فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة

( بابُُ الفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الجَمْرَةِ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْفتيا على الدَّابَّة عِنْد جَمْرَة الْعقبَة، يُقَال: استفتيت الْفَقِيه فِي مَسْأَلَة فأفتاني، قَالَ الْجَوْهَرِي: والإسم الْفتيا والفتوة، وَقد ذكر البُخَارِيّ بابَُُيْنِ فِي كتاب الْعلم أَحدهمَا: بابُُ الْفتيا وَهُوَ وَاقِف على ظهر الدَّابَّة أَو غَيرهَا، وَأورد فِيهِ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
وَالْآخر: بابُُ السُّؤَال والفتيا عِنْد رمي الْجمار، وَأورد فِيهِ أَيْضا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأورد هَهُنَا أَيْضا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمَذْكُور فِي الْبابَُُيْنِ، وَهَذَا مِنْهُ نَادِر غَرِيب.



[ قــ :1662 ... غــ :1736 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عِيسَى بنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وأنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فجَعَلُوا يَسْألُونهُ فَقَالَ رجُلٌ لَمْ أشْعُرْ فحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ ولاَ حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ قَالَ ارمِ ولاَ حَرَجَ فَما سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عنْ شَيْءٍ قُدِّمَ ولاَ أُخِّرَ إلاَّ قالَ افْعَلْ ولاَ حَرَجَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( وقف فِي حجَّة الْوَدَاع) ، لِأَن مَعْنَاهُ: وقف على نَاقَته، وَقد صرح بِهِ عبد الله بن عَمْرو فِي رِوَايَته الْأُخْرَى فِي هَذَا الْبابُُ لِأَن البُخَارِيّ روى حَدِيثه فِي هَذَا الْبابُُ بِثَلَاثَة أوجه الأول: وقف فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَالثَّانِي: أَنه شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب.
وَالثَّالِث: وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته.
وَقَوله: ( فِي التَّرْجَمَة على الدَّابَّة) يتَنَاوَل النَّاقة، وَأما دلَالَته على أَنه كَانَ عِنْد الْجَمْرَة فَمن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَيْضا الَّذِي أخرجه فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ السُّؤَال والفتيا عِنْد الْجمار، عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عبد الله بن عمر.

     وَقَالَ : رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْجَمْرَة وَهُوَ يسْأَل ... الحَدِيث، وَهُوَ وَاحِد والراوي وَاحِد.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، فالثلاثة الأول ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، مَاتَ سنة مائَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلاَّ عبد الله بن يُوسُف فَإِنَّهُ تنيسي وَأَصله من دمشق وَأَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

وَقد ذكرنَا فِي: بابُُ الْفتيا وَهُوَ على ظهر الدَّابَّة فِي كتاب الْعلم أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة.
وَقد ذكرنَا أَيْضا تعدد مَوْضِعه لكل مِنْهُم، وتكلمنا على مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء هُنَاكَ، ونتكلم أَيْضا على بعض مَا فاتنا هُنَاكَ.

فَقَوله: ( مَالك عَن ابْن شهَاب) كَذَا فِي ( الْمُوَطَّأ) وَعند النَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى الْقطَّان: عَن مَالك حَدثنِي الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( عَن عِيسَى) فِي رواي صَالح بن كيسَان: حَدثنِي عِيسَى، قَوْله: ( عَن عبد الله) ، فِي رِوَايَة صَالح: أَنه سمع عبد الله، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج، وَهِي الثَّانِيَة: أَن عبد الله حَدثهُ.
قَوْله: ( وقف) فِي رِوَايَة ابْن جرير: أَنه شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وقف،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هَذَا الحَدِيث لَا يَقْتَضِي رفع الْحَرج فِي غير الْمَسْأَلَتَيْنِ المذكورتين الْمَنْصُوص عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَة مَالك، لِأَنَّهُ صرح جَوَابا للسؤال، فَلَا يدْخل فِيهِ غَيره.
انْتهى.
قلت: هَذَا عَجِيب مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ ذهل عَن قَوْله: فِي بَقِيَّة الحَدِيث ( فَمَا سُئِلَ عَن شَيْء وَقدم وَلَا أخر إِلَّا قَالَ: إفعل وَلَا حرج) ، فَإِن قلت: يُمكن أَنه حمل هَذَا الْمُبْهم على مَا ذكر؟ قلت: يرد ذَلِك رِوَايَة ابْن جريج وَأَشْبَاه ذَلِك، كَمَا يَجِيء فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى.




[ قــ :1663 ... غــ :1737 ]
- ( حَدثنَا سعيد بن يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا ابْن جريج قَالَ حَدثنِي الزُّهْرِيّ عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنهُ حَدثهُ أَنه شهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب يَوْم النَّحْر فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا ثمَّ قَامَ آخر فَقَالَ كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا حلقت قبل أَن أنحر نحرت قبل أَن أرمي وَأَشْبَاه ذَلِك فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - افْعَل وَلَا حرج لَهُنَّ كُلهنَّ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَن شَيْء إِلَّا قَالَ افْعَل وَلَا حرج) مطابقته التَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله " يخْطب يَوْم النَّحْر " لِأَن فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان وَمعمر على رَاحِلَته ( فَإِن قلت) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ إِن صَالح بن كيسَان تفرد بقوله " على رَاحِلَته " ( قلت) لَيْسَ كَمَا قَالَ فقد ذكر ذَلِك يُونُس عِنْد مُسلم وَمعمر عِنْد أَحْمد كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك بقوله " تَابعه معمر عَن الزُّهْرِيّ " أَي فِي قَوْله " وقف على رَاحِلَته " ( ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس.
الثَّانِي أَبوهُ يحيى بن سعيد الْمَذْكُور.
الثَّالِث عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس عِيسَى بن طَلْحَة ابْن عبيد الله.
السَّادِس عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه بغدادي وَأَبوهُ كُوفِي وَابْن جريج مكي وَالزهْرِيّ وَعِيسَى مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وَقد ذكرنَا تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره فِي كتاب الْعلم فِي بابُُ الْفتيا وَهُوَ على ظهر الدَّابَّة.
( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " شهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي حَضَره قَوْله " يخْطب يَوْم النَّحْر " جملَة فعلية وَقعت حَالا أَي يخْطب على رَاحِلَته كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان وَمعمر بن رَاشد قَوْله " فَقَامَ إِلَيْهِ رجل " لم يدر اسْمه قَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله اخْتلفت أَلْفَاظ حَدِيث عبد الله بن عمر وَفِي مَكَان هَذَا السُّؤَال وَوَقفه فِي الصَّحِيحَيْنِ " وقف فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى للنَّاس يسألونه " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ " رَأَيْته عِنْد الْجَمْرَة وَهُوَ يسْأَل " وَفِي رِوَايَة لَهُ " وقف على نَاقَته " وَعند مُسلم " أَتَاهُ رجل يَوْم النَّحْر وَهُوَ وَاقِف عِنْد الْجَمْرَة " وَفِي رِوَايَة لَهُ " رَأَيْته على نَاقَته بمنى " وَفِي رِوَايَة لَهُ " بَيْنَمَا هُوَ يخْطب يَوْم النَّحْر ".

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه قَالَ لنا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي مَا وجدت يخْطب إِلَّا فِي حَدِيث ابْن جريج عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ حسن انْتهى وَجه الْجمع بَينهمَا أَنه لَا اخْتِلَاف فِي الْمَكَان فَقَوله " بمنى " لَا يُنَافِيهِ قَوْله " عِنْد الْجَمْرَة " لِأَنَّهَا أول منى وَقَوله " على نَاقَته " مَعَ قَوْله " يخْطب " لَا مُنَافَاة أَيْضا بَينهمَا إِذْ قد يكون خطب على رَاحِلَته.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ حِكَايَة عَن مَالك معنى يخْطب أَي وقف للنَّاس يعلمهُمْ لَا أَنَّهَا من خطب الْحَج قَالَ شَيخنَا وَيحْتَمل أَنه كَانَ فِي خطْبَة يَوْم النَّحْر وَهِي الْخطْبَة الثَّالِثَة من خطب الْحَج وَأما قَوْله " يَوْم النَّحْر " فَهُوَ معَارض لرِوَايَة البُخَارِيّ لحَدِيث ابْن عَبَّاس " رميت بَعْدَمَا أمسيت " فَهَذَا يدل على أَن السُّؤَال كَانَ بعد الْمسَاء إِمَّا فِي اللَّيْل وَإِمَّا فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ أَو مَا بعده انْتهى ( قلت) لَا مُعَارضَة لأَنا قد ذكرنَا أَن الْمسَاء يُطلق على مَا يُطلق عَلَيْهِ العشى والرواح والعشى يُطلق على مَا بعد الزَّوَال وَذكر ابْن حزم فِي حجَّة الْوَدَاع أَن هَذِه الأسئلة كَانَت بعد عوده إِلَى منى من إفَاضَة يَوْم النَّحْر.

     وَقَالَ  الْمُحب الطَّبَرِيّ يحْتَمل أَنَّهَا تَكَرَّرت قبله وَبعده وَفِي اللَّيْل وَالله أعلم.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن ذَلِك فِي موضِعين أَحدهمَا وقف على رَاحِلَته عِنْد الْجَمْرَة وَلم يقل فِي هَذَا الْوَجْه أَنه خطب وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه وقف وَسُئِلَ وَالثَّانِي بعد صَلَاة الظّهْر يَوْم النَّحْر وقف للخطبة فَخَطب وَهِي إِحْدَى خطب الْحَج الْمَشْهُورَة يعلمهُمْ فِيهَا مَا بَين أَيْديهم من الْمَنَاسِك.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ وَهَذَا الِاحْتِمَال هُوَ الصَّوَاب قَوْله " فَقَالَ كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا " أَي كنت أَظن مثلا أَن النَّحْر قبل الرَّمْي وَله نَظَائِر أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله " وَأَشْبَاه ذَلِك " أَي من الْأَشْيَاء الَّتِي كَانَ يحسبها على خلاف الأَصْل وَوَقع ذَلِك بعبارات مُخْتَلفَة فَفِي رِوَايَة يُونُس عِنْد مُسلم " لم أشعر أَن الرَّمْي قبل الْحلق فنحرت قبل أَن أرمي.

     وَقَالَ  آخر لم أشعر أَن النَّحْر قبل الْحلق فحلقت قبل أَن أنحر " وَفِي رِوَايَة ابْن جريج " كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا " وَوَقع فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم " حلقت قبل أَن أرمي.

     وَقَالَ  آخر أفضت إِلَى الْبَيْت قبل أَن أرمي " وَفِي حَدِيث معمر عِنْد أَحْمد زِيَادَة الْحلق قبل الرَّمْي وَأَيْضًا فحاصل مَا فِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَالسُّؤَال عَن أَرْبَعَة أَشْيَاء الْحلق قبل الذّبْح وَالْحلق قبل الرَّمْي والنحر قبل الرَّمْي والإفاضة قبل الرَّمْي والأولان فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا وَعند الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا السُّؤَال عَن الْحلق قبل الرَّمْي وَكَذَا فِي حَدِيث جَابر وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد الطَّحَاوِيّ السُّؤَال عَن منى والإفاضة مَعًا قبل الْحلق وَفِي حَدِيث جَابر الَّذِي علقه البُخَارِيّ فِيمَا مضى السُّؤَال عَن السَّعْي قبل الطّواف قَوْله " لَهُنَّ كُلهنَّ " اللَّام فِيهِ إِمَّا مُتَعَلق يُقَال أَي قَالَ لأجل هَذِه الْأَفْعَال كُلهنَّ افْعَل وَلَا حرج أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف نَحْو قَالَ يَوْم النَّحْر لَهُنَّ أَو مُتَعَلق بِلَا حرج أَي لَا حرج لأجلهن عَلَيْك قَوْله " عَن شَيْء " أَي من الْأُمُور الَّتِي هِيَ وظائف يَوْم النَّحْر.




[ قــ :1663 ... غــ :1738 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا أبِي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثني عِيسَى بنُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ وقَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى ناقَتِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ..
هَذَا طَرِيق ثَالِث للْحَدِيث الْمَذْكُور عَن إِسْحَاق، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: إِسْحَاق مُجَردا غير مَنْسُوب، وَنسبه أَبُو عَليّ بن السكن.
فَقَالَ: إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب، لِأَن أَبَا نعيم يروي من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن شيرويه عَن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب، وَابْن شيرويه يروي عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بِسَنَدِهِ، وَلم يعلم لَهُ رِوَايَة عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن سعيد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ، روى عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد، يروي عَن صَالح بن كيسَان مؤدب ولد عمر بن عبد الْعَزِيز، يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَفِيه: من اللطائف: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب، وَرِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين، يروي بَعضهم عَن بعض، وهم صاحل وَالزهْرِيّ وَعِيسَى.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ صَالح بعد الْأَرْبَعين وَالْمِائَة، وَكَانَ تابعيا، رأى عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته) قَالَ ابْن عبد الْبر: فِي وقُوف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على نَاقَته مَعَ مَا رُوِيَ عَن جَابر وَغَيره دلَالَة لما استحبه حماعة مِنْهُم الشَّافِعِي وَمَالك قَالُوا: رمى جَمْرَة الْعقبَة رَاكِبًا، قَالَ مَالك: وَفِي غير يَوْم النَّحْر مَاشِيا، وَعَن أبي حنيفَة: يرميها كلهَا مَاشِيا أَو رَاكِبًا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر رَاكِبًا.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: يرميها كلهَا رَاكِبًا.
قلت: يرد هَذَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححا عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِنَّه كَانَ إِذا رمى الْجمار مَشى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وراجعا، ويخبر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم.
قَالَ:.

     وَقَالَ  بَعضهم: يركب يَوْم النَّحْر وَيَمْشي فِي الْأَيَّام الَّتِي بعد يَوْم النَّحْر.
انْتهى.

وَقد أجمع الْعلمَاء على جَوَاز الْأَمريْنِ مَعًا وَاخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من ذَلِك، فَذهب أَحْمد إِسْحَاق إِلَى اسْتِحْبابُُ الرَّمْي مَاشِيا، وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابر بن عبد الله أَنه كَانَ يكره أَن يركب إِلَى شَيْء من الْجمار إلاَّ من ضَرُورَة، وَذهب مَالك إِلَى اسْتِحْبابُُ الْمَشْي فِي رمي أَيَّام التَّشْرِيق، وَأما جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر فيرميها على حسب حَاله كَيفَ كَانَ،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: لَيْسَ من سنة الرَّمْي الرّكُوب لَهُ وَلَا التَّرَجُّل، وَلَكِن يَرْمِي الرجل على هَيئته الَّتِي يكون حِينَئِذٍ عَلَيْهَا من ركُوب أَو مشي، وَلَا ينزل إِن كَانَ رَاكِبًا لرمي، وَلَا يركب إِن كَانَ مَاشِيا، وَأما الْأَيَّام بعْدهَا فَيَرْمِي مَاشِيا لِأَن النَّاس نازلون مَنَازِلهمْ بمنى فيمشون للرمي وَلَا يركبون، لِأَنَّهُ خُرُوج عَن التَّوَاضُع حِينَئِذٍ، هَذَا مَذْهَب مَالك.
انْتهى وَاخْتَارَ بَعضهم الرّكُوب فِي الْيَوْم الأول والأخير وَالْمَشْي فِيمَا بَينهمَا، وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: رمي الْجمار ركُوب يَوْمَيْنِ ومشي يَوْمَيْنِ، وَحمله الْبَيْهَقِيّ على ركُوب الْيَوْم الأول والأخير، وَحكى النَّوَوِيّ فِي ( شرح مُسلم) عَن الشَّافِعِي وموافقيه: أَنه يسْتَحبّ لمن وصل منى رَاكِبًا أَن يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر رَاكِبًا، وَلَو رَمَاهَا مَاشِيا جَازَ، وَأما من وَصلهَا مَاشِيا فيرميها مَاشِيا، قَالَ: وَهَذَا فِي يَوْم النَّحْر، وَأما اليومان الْأَوَّلَانِ من أَيَّام التَّشْرِيق فَالسنة أَن يَرْمِي فيهمَا جَمِيعًا الجمرات مَاشِيا، وَفِي الْيَوْم الثَّالِث يَرْمِي رَاكِبًا.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: كل رمي بعده رمي كرمي الْجَمْرَتَيْن الأولى وَالْوُسْطَى فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة يَرْمِي مَاشِيا، وَإِن لم يكن بعده رمي كرمي جَمْرَة الْعقبَة، والجمرة الْأَخِيرَة فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة، فَيَرْمِي رَاكِبًا.
هَذَا هُوَ الْفَضِيلَة، وَأما الْجَوَاز فثابت كَيفَ مَا كَانَ.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ

أَي: تَابع صَالح بن كيسَان معمر بن رَاشد فِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرج مُسلم هَذِه الْمُتَابَعَة عَن ابْن أبي عمر وَعبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد: ( رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته بمنى فجَاء رجل.
.
)
الحَدِيث.