فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد


[ قــ :895 ... غــ :923 ]
- (حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن جرير بن حَازِم قَالَ سَمِعت الْحسن يَقُول حَدثنَا عَمْرو بن تغلب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي بِمَال أَو سبي فَقَسمهُ فَأعْطى رجَالًا وَترك رجَالًا فَبَلغهُ أَن الَّذين ترك عتبوا فَحَمدَ الله ثمَّ أثنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فوَاللَّه إِنِّي لأعطي الرجل وأدع الرجل وَالَّذِي أدع أحب إِلَيّ من الَّذِي أعطي وَلَكِن أعطي أَقْوَامًا لما أرى فِي قُلُوبهم من الْجزع والهلع وَأكل أَقْوَامًا إِلَى مَا جعل الله فِي قُلُوبهم من الْغنى وَالْخَيْر فيهم عَمْرو بن تغلب فوَاللَّه مَا أحب أَن لي بِكَلِمَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حمر النعم " مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ثمَّ قَالَ أما بعد ".
(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول مُحَمَّد بن معمر بِفَتْح الميمين أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ الْعَبْسِي الْمَعْرُوف بالبحراني ضد البراني.
الثَّانِي أَبُو عَاصِم النَّبِيل واسْمه الضَّحَّاك بن مخلد.
الثَّالِث جرير بِفَتْح الْجِيم وتكرار الراءين ابْن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي.
الرَّابِع الْحسن الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس عَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن تغلب بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة الْعَبْدي التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ رُوِيَ لَهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حديثان رَوَاهُمَا البُخَارِيّ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين فِي الروَاة وَفِي مَوضِع آخر عَن الصَّحَابِيّ وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من إِفْرَاد البُخَارِيّ.
وَأخرجه أَيْضا فِي الْخمس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّوْحِيد عَن أبي النُّعْمَان.

     وَقَالَ  عبد الْغَنِيّ لم يرو عَن عَمْرو بن تغلب غير الْحسن الْبَصْرِيّ فِيمَا قَالَه غير وَاحِد (قلت) لَعَلَّ مُرَاده فِي الصَّحِيح وَإِلَّا فقد قَالَ ابْن عبد الْبر أَن الحكم بن الْأَعْرَج روى عَنهُ أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمزي رَحمَه الله (فَإِن قلت) قَالَ الحكم وَعَلِيهِ الْجُمْهُور أَن شَرط البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن لَا يذكر إِلَّا حَدِيثا رَوَاهُ صَحَابِيّ مَشْهُور عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَله راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ تَابِعِيّ مَشْهُور وَله أَيْضا راويان ثقتان فَأكْثر ثمَّ كَذَلِك فِي كل دَرَجَة وَهَذَا الحَدِيث لم يروه عَن عَمْرو بن تغلب إِلَّا راو وَاحِد وَهُوَ الْحسن (قلت) قد ذكرت لَك أَن الحكم بن الْأَعْرَج روى عَنهُ أَيْضا (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَتَى بِالْمَالِ أَو بِشَيْء " بالشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا همزَة ويروى بسبي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف ويروى " أَو سبي " بِدُونِ حرف الْبَاء وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " أَتَى بِمَال من الْبَحْرين " قَوْله " فَبَلغهُ أَن الَّذين ترك " كَذَا بِخَط الْحَافِظ الدمياطي.

     وَقَالَ  الْحَافِظ قطب الدّين الَّذِي فِي أصل روايتنا " أَن الَّذِي ترك " (قلت) الضَّمِير الَّذِي فِي ترك يرجع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومفعوله مَحْذُوف تَقْدِيره أَن الَّذين تَركهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عتبوا حَيْثُ حرمُوا عَن الْعَطاء وَأما وَجه أَن الَّذِي بإفراد الْمَوْصُول فعل تَقْدِير أَن الصِّنْف الَّذِي تَركه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " أما بعد " أَي أما بعد الْحَمد لله تَعَالَى وَالثنَاء عَلَيْهِ قَوْله " وَإِنِّي أعطي الرجل " أعطي بِلَفْظ الْمُتَكَلّم لَا بِلَفْظ الْمَجْهُول من الْمَاضِي قَوْله " وأدع الرجل " أَي الرجل الآخر وأدع بِلَفْظ الْمُتَكَلّم أَيْضا أَي أترك قَوْله " من الَّذِي أعطي " على لفظ الْمُتَكَلّم أَيْضا ومفعول أعطي الَّذِي هُوَ صلَة الْمَوْصُول مَحْذُوف قَوْله " لما أرى " من نظر الْقلب لَا من نظر الْعين قَوْله " من الْجزع " بِالتَّحْرِيكِ ضد الصَّبْر يُقَال جزع جزعا وجزوعا فَهُوَ جزع وجازع.

     وَقَالَ  يَعْقُوب الْجزع الْفَزع.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده وجزع وجزاع قَوْله " والهلع " بِالتَّحْرِيكِ أَيْضا وَهُوَ أفحش الْفَزع.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر لِأَحْمَد بن يحيى مَا الهلوع فَقَالَ قد فسره الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ { إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا} بقوله { إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا} وَيُقَال الْهَلَع والهلاع والهلعان الْجُبْن عِنْد اللِّقَاء وَفِي أمالي ثَعْلَب الهلواعة الرجل الجبان وَفِي تَهْذِيب أبي مَنْصُور قَالَ الْحسن بن أبي الْحسن الهلوع الشره وَعَن الْفراء الضجور.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَق الهلوع الَّذِي يفزع ويجزع من الشَّرّ.

     وَقَالَ  الْقَزاز الْهَلَع سوء الْجزع وَرجل هلعته مِثَال همزَة إِذا كَانَ يجزع سَرِيعا قَوْله " من الْغنى وَالْخَيْر " أَي أتركهم مَعَ مَا وهب الله تَعَالَى لَهُم من غنى النَّفس فصبروا وتعففوا عَن الْمَسْأَلَة والشره قَوْله " بِكَلِمَة رَسُول الله " مثل هَذِه الْبَاء تسمى بِالْبَاء الْبَدَلِيَّة وباء الْمُقَابلَة نَحْو اعتضت بِهَذَا الثَّوْب خير مِنْهُ أَي مَا أحب أَن حمر النعم لي بدل كلمة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي يقابلها أَي هَذِه الْكَلِمَة كَانَت أحب إِلَيّ مِنْهَا وَكَيف لَا وَالْآخِرَة خير وَأبقى والحمر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم (تَابعه يُونُس) لم يُوجد هَذَا فِي كثير من النّسخ وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الله بن دِينَار الْعَبْدي الْمصْرِيّ وَوَصله أَبُو نعيم بِإِسْنَادِهِ عَنهُ عَن الْحسن عَن عَمْرو بن ثَعْلَب -




[ قــ :896 ... غــ :94 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فصلى فِي المَسْجِدِ فصَلَّى رِجَال بِصَلاتِهِ فأصْبَحَ النَّاسُ فتَحَدَّثُوا فاجْتَمَعَ أكْثَرُ مِنْهُم فصَلُّوا معَهُ فأصْبَحَ النَّاسُ فتَحدَّثُوا فكثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلُّوا بِصَلاتِهِ فلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عجَزَ المَسْجدُ عَنْ أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ فلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسَ فتشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ لَمْ يَخْفَ علَيَّ مَكانَكُمْ لَكِنِّي خَشيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَتشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد) ، فَإِن قلت: التَّرْجَمَة هُوَ القَوْل فِي الْخطْبَة بِكَلِمَة: أما بعد، وَلَا ذكر للخطبة هَهُنَا؟ قلت: معنى قَوْله: ( فَتشهد) ، هُوَ التَّشَهُّد فِي صدر الْخطْبَة، وَنَظِير هَذَا الحَدِيث قد مر فِي: بابُُ إِذا كَانَ بَين الإِمَام وَالْقَوْم حَائِط أَو ستْرَة.
أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد عَن عَبدة عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة ( عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل فِي حجرته.
.
)
الحَدِيث.
وَأخرجه فِي كتاب الصَّوْم فِي: بابُُ فضل من قَامَ رَمَضَان بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه: عَن يحيى ابْن بكير عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة إِلَى آخِره.
.
نَحوه، وَفِي آخِره: ( فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْأَمر على ذَلِك) ، وَقد مضى بعض الْكَلَام هُنَاكَ، وَسَتَأْتِي الْبَقِيَّة فِي الصَّوْم، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

تابَعَهُ يُونُسُ
يُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَقد وَصله مُسلم من طَرِيقه عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَنهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن إِسْحَاق عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن يُونُس،.

     وَقَالَ  خلف: قَوْله: ( تَابعه يُونُس) أَي: فِي قَوْله: ( أما بعد) وَتَبعهُ الْمزي على ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين: إِنَّه روى جَمِيع الحَدِيث فَلَا يخْتَص: بأما بعد، فَقَط.





[ قــ :897 ... غــ :95 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرَوة عنْ أبي حُمَيْدٍ هُو السَّاعِدِيُّ أنَّهُ أخبرهُ أنَّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ عَشِيَّةَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فتَشَهَّدَ وأثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان: هُوَ الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَأَبُو حميد اسْمه: عبد الرَّحْمَن وَقيل: غير ذَلِك، وَقد مر غير مرّة، وَهَذَا بعض حَدِيث ذكره فِي الزَّكَاة وَترك الْحِيَل وَالِاعْتِكَاف وَالنُّذُور ( اسْتعْمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الأزد يُقَال لَهُ: ابْن اللتيبة على الصَّدَقَة، فَلَمَّا قدم قَالَ: هَذَا لكم وَهَذَا أهْدى لي، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر، فَقَالَ: أما بعد، فَإِنِّي اسْتعْمل الرجل مِنْكُم) .
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو بن مُحَمَّد الناقذ وَابْن أبي عمر، وَأخرجه أَيْضا من وُجُوه كَثِيرَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجراح عَن أبي الطَّاهِر بن سرح وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ تابَعَهُ أبُو مُعَاوِيَة وأبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي حُمَيْدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمَّا بَعْدُ
أما مُتَابعَة أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير الْكُوفِي فأخرجها مُسلم فِي المغاوي عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ، وَأما مُتَابعَة أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة فأخرجها البُخَارِيّ فِي الزَّكَاة.

وتابَعَهُ العَدَنِيُّ عنْ سُفْيَانَ فِي أمَّا بَعْدُ
الْعَدنِي هُوَ: مُحَمَّد بن يحيى، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأخرج مُسلم مُتَابعَة الْعَدنِي عَنهُ عَن هِشَام، قيل: يحْتَمل أَن يكون الْعَدنِي هُوَ: عبد الله بن الْوَلِيد، وسُفْيَان هُوَ: الثَّوْريّ، وَمن هَذَا الْوَجْه وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِيه: قَوْله: أما بعد.
قلت: الَّذِي ذكره مُسلم هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب.
قَوْله: ( فِي: أما بعد) أَي: تَابعه فِي مُجَرّد كلمة: أما بعد، لَا فِي تَمام هَذَا الحَدِيث.





[ قــ :899 ... غــ :97 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبانَ قَالَ حدَّثنا ابنُ الغَسِيلِ قَالَ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَعِدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المِنْبَرَ وكانَ آخِرُ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَهِ قَدْ عَصَبَ رَاسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أيُّهَا النَّاسُ إلَيَّ فَثَابُوا إلَيْهِ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ هاذا الحَيَّ مِنَ الأنْصَارِ يَقِلُّونَ ويَكْثُرُ النَّاسُ فَمَنْ وُلِيَ شَيْئا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَطَاعَ أنْ يُضِرَّ فِيهِ أحدا أوْ يَنْفَعَ فِيهِ أحدا فلْيَقُلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويتَجاوَزْ عنْ مُسِيئِهِمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف نون: أَبُو إِسْحَاق الْوراق الْأَزْدِيّ الْكُوفِي.
الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن الغسيل، هُوَ: عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الراهب الْمَعْرُوف بِابْن الغسيل الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة، وحَنْظَلَة هُوَ غسيل الْمَلَائِكَة، اسْتشْهد بِأحد وغسلته الْمَلَائِكَة، فسألوا امْرَأَته فَقَالَت: سمع الهيعة وَهُوَ جنب فَلم يتَأَخَّر للاغتسال.
الثَّالِث: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس.
الرَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن شَيْخه كُوفِي والبقية مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي نعيم، وَفِي فَضَائِل الْأَنْصَار عَن أَحْمد بن يَعْقُوب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل: عَن يُوسُف بن عِيسَى عَن وَكِيع عَنهُ مُخْتَصرا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (متعطفا) أَي: مرتديا، يُقَال: تعطفت بالعطاف أَي: ارتديت بالرداء، والتعطف التردي بالرداء، وَسمي الرِّدَاء: عطافا، لوُقُوعه على عطف الرجل، وهما ناحيتا عُنُقه ومنكب الرجل عطفه، وَكَذَلِكَ الْعَطف، وَقد اعتطف بِهِ وَتعطف ذكره الْهَرَوِيّ، وَفِي (الْمُحكم) : الْجمع الْعَطف، وَقيل: المعاطف: الأردية لَا وَاحِد لَهَا.
قَوْله: (ملحفة) ، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الْإِزَار الْكَبِير.
قَوْله: (على مَنْكِبه) ، ويروى: مَنْكِبَيْه، بالتثنية.
قَوْله: (بعصابة دسمة) ، وَفِي رِوَايَة: (دسما) ، ذكرهَا فِي اللبَاس، وَضبط صَاحب (الْمطَالع) : دسمة، بِكَسْر السِّين.
.

     وَقَالَ : الدسماء السَّوْدَاء، وَقيل: لَونه لون الدسم كالزيت، وَشبهه من غير أَن يخالطها شَيْء من الدسم، وَقيل: متغيرة اللَّوْن من الطّيب والغالية، وَزعم الدَّاودِيّ أَنَّهَا على ظَاهرهَا من عرقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَرَض،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: الدسمة غبرة فِيهَا سَواد، والعصابة: الْعِمَامَة، سميت عِصَابَة لِأَنَّهَا تعصب الرَّأْس أَي: تربطه، وَمِنْه الحَدِيث: (أمرنَا أَن نمسح على العصائب) .
قَوْله: (إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره: تقربُوا إِلَيّ.
قَوْله: (فتابوا إِلَيْهِ) أَي: اجْتَمعُوا إِلَيْهِ، من: ثاب، بالثاء الْمُثَلَّثَة: يثوب إِذا رَجَعَ وَهُوَ رُجُوع إِلَى الْأَمر بالمبادرة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس} (الْبَقَرَة: 15) .
أَي: مرجعا ومجتمعا.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ: أما بعد) أَي: بعد الْحَمد لله وَالثنَاء عَلَيْهِ.
قَوْله: (هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار) ، وهم الَّذين نصروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْمَدِينَة.
قَوْله: (يقلون) ، وَفِي رِوَايَة: حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاس بِمَنْزِلَة الْملح فِي الطَّعَام) ، هُوَ من معجزاته وإخباره عَن المغيبات، فَإِنَّهُم الْآن فيهم الْقلَّة.
قَوْله: (فليقبل من محسنهم) ، أَي: الْحَسَنَة (ويتجاوز) أَي: يعف، وَذَلِكَ فِي غير الْحُدُود.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي الموعظة طلع الْمِنْبَر فيتأسى بِهِ.
وَفِيه: الْخطْبَة بِالْوَصِيَّةِ.
وَفِيه: فَضِيلَة الْأَنْصَار.
وَفِيه: الْبدَاءَة بِالْحَمْد وَالثنَاء.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِالْغَيْبِ، لِأَن الْأَنْصَار قلوا وَكثر النَّاس.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الْخلَافَة لَيست فِي الْأَنْصَار، إِذْ لَو كَانَت فيهم لأوصاهم وَلم يوص بهم.
وَفِيه: من جَوَامِع الْكَلم، لِأَن الْحَال منحصر فِي الضّر أَو النَّفْع والشخص فِي المحسن والمسيىء.