فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحرير للنساء

( بابُُ الحَرِيرِ لِلنِّساءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِعْمَال الْحَرِير فِي اللّبْس للنِّسَاء.



[ قــ :5526 ... غــ :5840 ]
- ( حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة ح وحَدثني مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة عَن زيد بن وهب عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كساني النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حلَّة سيراء فَخرجت فِيهَا فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه فشققتها بَين نسَائِي) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله فَرَأَيْت الْغَضَب إِلَى آخِره وَأخرجه من طَرِيقين ( الأول) عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة إِلَى آخِره ( وَالثَّانِي) عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ سين مُهْملَة الْهِلَالِي أبي زيد الزراد بزاي وَرَاء مُشَدّدَة وَزيد بن وهب الْجُهَنِيّ الثِّقَة الْمَشْهُور من كبار التَّابِعين وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن عَليّ سوى هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة فِي بابُُ مَا يكره لبسه فَإِنَّهُ أخرجه عَن حجاج بن منهال عَن شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك بن ميسرَة قَالَ سَمِعت زيد بن وهب عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى آخِره وَمضى أَيْضا فِي النَّفَقَات فِي بابُُ كسْوَة الْمَرْأَة بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ أخرجه فِيهِ أَيْضا عَن حجاج عَن شُعْبَة إِلَى آخِره قَوْله عَن زيد بن وهب كَذَا لأكْثر الروَاة وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن السكن وَحده عَن النزال بن سُبْرَة بدل زيد بن وهب قَالُوا إِنَّه وهم كَأَنَّهُ انْتقل من حَدِيث إِلَى حَدِيث لِأَن رِوَايَة عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّمَا هِيَ فِي الشّرْب قَائِما وَقد تقدم فِي الْأَشْرِبَة قَوْله حلَّة سيراء قد مر غير مرّة أَن الْحلَّة إِزَار ورداء.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير الْحلَّة ثَوْبَان إِذا كَانَا من جنس وَاحِد والسيراء بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالرَّاء مَعَ الْمَدّ قَالَ الْخَلِيل لَيْسَ فِي الْكَلَام فعلاء بِكَسْر أَوله سوى سيراء وحولاء وَهُوَ المَاء الَّذِي يخرج على رَأس الْوَلَد والعنباء لُغَة فِي الْعِنَب.

     وَقَالَ  مَالك هُوَ الوشي من الْحَرِير والوشي بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي ثِيَاب فِيهَا خطوط من حَرِير أَو قَز وَإِنَّمَا قيل لَهَا سيراء لتسيير الخطوط فِيهَا.

     وَقَالَ  الْخَلِيل ثوب مضلع بالحرير وَقيل مُخْتَلف الألوان فِيهِ خطوط ممتدة كَأَنَّهَا السيور.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي برد فِيهِ خطوط صفر وَاخْتلف فِي حلَّة سيراء هَل هُوَ بِالْإِضَافَة أم لَا فَوَقع عِنْد الْأَكْثَرين تَنْوِين حلَّة على أَن السيراء عطف بَيَان أَو صفة وَجزم الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ الرِّوَايَة.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ قَالُوا حلَّة سيراء كَمَا قَالُوا نَاقَة عشراء وَنقل عِيَاض عَن أبي مَرْوَان بن سراج أَنه بِالْإِضَافَة قَالَ عِيَاض وَكَذَا ضبطناه عَن متقني شُيُوخنَا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَنه قَول الْمُحَقِّقين ومتقني الْعَرَبيَّة وَأَنه من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى صفته كَمَا قَالُوا ثوب خَز قَوْله فَخرجت فِيهَا وَفِي رِوَايَة أبي صَالح عَن عَليّ فلبستها قَوْله " فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه " أَي فِي وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة أبي صَالح فَقَالَ إِنِّي لم أبعثها إِلَيْك لتلبسها وَإِنَّمَا بعثت بهَا إِلَيْك لتشققها خمرًا بَين النِّسَاء وَفِي أُخْرَى شققتها خمرًا بَين الفواطم.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة المُرَاد بالفواطم فَاطِمَة بنت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم أم عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا أعرف الثَّالِثَة وَقد روى الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن حميد قَالَ حَدثنَا عمرَان بن عُيَيْنَة عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن أبي فَاخِتَة عَن جعدة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أهْدى أَمِير أذربيجان إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حلَّة مسيرَة بحرير إِمَّا سداها وَإِمَّا لحمتها فَبعث بهَا إِلَيّ فَأَتَيْته فَقلت يَا رَسُول الله ألبسها قَالَ لَا أكره لَك مَا أكره لنَفْسي اجْعَلْهَا خمرًا بَين الفواطم قَالَ فَقطعت مِنْهَا أَربع خمر خمارا لفاطمة بنت أَسد بن هَاشم أم عَليّ بن أبي طَالب وخمارا لفاطمة بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وخمارا لفاطمة بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وخمارا لفاطمة أُخْرَى قد نسيتهَا انْتهى.

     وَقَالَ  عِيَاض لَعَلَّهَا فَاطِمَة امْرَأَة عقيل بن أبي طَالب وَهِي بنت شيبَة بن ربيعَة وَقيل بنت عتبَة بن ربيعَة قَوْله " فشققتها بَين نسَائِي " أَي قطعتها ففرقتها عَلَيْهِنَّ خمرًا بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمِيم جمع خمار بِكَسْر أَوله وَالتَّخْفِيف وَهُوَ مَا تغطي بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا وَالْمرَاد بِنِسَائِي مَا فسره فِي رِوَايَة أبي صَالح حَيْثُ قَالَ بَين الفواطم قَالَه هَكَذَا بَعضهم قلت المُرَاد بِنِسَائِي النِّسَاء اللَّاتِي يقربن مِنْهُ وَهِي الفواطم الْمَذْكُورَة وَلِهَذَا ذكره بِالْإِضَافَة إِلَى نَفسه -



[ قــ :557 ... غــ :5841 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعَيلَ قَالَ: حدّثني جُوَيْرِيَّةُ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنَّ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، رأى حُلَّةً سِيَراءَ تُباعُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله لَوِ ابْتَعْتَها تَلْبَسُها لِلْوَفْدِ إِذا أتَوْكَ، والجُمُعَةِ؟ قَالَ: إنَّما يَلْبَسُ هاذِهِ مِنْ لَا خَلاَقَ لَهُ.
وأنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ بَعْدَ ذالِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةِ سَيَراءَ حَرِيراً كَساها إيَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيها؟ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيها مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُ إلَيْكَ لَتَبِيعَها أوْ وتَكْسُوَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( أَو تكسوها) لِأَن مَعْنَاهَا: لتعطيها غَيْرك من النِّسَاء بِالْهبةِ وَنَحْوهَا، فَهَذَا يدل على أَنَّهَا حَلَال للنِّسَاء.

وَجُوَيْرِية مصغر الْجَارِيَة ابْن أَسمَاء الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة، والاسمان مشتركان بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْجُمُعَة فِي: بابُُ يلبس أحسن مَا يجد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره بأتم مِنْهُ، وَمضى أَيْضا فِي أول الْعِيدَيْنِ، أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( للوفد) وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: لوفود الْعَرَب.
قَوْله: ( وَالْجُمُعَة) وَفِي رِوَايَة سَالم: للعيد، بدل: الْجُمُعَة، وَجمع ابْن إِسْحَاق عَن نَافِع مَا تضمنته الرِّوَايَتَانِ أخرجه النَّسَائِيّ بِلَفْظ: ( فتجملت بهَا لوفود الْعَرَب إِذا أتوك وَإِذا خطبت النَّاس فِي يَوْم عيد أَو غَيره) ، وَتَخْصِيص الْعَرَب بِالذكر لِكَثْرَة وفودهم.
قَوْله: ( من لَا خلاق لَهُ) أَي: من لَا نصيب لَهُ يَوْم الْقِيَامَة، أَو: من لَا حظّ لَهُ.
قَوْله: ( كساها إِيَّاه) أَي: كسى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحلَّة الْمَذْكُورَة ( إِيَّاه) أَي: عمر، هَذَا الْإِطْلَاق بِاعْتِبَار مَا فهم عمر من ذَلِك، وإلاَّ فقد ظهر من بَقِيَّة للْحَدِيث أَنه لم يبْعَث بهَا إِلَيْهِ ليلبسها.
قَوْله: ( أَو تكسوها) قد مر تَفْسِيره آنِفا، وَزَاد مَالك فِي آخر الحَدِيث: فكساها عمر خَاله بِمَكَّة مُشْركًا، وَعند النَّسَائِيّ: أَخا لَهُ من أمه.





[ قــ :558 ... غــ :584 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّهُ رأى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ عَلَيْها السَّلاَمُ، بِنْتِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن عمرَان بن بكار عَن أبي الْيَمَان بِهِ.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من خمس طرق، وَفِي الطَّرِيق الْخَامِس: رَأَيْت على زَيْنَب بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردا سيراء من حَرِير.

وَأم كُلْثُوم بِضَم الْكَاف وَسُكُون اللَّام وبالمثلثة زوج عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا، مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سبع من الْهِجْرَة، وَزَيْنَب بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ أكبر بَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي ردهَا على زَوجهَا أبي الْعَاصِ بن الرّبيع حِين أسلم، قيل: بِنِكَاح جَدِيد، وَقيل: بنكاحها الأول، مَاتَت ثَمَان من الْهِجْرَة فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت: حَدِيث أنس مُضْطَرب؟ قلت: لَا نسلم لِأَن عَادَة الْأَخَوَات أَن تلبس زياً وَاحِدًا.
فَإِن قلت: كَيفَ تجوز رُؤْيَة أنس بَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل بُلُوغ أنس مبلغ الرِّجَال، وَكَانَ بُلُوغه فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْإِجْمَاع، أَو كَانَ قبل نزُول الْحجاب.
فَإِن قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن كَانَ أنس رأى ذَلِك فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيعارض حَدِيث عقبَة وَهُوَ الَّذِي أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَصَححهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْنَع أَهله الْحَرِير والحلية، وَإِن كَانَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ دَلِيلا على نسخ حَدِيث عقبَة.
قلت: قد طعن بَعضهم على الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا الترديد بِمَا ملخصه: أَنه خَفِي عَلَيْهِ موت أم كُلْثُوم، فَإِنَّهَا مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا، فدعوى الْمُعَارضَة مَرْدُودَة وَكَذَا دَعْوَى النّسخ، انْتهى، وَيُمكن أَن يُوَجه كَلَام الطَّحَاوِيّ بِأَن يُقَال: معنى قَوْله: وَإِن كَانَ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: وَإِن كَانَ إخْبَاره بذلك بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعلى هَذَا يَصح دَعْوَى النّسخ، ثمَّ إِن الطاعن الْمَذْكُور قَالَ: الْجمع بَينهمَا، أَي: بَين حَدِيث أنس وَحَدِيث عقبَة بن عَامر وَاضح يحمل النَّهْي فِي حَدِيث عقبَة على التَّنْزِيه.
قلت: حَدِيث أنس لَا يُعَارضهُ حَدِيث عقبَة، لِأَن تَصْحِيح البُخَارِيّ أقوى من تَصْحِيح غَيره فالمعارضة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة، وَالله أعلم.