فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا

( بابٌُُ: { تُحِدُّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُها أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا} )

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ تُحدُّ إِلَى آخِره.
قَالَ بَعضهم: تحدَّ بِضَم أَوله وَكسر ثَانِيه من الرباعي.
قلت: هَذَا لَيْسَ باصطلاح أهل الصّرْف بل يُقَال: هَذَا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ من أحد، على وزن أفعل يحد إحدادا.
.

     وَقَالَ  ثَعْلَب: يُقَال حدت الْمَرْأَة على زَوجهَا تحد وتحد حدادا إِذا تركت الزِّينَة فَهِيَ حاد، وَيُقَال أَيْضا: أحدت فَهِيَ مَحْدُود،.

     وَقَالَ  الْفراء: إِنَّمَا كَانَت بِغَيْر هَاء لِأَنَّهَا لَا تكون للذّكر،.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه: الْمَعْنى أَنَّهَا منعت الزِّينَة نَفسهَا وَالطّيب بدنهَا ومنعت بذلك الخطّاب خطبتها والطمع فِيهَا، كَمَا منع حد السكين وحد الدَّار مَا منعهَا.
وَفِي ( نَوَادِر اللحياني) بِأحد جَاءَ الحَدِيث لَا يحد، قَالَ: وَحكى الْكسَائي عَن عقيل: حدت، بِغَيْر ألف، وَفِي ( شرح الدَّمِيرِيّ) روى: بِالْحَاء وبالجيم وَبِالْحَاءِ أشهر وبالجيم مَأْخُوذ من جددت الشَّيْء إِذا قطعته، فَكَأَن الْمَرْأَة انْقَطَعت عَن الزِّينَة وَمَا كَانَت عَلَيْهِ أَولا قبل ذَلِك، وَفِي ( تَقْوِيم المسد) لأبي حَاتِم أبي الْأَصْمَعِي: حدت وَلم يعرف إلاَّ أحدت.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَرَى أنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ المُتَوَفَّى عَنْهَا الطَّيِبَ لأنَّ عَلَيْها العِدَّةَ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( الصبية) ، بِالرَّفْع على الفاعلية، ( وَالطّيب) بِالنّصب على المفعولية،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى بِالْعَكْسِ وَهُوَ ظَاهر، وَإِنَّمَا ذكر الصبية لِأَن فِيهِ خلافًا، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا حداد عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  مَالك: وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهَا الْحداد.
قَوْله: ( لِأَن عَلَيْهَا الْعدة) ، أَي: على الصبية، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّهَا كالبالغة فِي وجوب الْعدة.


ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مِالِكٌ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو بنِ حَزْمِ عَنْ حُمَيْدِ بنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبِي سَلَمَةَ أنَّها أخْبَرَتْهُ هاذِهِ الأحادِيثَ الثَلاثة.



[ قــ :5045 ... غــ :5334 ]
- قَ الَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَ تُوُفِيَ أبُوها أبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطيِبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْها، ثُمَّ قَالَتْ: وَالله مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لامْرَأَة تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثلاثِ لَيَال، إلاّ عَلَى زَوْجِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.





[ قــ :5045 ... غــ :5335 ]
- قَ الَتْ زَيْنَبُ فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أمَا وَالله مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: لَا يَحِلّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ إلاَّ عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.





[ قــ :5046 ... غــ :5336 ]
- قَ الَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إلَى رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِن ابْنَتِي تُوُفِّي عَنْها زَوْجُها، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَها أفَتَكْحُلُها؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا، مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثا، كلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّما هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرا، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بَالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ.





[ قــ :5046 ... غــ :5337 ]
- قَ الَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْها زَوْجُها دَخَلَتْ حِفْشا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِها وَلَمْ تَمسَّ طيبا حَتَّى تَمُرَّ بِها سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتِى بِدَابَّةٍ: حِمارٍ أوْ شَاةٍ أوْ طَائِر، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيءٍ إلاَّ مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطِى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِها ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيب أوْ غَيْرِهِ.


وَسُئِلَ مَالِكٌ رَحْمَةُ الله: مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَحميد بن نَافِع أَبُو أَفْلح الْأنْصَارِيّ، وَزَيْنَب بنت أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، وَهِي بنت أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم ابْن التِّين أَنَّهَا لَا رِوَايَة لَهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أخرج لَهَا مُسلم حَدِيثهَا: كَانَ اسْمِي برة فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب، وَأخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا تقدم فِي أَوَائِل السِّيرَة النَّبَوِيَّة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: ولدتها أمهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وقدمت بهَا وحفظت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت عِنْد عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود فَولدت لَهُ وَكَانَت من أفقه نسَاء زمانها.

والْحَدِيث الأول: من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ عَن أم حَبِيبَة.
والْحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ عَن زَيْنَب بنت جحش.
قد مضيا فِي الْجَنَائِز فِي بابُُ إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا.
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك إِلَى آخِره.
وَأخرج.
الحَدِيث الثَّالِث: وَهُوَ عَن أم سَلمَة فِي الطِّبّ عَن مُسَدّد عَن يحيى، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى وَغَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعني عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن مَالك بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّلَاق عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

قَوْله: ( قَالَت زَيْنَب: سَمِعت أم سَلمَة) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي ( الْمُوَطَّأ) : سَمِعت أُمِّي أم سَلمَة، وَزَاد عبد الرَّزَّاق عَن مَالك: بنت أبي أُميَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( جَاءَت امْرَأَة) زَاد النَّسَائِيّ من طَرِيق اللَّيْث عَن حميد بن نَافِع: جَاءَت امْرَأَة من قُرَيْش، وسماها ابْن وهب فِي موطئِهِ عَاتِكَة بنت نعيم بن عبد الله.
قَوْله: ( وَقد اشتكت عينهَا) قيل يجوز فِيهِ وَجْهَان ضم النُّون على الفاعلية على أَن تكون الْعين هِيَ المشتكية وَفتحهَا على أَن يكون فِي اشتكت ضمير الْفَاعِل وَهِي الْمَرْأَة، وروى: عَيناهَا، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( أفتكحلها) ؟ بِضَم الْحَاء.
قَوْله: ( لَا) أَي: لَا تكحلها، وَكَذَا فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن حميد بن نَافِع.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: هَذَا النَّهْي لَيْسَ على وَجه التَّحْرِيم، وَلَئِن سلمنَا أَنه للتَّحْرِيم فَإِذا كَانَت الضَّرُورَة فَإِن دين الله يسر يَعْنِي: الْحُرْمَة تثبت إلاّ عِنْد شدَّة الضَّرَر والضرورة، أَو مَعْنَاهُ: لَا تكتحل بِحَيْثُ يكون فِيهِ زِينَة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: فِيهِ: دَلِيل على تَحْرِيم الاكتحال على الحادة سَوَاء احْتَاجَت إِلَيْهِ أم لَا، ورد عَلَيْهِ الْمَنْع الْمُطلق.
لِأَن الضَّرُورَة مُسْتَثْنَاة فِي الشَّرْع.
وَفِي ( الْمُوَطَّأ) اجعليه بِاللَّيْلِ وامسحيه بِالنَّهَارِ، وَوجه الْجمع بَينهمَا أَنَّهَا إِذا لم تحتج إِلَيْهِ لَا يحل، وَإِذا احْتَاجَت لم يجز بِالنَّهَارِ وَيجوز بِاللَّيْلِ.
وَقيل: حَدِيث الْبابُُ على من لم تتحق الْخَوْف على عينهَا ورد بِأَن فِي حَدِيث شُعْبَة: فحشوا على عينهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه رمدت رمدا شَدِيدا وَقد خشيت على بصرها.
قَوْله: ( مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) أَي: قَالَ: لَا تكتحل مرَّتَيْنِ أَو قَالَ: لَا ثَلَاث مَرَّات.
وَقيل: يجوز الإكتحال، وَلَو كَانَ فِيهِ طيب، وحملوا النَّهْي على التَّنْزِيه.
وَقيل: النَّهْي مَحْمُول على كحل مَخْصُوص وَهُوَ مَا يتزين بِهِ.
قَوْله: ( إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) كَذَا وَقع فِي الأَصْل.
بِالنّصب على لفظ الْقُرْآن، وَيجوز بِالرَّفْع على الأَصْل، وَقيل: الْحِكْمَة فِيهِ أَن الْوَلَد يتكامل يخلقته وينفخ فِيهِ الرّوح بعد مُضِيّ مائَة وَعشْرين يَوْمًا.
وَهِي زِيَادَة على أَرْبَعَة أشهر بِنُقْصَان الْأَهِلّة.
فَيجْبر الْكسر إِلَى الْعدة على طَرِيق الِاحْتِيَاط، وَذكر الْعشْر مؤنثاً على إراد اللَّيَالِي وَالْمرَاد مَعَ أَيَّامهَا عِنْد الْجُمْهُور فَلَا تحل حَتَّى تدخل اللَّيْلَة الْحَادِي عشر، وَعند الْأَوْزَاعِيّ وَبَعض السّلف: تَنْقَضِي بِمَعْنى اللَّيَالِي الْعشْر بعد الْأَشْهر وَتحل فِي أول الْيَوْم الْعَاشِر.

قَوْله: ( قَالَ حميد) هُوَ ابْن نَافِع رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم.
قَوْله: ( فَقلت لِزَيْنَب) هِيَ بنت أم سَلمَة.
قَوْله: ( وَمَا ترمي بالبعرة) أَي: بيني لي المُرَاد بِهَذَا الْكَلَام الَّذِي خوطبت بِهِ هَذِه الْمَرْأَة.
قَوْله: ( فَقَالَت زَيْنَب: كَانَت الْمَرْأَة) الخ هَكَذَا وَقع غير مُسْند.
قَوْله: ( حفشا) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبالشين الْمُعْجَمَة فسره أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته من طَرِيق مَالك: بِالْبَيْتِ الصَّغِير، وَعند النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الخفش الخص، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالصاد الْمُهْملَة،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: الخفش الْبَيْت الذَّلِيل الشعث الْبناء، وَقيل: هُوَ شَيْء من خوص يشبه القفة تجمع فِيهِ الْمُعْتَدَّة متاعها من غزل وَنَحْوه، وَقيل: بَيت صَغِير حقير قريب السّمك.
وَقيل: بَيت صَغِير ضيق لَا يكَاد يَتَّسِع للتقلب.
.

     وَقَالَ : أَبُو عبيد الحفش الدرج، وَجمعه أحفاش شبه بَيت الحادة فِي صغره بالدرج،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: سمي حفشا لضيقه وانضمامه والتحفش الانضمام والاجتماع.
قَوْله: ( حَتَّى تمر بهَا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَهَا، بِاللَّامِ.
قَوْله: ( ثمَّ تؤتي بِدَابَّة) بِالتَّنْوِينِ قَوْله: ( حمَار) بِالْجَرِّ والتنوين على الْبِدَايَة.
قَوْله: ( أَو شَاة أَو طَائِر) كلمة: أَو فِيهِ للتنويع وَإِطْلَاق الدَّابَّة على مَا ذكر بطرِيق اللُّغَة لَا بطرِيق الْعرف.
قَوْله: ( فتفتض بِهِ) بِالْفَاءِ ثمَّ التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ثمَّ بضاد مُعْجمَة.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ من فضضت الشَّيْء إِذا كَسرته أَو فرقته أَي: أَنَّهَا كَانَت تكسر مَا كَانَت فِيهِ من الْحداد بِتِلْكَ الدَّابَّة.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ تنظف بِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْفضة تَشْبِيها لَهُ بنقائها وبياضها.
.

     وَقَالَ  القتبي: سَأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنْهَا.
فَقَالُوا: بِأَن الْمُعْتَدَّة كَانَت لَا تَغْتَسِل وَلَا تمس مَاء وَلَا تقلم ظفرا وَتخرج بعد الْحول بأقبح منظر ثمَّ تفتض أَي: تكسر مَا هِيَ فِيهِ من الْعدة بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه، فَلَا يكَاد يعِيش وَفَسرهُ مَالك بقوله: ( تفتض بِهِ) تمسح بِهِ جلدهَا كالنشرة، كَمَا يَجِيء الْآن،.

     وَقَالَ  ابْن وهب: تمسح بِيَدِهَا عَلَيْهِ وعَلى ظَهره، وَقيل: مَعْنَاهُ تمسح بِهِ ثمَّ تفتض أَي: تَغْتَسِل بِالْمَاءِ العذب حَتَّى تصير بَيْضَاء نقية كالفضة،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: الفضض المَاء العذب يُقَال: افتضضت بِهِ أَي: اغْتَسَلت بِهِ.
وَقيل: تفتض أَي تفارق مَا كَانَت عَلَيْهِ، وَذكر الْأَزْهَرِي أَن الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، رَوَاهُ: تقبص، بِالْقَافِ وبالياء الْمُوَحدَة وَالصَّاد الْمُهْملَة.
وَهُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع، وَقِرَاءَة الْحسن: فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول، وَالْمَعْرُوف الأول.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون الْبَاء فِي تفتض بِهِ للتعدية أَو زَائِدَة يَعْنِي: تفتض الطَّائِر بِأَن تكسر بعض أعضاءه، وَلَعَلَّ غرضهن مِنْهُ الْإِشْعَار بإهلاك مَا كن فِيهِ، وَمن الرَّمْي الِانْفِصَال مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ.
قَوْله: ( فتعطى) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( بَعرَة) بِفَتْح النُّون وسكونها.
قَوْله: ( فترمى بهَا) أَي: بِتِلْكَ البعرة وَفِي رِوَايَة مطرف وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك: ترمي ببعرة من بعر الْغنم أَو الْإِبِل فترمي بهَا أمامها فَيكون ذَلِك إحلالاً لَهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: ترمي ببعرة من بعر الْغنم من وَرَاء ظهرهَا، ثمَّ قيل: المُرَاد برمي البعرة إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا رمت الْعدة رمي البعرة.
وَقيل: إِشَارَة إِلَى أَن الْفِعْل الَّذِي فعلته من التَّرَبُّص وَالصَّبْر على الْبلَاء الَّذِي كَانَت فِيهِ لما انْقَضى، كَانَ عِنْدهَا بِمَنْزِلَة البعرة الَّتِي رمتها اسْتِخْفَافًا واستحقارا وتعظيما لحقِّ زَوجهَا وَقيل: بل ترميها على سَبِيل التفاؤل لعدم عودهَا إِلَى ذَلِك.

قَوْله: ( سُئِلَ مَالك: مَا تفتض) أَي: مَا مَعْنَاهُ.