فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { وُجُوه يَوْمئِذٍ} أَي: يَوْم الْقِيَامَة، والناضرة من نَضرة النَّعيم من النّظر.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْمَقْصُود من الْبابُُ ذكر الظَّوَاهِر الَّتِي تشعر بِأَن العَبْد يرى ربه يَوْم الْقِيَامَة.
فَإِن قلت: لَا بُد للرؤية من المواجهة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع من الحدقة إِلَيْهِ وانطباع صُورَة المرئي فِي حدقة الرَّائِي وَنَحْوهَا مِمَّا هُوَ محَال على الله تَعَالَى.
قلت: هَذِه شُرُوط عَادِية لَا عقلية يُمكن حُصُولهَا بِدُونِ هَذِه الشُّرُوط عقلا، وَلِهَذَا جوّز الأشعرية رُؤْيَة أعمى الصين بقة أندلس إِذْ هِيَ حَالَة يخلقها الله تَعَالَى فِي الْحَيّ فَلَا اسْتِحَالَة فِيهَا.
.

     وَقَالَ  غَيره: اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَة وبأحاديث الْبابُُ على أَن الْمُؤمنِينَ يرَوْنَ رَبهم فِي جنَّات النَّعيم، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَجُمْهُور الْأمة، ومنعت ذَلِك الْخَوَارِج والمعتزلة وَبَعض المرجئة، وَلَهُم فِي ذَلِك دَلَائِل فَاسِدَة.
وَفِي التَّوْضِيح حَاصِل اخْتِلَاف النَّاس فِي رُؤْيَة الله يَوْم الْقِيَامَة أَرْبَعَة أَقْوَال: قَالَ أهل الْحق: يرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْم الْقِيَامَة دون الْكفَّار،.

     وَقَالَ ت الْمُعْتَزلَة والجهمية: هِيَ ممتنعة لايراه مُؤمن وَلَا كَافِر،.

     وَقَالَ  ابْن سَالم الْبَصْرِيّ: يرَاهُ الْجَمِيع الْكَافِر وَالْمُؤمن،.

     وَقَالَ  صَاحب كتاب التَّوْحِيد من الْكفَّار من يرَاهُ رُؤْيَة امتحان لَا يَجدونَ فِيهَا لَذَّة كَمَا يكلمهم بالطرد والإبعاد، قَالَ: وَتلك الرُّؤْيَة قبل أَن يوضع الجسر بَين ظهراني جَهَنَّم، وَهَذِه الْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة جَاءَت فِيمَا رَوَاهُ عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ والطبري وَآخَرُونَ، وَصَححهُ الْحَاكِم من طَرِيق ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من ينظر فِي ملكه ألف سنة، وَإِن أفضلهم منزلَة، من ينظر فِي وَجه ربه عز وَجل فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ.
قَالَ، ثمَّ تَلا قلت: ثُوَيْر هَذَا ضَعِيف جدا، تكلم فِيهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ.



[ قــ :7037 ... غــ :7434 ]
- حدّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنِ، حدّثنا خالِدٌ، وهُشَيْمٌ عنْ إسْماعِيلَ، عنْ قَيْسٍ، عنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النبيِّ إذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: إنَّكمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هاذَا القَمَرَ لَا تضامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أنْ لَا تُغْلَبُوا عَلى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلوع الشَّمْسَ وصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فافْعَلُوا
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن كلّاً مِنْهُمَا يدل على الرُّؤْيَة.

وَعَمْرو بن عون بن أَوْس السّلمِيّ الوَاسِطِيّ نزل الْبَصْرَة.
قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ أَو نَحْوهَا، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ من الصَّالِحين، وهشيم مصغر هشم ابْن بشير الوَاسِطِيّ، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي وَاسم أبي خَالِد: سعد، وَقيل: هُرْمُز، وَقيل: كثير، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي البَجلِيّ، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ فضل صَلَاة الْعَصْر عَن الْحميدِي.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَمضى فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: لَا تضَامون بتَخْفِيف الْمِيم من الضيم وَهُوَ الذل والتعب أَي: لَا يضيم بَعْضكُم بَعْضًا فِي الرُّؤْيَة بِأَن يَدْفَعهُ عَنهُ وَنَحْوه، ويروى بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا وَشدَّة الْمِيم من الضَّم أَي: لَا تتزاحمون وَلَا تتنازعون وَلَا تختلفون فِيهَا، وَفِيه وُجُوه أُخْرَى ذَكرنَاهَا.
قَوْله: أَن لَا تغلبُوا بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْكرْمَانِي: والتعقيب بِكَلِمَة الْفَاء يدل على أَن الرُّؤْيَة قد يُرْجَى نيلها بالمحافظة على هَاتين الصَّلَاتَيْنِ: الصُّبْح وَالْعصر، وَذَلِكَ لتعاقب الْمَلَائِكَة فِي وقتيهما، أَو لِأَن وَقت صَلَاة الصُّبْح وَقت لذيذ النّوم وَصَلَاة الْعَصْر وَقت الْفَرَاغ من الصناعات وإتمام الْوَظَائِف، فالقيام فيهمَا أشق على النَّفس.





[ قــ :7038 ... غــ :7435 ]
- حدّثنا يُوسفُ بنُ مُوسَى، حدّثنا عاصِمُ بنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حدّثنا أبُو شِهابٍ، عنْ إسْماعِيلَ بن أبي خالِدٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي حازِمٍ، عنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ، النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكُمْ سَتروْنَ ربَّكُمْ عِياناً
ا
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان الْكُوفِي عَن عَاصِم بن يُوسُف الْيَرْبُوعي نِسْبَة إِلَى: يَرْبُوع بن حَنْظَلَة فِي تَمِيم، ويربوع بن غيظ فِي غطفان الْكُوفِي عَن أبي شهَاب وَاسم عبد ربه بن نَافِع الحناط بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون إِلَى آخِره.

قَوْله: عيَانًا تَقول عَايَنت الشَّيْء عيَانًا إِذا رَأَيْته بِعَيْنِك،.

     وَقَالَ  الطَّبَرَانِيّ: تفرد أَبُو شهَاب عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد بقوله: عيَانًا وَهُوَ حَافظ متقن من ثِقَات الْمُسلمين.





[ قــ :7039 ... غــ :7436 ]
- حدّثنا عَبْدَةُ بنُ عَبدِ الله، حدّثنا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عنْ زَائِدَةَ عنْ بَيانِ بنِ بِشْرٍ عنْ قَيْسٍ بن أبي حازِمٍ، حَدثنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنا رسولُ الله لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ ربَّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هاذَا، لَا تُضامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ
ا
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَبدة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله الصفار الْبَصْرِيّ عَن حُسَيْن بن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، عَن زَائِدَة بن قدامَة عَن بَيَان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ابْن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الأحمسي بالمهملتين الخ.

قَوْله: كَمَا ترَوْنَ معنى التَّشْبِيه بالقمر أَنكُمْ تَرَوْنَهُ رُؤْيَة مُحَققَة لَا شكّ فِيهَا وَلَا تَعب وَلَا خَفَاء كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر كَذَلِك، فَهُوَ تَشْبِيه للرؤية بِالرُّؤْيَةِ لَا المرئي بالمرئي، وَلَا كَيْفيَّة الرُّؤْيَة بكيفية الرُّؤْيَة.





[ قــ :7040 ... غــ :7437 ]
- حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عَطاءِ بنِ يَزيدَ اللَّيْثِيِّ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّاسَ قالُوا: يَا رسُولَ الله هَلْ نَرَى ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَقَالَ رسولُ الله هَلْ تُضارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قالُوا: لَا يَا رسولَ الله.
قَالَ: فَهَلْ تُضارُّونَ فِي الشّمْسِ لَيْسَ دُونَها سَحابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رسولَ الله، قَالَ: فإنَّكَمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يَجْمَعُ الله النَّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشّمْسَ، ويَتّبِعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ، الطَّواغِيتَ وتَبْقاى هاذِهِ الأُمَّةُ فِيها شافِعُوها أَو مُنافِقُوها شَكَّ إبْرَاهِيمُ فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هاذَا مَكانُنا حتَّى يَأْتِينَا رَبُّنا، فَإِذا جاءَنا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمِ الله فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُوَن، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، ويُضْرَبُ الصِّراطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أَنا وأُمتَّي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُها، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلاّ الرُّسُلُ، ودَعواى الرُّسُلَ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدان، هَلْ رَأيْتُمُ السَّعْدانَ؟ قالُوا: نَعَمْ يَا رسولَ الله قَالَ: فإنّها مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدانِ غَيْرَ أنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِها إِلَّا الله، تَخْطَفُ النّاسَ بِأعْمالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ أوِ المُوبَقُ يَبْقى بِعَمَلِهِ أوِ المُوثَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنْهُمُ المُخَرْدَلُ أوِ المُجازاى أوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلّى حتَّى إِذا فَرَغَ الله مِنَ القَضاءِ بَيْنَ العِبَادِ وأرادَ أنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أرادَ مِنْ أهْلِ النّارِ أمَرَ المَلائِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مِنَ النّارَ، مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً مِمَّنْ أرادَ الله أنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أنْ لَا إلاهَ إِلَّا الله، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النّارُ ابنَ آدَمَ إلاّ أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ الله على النّار أَن تَأْكُلَ أثَرَ السجُود، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءُ الحَياةِ، فَيَنْبُتُون تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ الله مِنَ القَضاءِ بَيْنَ العِبادِ ويَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلى النّارِ هُوَ آخِرُ أهْلِ النّارِ دُخولاً الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ اصرِفْ وَجْهِي عَن النّارِ، فإنَّهُ قَدْ قَشَبنِي رِيحُها وأحْرَقَنِي ذَكاؤُها، فَيَدْعُو الله بِما شاءَ أنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ الله: هَلْ عَسِيْتَ إِن أُعْطِيتَ ذالِكَ أَن تَسْألَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وعِزَّتِكَ.
لَا أسْألُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ ومَواثِيقَ مَا شاءَ، فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عنِ النّارِ، فَإِذا أقْبَلَ عَلى الجَنَّةِ ورَآها سَكَتَ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى بابُِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ الله لهُ: ألَسْتَ قَدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَكَ أنْ لَا تَسْألَنِي غَيْرَ الّذِي أُعْطيتَ أبَداً؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ ويَدْعُو الله حتَّى يَقولَ: هَلْ عَسِيْتَ إنْ أُعْطِيتَ ذالِكَ أنْ تَسْألَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي مَا شاءَ مِنْ عُهُودٍ ومَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بابُِ الجَنّةِ، فَإِذا قَامَ إِلَى بابُِ الجَنّةِ انْفَقَهتْ لهُ الجَنّةُ فَرَأى مَا فِيها مِنَ الحَبْرَةِ والسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أيْ رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنّةَ فَيَقولُ الله: ألَسْتَ قَدْ أعْطَيْتَ عُهُودَكَ ومَواثِيقَكَ أنْ لَا تَسْألَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: ويْلَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ فيقولُ: أيْ رَبِّ لَا أكُونَنَّ أشْقاى خَلْقِكَ، فَلا يَزال يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ الله مِنْهُ، فَإِذا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لهُ: ادْخُلِ الجَنّةَ، فَإِذا دَخَلَها قَالَ الله لهُ: تَمَنَّه فَسألَ رَبَّهُ وتَمَنَّى حتَّى إنَّ الله لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ كَذَا وكَذا حتَّى انْقَطَعتْ بِهِ الأمانِيُّ، قَالَ الله: ذالِكَ لَكَ ومِثْلُهُ مَعَه.

قَالَ عَطاءُ بنُ يَزِيدَ: وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أبي هُرَيْرَةَ، لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئاً، حتَّى إِذا حَدَّثَ أبُو هُرَيْرَةَ: أنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: ذالِكَ لَكَ ومِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: وعَشَرَةُ أمْثالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إلاَّ قَوْلَهُ: ذالِكَ ومِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أبُو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ: أشْهَدُ أنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُول الله قَوْلَهُ ذالِكَ لَكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَذالِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَةَ.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَشَيخ البُخَارِيّ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم العامري الأويسي الْمَدِينِيّ يروي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة اللَّيْثِيّ الجندعي، وَقد مضى الحَدِيث فِي الرقَاق فِي: بابُُ الصِّرَاط جسر جَهَنَّم عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: هَل تضَارونَ؟ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضمّهَا وَتَشْديد الرَّاء وتخفيفها فالتشديد بِمَعْنى: لَا تتخالفون وَلَا تجادلون فِي صِحَة النّظر إِلَيْهِ لوضوحه وظهوره، يُقَال: ضاره يضاره مثل ضره يضرّهُ،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: يُقَال أضرني فلَان إِذا دنا مني دنواً شَدِيدا فَأَرَادَ بالمضارة الِاجْتِمَاع والازدحام عِنْد النّظر إِلَيْهِ، وَأما التَّخْفِيف فَهُوَ من الضير لُغَة فِي الضّر وَالْمعْنَى فِيهِ كَالْأولِ.
قَوْله: كَذَلِك أَي: وَاضحا جلياً بِلَا شكّ وَلَا مشقة وَلَا اخْتِلَاف.
قَوْله: فَيتبع بتَشْديد التَّاء من الِاتِّبَاع.
قَوْله: الشَّمْس الشَّمْس الأول مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول يعبد وَالثَّانِي مَنْصُوب بقوله: فَيتبع وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: الْقَمَر الْقَمَر، والطواغيت الطواغيت وَهُوَ جمع طاغوت، والطواغيت الشَّيَاطِين أَو الْأَصْنَام وَفِي الصِّحَاح الطاغوت الكاهن وكل رَأس فِي الضلال، قد يكون وَاحِدًا وَقد يكون جمعا وَهُوَ على وزن لاهوت مقلوب لِأَن من طَغى ولاهوت من لاه وَأَصله طغووت مثل جبروت نقلت الْوَاو إِلَى مَا قبل الْغَيْن ثمَّ قلبت ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا.
قَوْله: شافعوها أَي: شافعو الْأمة وَأَصله شافعون سَقَطت النُّون للإضافة من شفع يشفع شَفَاعَة فَهُوَ شَافِع وشفيع.
قَوْله: شكّ إِبْرَاهِيم هُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد الرَّاوِي الْمَذْكُور.
قَوْله: فيأتيهم الله إِسْنَاد الْإِتْيَان إِلَى الله تَعَالَى مجَاز عَن التجلي لَهُم، وَقيل: عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه لِأَن الْإِتْيَان إِلَى الشَّخْص مُسْتَلْزم لرُؤْيَته،.

     وَقَالَ  عِيَاض: أَي: يَأْتِيهم بعض مَلَائكَته أَو يَأْتِيهم فِي صُورَة الْملك، وَهَذَا آخر امتحان الْمُؤمنِينَ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْملك مَعْصُوم فَكيف يَقُول: أَنا ربكُم، وَهُوَ كذب؟ قلت: لَا نسلم عصمته من مثل هَذِه الصَّغِيرَة.
انْتهى.
قلت: فحينئذٍ فِرْعَوْن لم يصدر مِنْهُ إلاَّ صَغِيرَة فِي قَوْله: { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاَْعْلَى} وَلَو نزه شَرحه عَن مثل هَذَا لَكَانَ أحسن.
قَوْله: فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: فَإِذا جَاءَنَا قَوْله: فِي صورته أَي: فِي صفته أَي: يتجلى لَهُم الله على الصّفة الَّتِي عرفوه بهَا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: اخْتلف فِي معنى الصُّورَة، فَقيل: صُورَة اعْتِقَاد كَمَا تَقول: صُورَة اعتقادي فِي هَذَا الْأَمر، فَالْمَعْنى يرونه على مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ من الصِّفَات،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: لله صُورَة لَا كالصور كَمَا أَنه شَيْء لَا كالأشياء، فَأثْبت لله صُورَة قديمَة،.

     وَقَالَ  ابْن فورك: وَهَذَا جهل من قَائِله،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: إِن كَانَت الصُّورَة مَحْفُوظَة فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد صُورَة الْأَمر وَالْحَال الَّذِي يَأْتِي فِيهِ،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: أما قَوْلهم، فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ فَإِنَّمَا ذَلِك أَن الله تَعَالَى يبْعَث إِلَيْهِم ملكا ليفتنهم ويختبرهم فِي اعْتِقَاد صِفَات رَبهم الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء، فَإِذا قَالَ لَهُم الْملك: أَنا ربكُم، رَأَوْا عَلَيْهِ دَلِيل الْخلقَة الَّتِي تشبه الْمَخْلُوقَات فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا، فَإِذا جَاءَنَا عرفنَا أَي: إِنَّك لست رَبنَا فيأيتهم الله فِي صورته الَّتِي يعْرفُونَ أَي: يظْهر إِلَيْهِم فِي ملكه الَّذِي لَا يَنْبَغِي لغيره، وعظمته الَّتِي لَا تشبه شَيْئا من مخلوقاته فيعرفون أَن ذَلِك الْجلَال وَالْعَظَمَة لَا يكون لغيره، فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا الَّذِي لَا يشبهك شَيْء، فالصورة يعبر بهَا عَن حَقِيقَة الشَّيْء.
قَوْله: فيتبعونه أَي: فيتبعون أمره إيَّاهُم بذهابهم إِلَى الْجنَّة أَو مَلَائكَته الَّتِي تذْهب بهم إِلَيْهَا.
قَوْله: بَين ظَهْري جَهَنَّم أَي: على وَسطهَا، ويروى: بَين ظهراني جَهَنَّم، وكل شَيْء متوسط بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ بَين ظهريهما وظهرانيهما.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يَعْنِي على أَعْلَاهَا فَيكون جِسْرًا، وَلَفظ ظَهْري مقحم والصراط جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أحد من السَّيْف وأدق من الشّعْر يمر عَلَيْهِ النَّاس كلهم.
قَوْله: من يجيزها أَي: يجوز يُقَال: أجزت الْوَادي جزته لُغَتَانِ،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: أجَاز بِمَعْنى قطع، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: أول من يَجِيء.
قَوْله: يومئذٍ أَي: فِي حَال الْإِجَازَة وإلاَّ فَفِي يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن يكلم النَّاس فِيهَا وتجادل كل نفس عَن نَفسهَا وَلَا يَتَكَلَّمُونَ لشدَّة الْأَهْوَال.
قَوْله: كلاليب جمع كَلوب بِفَتْح الْكَاف وَهُوَ حَدِيدَة معطوفة الرَّأْس يعلق عَلَيْهَا اللَّحْم، وَقيل: الكلوب الَّذِي يتَنَاوَل بِهِ الْحداد الْحَدِيد من النَّار، كَذَا فِي كتاب ابْن بطال، وَفِي كتاب ابْن التِّين: هُوَ المعقف الَّذِي يخطف بِهِ الشَّيْء.
قَوْله: شوك السعدان هُوَ فِي أَرض نجد وَهُوَ نبت لَهُ شَوْكَة عَظِيمَة مثل الحسك من كل الجوانب.
قَوْله: تخطف بِفَتْح الطَّاء وَيجوز كسرهَا.
قَوْله: بأعمالهم أَي: بِسَبَب أَعْمَالهم أَو بِقدر أَعْمَالهم.
قَوْله: فَمنهمْ الْمُؤمن بِالْمِيم وَالنُّون من الْإِيمَان.
قَوْله: يبْقى بِعَمَلِهِ من الْبَقَاء ويروى: يقي بِعَمَلِهِ من الْوِقَايَة، ويروى: يَعْنِي بِعَمَلِهِ، وَكَذَا فِي مُسلم.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: قَوْله: فَمنهمْ الْمُؤمن بقى بِعَمَلِهِ رُوِيَ على ثَلَاث أوجه.
أَحدهَا الْمُؤمن بَقِي بِعَمَلِهِ بِالْمِيم وَالنُّون، وَبَقِي بِالْبَاء وَالْقَاف.
قَوْله: وَالثَّانِي الموثق بِالْمُثَلثَةِ وَالْقَاف: وَالثَّالِث الموبق يَعْنِي: بِعَمَلِهِ، فالموبق بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْقَاف وَيَعْنِي بِفَتْح الْيَاء الْمُثَنَّاة وَبعدهَا الْعين ثمَّ النُّون، قَالَ القَاضِي: هَذَا أَصَحهَا، وَكَذَا قَالَ، وَكَذَا قَالَ صَاحب الْمطَالع هَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّوَاب.
قَالَ: وَفِي بَقِي على الْوَجْه الأول ضبطان: أَحدهمَا: بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَالثَّانِي: بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة من تَحت من الْوِقَايَة.
قَوْله: أَو الموبق بِالْوَاو وبالباء الْمُوَحدَة وَالْقَاف من وبق إِذا هلك وبوقاً، وأوبقته ذنُوبه أهلكته قَوْله: وَمِنْهُم المخردل من خردلت اللَّحْم فصلته، وخردلت الطَّعَام أكلت خِيَاره، قَالَه صَاحب الْعين.

     وَقَالَ  غَيره: خردلته صرعته وَهَذَا الْوَجْه يُوَافق معنى الحَدِيث، كَمَا قَالَه ابْن بطال.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيُقَال بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَيْضا، والجردلة بِالْجِيم الإشراف على الْهَلَاك وَهَذَا كُله شكّ من الروَاة.
قَوْله: أَو الْمجَازِي بِالْجِيم وَالزَّاي وَفِي مُسلم: وَمِنْهُم المجازى حَتَّى يُنجى.
قَوْله: أَو نَحوه هَذَا شكّ من الرَّاوِي أَيْضا.
قَوْله: إِذا فرغ الله أَي: أتم.
قَوْله: مِمَّن يشْهد قيل: هَذَا تكْرَار لقَوْله: لَا يُشْرك وَأجِيب بِأَن فَائِدَته تَأْكِيد الْإِعْلَام بِأَن تعلق إِرَادَة الله بِالرَّحْمَةِ لَيْسَ إِلَّا للموحدين.
قَوْله: إلاَّ أثر السُّجُود أَي: مَوضِع أثر السُّجُود، وَهُوَ الْجَبْهَة، وَقيل: الْأَعْظَم السَّبْعَة، قيل: قَالَ الله تَعَالَى: { يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} وَأجِيب بِأَنَّهُ نزل فِي أهل الْكتاب مَعَ أَن الكي غير الْأكل.
فَإِن قلت: ذكر مُسلم مَرْفُوعا: أَن قوما يخرجُون من النَّار يحترقون فِيهَا إِلَّا دارة الْوُجُوه.
قلت: هَؤُلَاءِ الْقَوْم مخصوصون من جملَة الخارجين من النَّار بِأَنَّهُ لَا يسلم مِنْهُم من النَّار إلاَّ دارة الْوُجُوه، وَأما غَيرهم فتسلم جَمِيع أَعْضَاء السُّجُود مِنْهُم عملا بِعُمُوم هَذَا الحَدِيث، فَهَذَا الحَدِيث عَام وَذَلِكَ خَاص فَيعْمل بِالْعَام إلاَّ مَا خص.
قَوْله: قد امتحشوا بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ بِفَتْح التَّاء والحاء هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات، وَكَذَا نَقله القَاضِي عَن متقني شُيُوخه، قَالَ: وَهُوَ وَجه الْكَلَام، وَكَذَا ضَبطه الْخطابِيّ والهروي وَقَالا فِي مَعْنَاهُ: احترقوا، وَرُوِيَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي الصِّحَاح المحش إحراق النَّار الْجلد، وَفِيه لُغَة: أمحشته النَّار، وامتحش الْجلد احْتَرَقَ،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: امتحشوا ضمروا ونقصوا كالمحترقين.
قَوْله: الْحبَّة بِكَسْر الْحَاء بزر الْبُقُول والعشب تنْبت فِي جَوَانِب السَّيْل والبراري وَجَمعهَا حبب بِكَسْر لحاء وَفتح الْبَاء.
قَوْله: فِي حميل السَّيْل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة مَا جَاءَ بِهِ السَّيْل من طين وَنَحْوه أَي: مَحْمُول السَّيْل، والتشبيه إِنَّمَا هُوَ فِي سرعَة النَّبَات وطراوته وَحسنه.
قَوْله: قد قشبني بِالْقَافِ والشين الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة المفتوحات أَي: آذَانِي وأهلكني، هَكَذَا مَعْنَاهُ عِنْد الْجُمْهُور من أهل اللُّغَة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ غيَّر جلدي وصورتي.
قَوْله: ذكاؤها بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وبالمد فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَمَعْنَاهُ: لهبها واشتعالها وَشدَّة لفحها، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة أَنه مَقْصُور، وَقيل: الْقصر وَالْمدّ لُغَتَانِ، يُقَال: ذكت النَّار تذكو ذكاءً إِذا اشتعلت، وأذكيتها أَنا.
قَوْله: هَل عَسَيْت؟ بِفَتْح التَّاء على الْخطاب، وَيُقَال بِفَتْح السِّين وَكسرهَا لُغَتَانِ قرىء بهما فِي السَّبع، وَقَرَأَ نَافِع بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْح وَهُوَ الْأَفْصَح الْأَشْهر فِي اللُّغَة،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: لَا يسْتَعْمل مِنْهُ مُسْتَقْبل، قَوْله: أَن أَعْطَيْت بِفَتْح التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ذَلِك أَي: صرف وَجهك من النَّار،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه حمل السُّؤَال على الْمُخَاطب إِذْ لَا يَصح أَن يُقَال أَنْت سُؤال، إِذْ السُّؤَال حدث وَهُوَ ذَات؟ قلت: تَقْدِيره أَنْت صَاحب السُّؤَال، أَو عَسى أَمرك سؤالك، أَو هُوَ من بابُُ زيد عدل، أَو هُوَ بِمَعْنى: قرب، أَي: قرب من السُّؤَال، أَو أَن الْفِعْل بدل اشْتِمَال عَن فَاعله.
قَوْله: مَا أغدرك؟ فعل التَّعَجُّب من الْغدر وَهُوَ الْخِيَانَة وَترك الْوَفَاء بالعهد.
قَوْله: انفهقت من الانفهاق بِالْفَاءِ ثمَّ الْقَاف وَهُوَ الانفتاح والاتساع، وَحَاصِل الْمَعْنى: انفتحت واتسعت.
قَوْله: من الْحبرَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، قَالَ الْكرْمَانِي: النِّعْمَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْحبرَة سَعَة الْعَيْش وَكَذَلِكَ الحبور، وَفِي مُسلم: فَرَأى مَا فِيهَا من الْخَيْر بِالْخَاءِ العجمة وبالياء آخر الْحُرُوف،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات وَالْأُصُول، وَحكى عِيَاض أَن بعض رُوَاة مُسلم: الحبر بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء وَمَعْنَاهُ السرُور،.

     وَقَالَ  صَاحب الْمطَالع كِلَاهُمَا صَحِيح وَالثَّانِي أظهر.
قَوْله: لَا أكونن بالنُّون الثَّقِيلَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا أكون.
قَوْله: أَشْقَى خلقك قيل: هُوَ لَيْسَ بِأَشْقَى لِأَنَّهُ خلص من الْعَذَاب وزحزح عَن النَّار وَإِن لم يدْخل الْجنَّة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ أَشْقَى أهل التَّوْحِيد الَّذين هم أَبنَاء جنسه فِيهِ، وَيُقَال: أَشْقَى خلقك الَّذين لم يخلدوا فِي النَّار.
قَوْله: حَتَّى يضْحك الله مِنْهُ الضحك محَال على الله وَيُرَاد لَازمه وَهُوَ الرِّضَا عَنهُ ومحبته إِيَّاه.
قَوْله: تمنه الْهَاء فِيهِ للسكت وَهُوَ أَمر من: تمنى يتَمَنَّى.
قَوْله: ويذكره أَي: يذكر المتمنى الْفُلَانِيّ والفلاني، يُسمى لَهُ أَجنَاس مَا يتَمَنَّى، وَهَذَا من عَظِيم رَحْمَة الله سُبْحَانَهُ.
قَوْله: الْأَمَانِي جمع أُمْنِية، وَيجوز فِي الْجمع التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد.
قَوْله: وَمثله مَعَه أَي: وَمثل مَا أعْطى بسؤاله يعْطى أَيْضا مثله، وَالْجمع بَين روايتي أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد: أَن الله أعلم أَولا بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ تكرم الله فَزَاد بِمَا فِي رِوَايَة أبي سعيد، وَلم يسمعهُ أَبُو هُرَيْرَة.





[ قــ :7041 ... غــ :7439 ]
- حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ خالِدِ بنِ يَزِيدَ، عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عنْ زَيْدٍ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنا: يَا رسولَ الله هَلْ نَراى ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ إِذا كانَتْ صَحْواً؟ قُلْنا: لَا.
قَالَ: فإنَّكُمْ لَا تُضارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضارُونَ فِي رُؤْيَتِهِما، ثُمَّ قَالَ: يُنادِي مُنادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحاب الصَّلِيبِ مَع صَلِيبِهِمْ، وأصْحابُ الأوْثانِ مَعَ أوْثانِهِم، وأصْحابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حتَّى يَبْقاى مَنْ كانَ يَعْبُدُ الله مِنْ بَرَ أوْ فاجِرٍ وغُبَّراتٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجِهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرابٌ، فَيقالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُد عَزِيْراً ابنَ الله، فَيُقالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لله صاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُون؟ قالُوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِينَا، فَيُقالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَساقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقالُ لِلنَّصاراى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابنَ الله، فَيُقالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لله صاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَما.
تُرِيدون؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِينَا.
فيقالُ: اشْرَبُوا، فَيَتساقَطُونَ، حتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله مِنْ بَرَ أوْ فاجِرٍ فَيُقالُ لَهُمْ: مَا يحْبِسُكُمْ وقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فيقولُونَ: فارَقْناهُمْ ونَحْنُ أحْوَجُ مِنَّا إلَيْهِ اليَوْمَ، وإنَّا سَمِعْنا مُنادياً يُنادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِما كانُوا يَعْبُدُونَ، وإنَّما نَنْتَظرُ رَبَّنا، قَالَ: فَيأتِيِهمُ الجبَّار فِي صُورَةٍ غَيْرِ صورَتِهِ التَّي رَأوْهُ فِيهِ أوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنا رَبُّكُمْ.
فَيقولونَ: أنْتَ رَبُّنا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إلاّ الأنْبِياءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقولونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَن ساقِهِ، فَيَسْجُدُ لهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ويَبْقاى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لله رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْما يَسْجُدُ فَيعودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً واحِداً، ثُمَّ يُؤْتاى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قلْنا: يَا رسولَ الله وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزلَّةٌ عَلَيْهِ خَطاطِيفُ وكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقيْفاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقالُ لهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَليْها كالطّرْفِ وكالْبَرْقِ وكالرِّيحِ وكأجاويدِ الخَيْلِ والرِّكابِ، فَناجٍ مُسَلّمٌ وناجٍ مَخْدُوشٌ ومَكْدُوسٌ فِي نارِ جَهَنَّمَ حتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَما أنْتُمْ بأشَدَّ لي مُناشَدَةً فِي الحَقِّ، قدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وإذَا رأوْا أنهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إخْوانهِمْ يَقُولُونَ: ربَّنا إخْوَانُنا الَّذِينَ كانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا ويَصُومُونَ مَعَنا ويَعْمَلُونَ مَعَنا؟ فَيَقُولُ الله تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مثْقالَ دِينارٍ مِنْ إيمانٍ فأخْرِجُوهُ، ويحَرِّمُ الله صُوَرَهُمْ عَلى النَّارِ، فَيأْتُونَهُمْ وبَعْضُهُمْ قَدْ غابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أنْصافِ ساقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ نِصْفِ دِينارٍ فأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقولُ: اذْهَبوا فَمَنْ وجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِنْ إيمانٍ فأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفوا
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: فإنْ لَمْ تُصَدِّقُوني فاقْرَأوا: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} فَيَشْفَعُ النَّبيُّونَ والمَلاَئِكَةُ والمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفاعَتي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أقْواماً قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بأفْواهِ الجَنَّةِ يُقالُ لهُ: ماءُ الحَياةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حافَتَيْهِ كَما تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رأيْتُمُوها إِلَى جانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جانِبِ الشَجَرَةِ، فَما كانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْها كانَ أخْضَرَ، وَمَا كانَ مِنْها إِلَى الظِّلِّ كانَ أبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كأنّهُمُ اللَّؤْلُؤُ فيُجْعَلُ فِي رِقابِهِمْ الخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلونَ الجَنّةَ، فَيَقُولُ: أهْلُ الجَنَّةِ: هاؤُلاَءِ عَتقاءُ الرَّحْمانِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيقالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأيْتُمْ ومِثْلُهُ مَعَهُ.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد لله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ يروي عَن اللَّيْث بن سعد عَن خَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي عَن سعيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي عَن زيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن عَطاء بن يسَار ضد الْيَمين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز.

يُقَال تضَارونَ بِالتَّخْفِيفِ أَي: لَا يلحقكم ضَرَر وَلَا يُخَالف بَعْضكُم بَعْضًا وَلَا تتنازعون، ويروى، بِالتَّشْدِيدِ أَي: لَا تضَارونَ أحدا فتسكن الرَّاء الأولى وتدغم فِي الَّتِي بعْدهَا، وَحذف مَفْعُوله لبَيَان مَعْنَاهُ.
قَوْله: إِذا كَانَت صحواً أَي: ذَات صحو، وَفِي الصِّحَاح أصحت السَّمَاء انقشع عَنْهَا الْغَيْم فَهِيَ مصحية.
.

     وَقَالَ  الْكسَائي: فَهِيَ صحو، وَلَا تقل: مصحية.
قَوْله: إلاَّ كَمَا تضَارونَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضمّهَا وَتَشْديد الرَّاء وتخفيفها.
قَوْله: وَأَصْحَاب كل آلِهَة مَعَ آلِهَتهم وَفِي رِوَايَة مَعَ إلاههم بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله: وغبرات بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: بقايا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: جمع غابر، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جمع غبر وغبر الشَّيْء بَقِيَّته.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الغبرات جمع غبر، والغبر جمع غابر.
قَوْله: كَأَنَّهَا سراب هُوَ الَّذِي يتَرَاءَى للنَّاس فِي القاع المستوي وسط النَّهَار فِي الْحر الشَّديد لامعاً مثل المَاء { وَالَّذِينَ كَفَرُو اْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} قَوْله: عُزَيْر اسْم منصرف وَإِن كَانَت فِيهِ العجمة والعلمية، مثل نوح وَلُوط، قَوْله: فَيُقَال كَذبْتُمْ قيل: كَانُوا صَادِقين فِي عبَادَة عُزَيْر؟ وَأجِيب بِأَنَّهُم كذبُوا فِي كَونه ابْن الله.
قَالَ الْكرْمَانِي؛ فَإِن قلت: الْمرجع هُوَ الحكم الْوَاقِع لَا الْمشَار إِلَيْهِ، فالصدق وَالْكذب راجعان إِلَى الحكم بِالْعبَادَة لَا إِلَى الحكم بِكَوْنِهِ ابْنا.
قلت: إِن الْكَذِب رَاجع إِلَى الحكم بِالْعبَادَة الْمقيدَة وَهِي منتفية فِي الْوَاقِع بِاعْتِبَار انْتِفَاء قيدها، وَهُوَ فِي حكم القضيتين كَأَنَّهُمْ قَالُوا: عُزَيْر هُوَ ابْن الله وَنحن كُنَّا نعبده، فكذبهم فِي الْقَضِيَّة الأولى.
قَوْله: فيتساقطون لشدَّة عطشهم وإفراط حرارتهم.
قَوْله: مَا يحبسكم؟ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة من الْحَبْس، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني أَي: مَا يمنعكم من الذّهاب؟ وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا يجلسكم؟ بِالْجِيم وَاللَّام من الْجُلُوس أَي: مَا يقعدكم عَن الذّهاب؟ قَوْله: فَيَقُولُونَ: فارقناهم أَي: النَّاس فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا فِي ذَلِك الْوَقْت أحْوج إِلَيْهِم منا فِي هَذَا الْيَوْم فَكل وَاحِد هُوَ الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ لَكِن بِاعْتِبَار زمانين أَي: نَحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا مِمَّن كَانُوا يحْتَاج إِلَيْهِم فِي المعاش لُزُوما لطاعتك ومقاطعة لأعداء الدّين وغرضهم مِنْهُ التضرع إِلَى الله فِي كشف هَذِه خوفًا من المصاحبة مَعَهم فِي النَّار، يَعْنِي: كَمَا لم نَكُنْ مصاحبين لَهُم فِي الدُّنْيَا لَا نَكُون مصاحبين لَهُم فِي الْآخِرَة.
قَوْله: فِي صُورَة أَي: فِي صفة.
وَأطلق الصُّورَة على سَبِيل المشاكلة، وَاسْتدلَّ ابْن قُتَيْبَة بِذكر الصُّورَة على أَن لله صُورَة لَا كالصور، كَمَا ثَبت أَنه شَيْء لَا كالأشياء.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: تمسكت بِهِ المجسمة فأثبتوا لله صُورَة، وَلَا حجَّة لاحْتِمَال أَن تكون بِمَعْنى الْعَلامَة وَضعهَا الله لَهُم دَلِيلا على مَعْرفَته، كَمَا يُسمى الدَّلِيل والعلامة صُورَة.
قَوْله: غير صورته الَّتِي رَأَوْهُ أول مرّة قيل: يحْتَمل أَن يُشِير بذلك إِلَى مَا عرفوه حِين أخرج ذُرِّيَّة آدم من صلبه.
ثمَّ أنساهم ذَلِك فِي الدُّنْيَا، ثمَّ يذكرهم بهَا فِي الْآخِرَة.
قَوْله: فَإِذا رَأينَا رَبنَا عَرفْنَاهُ قَالَ ابْن بطال: عَن الْمُهلب أَن الله يبْعَث لَهُم ملكا ليختبرهم فِي اعْتِقَاد صِفَات رَبهم الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء، فَإِذا قَالَ لَهُم: أَنا ربكُم، ردوا عَلَيْهِ لما رَأَوْا عَلَيْهِ من صفة الْمَخْلُوق، فَقَوله: فَإِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ أَي: إِذا أظهر لنا فِي ملك لَا يَنْبَغِي لغيره وعظمته لَا تشبه شَيْئا من مخلوقاته فحينئذٍ يَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا.
قَالَ: وَأما قَوْله: هَل بَيْنكُم وَبَينه آيَة تعرفونه؟ فَيَقُولُونَ: السَّاق فَهَذَا يحْتَمل أَن الله عرفهم على أَلْسِنَة الرُّسُل من الْمَلَائِكَة والأنبياء أَن الله جعل لَهُم عَلامَة تجلية السَّاق.
قَوْله: يكْشف على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْمَعْرُوف عَن سَاقه فسر السَّاق بالشدة أَي: يكْشف عَن شدَّة ذَلِك الْيَوْم وَأمر مهول وَهَذَا مثل تضربه الْعَرَب لشدَّة الْأَمر كَمَا يُقَال: قَامَت الْحَرْب على سَاق، وَجَاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} قَالَ: عَن شدَّة من الْأَمر.
وَقيل: المُرَاد بِهِ النُّور الْعَظِيم، وَقيل: هُوَ جمَاعَة من الْمَلَائِكَة يُقَال: سَاق من النَّاس، كَمَا يُقَال: رجل من جَراد، وَقيل: هُوَ سَاق يخلقه الله خَارِجا عَن السُّوق الْمُعْتَادَة، وَقيل: جَاءَ السَّاق بِمَعْنى النَّفس أَي: تتجلى لَهُم ذَاته.
قَوْله: رِيَاء أَي: ليراه النَّاس.
قَوْله: وَسُمْعَة أَي: ليسمعه النَّاس.
قَوْله: فَيذْهب كَيْمَا يسْجد لَفْظَة: كي.
هُنَا بِمَنْزِلَة لَام التَّعْلِيل فِي الْمَعْنى وَالْعَمَل، دخلت على كلمة: مَا، المصدرية بعْدهَا: أَن، مضمرة تَقْدِيره: يذهب لأجل السُّجُود.
قَوْله: طبقًا وَاحِدًا الطَّبَق فقار الظّهْر أَي: صَار فقارة وَاحِدَة كالصفحة فَلَا يقدر على السُّجُود، وَقيل: الطَّبَق عظم رَقِيق يفصل بَين كل فقارين،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: تمسك بِهِ من أجَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق من الأشاعرة، والمانعون تمسكوا بقوله تَعَالَى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ورد عَلَيْهِم: بِأَن هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، وَإِنَّمَا هُوَ خزي وتوبيخ إِذْ أدخلُوا أنفسهم بزعهمم فِي جملَة الْمُؤمنِينَ الساجدين فِي الدُّنْيَا، وَعلم الله مِنْهُم الرِّيَاء فِي سجودهم، فدعوا فِي الْآخِرَة إِلَى السُّجُود كَمَا دعِي الْمُؤْمِنُونَ المحقون فيتعذر السُّجُود عَلَيْهِم وتعود ظُهُورهمْ طبقًا وَاحِدًا وَيظْهر الله تَعَالَى نفاقهم، فَأخْبرهُم وأوقع الْحجَّة عَلَيْهِم.
قَوْله: ثمَّ يُؤْتى بالجسر بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا حَكَاهُمَا ابْن السّكيت والجوهري.
قَوْله: مدحضة من دحضت رجله دحضاً زلقت، ودحضت الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء زَالَت، ودحضت حجَّته بطلت.
قَوْله: مزلة من زلت الْأَقْدَام سَقَطت.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مزلة بِكَسْر الزَّاي وَفتحهَا بِمَعْنى المزلقة، أَي: مَوضِع تزلق فِيهِ الْأَقْدَام، ومدحضة أَي: مَحل ميل الشَّخْص، وهما بِفَتْح الْمِيم ومعناهما متقاربان.
قَوْله: خطاطيف جمع خطَّاف بِالضَّمِّ وَهُوَ الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بهَا الشَّيْء، والكلاليب جمع كَلوب، وَقد مر تَفْسِيره فِي الحَدِيث الْمَاضِي.
قَوْله: وحسكة بِفَتَحَات وَهِي شَوْكَة صلبة مَعْرُوفَة، قَالَه ابْن الْأَثِير.
.

     وَقَالَ  صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره: الحسك نَبَات لَهُ ثَمَر خشن يتَعَلَّق بأصواف الْغنم وَرُبمَا اتخذ مثله من حَدِيد، وَهُوَ من آلَات الْحَرْب،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: الحسك حسك السعدان، والحسكة مَا يعْمل من حَدِيد على مِثَاله.
قَوْله: مفلطحة بِضَم الْمِيم وَفتح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: عريضة، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مطلفحة، بِتَقْدِيم الطَّاء وَتَأْخِير الْفَاء وَاللَّام قبلهَا من طلفحه إِذا أرقه، والطلافح العراض، وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة، يَعْنِي: عريض، يُقَال: فلطح القرص إِذا بَسطه وَعرضه.
قَوْله: عقيفاء بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء ممدوداً، ويروى: عقيفة، على وزن كَرِيمَة وَهِي المنعطفة المعوجة.
قَوْله: الْمُؤمن عَلَيْهَا أَي: يمر عَلَيْهَا كالطرف بِكَسْر الطَّاء وَهُوَ الْكَرِيم من الْخَيل وبالفتح الْبَصَر يَعْنِي كلمح الْبَصَر، وَهَذَا هُوَ الأولى لِئَلَّا يلْزم التّكْرَار.
قَوْله: وكأجاويد الْخَيل جمع الأجواد وَهُوَ جمع الْجواد وَهُوَ فرس بَين الْجَوْدَة بِالضَّمِّ رائع.
قَوْله: والركاب الْإِبِل واحدتها الرَّاحِلَة من غير لَفظهَا.
قَوْله: مُسلم بِفَتْح اللَّام الْمُشَدّدَة.
قَوْله: مخدوش أَي: مخموش ممزوق، قَالَه الْكرْمَانِي: من الخمش بالمعجمتين وَهُوَ تمزيق الْوَجْه بالأظافير.
قَوْله: ومكدوس بالمهملتين أَي: مصروع، ويروى بالشين الْمُعْجَمَة أَي: مَدْفُوع مطرود، ويروى مكردس بالمهملات من كردست الدَّوَابّ إِذا ركب بَعْضهَا بَعْضًا، يَعْنِي: أَنهم ثَلَاثَة أَقسَام: قسم مُسلم لَا يَنَالهُ شَيْء، وَقسم يخدش ثمَّ يسلم ويخلص، وَقسم يسْقط فِي جَهَنَّم.
قَوْله: وَآخرهمْ أَي: آخر الناجين يسحب على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: فَمَا أَنْتُم بأشد لي مناشدة أَي: مُطَالبَة.
قَوْله: قد تبين جملَة حَالية.
قَوْله: من الْمُؤمن صلَة أَشد.
قَوْله: للجبار وَقَوله: فِي إخْوَانهمْ كِلَاهُمَا مُتَعَلق بمناشدة مقدرَة أَي: لَيْسَ طَلَبكُمْ مني فِي الدُّنْيَا فِي شَأْن حق يكون ظَاهرا لكم أَشد من طلب الْمُؤمنِينَ من الله فِي الْآخِرَة فِي شَأْن نجاة إخْوَانهمْ من النَّار، وَالْغَرَض شدَّة اعتناء الْمُؤمنِينَ بالشفاعة لإخوانهم.
قَوْله: فِي إخْوَانهمْ ويروى وَبَقِي إخْوَانهمْ.
فَإِن قلت: الْمُؤمن مُفْرد فَلم جمع الضَّمِير؟ قلت: بِاعْتِبَار الْجمع المُرَاد من لفظ الْجِنْس، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: إِذا رأى، بِدُونِ الْوَاو وَلَكِن قَوْله: فِي إخْوَانهمْ مقدم عَلَيْهِ حكما، وَهَذَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَذَلِكَ إِذا رَأَوْا نجاة أنفسهم يَقُولُونَ: رَبنَا إِخْوَاننَا الخ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يَقُولُونَ، اسْتِئْنَاف كَلَام.
قلت: الَّذِي يظْهر من حل التَّرْكِيب أَنه جَوَاب إِذا، وَالله أعلم.
قَوْله: فأخرجوه صِيغَة أَمر للْجَمَاعَة.
قَوْله: فَيخْرجُونَ بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج قَوْله: من عرفُوا مَفْعُوله وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي.
قَوْله: ذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: سُئِلَ ثَعْلَب عَنْهَا فَقَالَ: إِن مائَة نملة وزن حَبَّة، والذرة وَاحِدَة مِنْهَا، وَقيل: الذّرة لَيْسَ لَهَا وزن، وَيُرَاد بهَا مَا يرى فِي شُعَاع الشَّمْس الدَّاخِل فِي النافذة.

قَوْله: قَالَ أَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ رَاوِي الحَدِيث.
قَوْله: بأفواه الْجنَّة الأفواه جمع فوهة بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة على غير الْقيَاس، وأفواه الْأَزِقَّة والأنهار أوائلها، وَالْمرَاد مفتتح مسالك قُصُور الْجنَّة.
قَوْله: فِي حافتيه تَثْنِيَة حافة بتَخْفِيف الْفَاء وَهِي الْجَانِب.
قَوْله: الخواتيم أَرَادَ أَشْيَاء من الذَّهَب تعلق فِي أَعْنَاقهم كالخواتيم عَلامَة يعْرفُونَ بهَا وهم كاللالىء فِي صفائهم.
قَوْله: بِغَيْر عمل عملوه أَي: فِي الدُّنْيَا وَلَا خير قدموه فِي الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة، أَرَادَ مُجَرّد الْإِيمَان دون أَمر زَائِد عَلَيْهِ من الْأَعْمَال والخيرات، وَعلم مِنْهُ أَن شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والنبيين وَالْمُؤمنِينَ فِيمَن كَانَ لَهُ طَاعَة غير الْإِيمَان الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ إلاَّ الله.





[ قــ :704 ... غــ :7440 ]
- وَقَالَ حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ: حدّثنا هَمَّامُ بنُ يَحْياى، حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُحْبَسُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يُهِمُّوا بِذالِكَ، فَيقولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا إِلَى رَبِّنا فَيُرِيحُنا مِنْ مَكانِنا، فَيأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أنْتَ آدَمُ أبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وأسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ وعَلَّمَكَ أسْماءَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنا مِنَ مَكانِنا هاذَا، قَالَ: فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ قَالَ: ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الّتي أصابَ: أكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وقَدْ نُهِيَ عَنْها ولَكِنِ ائْتُو انُوحاً أوَّلَ نَبِيَ بَعَثَهُ الله تَعَالَى إِلَى أهْلِ الأرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتي أصابَ: سُؤالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولَكِنِ ائْتُوا إبْرَاهِيمَ خَليلَ الرَّحْمانِ، قَالَ: فَيأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ ثَلاَثَ كَلِماتٍ كَذَبَهُنَّ ولَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْداً آتاهُ الله التَّورَاةَ وكَلَّمَهُ وقَرَّبَهُ نَجِيّاً، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إنِّي لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ لهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أصابَ: قَتْلَهُ النَّفْسَ ولَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ الله ورسولَهُ ورُوحَ الله وكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ ولَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّداً عَبْداً غَفَرَ الله لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ.
فَيأْتُونِي فأنْطَلِقُ فأسْتَأذِنُ عَلى ربِّي فِي دارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فإذَا رَأيْتُهُ وقَعْتُ لهُ سَاجِدا، فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وقُلْ يُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسلْ تُعْطَهْ.
قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني عَلى ربِّي بِثَناءٍ وتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدّاً، فأخْرُجُ فأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ قَالَ قَتادَةُ: وسَمِعْتُهُ أيْضاً يَقُولُ: فأخْرُجُ فأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّة ثُمَّ أعُودُ فأسْتَأْذِنْ عَلى رَبِّي فِي دارِهِ فَيُؤْذَنُ لي عَلَيْهِ، فَإِذا رَأيْتُهُ وقَعْتُ ساجِداً فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَع مُحَمَّدُ وقُلْ يُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني عَلى رَبِّي بِثَناءٍ وتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدّاً فأخْرُجُ فأدْخِلُهُمُ الجَنَةَ قَالَ قَتادَةُ: وسمِعْتُهُ يَقُولُ: فأخْرُجُ فأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّار وأُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ ثُمَّ أعودُ الثّالِثَةَ فأسْتَأْذِنُ عَلى رَبِّي فِي دارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذا رَأيْتُهُ وقَعْتُ ساجِداً فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله أنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وقُلْ يسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ وسَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: فأرْفَعُ رَأسِي فأُثْني عَلى رَبِّي بِثَناءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدّاً فأخْرُجُ فأدْخِلُهُمُ الجَنّةَ قَالَ قَتادَةُ: وقَدْ سَمِعْتُهُ يَقولُ: فأخْرُجُ فأُخْرِجُهُمْ مِنَ النّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ حَتَّى مَا يبْقاى فِي النّارِ إلاّ مَنْ حَبَسَهُ القرْآن أيْ: وجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودِ قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هاذِهِ الْآيَة { وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} قَالَ: وهَذا المَقامُ المَحْمودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ
ا
حجاج بن منهال أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ: وَلم يقل: حَدثنَا، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنه سَمعه مِنْهُ مذاكرة لَا تحميلاً، وَإِمَّا أَنه كَانَ عرضا ومناولة، وَهَكَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي عَن الْفربرِي، فَقَالَ فِيهَا: حَدثنَا حجاج، وَكلهمْ ساقوا الحَدِيث كُله إلاَّ النَّسَفِيّ فساق مِنْهُ إِلَى قَوْله: خلقك الله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: فَذكر الحَدِيث ... وَوَقع لأبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ نَحوه، لَكِن قَالَ: وَذكر هَذَا الحَدِيث بِطُولِهِ بعد قَوْله: حَتَّى يهموا بذلك وَنَحْوه للكشميهني.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي كَامِل وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى بن دِينَار الْمحلي أبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَقد مضى أَكثر شَرحه.

قَوْله: حَتَّى يهموا من الْوَهم ويروى بتَشْديد الْمِيم من: الْهم، بِمَعْنى الْقَصْد والحزن مَعْرُوفا ومجهولاً، وَفِي صَحِيح مُسلم يهتموا أَي: يعتنوا بسؤال الشَّفَاعَة وَإِزَالَة الكرب عَنْهُم.
قَوْله: لَو اسْتَشْفَعْنَا جَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَو هُوَ لِلتَّمَنِّي.
قَوْله: فَيُرِيحنَا بِضَم الْيَاء من الإراحة.
قَوْله: لست أَهلا لذَلِك وَلَيْسَ لي هَذِه الْمنزلَة.
قَوْله: الَّتِي أصَاب أَي: الَّتِي أَصَابَهَا.
قَوْله: أكله مَنْصُوب بِأَنَّهُ بدل من الْخَطِيئَة، أَو بَيَان لَهَا أَو بِفعل مُقَدّر نَحْو: يَعْنِي أكله، ويروى: وَيذكر أكله، بِحَذْف لفظ الْخَطِيئَة الَّتِي أصَاب.
قَوْله: ائْتُوا نوحًا أول نَبِي بَعثه الله قيل: يلْزم مِنْهُ أَن يكون آدم غير نَبِي.
وَأجِيب: اللَّازِم لَيْسَ كَذَلِك بل كَانَ نَبيا لَكِن لم يكن أهل أَرض يبْعَث إِلَيْهِم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: سُؤَاله ربه أَي: دعاءه بقوله: { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} قَوْله: ثَلَاث كَلِمَات وَهِي قَوْله: { فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} و { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَاذَا فَاسْئَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وَهَذِه أُخْتِي وَهَذِه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره.
ثَلَاث كذبات.
قَالَ القَاضِي: هَذَا يَقُولُونَهُ تواضعاً وتعظيماً لما يسألونه وَإِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْمقَام لغَيرهم، وَيحْتَمل أَنهم علمُوا أَن صَاحبهَا مُحَمَّد، وَيكون إِحَالَة كل وَاحِد مِنْهُم على الآخر ليصل بالتدريج إِلَى مُحَمَّد، إِظْهَارًا لفضيلته، وَكَذَلِكَ إلهام النَّاس لسؤالهم عَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَوْله: فِي دَاره أَي: جنته وَالْإِضَافَة للتشريف: كبيت الله، وَحرم الله، أَو الضَّمِير رَاجع إِلَى رَسُول الله، على سَبِيل الِالْتِفَات، قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه تَأمل.
قَوْله: ارْفَعْ مُحَمَّد يَعْنِي: ارْفَعْ رَأسك يَا مُحَمَّد.
قَوْله: يسمع على صِيغَة الْمَجْهُول مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر.
قَوْله: اشفع أَمر من شفع يشفع شَفَاعَة وَتشفع على صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْفَاء وَمَعْنَاهُ: تقبل شفاعتك.
قَوْله: وسل أَمر من سَأَلَ وتعط على صِيغَة الْمَجْهُول جَوَاب الْأَمر.
قَوْله: فَيحد لي حدا أَي: يعين لي طَائِفَة مُعينَة.
قَوْله: فَأخْرج أَي: من دَاره فَأخْرجهُمْ، من الْإِخْرَاج وأدخلهم من الإدخال.
قَوْله: قَالَ قَتَادَة هُوَ الرَّاوِي الْمَذْكُور وَهُوَ مُتَّصِل بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: فَأخْرج وأخرجهم أَي: أخرج من الدَّار وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وأخرجهم، بِضَم الْهمزَة من الْإِخْرَاج.
قَوْله: أَي: وَجب عَلَيْهِ أَي: بِنَصّ الْقُرْآن، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذالِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً} وهم الْكفَّار، قَول: وعده أَي: حَيْثُ قَالَ: { وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} وَهَذَا هُوَ إِشَارَة إِلَى الشَّفَاعَة الأولى الَّتِي لم يُصَرح بهَا فِي الحَدِيث، وَلَكِن السِّيَاق وَسَائِر الرِّوَايَات تدل عَلَيْهِ.





[ قــ :7043 ... غــ :7441 ]
- حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، حدّثني عَمِّي، حدّثنا أبي عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهاب قَالَ: حدّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَ إِلَى الأنْصارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ.

     وَقَالَ  لَهُمُ: اصْبِرُوا حتَّى تَلْقُوا الله ورَسولَهُ، فإنِّي عَلى الحَوْضِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: حَتَّى تلقوا الله.

قَوْله: حَدثنِي عمي، هُوَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، وَأَبوهُ هُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.

وَأخرج الحَدِيث مُسلم مطولا من هَذَا الْوَجْه فَقَالَ فِي أَوله: لما أَفَاء الله على رَسُوله من أَمْوَال هوَازن الحَدِيث.

قبَّة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ بَيت صَغِير مستدير من الْخيام وَهُوَ من بيُوت الْعَرَب.
قَوْله: حَتَّى تلقوا الله اللِّقَاء مُقَابلَة الشَّيْء ومصادفته، لقِيه يلقاه وَيُقَال أَيْضا فِي الْإِدْرَاك بالحس والبصيرة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} وملاقاة الله يعبر بهَا عَن الْمَوْت وَعَن يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل ليَوْم الْقِيَامَة: يَوْم التلاقي، لالتقاء الْأَوَّلين والآخرين فِيهِ.
قَوْله: فَإِنِّي على الْحَوْض أَرَادَ بِهِ الْحَوْض الَّذِي أعطَاهُ الله تَعَالَى، وَهُوَ فِي الْجنَّة، وَيُؤْتى بِهِ إِلَى الْمَحْشَر يَوْم الْقِيَامَة.

وَفِيه: رد على الْمُعْتَزلَة فِي إنكارهم الْحَوْض، وَفِي بعض النّسخ: حَتَّى تلقوا الله وَرَسُوله على الْحَوْض، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة سَأَلَ الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ: الله منزه عَن الْمَكَان فَكيف يكون على الْحَوْض؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ قيد للمعطوف كَقَوْلِه: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ} أَو لفظ: على الْحَوْض، ظرف للْفَاعِل لَا للْمَفْعُول، وَفِي أَكثر النّسخ بدل فِي كلمة: فَإِنِّي على الْحَوْض، فَسقط السُّؤَال عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار بِالْكُلِّيَّةِ.





[ قــ :7044 ... غــ :744 ]
- حدّثني ثابِتُ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ سُلَيْمانَ الأحْوَلِ، عنْ طاوُسٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النبيُّ إِذا تَهَجَّدَ مِنَ الليْلِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّماوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْت رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ ومنْ فِيهِنَّ، أنْتَ الحَقُّ وقَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُك الحَقُّ ولِقاؤُكَ الحَقُّ، والجَنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمَنْتُ وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ خاصَمْتُ وبِكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وأسْرَرْتُ وأعْلَنْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ولقاؤك حق لِأَن مَعْنَاهُ: رؤيتك.

وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن مُحَمَّد أَبُو إِسْمَاعِيل العابد الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.

والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب التَّهَجُّد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ وأبُو الزُّبَيْرِ عنْ طاوُسٍ: قَيَّامُ.
.

     وَقَالَ  مُجاهِدٌ: القَيُّومُ القائِمُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.
وقَرَأ عُمَرُ: القَيَّامُ، وكِلاهُما مَدْحٌ.

قيس بن سعد الْمَكِّيّ الحبشي مفتي مَكَّة مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَة.
وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس الْقرشِي الْأَسدي الْمَكِّيّ مولى حَكِيم بن حزَام مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، أَرَادَ أَن قيسا وَأَبا الزبير رويا هَذَا الحَدِيث عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس، فَوَقع عِنْدهمَا: أَنْت قيام السَّمَاوَات، بدل: أَنْت قيم السَّمَاوَات، وَطَرِيق قيس وَصلهَا مُسلم، وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق عمرَان بن مُسلم عَن قيس، وَطَرِيق أبي الزبير وَصلهَا مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَنهُ.
قَوْله:.

     وَقَالَ  مُجَاهِد أَرَادَ أَن مُجَاهدًا فسر القيوم بقوله: الْقَائِم على كل شَيْء وَوَصله الْفرْيَابِيّ فِي تَفْسِيره عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بِهَذَا.
قَوْله: وَقَرَأَ عمر أَي: ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: الله لَا إلاه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقيام لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَهُوَ على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ وَهِي صِيغَة مُبَالغَة، وَكَذَلِكَ لفظ: القيوم،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الْمثنى: القيوم فيعول وَهُوَ الْقَائِم الَّذِي لَا يَزُول،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: القيوم نعت للْمُبَالَغَة فِي الْقيام على كل شَيْء بالرعاية لَهُ،.

     وَقَالَ  الْحَلِيمِيّ: القيوم الْقَائِم على كل شَيْء من خلقه يدبره بِمَا يُرِيد.
قَوْله: وَكِلَاهُمَا مدح أَي: القيوم وَالْقِيَام مدح لِأَنَّهُمَا من صِيغ الْمُبَالغَة.
وَلَا يستعملان فِي غير الْمَدْح، بِخِلَاف: الْقيم، فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الذَّم أَيْضا.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن فَرح بِالْفَاءِ وَسُكُون الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الْقرظِيّ فِي كتاب الْأَسْنَى فِي الْأَسْمَاء الْحسنى يجوز وصف العَبْد بالقيم وَلَا يجوز بالقيوم،.

     وَقَالَ  الْغَزالِيّ فِي الْمَقْصد الْأَسْنَى القيوم هُوَ الْقَائِم بِذَاتِهِ، والقيم لغيره وَلَيْسَ ذَلِك إلاَّ الله تَعَالَى.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فعلى هَذَا التَّفْسِير هُوَ صفة مركبة من صِفَات الذَّات وَصفَة الْفِعْل.





[ قــ :7045 ... غــ :7443 ]
- حدّثنا يُوسُفُ بنُ مُوساى، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، حدّثني الأعْمَشُ عنْ خَيْثَمَةَ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمانٌ، وَلَا حِجابٌ يحْجُبُهُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.

ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي سكن بَغْدَاد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ، وعدي بن حَاتِم الطَّائِي.

والْحَدِيث مضى فِي الرقَاق عَن عمر بن حَفْص.

قَوْله: مَا مِنْكُم الْخطاب للْمُؤْمِنين، وَقيل: بِعُمُومِهِ.
قَوْله: ترجمان فِيهِ لُغَات ضم التَّاء وَالْجِيم وَفتح الأول وَضم الثَّانِي.
قَوْله: حجاب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَاجِب، قَالَ ابْن بطال: معنى رفع الْحجاب إِزَالَة الآفة عَن أبصار الْمُؤمنِينَ الْمَانِعَة لَهَا من رُؤْيَته، واستعير الْحجاب للرَّدّ، فَكَانَ نَفْيه دَلِيلا على ثُبُوت الْإِجَابَة.
وأصل الْحجاب السّتْر الْحَاصِل بَين الرَّائِي والمرئي، وَالْمرَاد هُنَا منع الْأَبْصَار من الرُّؤْيَة.





[ قــ :7046 ... غــ :7444 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الصَّمَدِ، عنْ أبي عِمْرَانَ، عنْ أبي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جَنَّتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُما وَمَا فِيهِما، وجَنَّتانِ من ذَهَبٍ، آنِيَتُهُما وَمَا فِيهِما، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إِلَى ربِّهِمْ إلاّ رِداءُ الكِبْرِ عَلى وجْههِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ
انْظُر الحدبث 4878 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَأَبُو عمرَان هُوَ عبد الْملك بن حبيب الْجونِي، وَأَبُو بكر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الرحمان.

قَوْله: جنتان إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وَتَفْسِير لَهُ وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هما جنتان.
قَوْله: آنيتهما مُبْتَدأ وَمن فضَّة مقدما خَبره، وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل فضَّة أَي: جنتان مفضض آنيتهما، وَاخْتلفُوا فِي قَوْله: وَمن دونهمَا فَقيل: فِي الدرجَة وَقيل: فِي الْفضل.
فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قُلْنَا: يَا رَسُول الله: حَدثنَا عَن الْجنَّة مِمَّا بناؤها.
قَالَ: لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ.
قلت: المُرَاد بِالْأولِ: صفة مَا فِي كل الْجنَّة من آنِية وَغَيرهَا، وَمن الثَّانِي: حَوَائِط الْجنان كلهَا.
قَوْله: إلاَّ رِدَاء الْكبر ويروى إلاَّ رِدَاء الْكِبْرِيَاء، هُوَ من المتشابهات إِذْ لَا رِدَاء حَقِيقَة وَلَا وَجه فإمَّا أَن يُفَوض أَو: يؤول الْوَجْه بِالذَّاتِ، والرداء صفة من صِفَات الذَّات اللَّازِمَة المنزهة عَمَّا يشبه الْمَخْلُوقَات،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم الرِّدَاء اسْتِعَارَة كنى بهَا عَن العظمة كَمَا فِي الحَدِيث الآخر: الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي، وَلَيْسَ المُرَاد الثِّيَاب المحسوسة.
قَوْله: على وَجهه حَال من رِدَاء الْكبر.
قَوْله: فِي جنَّة عدن رَاجع إِلَى الْقَوْم.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: مَعْنَاهُ رَاجع إِلَى الناظرين، أَي: وهم فِي جنَّة عدن لَا إِلَى الله، فَإِنَّهُ لَا تحويه الْأَمْكِنَة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: مُتَعَلق بِمَحْذُوف فِي مَوضِع الْحَال من الْقَوْم مثل، كائنين فِي جنَّة عدن.