فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق: 4] "


[ قــ :56712 ... غــ :56713 ]
- ( { سُورَةُ الطلاقِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي تَفْسِير بعض سُورَة الطَّلَاق، هَكَذَا لغير أبي ذَر، وَفِي رِوَايَته سُورَة الطَّلَاق ذكرت مَعَ التغابن كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا بِلَا خلاف،.

     وَقَالَ  مقَاتل: وَهِي سُورَة النِّسَاء الصُّغْرَى، قيل: إِنَّهَا نزلت بعد { هَل أَتَى على الْإِنْسَان} ( الْإِنْسَان: 1) وَقيل: { لم يكن} ( الْبَيِّنَة: 1) وَهِي ألف وَسِتُّونَ حرفا، ومائتان وتسع وَأَرْبَعُونَ كلمة، واثنتا عشرَة آيَة.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَبَالَ أمْرِها جَزَاءَ أمْرِها

سقط هَذَا لأبي ذَر.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { فذاقت وبال أمرهَا وَكَانَ عَافِيَة أمرهَا خسرا} ( الطَّلَاق: 9) وَفسّر الوبال بالجزاء، رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج عَن شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَالضَّمِير فِي: فذاقت، يرجع إِلَى قَوْله: { وكأين من قَرْيَة عنت عَن أَمر رَبهَا} ( الطَّلَاق: 8) .

إنَّ ارْتَبْتُمْ إنْ لَمْ تَعْلَمُوا أتَحِيض أمْ لَا تَحِيضُ: فَاللاَّئِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ

هَذَا لأبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَحده، وَأَشَارَ بقوله: ( إِن ارتبتم) إِلَى قَوْله تَعَالَى: { واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} ( الطَّلَاق: 4) الْآيَة.
وَفسّر قَوْله: ( ارتبتم) بقوله: ( إِن لم تعلمُوا) إِلَى آخِره حَاصله إِن لم تعلمُوا حيضهن.
قَوْله: ( فعدن من الْمَحِيض) أَي: يئسن مِنْهُ لكبر عَن قَوْله: ( واللائي لم يحضن بعد) أَي: من الصغر، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن ارتبتم فِي حكمهن وَلم تدروا مَا الحكم فِي عدتهن.





[ قــ :4643 ... غــ :4908 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عَنْ ابنِ شهابٍ قَالَ أخْبَرَنِي سَالِمٌ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُ أنَّهُ طَلْقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإنْ بَدَا لَهُ أنْ يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها طَاهِرا قَبْلَ أنْ يَمَسَّها فَتِلْكَ العِدَّةَ كَمَا أمَرَهُ الله.

مطابقته لما فِي السُّورَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل: بِضَم الْعين ابْن خَالِد.

قَوْله: ( فتغيظ) ، أَي: غضب فِيهِ لِأَن الطَّلَاق فِي الْحيض بِدعَة.
قَوْله: ( فَإِن بدا لَهُ) أَي: فَإِن ظهر لَهُ أَن يطلقهَا، وَكلمَة: أَن مَصْدَرِيَّة.
قَوْله: ( طَاهِرا) أَي: حَال كَونهَا طَاهِرَة وَإِنَّمَا ذكره بِلَفْظ التَّذْكِير لِأَن الطُّهْر من الْحيض من المختصات بِالنسَاء فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّاء، كَمَا فِي الْحَائِض.
قَوْله: ( قبل أَن يَمَسهَا) ، أَي: قبل أَن يُجَامِعهَا.
قَوْله: ( فَتلك الْعدة) ، أَي: هِيَ الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء حَيْثُ قَالَ: { فطلقوهن لعدتهن} ثمَّ أعلم أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة عَن ابْن عمر: فَالْبُخَارِي أخرجه هُنَا وَفِي الطَّلَاق وَفِي الْأَحْكَام وَالْبَاقُونَ فِي الطَّلَاق،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَقد روى هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: رَوَاهُ عَن ابْن عمر نَافِع وَعبد الله بن دِينَار وَأنس بن سِيرِين وطاووس وَأَبُو الزبير وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو وَائِل.
فرواية نَافِع عِنْد السِّتَّة غير التِّرْمِذِيّ، وَرِوَايَة عبد الله بن دِينَار عِنْد مُسلم وَرِوَايَة أنس بن سِيرِين عِنْد الشَّيْخَيْنِ، وَرِوَايَة طَاوُوس عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَرِوَايَة أبي الزبير عِنْد مُسلم وَأبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَرِوَايَة سعيد بن جُبَير عِنْد النَّسَائِيّ.
وَرِوَايَة أبي وَائِل عِنْد ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) .

ويستنبط مِنْهُ أَحْكَام: الأول: أَن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر، وَهَذَا بابُُ اخْتلفُوا فِيهِ.
فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا أحسن من الطَّلَاق، وَله فِي قَول آخر قَالَ إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا، طَلقهَا عِنْد كل طهر وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني: أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة حسن وَأحسن وبدعي، فالحسن هُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، وَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا والبدعي أَن يطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَة وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.

وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الطَّلَاق السّني.
فَقَالَ مَالك وَعَامة أَصْحَابه، هُوَ أَن يُطلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يَمَسهَا فِيهِ ثمَّ يَتْرُكهَا حَتَّى تكمل عدتهَا، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: هَذَا أحسن الطَّلَاق، وَله قَول آخر إِنَّه إِن شَاءَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا فِي كل طهر مرّة وَكِلَاهُمَا عِنْد الْكُوفِيّين طَلَاق سنة، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، وَاخْتلف فِيهِ قَول أَشهب فَقَالَ مثله مرّة وَأَجَازَ أَيْضا ارتجاعها ثمَّ يُطلق ثمَّ يرتجع ثمَّ يُطلق فَيتم الثَّلَاث.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، لَيْسَ فِي عدد الثَّلَاثَة سنة وَلَا بِدعَة وَإِنَّمَا ذَلِك فِي الْوَقْت.

الثَّانِي: فِي قَوْله: ( ليراجعها) دَلِيل، على أَن الطَّلَاق غير الْبَائِن لَا يحْتَاج إِلَى رضَا الْمَرْأَة.

الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل على أَن الرّجْعَة تصح بالْقَوْل وَلَا خلاف فِي ذَلِك، وَأما الرّجْعَة بِالْفِعْلِ فقد اخْتلفُوا فِيهَا.
فَقَالَ عِيَاض: وَتَصِح عندنَا أَيْضا بِالْفِعْلِ الْحَال مَحل القَوْل الدَّال فِي الْعبارَة على الارتجاع: كَالْوَطْءِ والتقبيل واللمس بِشَرْط الْقَصْد إِلَى الارتجاع بِهِ، وَأنكر الشَّافِعِي صِحَة الارتجاع بِالْفِعْلِ أصلا وأثبته أَبُو حنيفَة، وَإِن وَقع من غير قصد وَهُوَ قَول ابْن وهب من أَصْحَابنَا فِي الواطىء من غير قصد.

وَالرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة أَن من طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فقد أَثم، وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا فَإِن تَركهَا تمْضِي فِي الْعدة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاق.

الْخَامِس: أَن فِيهِ الْأَمر بالمراجعة، فَقَالَ مَالك: هَذَا الْأَمر مَحْمُول على الْوُجُوب، وَمن طلق زَوجته حَائِضًا أَو نفسَاء.
فَإِنَّهُ يجْبر على رَجعتهَا فسوى دم النّفاس بِدَم الْحيض،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَابْن أبي ليلى وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: يُؤمر بالرجعة وَلَا يجْبر، وحملوا الْأَمر فِي ذَلِك على النّدب ليَقَع الطَّلَاق على السّنة، وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا إِذا انْقَضتْ عدتهَا لَا يجْبر على رَجعتهَا، وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا طَلقهَا فِي طهر قد مَسهَا فِيهِ لَا يجْبر على رَجعتهَا وَلَا يُؤمر بذلك، وَإِن كَانَ قد أوقع الطَّلَاق على غير سنة.

السَّادِس: أَن الطَّلَاق فِي الْحيض محرم وَلكنه إِن أوقع لزم،.

     وَقَالَ  عِيَاض: ذهب بعض النَّاس مِمَّن شَذَّ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي منع الطَّلَاق فِي الْحيض.
قلت: هَذِه عبَادَة غير معقولة الْمَعْنى، وَقيل: بل هُوَ معال بتطويل الْعدة.


(بابٌُ: { أُولاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرا} (الطَّلَاق: 4)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { أولات الْأَحْمَال} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ لفظ بابُُ: فِي كثير من النّسخ، وَيَجِيء الْآن تَفْسِير: أولات الْأَحْمَال.

وَأَوْلاتُ الأحْمَالِ: وَاحِدُها ذَاتُ حَمْلٍ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أولات جمع ذَات، والأحمال جمع حمل، وَالْمعْنَى: أَن أَجلهنَّ موقت وَهُوَ وضع حَملهنَّ، وَهَذَا عَام فِي المطلقات والمتوفى عَنْهُن أَزوَاجهنَّ، وَهُوَ قَول عمر وَابْنه مَسْعُود وَأبي مَسْعُود البدري وَأبي هُرَيْرَة وفقهاء الْأَمْصَار، وَعَن ابْن عَبَّاس، أَنه قَالَ: تَعْتَد أبعد الآجلين، وَعَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ: آجالهن على الْجمع.



[ قــ :4644 ... غــ :4909 ]
- حدَّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابنِ عَبَّاسٍ وَأبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ أفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلِدَتْ بَعْدَ زَوْجِها بِأرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الأجَلَيْنِ.

قُلْتُ أنَا { وَأُولاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ أنَا مَعَ ابْن أخِي يَعْنِي أبَا سَلَمَةَ فأرْسَلَ ابنُ عَبَّاسٍ غُلامَهُ كُرَيْبا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُها فَقَالَتْ قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَت فَأنْكَحَهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ أَبُو مُعَاوِيَة، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير صَالح من أهل الْبَصْرَة سكن الْيَمَامَة، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَغَيره فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله.

قَوْله: (وَأَبُو هُرَيْرَة) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (آخر الْأَجَليْنِ) أَي: اقصاهما يَعْنِي: لَا بُد لَهَا من انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَلَا يَكْفِي وضع الْحمل إِن كَانَت هَذِه الْمدَّة أكثرهما، وَمن وضع الْحمل إِن كَانَت مدَّته أَكثر.
قَوْله: (قلت أَنا) ، الْقَائِل أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَوْله: (أَنا مَعَ ابْن أخي) ، هَذَا على عَادَة الْعَرَب إِذْ لَيْسَ هُوَ ابْن أَخِيه حَقِيقَة.
قَوْله: (كريبا) نصب لِأَنَّهُ عطف بَيَان على قَوْله: (غُلَاما) قَوْله: (سبيعة) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ عين مُهْملَة: بنت الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ، قيل: إِنَّهَا أول امْرَأَة أسلمت بعد صلح الْحُدَيْبِيَة وَزوجهَا سعد بن خَوْلَة.
قَالَ عُرْوَة: خَوْلَة من بني عَامر بن لؤَي، وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة وَشهد بَدْرًا.
فَإِن قلت: قَالَ فِي الْجَنَائِز: إِن سعد بن خَوْلَة مَاتَ بِمَكَّة وَفِي قصَّة بدر توفّي عَنْهَا، وَهنا قَالَ: قتل؟ قلت: الْمَشْهُور الْمَوْت لَا الْقَتْل، وَأَنَّهَا قَالَت بِالْقَتْلِ بِنَاء على ظَنّهَا.
قَوْله: (بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة) ، وَجَاء بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجَاء بِخمْس وَعشْرين لَيْلَة وَجَاء: بِثَلَاث وَعشْرين لَيْلَة وَفِي رِوَايَة: بِعشْرين لَيْلَة، وَهَذَا كُله فِي تَفْسِير عبد وَابْن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن جرير.
قَوْله: (فَخطبت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (أَبُو السنابل) ، هُوَ ابْن يعكك واسْمه لبيد، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبد الله، وَقيل: أَصْرَم، وَقيل: حَبَّة بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل: حنة بالنُّون، وَقيل: لبيد ربه، وبعكك، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة.
وبكافين أولاهما مَفْتُوحَة ابْن الْحجَّاج بن الْحَارِث بن السباق بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، وَأمه عمْرَة بنت أَوْس من بني عذرة ابْن سعد هذيم من مسلمة الْفَتْح.
كَانَ شَاعِرًا وَمَات بِمَكَّة.
قَالَه أَبُو عمر،.

     وَقَالَ  العسكري: هَذَا غير أبي السنابل عبد الله بن عَامر ابْن كريز الْقرشِي.

وَفقه هَذَا الحَدِيث: أَن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا آخر الْأَجَليْنِ عِنْد ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن أبي ليلى أَيْضا وَاخْتَارَهُ سَحْنُون، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رُجُوعه وانقضاء الْعدة بِوَضْع الْحمل وَعَلِيهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَعَمْرو ابْن مَسْعُود وَأبي سَلمَة.
وَسبب الْخلاف تعَارض الْآيَتَيْنِ فَإِن كلاًّ مِنْهُمَا عَام من وَجه وخاص من وَجه.
فَقَوله: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} (الْبَقَرَة: 43، 04) عَام فِي الْمُتَوفَّى عَنْهُن أَزوَاجهنَّ سَوَاء كن حوامل أم لَا وَقَوله: { وَأولَات الْأَحْمَال} (الطَّلَاق: 4) عَام فِي المتوفي عَنْهُن سَوَاء كن حوامل أم لَا.
فَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي اخْتِيَار من اخْتَار أقْصَى الْأَجَليْنِ لعدم تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر فَيُوجب أَن لَا يرفع تَحْرِيم الْعدة إلاَّ بِيَقِين، وَذَلِكَ بأقصى الْأَجَليْنِ، غير أَن فُقَهَاء الْأَمْصَار اعتمدوا على الحَدِيث الْمَذْكُور فَإِنَّهُ مُخَصص لعُمُوم قَوْله: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} وَلَيْسَ بناسخ لِأَنَّهُ أخرج بعض متناولاتها، وَحَدِيث سبيعة أَيْضا مُتَأَخّر عَن عدَّة الْوَفَاة لِأَنَّهُ كَانَ بعد حجَّة الْوَدَاع.





[ قــ :4644 ... غــ :4910 ]
- حدَّثنا.

     وَقَالَ  سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ وَأبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْد عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنْتُ فِي حَلَقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنْ أبِي لَيْلَى وَكَانَ أصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ فَذَكَرَ آخِرَ الأجَلَيْنِ فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عتْبَةَ قَالَ فَضَمِنَ لِي بَعْضُ أصْحَابِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَفَطِنْتُ لَهُ فَقُلْتُ إنِّي إذَا لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الكُوفَةِ فَاسْتَحْيَا وَقَال لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ فَلَقِيتُ أبَا عَطِيَةَ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ الله فِيهَا شَيْئا فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الله فَقَالَ أتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةَ النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطَّولَى { وَأُولاتُ الأحْمَالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .

ذكر هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا عَن شَيْخه سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل الْمَعْرُوف بعارم كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد ابْن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، وَوَصله الطَّبَرَانِيّ فِي ( المعجم الْكَبِير) قَالَ حَدثنَا يُوسُف القَاضِي عَن سُلَيْمَان ابْن حَرْب.
قَالَ: وَحدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي النُّعْمَان قَالَا: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد فَذكره وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي سُورَة الْبَقَرَة عَن حبَان عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَالَ: جَلَست إِلَى مجْلِس فِيهِ عظم من الْأَنْصَار وَفِيهِمْ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى.
الحَدِيث.

قَوْله: ( فِي حَلقَة) بِفَتْح اللَّام وَالْمَشْهُور إسكانها.
وَاقْتصر ابْن التِّين على الأول.
قَوْله: ( عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء من فَوق ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( فضمن لي) ، قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) هَكَذَا فِي نُسْخَة سَمَاعنَا بالنُّون،.

     وَقَالَ  عِيَاض: فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بتَشْديد الْمِيم بعْدهَا نون وضبطها الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَالْكَسْر، قَالَ: وَهُوَ غير مَفْهُوم الْمَعْنى وأشبهها رِوَايَة أبي الْهَيْثَم بالزاي، وَلَكِن بتَشْديد الْمِيم وَزِيَادَة النُّون وياء بعْدهَا يَعْنِي: ضمزني.
أَي: أسكتني، يُقَال: ضمز سكت وضمز غَيره أسكته وَقَالَ ابْن التِّين فضمر، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْمِيم الْمُشَدّدَة وبالراء أَي: أَشَارَ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ، وَيُقَال: ضمز الرجل إِذا عض على شَفَتَيْه،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير أَيْضا بالضاد وَالزَّاي من ضمز إِذا سكت، ويروى: فغمض لي، فَإِن صحت فَمَعْنَاه من تغميض عينه.
قَوْله: ( ففطنت لَهُ) ، بِالْفَتْح وَالْكَسْر.
قَوْله: ( أَنى إِذا لجريء) ، يَعْنِي: ذُو جرْأَة شَدِيدَة، وَفِي رِوَايَة هشيم عَن ابْن سِيرِين عِنْد عبد بن حميد: أَنِّي لحريص على الْكَذِب.
قَوْله: ( وَهُوَ فِي نَاحيَة الْكُوفَة) ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن عبد الله بن عتبَة كَانَ حَيا فِي ذَلِك الْوَقْت.
قَوْله: ( فاستحيي) ، أَي مِمَّا وَقع مِنْهُ.
قَوْله: ( لَكِن عَمه) ، عبد الله بن مَسْعُود لم يقل ذَلِك.
قيل: كَذَا نقل عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَالْمَشْهُور عَن ابْن مَسْعُود خلاف مَا نَقله ابْن أبي ليلى، فَلَعَلَّهُ كَانَ يَقُول ذَلِك ثمَّ رَجَعَ أَو وهم النَّاقِل عَنهُ.
قَوْله: ( فَلَقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن عَامر) ، وَيُقَال: ابْن زبيد، وَيُقَال: عَمْرو بن أبي جُنْدُب الْهَمدَانِي الْكُوفِي التَّابِعِيّ، مَاتَ فِي ولَايَة صَعب بن الزبير على الْكُوفَة.
وَالْقَائِل بقوله: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَوْله: ( فَسَأَلته) ، أَرَادَ بِهِ التثبيت.
قَوْله: ( فَذهب يحدثني حَدِيث سبيعة) ، يَعْنِي: مثل مَا حدث بِهِ عبد الله بن عتبَة عَنْهَا.
قَوْله: ( من عبد الله) ، يَعْنِي: ابْن مَسْعُود، وَأَرَادَ بِهِ اسْتِخْرَاج مَا عِنْده فِي ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود دون غَيره لما وَقع من التَّوَقُّف عِنْده فِيمَا أخبرهُ بِهِ ابْن أبي ليلى.
قَوْله: ( فَقَالَ: كُنَّا عِنْد عبد الله) ، أَي: ابْن مَسْعُود.
قَوْله: ( أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر، وَقد يَمْتَد ذَلِك حَتَّى يُجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين.
أَي: إِذا جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة.
أَي: التسهيل إِذا وضعت لأَقل من أَرْبَعَة أشهر.
قَوْله: ( لنزلت) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد لقسم مَحْذُوف، ويوضحه رِوَايَة الْحَارِث بن عُمَيْر، وَلَفظه: فوَاللَّه لقد نزلت.
قَوْله: ( سُورَة النِّسَاء الْقصرى) ، سُورَة الطَّلَاق.
وفيهَا: { وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} ( الطَّلَاق: 4) قَوْله: ( بعد الطُّولى) لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا سُورَة النِّسَاء، بل المُرَاد السُّورَة الَّتِي هِيَ أطول سور الْقُرْآن وَهِي الْبَقَرَة، وفيهَا: { وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} ( الْبَقَرَة: 43، 04) وَفِيه جَوَاز وصف السُّورَة بالطولى والقصرى،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: الْقصرى لَا أرَاهُ مَحْفُوظًا وَلَا صغرى، وَإِنَّمَا قَالَ: قَصِيرَة فَافْهَم، هُوَ رد للْأَخْبَار الثَّابِتَة بِلَا مُسْتَند وَالْقصر والطول أَمر نسبي، ورد فِي صفة الصَّلَاة.
طولى الطولتين، وأزيد بذلك سُورَة الْأَعْرَاف.