بَيْرُحاءَ، وإنَّها صَدَقَةٌ لله أرْجُو بِرَّها وذُخْرَها عِنْدَ الله، فَضَعْها يَا رسُولَ الله حَيْثُ أراكَ الله.
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَخِ ذالِكَ مالٌ رابِحٌ أوْ: رايِحٌ شَكَّ عَبْدُ الله، وقدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَها فِي الأقْرَبِينَ.
فَقَالَ أبُو طَلحَةَ: أفْعَلُ يَا رسُولَ الله، فَقَسَمَها أبُو طَلْحَةَ فِي أقارِبِهِ وَفِي بَني عَمِّه،.

     وَقَالَ  إسْماعيلُ ويَحْياى بنُ يَحْياى: رايِحٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يدخلهَا وَيشْرب من مَاء فِيهَا طيب) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يستعذب ماءها، وَذكر الْوَاقِدِيّ من حَدِيث سلمى امْرَأَة أبي رَافع كَانَ أَبُو أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ حِين نزل عِنْده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستعذب لَهُ المَاء من بِئْر مَالك بن النَّضر والدانس، ثمَّ كَانَ أنس وَهِنْد وحارثة أَبنَاء أَسمَاء يحملون المَاء إِلَى بيُوت نِسَائِهِ من بيُوت السقيا، وَكَانَ رَبَاح الْأسود عِنْده يَسْتَقِي لَهُ من بِئْر عروس مرّة وَمن بيُوت سقيا مرّة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: استعذاب المَاء لَا يُنَافِي الزّهْد وَلَا يدْخل فِي الترفه المذموم، بِخِلَاف تطيب المَاء بالمسك وَنَحْوه، فقد كرهه مَالك لما فِيهِ من السَّرف، وَأما شرب المَاء الحلو وَطَلَبه فمباح قد فعله الصالحون، وَلَيْسَ فِي شرب المَاء الْملح فَضِيلَة.

والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بابُُ الزَّكَاة على الْأَقَارِب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْوكَالَة عَن يحيى بن يحيى، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي تَفْسِير بيرحاء وُجُوه تقدّمت فِي الزَّكَاة، وَهُوَ اسْم بُسْتَان.

قَوْله: ( بخ) بِفَتْح الْمُوَحدَة وبالخاء الْمُعْجَمَة كلمة تقال عِنْد الْمَدْح وَالرِّضَا بالشَّيْء، وتكرر للْمُبَالَغَة، فَإِن وصلت خففت ونونت وَرُبمَا شددت.
قَوْله: ( رابح أَو: ريَاح شكّ عبد الله) بن مسلمة فِيهِ فَالْأول بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الرِّبْح، وَالثَّانِي بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف من الرواح.
قَوْله: ( وَقَالَ إِسْمَاعِيل) هُوَ ابْن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس، وَيحيى بن يحيى بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي.
قَوْله: ( رَايِح) يَعْنِي بِالْيَاءِ من الرواح.