فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب استعانة اليد في الصلاة، إذا كان من أمر الصلاة

( بابُُ استعانة الْيَد فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة)
وَفِي بعض النّسخ أَبْوَاب الْعَمَل فِي الصَّلَاة بابُُ استعانة الْيَد إِلَى آخِره وَفِي بعض النّسخ صدر الْبابُُ بالبسملة وَفِي غَالب النّسخ مثل الْمَذْكُور هَهُنَا أَي بابُُ فِي بَيَان حكم استعانة الْيَد أَرَادَ بِهِ وضع الْيَد على شَيْء فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ ذَلِك من أَمر الصَّلَاة كَمَا وضع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده على رَأس ابْن عَبَّاس وفتل أُذُنه وأداره إِلَى يَمِينه فترجم البُخَارِيّ بِمَا ذكره مستنبطا مِنْهُ فِي استعانة الْمُصَلِّي بِمَا يتقوى بِهِ على صلَاته وَقيد بقوله " إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة " لِأَنَّهُ إِذا اسْتَعَانَ بهَا فِي غير أَمر الصَّلَاة يكون عَبَثا والعبث فِي الصَّلَاة مَكْرُوه ( وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَسْتَعِين الرجل فِي صلَاته بِمَا شَاءَ من جسده) قيل لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الْأَثر والأثرين اللَّذين بعده وَبَين التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ قيد التَّرْجَمَة بقوله إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة والْآثَار مُطلقَة ( وَأجِيب) بِأَنَّهُ وَإِن كَانَت الْآثَار مُطلقَة فَهِيَ مُقَيّدَة فِي نفس الْأَمر مَعْلُوم ذَلِك من الْخَارِج لِأَن الْعَمَل بإطلاقها يُؤَدِّي إِلَى جَوَاز الْعَبَث وَهُوَ غير مُرَاد لأحد ( فَإِن قلت) التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْيَدِ وآثر ابْن عَبَّاس بالجسد وَالْيَد جُزْء مِنْهُ ( قلت) إِذا جَازَت الِاسْتِعَانَة بِالْيَدِ لأجل أَمر الصَّلَاة فَكَذَلِك جَازَت بِمَا شَاءَ من جسده قِيَاسا عَلَيْهَا ( وَوضع أَبُو إِسْحَاق قلنسوته فِي الصَّلَاة ورفعها) أَبُو إِسْحَق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي من كبار التَّابِعين قَالَ الْعجلِيّ كُوفِي تَابِعِيّ ثِقَة سمع ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين سنة وَهُوَ مَعْدُود من جملَة مَشَايِخ أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوضع القلنسوة ورفعها لَا يكون إِلَّا بِالْيَدِ وَهَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَة وَفِي نُسْخَة أُخْرَى أَو رَفعهَا بِكَلِمَة أَو قَالَ ابْن قرقول أَو رَفعهَا لعبدوس والقابسي على الشَّك وَعند النَّسَفِيّ وَأبي ذَر والأصيلي " ورفعها " من غير شكّ وَهُوَ الصَّوَاب ( وَوضع عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَفه على رصغه الْأَيْسَر إِلَّا أَن يحك جلدا أَو يصلح ثوبا) قَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ بالصَّاد يَعْنِي لفظ رصغه.

     وَقَالَ  خَلِيل هُوَ لُغَة فِي الرسغ.

     وَقَالَ  غَيره صَوَابه بِالسِّين وَهُوَ حد مفصل الْكَفّ فِي الذِّرَاع والقدم من السَّاق وَفِي الْمُحكم الرسغ مُجْتَمع السَّاقَيْن والقدمين وَقيل هُوَ مفصل مَا بَين الساعد والكف والساق والقدم وَكَذَلِكَ هُوَ من كل دَابَّة وَالْجمع أرساغ قَوْله " إِلَّا أَن يحك " إِلَى آخِره من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا من كَلَام البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة للبعد بَينهمَا.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مستخرجه هُوَ من التَّرْجَمَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ابْن أبي شيبَة أخرجه فِي مُصَنفه عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَن يصلح ثَوْبه أَو يحك جسده.

     وَقَالَ  بَعضهم وَصرح بِكَوْنِهِ من كَلَام البُخَارِيّ لَا من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْعَلامَة عَلَاء الدّين مغلطاي فِي شَرحه وَتَبعهُ من أَخذ ذَلِك عَنهُ مِمَّن أدركناه وَهُوَ وهم ( قلت) هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي وهم فَإِن مغلطاي مَا قَالَ ذَلِك من عِنْده وَإِنَّمَا نَقله عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ فَانْظُر فِي شَرحه ترَاهُ قَالَ قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ.

     وَقَالَ  ابْن بطال اخْتلف السّلف فِي الِاعْتِمَاد فِي الصَّلَاة والتوكؤ على الشَّيْء فَقَالَت طَائِفَة لَا بَأْس أَن يَسْتَعِين فِي الصَّلَاة بِمَا شَاءَ من جسده وَغَيره وَذكره ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه كَانَ يتَوَكَّأ على عصى وَعَن أبي ذَر مثله.

     وَقَالَ  عَطاء كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتوكئون على العصي فِي الصَّلَاة وأوتد عَمْرو بن مَيْمُون وتدا إِلَى الْحَائِط فَكَانَ إِذا سئم الْقيام فِي الصَّلَاة أَو شقّ عَلَيْهِ أمسك بالوتد يعْتَمد عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ لَا بَأْس أَن يعْتَمد على الْحَائِط وَكره ذَلِك غَيرهم وَعَن الْحسن أَنه كره أَن يعْتَمد على الْحَائِط فِي الْمَكْتُوبَة إِلَّا من عِلّة وَلم ير بِهِ بَأْسا فِي النَّافِلَة.

     وَقَالَ  مَالك وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين فِي الْفَرِيضَة والتطوع.

     وَقَالَ  مُجَاهِد إِذا توكأ على الْحَائِط ينقص من صلَاته قدر ذَلِك قَالَ وَالْعَمَل فِي الصَّلَاة على ثَلَاثَة أضْرب يسير جدا كالغمز وحك الْجَسَد وَالْإِشَارَة فَهَذَا لَا ينقص عمده وَلَا سَهْوه وَكَذَلِكَ التخطي إِلَى الفرجة الْقَرِيبَة.
الثَّانِي أَكثر من هَذَا يبطل عمده دون سَهْوه كالانصراف من الصَّلَاة.
الثَّالِث الْمَشْي الْكثير وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد فَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمده وسهوه وَفِي مُسْند أَحْمد " عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يجلس الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُعْتَمد على يَده " وَعند أبي دَاوُد " رأى رجل يتكىء على يَده الْيُسْرَى وَهُوَ قَاعد فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا تجْلِس هَكَذَا فَإِن هَكَذَا يجلس الَّذين يُعَذبُونَ " وَفِي رِوَايَة " تِلْكَ صَلَاة المغضوب عَلَيْهِم ".

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد حَدثنَا عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن الوابصي حَدثنَا أبي عَن شَيبَان عَن حُصَيْن " عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ قدمت الرقة فَقَالَ لي بعض أَصْحَابِي هَل لَك من رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قلت عتيمة فدفعنا إِلَى وابصة فَقلت لصاحبي نبدأ فَنَنْظُر إِلَى دله فَإِذا عَلَيْهِ قلنسوة لَا طليبة ذَات أذنين وبرنس خَز أغبر وَإِذا هُوَ مُعْتَمد على عصى فِي صلَاته فَقُلْنَا بعد أَن سلمنَا فَقَالَ حَدَّثتنِي أم قيس بنت محص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أسن وَحمل اللَّحْم اتخذ عمودا فِي مُصَلَّاهُ يعْتَمد عَلَيْهِ " ( قلت) وابصة بن معبد بن عتبَة بن الْحَارِث قَوْله " إِلَى دله " بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ السمت والهيئة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان من السكينَة وَالْوَقار وَحسن السِّيرَة والطريقة واستقامة المنظر وَبِهَذَا الحَدِيث قَالَ أَصْحَابنَا أَن الضَّعِيف أَو الشَّيْخ الْكَبِير إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام مُتكئا على شَيْء يُصَلِّي قَائِما مُتكئا وَلَا يقْعد وَفِي الْخُلَاصَة وَلَا يجوز غير ذَلِك وَكَذَا لَو قدر على أَن يعْتَمد على عصى أَو كَانَ لَهُ خَادِمًا لَو اتكأ عَلَيْهِ قدر على الْقيام فَإِنَّهُ يقوم ويتكىء وَلَو صلى مُعْتَمدًا على العصى من غير عِلّة هَل تكره أم لَا فَقيل تكره مُطلقًا وَقيل لَا تكره فِي التَّطَوُّع

[ قــ :1155 ... غــ :1198]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن مخرمَة بن سُلَيْمَان عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس أَنه أخبرهُ عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه بَات عِنْد مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا وَهِي خَالَته قَالَ فاضطجعت على عرض الوسادة واضطجع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَهله فِي طولهَا فَنَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل ثمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَلَسَ يمسح النّوم عَن وَجهه بيدَيْهِ ثمَّ قَرَأَ الْعشْر آيَات خَوَاتِيم سُورَة آل عمرَان ثمَّ قَامَ إِلَى شن معلقَة فَتَوَضَّأ مِنْهَا فَأحْسن وضوأه ثمَّ قَامَ يُصَلِّي.
قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فصنعت مثل مَا صنع ثمَّ ذهبت فَقُمْت إِلَى جنبه فَوضع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها بِيَدِهِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أوتر ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ خرج فصلى الصُّبْح)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأخذ بأذني الْيُمْنَى " وَذَلِكَ لإدارته من الْجَانِب الْأَيْسَر إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن وَذَلِكَ من مصلحَة الصَّلَاة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي اثنى عشر موضعا أَولهَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس فِي بابُُ قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث وَغَيره فِي كتاب الْوضُوء وَقد تكلمنا هُنَاكَ على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ