فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما قدم من ماله فهو له

( بابُُ مَا قدَّمَ مِنْ مالِهِ فَهْوَ لَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حَال من قدم أَي: الْإِنْسَان الْمُكَلف من مَاله فَهُوَ لَهُ يجد ثَوَابه يَوْم الْقِيَامَة، وَالْمرَاد: بالتقديم صرف مَاله قبل مَوته فِي مَوَاضِع القربات، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَعَ حَدِيث الْبابُُ تدل على أَن إِنْفَاق المَال فِي وُجُوه الْبر أفضل من تَركه لوَرثَته.
فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) قلت: لَا تعَارض بَينهمَا لِأَن سَعْدا أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فِي مَرضه.
وَكَانَ وَارثه بنته، وَلَا طَاقَة لَهَا على الْكسْب فَأمره أَن يتَصَدَّق مِنْهُ بِثُلثِهِ وَيكون بَاقِيه لابنته وَبَيت المَال، وَحَدِيث الْبابُُ إِنَّمَا خَاطب بِهِ أَصْحَابه فِي صحتهم وحرضهم على تَقْدِيم شَيْء من مَالهم لينفعهم يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن تَقْدِيم جَمِيع مَاله عِنْد مَرضه، فَإِن ذَلِك تَحْرِيم للْوَرَثَة وتركهم فُقَرَاء يسْأَلُون النَّاس، وَإِنَّمَا الشَّارِع جعل لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله بِالثُّلثِ فَقَط.



[ قــ :6103 ... غــ :6442 ]
- حدّثني عُمَرُ بنُ حَفْصِ حدّثني أبي حَدثنَا الأعْمَش قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ التَّيْمِيُّ عنِ الحارِثِ بنِ سُوَيْدٍ قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أيُّكُمْ مالُ وارِثهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مالِهِ؟) .
قَالُوا: يَا رَسُول الله! مَا مِنَّا أحَدٌ إلاّ مالُهُ أحَبُّ إليْهِ.
قَالَ: ( فإنَّ مالَهُ مَا قَدَّمَ ومالُ وارِثِهِ مَا أخَّرَ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ تيم الربابُُ العابد عَن الْحَارِث بن سُوَيْد التَّيْمِيّ، وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَصَايَا عَن هناد بن السّري.

قَوْله: ( مَا قدم) أَي: على مَوته بِأَن صرفه فِي حَيَاته فِي مصارف الْخَيْر.
قَوْله: ( وَمَال وَارثه مَا أخر) أَي: مَا أَخّرهُ من المَال الَّذِي يتْركهُ وَلَا يتَصَدَّق مِنْهُ حَتَّى يَمُوت.