فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الكبر

( بابُُ الكِبْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذمّ الْكبر، بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ ثَمَرَة الْعجب، وَقد هلك بهَا كثير من الْعلمَاء والعباد والزهاد، وَالْكبر والتكبر والاستكبار مُتَقَارب، والتكبر هُوَ الْحَالة الَّتِي يتخصص بهَا الْإِنْسَان من إعجابه بِنَفسِهِ، وَذَلِكَ أَن يرى نَفسه أكبر من غَيره وَأعظم، ذَلِك أَن يتكبر على ربه بِأَن يمْتَنع من قبُول الْحق والإذعان لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: { ثَانِي عطفه} ( الْحَج: 9) ( مستكبر فِي نَفسه عطفه رقبته) ، وَمن طَرِيق السدى: { ثَانِي عطفه} أَي: معرض من العظمة.
وَعَن مُجَاهِد: أَنَّهَا نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث.



[ قــ :5746 ... غــ :6071 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبرنا سُفْيانُ حَدثنَا مَعْبَدُ بنُ خالِد القَيْسِيُّ عَنْ حارِثَةَ بنِ وَهْب الخُزَاعِيِّ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضاعِفٍ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّار؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.
( انْظُر الحَدِيث 4988 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خَالِد الجدلي الْقَيْسِي الْكُوفِي القَاضِي، مَاتَ فِي نسة ثَمَان عشرَة وَمِائَة فِي ولَايَة خَالِد بن عبد الله، وحارثة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن وهب الْخُزَاعِيّ نِسْبَة إِلَى خُزَاعَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة وَهِي حييّ من الأزد.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة نون، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( كل ضَعِيف) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ كل ضَعِيف متضاعف، المُرَاد بالضعيف ضَعِيف الْحَال لَا ضَعِيف الْبدن، والمتضاعف بِمَعْنى المتواضع، ويروى: متضعف ومستضعف أَيْضا، وَالْكل يرجع إِلَى معنى وَاحِد هُوَ الَّذِي يستضعفه النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ لضعف حَاله فِي الدُّنْيَا أَو متواضع متذلل خامل الذّكر وَلَو أقسم يَمِينا طَمَعا فِي كرم الله بإبراره ولأبره، وَقيل: لَو دَعَاهُ لأجابه.
قَوْله: ( عتل) هُوَ الغليظ الشَّديد العنف.
والجواظ، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو وبالظاء الْمُعْجَمَة: المنوع أَو المختال فِي مشيته، وَالْمرَاد أَن أغلب أهل الْجنَّة وأغلب أهل النَّار، وَلَيْسَ المُرَاد الإستيعاب فِي الطَّرفَيْنِ.





[ قــ :5746 ... غــ :607 ]
- وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيسَى: حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا حُمَيْدٌ الطوِيلُ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ قَالَ: كانَتِ الأمَةُ مِنْ إماءِ أهْلِ المَدِينَةِ لِتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شاءَتْ.


مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطباع بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ نزل أُذُنه بِفَتْح الْهمزَة والذال الْمُعْجَمَة وَالنُّون، وَهِي بَلْدَة بِالْقربِ من طرسوس،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: كَانَ يحفظ نَحْو أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لم أر لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع.
قلت: قَالَ الَّذِي جمع ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي آخر الْحَج وَالْأَدب،.

     وَقَالَ  فِي الْمَوْضِعَيْنِ: قَالَ مُحَمَّد بن عِيسَى،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَهَذَا يشبه أَن يكون البُخَارِيّ أَخذه عَن شَيْخه مُحَمَّد بن عِيسَى مذاكرة.
.

     وَقَالَ  أَبُو جَعْفَر بن حمدَان النَّيْسَابُورِي: كل مَا قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ لي فلَان، فَهُوَ عرض ومناولة،.

     وَقَالَ  بعض المغاربة: يَقُول البُخَارِيّ: قَالَ لي،.

     وَقَالَ  لنا: مَا علم لَهُ إِسْنَاد لم يذكرهُ للاحتجاج بِهِ، وَإِنَّمَا ذكره للاستشهاد بِهِ، وَكَثِيرًا مَا يعبر المحدثون بِهَذَا اللَّفْظ مِمَّا جرى بَينهم فِي المذاكرات والمناظرات، وَأَحَادِيث المذاكرة قَلما يحتجون بهَا، قَالَه الْحَافِظ الدمياطي، وهشيم بن بشير أَبُو مُعَاوِيَة الوَاسِطِيّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَأخرجه أَحْمد بن حَنْبَل عَن هشيم.

قَوْله: ( لتأْخذ) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهِي مَفْتُوحَة وَالْمرَاد من الْأَخْذ بِيَدِهِ لَازمه وَهُوَ الرِّفْق والانقياد، يَعْنِي: كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على هَذِه الْمرتبَة هُوَ أَنه لَو كَانَ لأمة حَاجَة إِلَى بعض مَوَاضِع الْمَدِينَة وتلتمس مِنْهُ مساعدتها فِي تِلْكَ الْحَاجة واحتاجت بِأَن يمشي مَعهَا لقضائها لما تخلف عَن ذَلِك حَتَّى يقْضِي حَاجَتهَا.
قَوْله: ( فتنطلق بِهِ حَيْثُ شَاءَت) وَفِي رِوَايَة أَحْمد: فتنطلق بِهِ فِي حَاجَتهَا، وَله من طَرِيق عَليّ بن يزِيد عَن أنس: أَن كَانَت الوليدة من ولائد أهل الْمَدِينَة لتجيء وَتَأْخُذ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا تنْزع يَده من يَدهَا حَتَّى تذْهب بِهِ حَيْثُ شَاءَت، وَأخرجه ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه.

وَهَذَا دَلِيل على مزِيد تواضعه وبراءته من جَمِيع أَنْوَاع الْكبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه أَنْوَاع من الْمُبَالغَة من جِهَة أَنه ذكر الْمَرْأَة لَا الرجل، وَالْأمة لَا الْحرَّة، وعمم بِلَفْظ الْإِمَاء، أَي: أمة كَانَت، وَبِقَوْلِهِ: ( حَيْثُ شَاءَت) من الْأَمْكِنَة وَعبر عَنهُ بِالْأَخْذِ: بِالْيَدِ، الَّذِي هُوَ غَايَة التَّصَرُّف وَنَحْوه.



( بابُُ الهِجْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ذمّ الْهِجْرَة بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وَهِي مُفَارقَة كَلَام أَخِيه الْمُؤمن مَعَ تلافيهما وإعراض كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه عِنْد الِاجْتِمَاع، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْهِجْرَةِ هُنَا مُفَارقَة الوطن إِلَى غَيره، فَإِن هَذِه تقدم حكمهَا.

وَقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَحِلُّ لِرجلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ
وَقَول، مجرور عطفا على الْهِجْرَة أَي: وَفِي بَيَان قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد وَصله فِي الْبابُُ عَن أبي أَيُّوب على مَا يَأْتِي.
قَوْله: ( فَوق ثَلَاث) ويروى: فَوق ثَلَاث لَيَال، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: تحرم الْهِجْرَة بَين الْمُسلمين أَكثر ن ثَلَاث لَيَال بِالنَّصِّ، وَيُبَاح فِي الثَّلَاث بِالْمَفْهُومِ، وَإِنَّمَا عفى عَنهُ فِي ذَلِك لِأَن الْآدَمِيّ مجبول على الْغَضَب فسومح بذلك الْقدر ليرْجع وَيَزُول ذَلِك الْعَارِض.



[ قــ :5746 ... غــ :6075 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدثنِي عَوْفُ بنُ مالِكِ بن الطُّفَيْلِ هُوَ ابنُ الحارِثِ وَهْوَ ابنُ أخِي عائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ل أُمِّها: أنَّ عائِشَةَ حُدِّثَتْ أنَّ عَبْدِ بنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أوْ عَطاء أعْطَتْهُ عائِشَة: وَالله لَتَنْتَهِيَنَّ عائِشَةُ أوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْها.
فقالَتْ: أهُوَ قَالَ هاذا؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قالَتْ: هُوَ لله عَلَيِّ نَذْرٌ أنْ لَا أُكَلِّمَ ابنَ الزُّبَيْرِ أبدا، فاسْتَشْفَعَ ابنُ الزُّبَيْرِ إلَيْها حِينَ طالَتْ الهِجْرَةُ، فقالَتْ: لَا وَالله لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أبَداً وَلَا أتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي، فلَمَّا طالَ ذالِكَ عَلَى ابنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الأسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وهُما مِنْ بَنِي زُهْرَةَ،.

     وَقَالَ  لَهُما: أنْشُدُكُما بِاللَّه لَمَّا أدْخَلْتُمانِي عَلَى عائِشَةَ فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِي، فأقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمانِ مُشْتَمِلَيْنِ بأرْدِيَتِهِما حَتّى اسْتَأْذَنا عَلَى عائِشَةَ، فَقَالَا: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ، أنَدْخُلُ؟ قالَتْ عائِشَةُ: ادْخُلُوا.
قَالُوا: كُلُّنا.
قالَتْ: نَعَمْ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلَا تَعْلَمُ أنَّ مَعَهُما ابنَ الزُّبَيْرِ، فَلمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابنُ الزُّبَيْرِ الحِجابَ فاعْتَنَقَ عائِشَةَ وطَفِقَ يُناشدُها وَيَبْكِي، وطَفِقَ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمانِ يِناشِدانِها إلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولانِ: إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهاى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الهِجْرَةِ، فإنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، فَلَما أكْثرُوا عَلَى عائِشَة مِن التذْكِرَةِ والتَّحْرِيجِ طَفِقتْ تُذَكّرُهُما وَتَبْكِي، وَتَقُولُ: إنِّي نَذَرْتُ والنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزالا بِها حَتَّى كلمَتِ ابنَ الزبَيْرِ وأعْتَقَتْ فِي نَذْرِها ذالِكَ أرْبَعِينَ رَقَبَةَ، وكانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَها بَعْدَ ذالِكَ فَتَبْكي حَتَّى تَبُلُّ دُمُوعُها خِمارَها.
( انْظُر الحَدِيث 3503 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُتَضَمّن لهجرة عَائِشَة عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم، أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام.
فَإِن قلت: لِمَ هجرت عَائِشَة أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام؟ قلت: معنى الْهِجْرَة المذمومة لَا يصدق على هجرتهَا، لِأَن الْهِجْرَة المذمومة هِيَ ترك الْكَلَام عِنْد التلاقي وَعَائِشَة لم تكن تَلقاهُ فتعرض عَن السَّلَام عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَت من وَرَاء حجاب، وَلم يكن أحد يدْخل عَلَيْهَا إلاّ بِإِذن فَلم يكن ذَلِك من الْهِجْرَة المذمومة، وَأَيْضًا إِنَّمَا سَاغَ ذَلِك لعَائِشَة لِأَنَّهَا أم الْمُؤمنِينَ لَا سِيمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ابْن الزبير لِأَنَّهَا خَالَته، وَذَلِكَ الْكَلَام الَّذِي قَالَ فِي حَقّهَا.
وَهُوَ قَوْله: لتنتهين عَائِشَة ولأحجرن عَلَيْهَا، كالعقوق لَهَا، فهجرتها إِيَّاه كَانَت تأديباً لَهُ، وَهَذَا من بابُُ الهجران لمن عصى.

وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وعَوْف بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَالْفَاء ابْن الطُّفَيْل بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة ابْن عبد الله بن الْحَارِث بن سَخْبَرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء ابْن جرثومة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَضم الثَّاء الْمثلَة وبالميم ابْن عَائِدَة بن مرّة بن جشم بن أَوْس بن عَامر الْقرشِي،.

     وَقَالَ  ابْن أبي خَيْثَمَة: لَا أَدْرِي من أَي قُرَيْش هُوَ؟.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: لَيْسَ من قُرَيْش، وَإِنَّمَا هُوَ من الأزد.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: كَانَت أم رُومَان تَحت عبد الله بن سَخْبَرَة وَكَانَ قدم بهَا مَكَّة فحالف أَبَا بكر قبل الْإِسْلَام فَتوفي عَن أم رُومَان وَقد ولدت لَهُ الطُّفَيْل، ثمَّ خلف عَلَيْهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة، فهما أَخُو الطُّفَيْل هَذَا لأمه، وَذكر أَبُو عمر الطُّفَيْل هَذَا فِي ( الِاسْتِيعَاب) فِي الصَّحَابَة،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: الطُّفَيْل هَذَا صَحَابِيّ روى عَنهُ ربعي بن حِرَاش الزُّهْرِيّ،.

     وَقَالَ  فِي ( جَامع الْأُصُول) : عَوْف بن مَالك بن الطُّفَيْل،.

     وَقَالَ  الكلاباذي: عَوْف بن الْحَارِث بن الطُّفَيْل، وَفِي سَنَد حَدِيث الْبابُُ مثل مَا قَالَ فِي ( جَامع الْأُصُول) .
.

     وَقَالَ  عَليّ بن الْمَدِينِيّ: هَكَذَا اخْتلفُوا فِيهِ وَالصَّوَاب عِنْدِي وَهُوَ الْمَعْرُوف: عَوْف بن الْحَارِث بن الطُّفَيْل، فعلى هَذَا قَول صَاحب ( جَامع الْأُصُول) : عَوْف بن مَالك بن الطُّفَيْل لَيْسَ بجيد.

قَوْله: ( حدثت) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: أخْبرت، ويروى: حدثته.
قَوْله: ( فِي بيع أَو عَطاء أَعطَتْهُ عَائِشَة) فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: فِي دَار لَهَا باعتها فتسخط عبد الله بن الزبير بِبيع تِلْكَ الدَّار، فَقَالَ: ( وَالله لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا) ، كلمة أَو، هَهُنَا بِمَعْنى إلاَّ فِي الِاسْتِثْنَاء، فينصب الْمُضَارع بعْدهَا بإضمار أَن نَحْو قَوْلهم: لأقتلنه أَو يسلم، وَالْمعْنَى إلاَّ أَن يسلم، وَالْمعْنَى هَهُنَا لتنتهين عَائِشَة عَمَّا هِيَ فِيهِ من الْإِسْرَاف إلاَّ أَن أحجر عَلَيْهَا، وَيحْتَمل أَن يكون: أَو، هُنَا بِمَعْنى: إِلَى، وَينصب الْمُضَارع بعْدهَا بِأَن مضمرة نَحْو: ( لألزمنك أَو تُعْطِينِي حَقي) يَعْنِي: إِلَى أَن تُعْطِينِي حَقي، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي مَنَاقِب قُرَيْش: كَانَ عبد الله ابْن الزبير أحب الْبشر إِلَى عَائِشَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، وَكَانَ أبر النَّاس بهَا، وَكَانَت لَا تمسك شَيْئا مِمَّا جاءها من رزق الله إلاَّ تَصَدَّقت بِهِ، فَقَالَ ابْن الزبير: يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ على يَديهَا، فَقَالَت: أيؤخذ على يَدي؟ عَليّ نذر إِن كَلمته.
وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة الْقَضِيَّة قبل أَن يَلِي عبد الله بن الزبير الْخلَافَة، لِأَن عَائِشَة مَاتَت سنة سبع وَخمسين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، وَكَانَ ابْن الزبير حينئذٍ لم يلِ شَيْئا.
قَوْله: ( قَالَت: أهوَ قَالَ هَذَا؟) أَي: قَالَت عَائِشَة: أعبد الله بن الزبير قَالَ هَذَا الْكَلَام؟ قَالُوا: نعم.
قَوْله: فَقَالَت: هُوَ أَي: الشَّأْن: ( لله على نذر أَن لَا أكلم ابْن الزبير أبدا) .

     وَقَالَ  ابْن التِّين: تَقْدِيره عَليّ نذر إِن كَلمته،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: أَن لَا أَتكَلّم، بِفَتْح الْهمزَة وَكسرهَا بِزِيَادَة: لَا، وَالْمَقْصُود حَلفهَا على عدم التَّكَلُّم مَعَه.
قلت: هَذَا كَلَام الْكرْمَانِي بِعَين مَا قَالَه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَات بِحَذْف: لَا، وَشرح عَلَيْهَا الْكرْمَانِي وضبطها بِالْكَسْرِ بِصِيغَة الشَّرْط وَلَيْسَ كَمَا نَقله فَالَّذِي ذكره الْكرْمَانِي هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( فاستشفع ابْن الزبير إِلَيْهَا) من الشَّفَاعَة وَهُوَ السُّؤَال فِي التجاوز عَن الذُّنُوب والجرائم.
قَوْله: ( حِين طَالَتْ الْهِجْرَة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَفْظ: حِين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: حَتَّى، بدل: حِين، وَفِي رِوَايَة: فاستشفع عَلَيْهَا بِالنَّاسِ، فَلم تقبل، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن خَالِد: فاستشفع ابْن الزبير بالمهاجرين، وَقد أخرج إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من طَرِيق حميد بن قيس: أَن عبد الله بن الزبير استشفع إِلَيْهَا بعبيد بن عُمَيْر، فَقَالَ لَهَا: أَيْن حَدِيث أخبرتنيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه نهى عَن الْهِجْرَة فَوق ثَلَاث؟ قَوْله: ( وَالله لَا أشفع فِيهِ) بِكَسْر الْفَاء الْمُشَدّدَة، أَي: لَا أقبل الشَّفَاعَة فِيهِ.
قَوْله: ( أبدا) ، هنو رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره أحدا، وَجمع بَين اللَّفْظَيْنِ فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن خَالِد وَرِوَايَة معمر.
قَوْله: ( وَلَا اتحنث إِلَى نذري) أَي: لَا أتحنث فِي نذري منتهياً إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة معمر: وَلَا أحنث فِي نذري.
قَوْله: ( فَلَمَّا طَال ذَلِك) أَي: هجر عَائِشَة على عبد الله ابْن الزبير كلم الْمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة الزُّهْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أسود بن عبد يَغُوث الزُّهْرِيّ وَكَانَا من أخوال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( أنشدكما الله) بِضَم الدَّال من أنشدت فلَانا إِذا قلت لَهُ: نشدتك الله، أَي: سَأَلتك بِاللَّه.
قَوْله: ( لما) بتَخْفِيف الْمِيم وَمَا زَائِدَة وبتشديدها وَهُوَ بِمَعْنى: إلاَّ، كَقَوْلِه تَعَالَى: { ( 68) إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} ( الطارق: 4) وَمَعْنَاهُ: مَا أطلب مِنْكُمَا إلاّ الإدخال.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: نشدتك بِاللَّه إلاَّ فعلت، مَعْنَاهُ: مَا أطلب مِنْك إلاَّ فعلك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِلَّا أدخلتماني، وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: فَسَأَلَهُمَا أَن يشتملا عَلَيْهِ بأرديتهما.
قَوْله: ( فَإِنَّهَا) أَي: فَإِن الْحَالة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَإِنَّهُ، أَي: فَإِن الشان.
قَوْله: ( تنذر قطيعتي) أَي: قطع صلَة الرَّحِم لِأَن عَائِشَة كَانَت خَالَته، وَهِي الَّتِي كَانَت تتولى تَرْبِيَته غَالِبا.
قَوْله: ( أندخل؟) الْهمزَة فِيهِ للاستخبار.
قَوْله: ( كلنا) وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، قَالَا: وَمن مَعنا؟ قَالَت: وَمن مَعَكُمَا.
قَوْله: ( وطفق) أَي: جعل يناشدها.
قَوْله: ( بناشدانها إلاَّ مَا كَلمته) أَي: مَا يطلبان مِنْهَا إلاَّ التَّكَلُّم مَعَه وَقبُول الْعذر مِنْهُ.
قَوْله: ( من الْهِجْرَة) بَيَان مَا قد علمت.
قَوْله: ( من التَّذْكِرَة) ، أَي: من التَّذْكِير بالصلة بِالْعَفو وبكظم الغيظ.
قَوْله: ( والتحريج) أَي: التَّضْيِيق وَالنِّسْبَة إِلَى الْحَرج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم.
قَوْله: ( وأعتقت فِي نذرها ذَلِك أَرْبَعِينَ رَقَبَة) ، علم مِنْهُ أَن المُرَاد بِالنذرِ الْيَمين، وَفِي ( التَّوْضِيح) قَول عَائِشَة: عَليّ نذر أَن لَا أكلم ابْن الزبير أبدا، هَذَا أنذر فِي غير الطَّاعَة فَلَا يجب عَلَيْهَا شَيْء عِنْد مَالك وَغَيره، وَاخْتلف إِذا قَالَ: عَليّ نذر لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فكفارته كَفَّارَة بَين، وَهُوَ قَول مَالك وَغير وَاحِد من التَّابِعين، وَعَن ابْن عَبَّاس: عَلَيْهِ أغْلظ الْكَفَّارَات كالظهار لِأَنَّهُ لم يسم الْيَمين بِاللَّه وَلَا نَوَاهَا، وَقيل: إِن شَاءَ صَامَ يَوْمًا أَو أطْعم مِسْكينا أَو صلى رَكْعَتَيْنِ، وَالله أعلم.