فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60]

(بابُُ { وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} (الْإِسْرَاء: 06)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله تَعَالَى: { وَمَا جعلنَا} ... إِلَى آخِره.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَا جعلنَا} الْآيَة قَالَ قوم: هِيَ رُؤْيا عين مَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلَة الْمِعْرَاج من الْعَجَائِب والآيات فَكَانَ ذَلِك فتْنَة للنَّاس، فقوم أَنْكَرُوا وكذبوا وَقوم ارْتَدُّوا وَقوم حدثوا.
قَوْله: (إلاَّ فتْنَة) أَي: بلَاء للنَّاس، وَقيل: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بني أُميَّة ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذَلِك، فَمَا استجمع ضَاحِكا حَتَّى مَاتَ.
فَأنْزل الله تَعَالَى: { وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك} ... الْآيَة، وَقيل: إِنَّمَا فتن النَّاس بالرؤيا والشجرة لِأَن جمَاعَة ارْتَدُّوا، وَقَالُوا: كَيفَ سرى بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَقَالُوا: لما أنزل الله تَعَالَى شَجَرَة الزقوم كَيفَ تكون فِي النَّار شَجَرَة لَا تأكلها؟ فَكَانَت فتْنَة لقوم واستبصاراً لقوم مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيُقَال: إِنَّه سمي صديقا ذَلِك الْيَوْم، وأصل الْفِتْنَة فِي الأَصْل الاختبار، ثمَّ اسْتعْملت فِي الْكفْر كَقَوْلِه تَعَالَى: { والفتنة أَشد من الْقَتْل} (الْبَقَرَة: 191) وَفِي الْإِثْم كَقَوْلِه تَعَالَى: { أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} (التَّوْبَة: 94) ، وَفِي الإحراق كَقَوْلِه: { إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} (البروج: 01) وَفِي الْإِزَالَة عَن الشَّيْء كَقَوْلِه: { وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} (الْإِسْرَاء: 37) وَغير ذَلِك، وَالْمرَاد بهَا فِي هَذَا الْموضع: الاختبار.



[ قــ :6267 ... غــ :6613 ]
- (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس قَالَ هِيَ رُؤْيا عين أريها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن قَالَ هِيَ شَجَرَة الزقوم) قَالَ ابْن التِّين وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْقدر الْإِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى قدر للْمُشْرِكين التَّكْذِيب لرؤيا نبيه الصَّادِق فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي طغيانهم والْحميدِي عبد الله بن الزبير نسبته إِلَى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْإِسْرَاء عَن عَليّ بن عبد الله وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور قَوْله رُؤْيا عين أَي فِي الْيَقَظَة لَا رُؤْيا مَنَام قَوْله والشجرة الملعونة يَعْنِي شَجَرَة الزقوم الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن والشجرة مُبْتَدأ وَخَبره هِيَ شَجَرَة الزقوم وَإِنَّمَا ذكر الشَّجَرَة الملعونة لِأَنَّهَا مثل الرُّؤْيَا كَانَت فتْنَة وَقد ذكرنَا كَيفَ كَانَت فتْنَة والزقوم شَجَرَة بجهنم طَعَام أهل النَّار فَإِن قلت لم يذكر فِي الْقُرْآن لعن هَذِه الشَّجَرَة قلت قد لعن آكلوها وهم الْكفَّار قَالَ تَعَالَى { إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} .

     وَقَالَ  { إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي أصل الْجَحِيم} .

     وَقَالَ  فَإِنَّهُم { لآكلون مِنْهَا فمالؤون مِنْهَا الْبُطُون} فوصفت بلعن آكليها وَقيل طَعَام مَكْرُوه مَلْعُون ثمَّ إِن هَذِه الشَّجَرَة تنْبت فِي النَّار مخلوقة من جَوْهَر لَا تَأْكُله النَّار كسلاسل النَّار وأغلالها وعقاربها وحياتها -