فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل السجود

(بابُُ فَضْلِ السُّجُودِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل السُّجُود.



[ قــ :785 ... غــ :806 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنُ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسيَّبِ وعَطَاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُمَا أنَّ النَّاسَ قالُوا يَا رسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنا يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ هَل تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قالُوا لَا يَا رَسولَ الله قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ ليْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لاَ قَالَ فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئا فَلِيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ منْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ ومِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ ومِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ أنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِينَا رَبُّنَا فإذَا جاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأتِيهِمُ الله فَيَقُولُ أنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أنْتَ رَبُّنا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فأكُونُ أوَّلَ مَنْ يَجُوزُ منَ الرُّسُلِ بِأمَّتِهِ وَلا يتَكَلَّمُ يَوْمَئذٍ أحَدٌ إلاّ الرُّسُلُ وكَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبَ مِثْلَ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأيْتُمْ شَوكَ السَّعْدَانِ قالُوا نَعَمْ قالَ فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلاّ الله تَخْطُفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ منْ يُوبَقُ بعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إذَا أرَادَ الله رَحْمَةَ مَنْ أرَادَ منْ أهْلِ النَّارِ أمَرَ الله المَلاَئِكَةَ أنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله فَيُخْرِجُونهُمْ ويَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وحَرَّمَ الله عَلَى النَّارِ أنْ تَأكُلَ أثَرع السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَكُلُّ ابنِ آدَمَ تَأكُلُهُ النَّارُ إلاَّ أثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءُ الحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَما تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ الله مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ ويَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ وَهْوَ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ مقْبِلاً بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَن النَّارِ قَد قَشَبَنِي رِيحُهَا وأحْرَقَنِي ذَكاؤها فَيَقُولُ هَلْ عسَيْتَ إنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أنْ تَسْألَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي الله مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ ومِيثَاقٍ فَيَصْرِفُ الله وَجْهَهُ عنِ النَّارِ فإذَا أقْبَلَ بِهِ عَلَى الجَنَّةِ رَأي بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بابُُِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ الله لَهُ ألَيْسَ قَدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ أنْ لَا تَسْألَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَألْتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ أكُونُ أشْقَى خَلْقِكَ فَيَقُولُ فَمَا عَسِيتَ إنْ اعْطِيتَ ذَلِكَ أنْ لاَ تَسْألَ غَيْرُهُ فَيَقُولِ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أسْألُ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إلَى بابُُِ الجَنَّةِ فَإذَا بَلَغَ بابَُهَا فَرَأى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ والسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ فَيقُولُ يَا رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنَّةَ فَيَقُولُ الله تَعَالَى ويْحَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ ألَيْسَ قَدْ أعْطَيْتَ العُهُودَ والمِيثَاقَ أنْ لاَ تَسْألَ غَيْرَ الَّذي أُعْطِيتَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أشْقَى خَلْقِكَ فَيَضْحَكُ الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَأذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ الله عزَّ وجلَّ زِدْ مِن كذَا وكَذا أقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ عزَّ وجلَّ حَتَّى إِذا انْتهَتْ بهِ الأمَانِيُّ قَالَ الله تعالَى لكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ معَهُ.
قالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدَرِيُّ لأِبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله عزَّ وجلَّ لَك ذَلِكَ وعَشرَةَ أمْثالِهِ قالَ أبُو هُرَيْرةَ لَمْ أحفَظْ مِنْ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ قَولَهُ لكَ ذَلِكَ وَمِثلُهُ مَعهُ.
قَالَ أبُو سعِيدٍ الخُدْرِيُّ إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَحرم الله على النَّار أَن تَأْكُل أثر السُّجُود) إِلَى قَوْله: فَيخْرجُونَ) .

الصَّلَاة جُزْء 6 حَتَّى ص 83
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة كلهم قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان: الحكم بن نَافِع، وَالزهْرِيّ: مُحَمَّد بن مُسلم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين حمصيين ومدنيين.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين، وهم: الزُّهْرِيّ وَسَعِيد وَعَطَاء.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة الْجنَّة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (هَل نرى) ، أَي: هَل نبصر، إِذْ لَو كَانَ بِمَعْنى الْعلم لاحتاج إِلَى مفعول آخر، وَلما كَانَ للتَّقْيِيد بِيَوْم الْقِيَامَة فَائِدَة.
قَوْله: (هَل تمارون) ، بِضَم التَّاء وَالرَّاء، من المماراة من بابُُ المفاعلة، وَهِي: المجادلة على مَذْهَب الشَّك والريبة.
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بِفَتْح التَّاء وَالرَّاء، وَأَصله: تتمارون من التماري من بابُُ التفاعل، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي: { نَارا تلظى} (اللَّيْل: 14) .
أَصله: تتلظى، وَمعنى التماري: الشَّك، من المرية بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا، وقرىء بهما فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ} (هود: 17) .
قَالَ ثَعْلَب: هما لُغَتَانِ، وثلاثي هَذَا اللَّفْظ: مرىء معتل اللَّام اليائي،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: واشتقاقه من: مرى النَّاقة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: مريت النَّاقة مريا إِذا مسحت ضرْعهَا لندر، وَأمرت النَّاقة إِذا أدر لَبَنًا.
قَوْله: (فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ) أَي: ترَوْنَ الله كَذَلِك، أَي: بِلَا مرية ظَاهرا جليا، وَلَا يلْزم مِنْهُ المشابهة فِي الْجِهَة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع ونحوهه.
لِأَنَّهَا أُمُور لَازِمَة للرؤية عَادَة لَا عقلا.
قَوْله: (يحْشر النَّاس) ، ابْتِدَاء كَلَام مُسْتَقل بِذَاتِهِ.
قَوْله: (فَيَقُول) ، أَي: فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى، أَو: فَيَقُول الْقَائِل.
قَوْله: (فليتبعه) ، ويروى: (فَليتبعْ) ، بِلَا ضمير الْمَفْعُول.
قَوْله: (الطواغيت) ، جمع طاغوت، قَالَ ابْن سَيّده: الطاغوت مَا عبد من دون الله عز وَجل، فَيَقَع على الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث، ووزنه: فعلوت، وَإِنَّمَا هُوَ: طغيوت، قدمت الْيَاء قبل الْغَيْن وَهِي مَفْتُوحَة وَقبلهَا فَتْحة فقلبت ألفا.
انْتهى.
قلت: يُعَكر عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَمنهمْ من يتبع الشَّمْس وَمِنْهُم من يتبع الْقَمَر) ، وَوجه ذَلِك أَنه يلْزم التّكْرَار،.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هُوَ فاعول من: طغوت، وَأَصله: طاغوه، فحذفوا وَجعلُوا التَّاء كَأَنَّهَا عوض عَن الْمَحْذُوف، فَقَالُوا: طاغوت، وَإِنَّمَا جَازَ فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث لِأَن الْعَرَب تسمي الكاهن والكاهنة طوغوتا، وَسُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيمَا رَوَاهُ جَابر بن عبد الله عَن الطاغوت الَّتِي كَانُوا يتحاكمون إِلَيْهَا، فَقَالَ: كَانَت فِي جُهَيْنَة وَاحِدَة، وَفِي أسلم وَاحِدَة، وَفِي كل حَيّ وَاحِدَة.
وَقيل: الطاغوت الشَّيْطَان.
وَقيل: كل معبود من حجر أَو غَيره فَهُوَ جبت وطاغوت.
وَفِي (الغريبين) : الطاغوت الصَّنَم.
وَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ كل رَأس فِي الضلال.
وَفِي (المغيث) : هُوَ الشَّيْطَان أَو مَا زين الشَّيْطَان لَهُم أَن يعبدوه، وَفِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) : الطاغوت السَّاحر، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة وَمُحَمّد بن سِيرِين، وَعَن سعيد بن جُبَير وَابْن جريج: هُوَ الكاهن.
وَفِي (الْمعَانِي) للزجاج: الطاغوت مَرَدَة أهل الْكتاب.
وَفِي (ديوَان الْأَدَب) : تاؤه غير أَصْلِيَّة.
قَوْله: (وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها) أَي: تبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَال أَن فيهم منافقيها، فَهَذَا يدل على أَن الْمُنَافِقين يتبعُون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما انْكَشَفَ لَهُم من الْحَقِيقَة رَجَاء مِنْهُم أَن ينتفعوا بذلك، لأَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا متسترين بهم فتستروا أَيْضا فِي الْآخِرَة، واتبعوهم زاعمين الِانْتِفَاع بهم حَتَّى ضرب بَينهم بسور لَهُ بابُُ، بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: ظن المُنَافِقُونَ أَن تسترهم بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة يَنْفَعهُمْ كَمَا نفعهم فِي الدُّنْيَا جهلا مِنْهُم، فاختلطوا مَعَهم فِي ذَلِك الْيَوْم، وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا حشروا مَعَهم لما كَانُوا يظهرون من الْإِسْلَام، فحفظ ذَلِك عَلَيْهِم حَتَّى ميز الله الْخَبيث من الطّيب، وَيحْتَمل أَنه لما قيل: ليتبع كل أمة لما كَانَت تعبد، والمنافقون لم يعبدوا شَيْئا، فبقوا هُنَالك حيارى حَتَّى ميزوا.
وَقيل: هم المطرودون عَن الْحَوْض الْمَقُول فيهم: سحقا سحقا.
قَوْله: (فيأتيهم الله عز وَجل) .
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (فيأتيهم فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك) .
الْإِتْيَان هُنَا إِنَّمَا هُوَ كشف الْحجب الَّتِي بَين أبصارنا وَبَين رُؤْيَة الله عز وَجل، لِأَن الْحَرَكَة والانتقال لَا تجوز على الله تَعَالَى، لِأَنَّهَا صِفَات الْأَجْسَام المتناهية، وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بِشَيْء من ذَلِك، فَلم يكن معنى الْإِتْيَان إلاّ ظُهُوره عز وَجل إِلَى أبصار لم تكن ترَاهُ وَلَا تُدْرِكهُ، وَالْعَادَة أَن من غَابَ عَن غَيره لَا يُمكنهُ رُؤْيَته إلاّ بالإتيان، فَعبر بِهِ عَن الرُّؤْيَة مجازآ، لِأَن الْإِتْيَان مُسْتَلْزم للظهور على المأتي إِلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: التَّسْلِيم الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السّلف أسلم.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: إِن الْإِتْيَان فعل من أَفعَال الله تَعَالَى، سَمَّاهُ إتيانا، وَقيل: يَأْتِيهم بعض مَلَائكَته.
قَالَ القَاضِي: وَهَذَا الْوَجْه عِنْدِي أشبه بِالْحَدِيثِ، قَالَ: وَيكون هَذَا الْملك الَّذِي جَاءَهُم فِي الصُّورَة الَّتِي أنكروها من سمات الْحُدُوث الظَّاهِرَة عَلَيْهِ، أَو يكون مَعْنَاهُ: يَأْتِيهم فِي صُورَة لَا تشبه صِفَات الإل هية ليختبرهم، وَهُوَ آخر امتحان الْمُؤمنِينَ، فَإِذا قَالَ لَهُم، هَذَا الْملك أَو هَذِه الصُّورَة: أَنا ربكُم، وَرَأَوا عَلَيْهِ من عَلَامَات الْمَخْلُوق مَا ينكرونه ويعلمون أَنه لَيْسَ رَبهم، فيستعيذون بِاللَّه تَعَالَى مِنْهُ،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الرُّؤْيَة هِيَ ثَوَاب الْأَوْلِيَاء وكرامات لَهُم فِي الْجنَّة غير هَذِه الرُّؤْيَة، وَإِنَّمَا تعريضهم هَذِه الرُّؤْيَة امتحان من الله تَعَالَى ليَقَع التَّمْيِيز بَين من عبد الله وَبَين من عبد الشَّمْس وَنَحْوهَا، فَيتبع كل من الْفَرِيقَيْنِ معبوده، وَلَيْسَ يُنكر أَن يكون الامتحان إِذْ ذَاك بعد قَائِما، وَحكمه على الْخلق جَارِيا حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَيَقَع الْجَزَاء بالثواب وَالْعِقَاب، ثمَّ يَنْقَطِع إِذا حققت الْحَقَائِق.
واستقرت أُمُور الْمعَاد، وَأما ذكر الصُّورَة فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْكَيْفِيَّة وَالله منزه عَن ذَلِك، فيأول إِمَّا بِأَن تكون الصُّورَة بِمَعْنى الصّفة، كَقَوْلِك: صُورَة هَذَا الْأَمر كَذَا، تُرِيدُ صفته.
وَإِمَّا بِأَنَّهُ خرج على نوع من الْمُطَابقَة، لِأَن سَائِر المعبودات الْمَذْكُورَة لَهَا صُورَة: كَالشَّمْسِ وَغَيرهَا.
قَوْله: (هَذَا مَكَاننَا) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، إِنَّمَا قَالُوا: هَذَا مَكَاننَا من أجل أَن مَعَهم من الْمُنَافِقين الَّذين لَا يسْتَحقُّونَ الرُّؤْيَة وهم عَن رَبهم محجوبون، فَلَمَّا تميزوا عَنْهُم ارْتَفع الْحجاب، فَقَالُوا عِنْدَمَا رَأَوْهُ: أَنْت رَبنَا، وَإِنَّمَا عرفُوا أَنه رَبهم حَتَّى قَالُوا: أَنْت رَبنَا، إِمَّا بِخلق الله تَعَالَى فيهم علما بِهِ، وَإِمَّا بِمَا عرفُوا من وصف الْأَنْبِيَاء لَهُم فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا بِأَن جَمِيع الْعُلُوم يَوْم الْقِيَامَة تصير ضَرُورِيَّة.
قَوْله: (فيأتيهم الله، عز وَجل، فَيَقُول: أَنا ربكُم) ، إِنَّمَا كرر هَذَا اللَّفْظ لِأَن الأول: ظُهُور غير وَاضح لبَقَاء بعض الْحجب مثلا، وَالثَّانِي: ظُهُور وَاضح فِي الْغَايَة، أبهم أَولا ثمَّ فسره ثَانِيًا بِزِيَادَة بَيَان قَوْلهم، وَذكر الْمَكَان ودعوتهم إِلَى دَار السَّلَام.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَو يُرَاد من الأول إتْيَان الْملك فَفِيهِ إِضْمَار.
.

     وَقَالَ : فَإِن قلت: الْملك مَعْصُوم، فَكيف يَقُول: أَنا ربكُم، وَهُوَ كذب؟ قلت: قيل: لَا نسلم عصمته من مثل هَذِه الصَّغِيرَة، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَجَاز لامتحان الْمُؤمنِينَ.
.

     وَقَالَ : فَإِن قلت: المُنَافِقُونَ لَا يرَوْنَ الله، فَمَا تَوْجِيه الحَدِيث؟ قلت: لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح برؤيتهم، وَإِنَّمَا فِيهِ أَن الْأمة ترَاهُ، وَهَذَا لَا يقتي أَن يرَاهُ جَمِيعهَا، كَمَا يُقَال: قَتله بَنو تَمِيم، وَالْقَاتِل وَاحِد مِنْهُم، ثمَّ لَو ثَبت التَّصْرِيح بِهِ عُمُوما فَهُوَ مُخَصص بِالْإِجْمَاع، وَسَائِر الْأَدِلَّة، أَو خُصُوصا فَهُوَ معَارض بِمِثْلِهَا، وَهَذَا من المتشابهات فِي أَمْثَالهَا.
وَالْأمة طَائِفَتَانِ: مفوضة يفوضون الْأَمر فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى جازمين بِأَنَّهُ منزه عَن النقائص، ومأولة يأولونها على مَا يَلِيق بِهِ.
قَوْله: (فيدعوهم) أَي: فيدعوهم الله تَعَالَى.
قَوْله: (فَيضْرب الصِّرَاط) ، ويروى: (وَيضْرب الصِّرَاط) بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ: (ثمَّ يضْرب الصِّرَاط) ، والصراط: جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أدق من الشّعْر وأحدّ من السَّيْف، عَلَيْهِ مَلَائِكَة يحبسون الْعباد فِي سبع مَوَاطِن ويسألونهم عَن سبع خِصَال: فِي الأول عَن الْإِيمَان، وَفِي الثَّانِي عَن الصَّلَاة، وَفِي الثَّالِث عَن الزَّكَاة، وَفِي الرَّابِع عَن شهر رَمَضَان، وَفِي الْخَامِس عَن الْحَج وَالْعمْرَة، وَفِي السَّادِس عَن الْوضُوء، وَفِي السَّابِع عَن الْغسْل من الْجَنَابَة.
قَوْله: (بَين ظهراني جَهَنَّم) ، كَذَا فِي رِوَايَة العذري، وَفِي رِوَايَة غَيره: (بَين ظَهْري جَهَنَّم) .
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: أَي على وَسطهَا، يُقَال: نزلت بَين ظهريهم وظهرانيهم، بِفَتْح النُّون أَي: فِي وَسطهمْ متمسكا بَينهم لَا فِي أَطْرَافهم، وَالْألف وَالنُّون زيدتا للْمُبَالَغَة.
وَقيل: لفظ الظّهْر مقحم وَمَعْنَاهُ: يمد الصِّرَاط عَلَيْهَا.
قَوْله: (فَأَكُون أول من يُجِيز من الرُّسُل بأمته) ، بِضَم الْيَاء وَكسر الْجِيم، ثمَّ زَاي بِمَعْنى: أول من يمْضِي عَلَيْهِ ويقطعه، يُقَال: أجزت الْوَادي وجزته: لُغَتَانِ بِمَعْنى،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: أجزته قطعته، وجزته مشيت عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: إِذا كَانَ رباعيا مَعْنَاهُ: لَا يجوز أحد على الصِّرَاط حَتَّى يجوز صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمته، فَكَأَنَّهُ يُجِيز النَّاس.
وَفِي (الْمُحكم) : جَازَ الْموضع جوزا وجوزا وجوازا ومجازا، وجاوزه وَأَجَازَ جَوَازًا وَأَجَازَهُ وَأَجَازَ غَيره، وَقيل: جازه سَار فِيهِ، وَأَجَازَهُ خَلفه وقطعه، وَأَجَازَهُ: أنفذه.
قَوْله: (وَلَا يتَكَلَّم يَوْمئِذٍ أحد) أَي: لشدَّة الْأَهْوَال، وَالْمرَاد: لَا يتَكَلَّم فِي حَال الْإِجَازَة وإلاّ فَفِي يَوْم الْقِيَامَة مَوَاطِن يتَكَلَّم النَّاس فِيهَا.
وتجادل كل نفس عَن نَفسهَا.
قَوْله: (سلم سلم) ، هَذَا من الرُّسُل لكَمَال شفقتهم ورحمتهم لِلْخلقِ.
قَوْله: (كلاليب) ، جمع كَلوب، بِفَتْح الْكَاف وَضم اللَّام الْمُشَدّدَة.
وَفِي (الْمُحكم) : الْكلاب والكلوب: السفود، لِأَنَّهُ يعلق الشواء، ويتحلله هَذِه عَن اللحياني، وَالْكلاب والكلوب: حَدِيدَة مقطوفة كالخطاف.
وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: الكلوب: المنشال.
والخطاف، وَكَذَلِكَ الْكلاب.
قَوْله: (مثل شوك السعدان) ، قَالَ أَبُو حنيفَة فِي (كتاب النَّبَات) : واحده سعدانة،.

     وَقَالَ  أَبُو زِيَاد فِي (الْأَحْرَار) : السعدان ضرب الْمثل بِهِ: مرعى وَلَا كالسعدان.
وَهِي غبراء اللَّوْن حلوة يأكلها كل شَيْء، وَلَيْسَت كَبِيرَة، وَلها إِذا يَبِسَتْ شَوْكَة مفلطحة كَأَنَّهَا دِرْهَم، وَهِي شَوْكَة ضَعِيفَة.
ومنابت السعدان السهول، وَقيل: للسعدان شوك كحسك القطب مفلطح كالفلكة،.

     وَقَالَ  الْمبرد: هُوَ نبت كثير الحسك،.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: لَا سَاق لَهُ.
وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: شوك وحسك عريض.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ نبت لَهُ شوك عَظِيم من كل الجوانب مثل الحسك، وَهُوَ أفضل مرَاعِي الْإِبِل وَيُقَال: مرعى وَلَا كالسعدان.
قَوْله: (لَا يعلم قدر عظمها إلاّ الله) وَفِي بعض النّسخ: (لَا يعلم مَا قدر عظمها إلاّ الله) .
وتوجيهه على هَذَا مَا قَالَ الْقُرْطُبِيّ،.
وَهُوَ: أَن يكون لفظ: قدر، مَرْفُوعا على أَنه مُبْتَدأ، وَلَفظ: مَا، استفهاما مقدما خَبره: قَالَ: وَيجوز أَن تكون: مَا، زَائِدَة وَيكون: قدر، مَنْصُوبًا على أَنه مفعول: لَا يعلم.
قَوْله: (تخطف النَّاس) ، قَالَ ثَعْلَب فِي (الفصيح) : خطف بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي، وَفتحهَا فِي الْمُسْتَقْبل وَحكى غُلَامه والقزاز عَنهُ: خطف، بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل، وحكاها الْجَوْهَرِي عَن الْأَخْفَش.
.

     وَقَالَ : هِيَ قَليلَة رَدِيئَة لَا تكَاد تعرف.
قَالَ: وَقد قَرَأَ بهما يُونُس فِي قَوْله تَعَالَى: { يخطف أبصاركم} (الْبَقَرَة: 20) .
وَفِي (الواعي) : الخطف الْأَخْذ بِسُرْعَة على قدر ذنوبهم.
قَوْله: (من يوبق) ، قَالَ ابْن قرقول: بباء مُوَحدَة عِنْد العذري، وَمَعْنَاهُ: يهْلك، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من: وبق الرجل إِذا هلك، وأوبقه الله إِذا أهلكه، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: بثاء مُثَلّثَة من الوثاق، قَوْله: (من يخردل) أَي: يقطع، يُقَال: خردات اللَّحْم بِالدَّال والذال: أَي قطعته قطعا صغَارًا.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: يخردل، كَذَا هُوَ لكافة الروَاة، وَهُوَ الصَّوَاب إلاّ الْأصيلِيّ فَإِنَّهُ ذكره بِالْجِيم، وَمَعْنَاهُ: الإشراف على السُّقُوط والهلكة.
وَفِي (الْمُحكم) : خَرْدَل اللَّحْم قطع أعضاءه وأفراه.
وَقيل: خَرْدَل اللَّحْم وقطعه وفرقه، والذال فِيهِ لُغَة، وَلحم خراديل، والمخردل المصروع.
وَفِي (الصِّحَاح) : خَرْدَل اللَّحْم أَي: قطعه صغَارًا، وَعند أبي عبيد الْهَرَوِيّ: المخردل المرمى المصروع، وَالْمعْنَى أَنه تقطعه كلاليب الصلاط حَتَّى يهوي إِلَى النَّار.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث وَأَبُو عبيد: خردلت اللَّحْم إِذا فصلت أعضاءه، وَزَاد أَبُو عبيد: وخردلته بِالدَّال والذال: قطعته وفرقته.
قَوْله: (مَن أَرَادَ) كلمة: من، مَوْصُولَة: أَي: إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى رَحْمَة الَّذِي أَرَادَهُم من أهل النَّار وهم الْمُؤْمِنُونَ الخلص، إِذْ الْكَافِر لَا ينجو أبدا من النَّار وَيبقى خَالِدا فِيهَا.
قَوْله: (بآثار السُّجُود) ، اخْتلف فِي المُرَاد بهَا، فَقيل: هِيَ الْأَعْضَاء السَّبْعَة، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر،.

     وَقَالَ  عِيَاض: المُرَاد الْجَبْهَة خَاصَّة، وَيُؤَيّد هَذَا مَا فِي رِوَايَة مُسلم: أَن قوما يخرجُون من النَّار يحترقون فِيهَا ألاّ دارات وُجُوههم.
قَوْله: (فَكل ابْن آدم) أَي: فَكل أَعْضَاء ابْن آدم.
قَوْله: (إلاّ أثر السُّجُود) أَي: مَوَاضِع أَثَره.
قَوْله: (قد امتحشوا) ، بتاء مثناة من فَوق مَفْتُوحَة وحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة، وَمَعْنَاهُ: احترقوا ويروى بِضَم التَّاء وَكسر الْحَاء، وَفِي بعض الرِّوَايَات صَارُوا حمما.
وَفِي (الْمُحكم) : المحش: تنَاول من لَهب يحرق الْجلد ويبدي الْعظم.
وَفِي (الْجَامِع) : محشته النَّار تمحشه محشا: إِذا أحرقته.
وَحكى: أمحشته.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: امتحشوا: انقبضوا واسودوا.
قَوْله: (مَاء الْحَيَاة) هُوَ الَّذِي من شربه أَو صب عَلَيْهِ لم يمت أبدا.
قَوْله: (كَمَا تنْبت الْحبَّة) ، بِكَسْر الْحَاء هُوَ: بزور الصَّحرَاء مِمَّا لَيْسَ بقوت، وَوجه الشّبَه فِي سرعَة النَّبَات، وَيُقَال: شبه نَبَاته بنبات الْحبَّة لبياضها ولسرعة نباتها لِأَنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، لِأَنَّهَا رويت من المياء وترددت فِي غثاء السَّيْل.
قَوْله: (فِي حميل السَّيْل) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ السَّيْل من طين وَنَحْوه.
قَوْله: (ثمَّ يفرغ الله من الْقَضَاء) ، اسناد الْفَرَاغ إِلَى الله لَيْسَ على سَبِيل الْحَقِيقَة، إِذْ الْفَرَاغ هُوَ الْخَلَاص عَن المهام، وَالله تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن، وَالْمرَاد مِنْهُ إتْمَام الحكم بَين الْعباد بالثواب وَالْعِقَاب.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ كمل خُرُوج الْمُوَحِّدين من النَّار.
قَوْله: (دُخُولا) نصب على التَّمْيِيز، وَيجوز أَن يكون حَالا، على أَن يكون: دُخُولا، بِمَعْنى: دَاخِلا.
قَوْله: (الْجنَّة) ، بِالنّصب على أَنه مفعول: دُخُولا.
قَوْله: (مُقبلا) نصب على أَنه حَال من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة، ويروى: (مقبل) ، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ مقبل بِوَجْهِهِ إِلَى جِهَة النَّار.
قَوْله: (قد قشبني) ، بِفَتْح الْقَاف والشين الْمُعْجَمَة المخففة الْمَفْتُوحَة وبالباء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  السفاقسي: كَذَا هُوَ عِنْد الْمُحدثين، وَكَذَا ضَبطه بَعضهم، وَالَّذِي فِي اللُّغَة الشين وَمَعْنَاهُ سمني،.

     وَقَالَ  الفارابي فِي بابُُ: فعل، بِفَتْح الْعين من الْمَاضِي وَكسرهَا من الْمُسْتَقْبل، قشبه، أَي: سقَاهُ السم، وقشب طَعَامه أَي: سمه.
وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمَعَالِي: القشب أخلاط تخلط للنسر فيأكلها فَيَمُوت، فَيُؤْخَذ ريشه.
يُقَال لَهُ: ريش قشيب ومقشوب، وكل مَسْمُوم قشيب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: القشب هُوَ السم، وقشبه سقَاهُ السم، وَفِي (النَّوَادِر) للهجري: وَمعنى القشب هُوَ السم لغير النَّاس، يقشب بِهِ السبَاع وَالطير فيقتلها.
وَفِي (الْمُحكم) : القشب والقشيب: السم، وَالْجمع أقشاب، وقشب لَهُ: سقَاهُ السم، وقشب الطَّعَام يقشبه قشبا: إِذا لطخ بالسم.
وَفِي (كتاب ابْن طريف) : أقشب الشَّيْء إِذا خالطه بِمَا يُفْسِدهُ من سم أَو غَيره، وَعند أبي حنيفَة القشب: نَبَات يقتل الطير.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: يُقَال قشبه الدُّخان إِذا مَلأ خياشيمه، وَأخذ بكظمه وَهُوَ انْقِطَاع نَفسه، وَأَصله: خلط السم.
يُقَال: قشبه إِذا سمه، وَمِنْه حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَنه كَانَ بِمَكَّة فَوجدَ ريح طيب، فَقَالَ: من قشبنا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دخلت على أم حَبِيبَة فطيبتني) .
قَوْله: (وأحرقني ذكاؤها) قَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث: (ذكاؤها) بِالْمدِّ وبفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ: لهبها واشتعالها وَشدَّة وهجها، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة: ذكاها، مَقْصُورا، وَذكر جماعات أَن الْمَدّ وَالْقصر لُغَتَانِ.
انْتهى.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَفِيه نظر.
قلت: ذكر وَجه النّظر وَهُوَ أَنه عد كتبا عديدة فِي اللُّغَة وشروح دواوين الشُّعَرَاء، ثمَّ قَالَ: وَكلهمْ نصوا على قصره لَا يذكرُونَ الْمَدّ فِي ورد وَلَا صدر، حاشا مَا وَقع فِي (كتاب النَّبَات) لأبي حنيفَة الدينَوَرِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوضِع السعار: حر النَّار وذكااؤها، وَفِي آخر: ولهبها ذكاء لهبها، وَفِي مَوضِع آخر: مَعَ ذكاء وقودها، وَفِي آخر: وَقد ضربت الْعَرَب الْمثل بجمر الغضا لذكائه، ورد عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فَقَالَ: كل هَذَا غلط، لِأَن ذكاء النَّار مَقْصُور يكْتب بِالْألف.
لِأَنَّهُ من الواوي من قَوْلهم: ذكت النَّار تذكو وذكو النَّار وذكاكها بِمَعْنى، وَهُوَ التهابها.
وَيُقَال أَيْضا: ذكت النَّار تذكو ذكوا وذكوا، فَأَما ذكاء بِالْمدِّ فَلم يَأْتِ عَنْهُم بِالْمدِّ فِي النَّار، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَهم.
قَوْله: (هَل عَسَيْت) ، بِفَتْح السِّين ذكره صَاحب (الفصيح) ، وَفِي (الموعب) : لم يعرف الْأَصْمَعِي: عَسَيْت، بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَقد ذكره بعض الْقُرَّاء وَهُوَ خطأ، وَعَن الْفراء: لَعَلَّهَا لُغَة نادرة.
وَفِي (شرح المطرزي) عَن الْفراء: كَلَام الْعَرَب العالي: عَسَيْت، بِفَتْح السِّين، وَمِنْهُم من يَقُول: عَسَيْت،.

     وَقَالَ  ابْن درسْتوَيْه فِي كِتَابه: (تَصْحِيح الفصيل) : الْعَامَّة تَقول: عَسَيْت، بِكَسْر السِّين وَهِي لُغَة شَاذَّة،.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت فِي كِتَابه: (فعلت وأفعلت) : عَسَيْت، بِالْكَسْرِ لُغَة رَدِيئَة.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: وَيَقُولُونَ: مَا عَسَيْت، وإلأجود الْفَتْح، كَذَا قَالَه ثَابت (فِيمَا يلحن فِيهِ) .
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد بن سَلام فِي كِتَابه (فِي الْقرَاءَات) : كَانَ نَافِع يقْرَأ عسيتم، بِالْكَسْرِ، وَالْقِرَاءَة عندنَا بِالْفَتْح، لِأَنَّهَا أعرب اللغتين، وَلَو كَانَت: عسيتم، بِالْكَسْرِ لقرىء: عَسى رَبنَا، أَيْضا، وَهَذَا الْحَرْف لَا نعلمهُمْ اخْتلفُوا فِي فَتحه، وَكَذَلِكَ سَائِر الْقُرْآن، ثمَّ إعلم أَن: عَسى، من الْآدَمِيّين يكون للترجي وَالشَّكّ، وَمن الله للْإِيجَاب وَالْيَقِين.
قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى الصّرْف الَّذِي يدل عَلَيْهِ.
قَوْله: (إصرف وَجْهي عَن النَّار) .
قَوْله: (فيعطي الله) مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: فيعطي الرجل الْمَذْكُور.
قَوْله: (مَا شَاءَ) ويروى (مَا يَشَاء) ، بياء المضارعة.
قَوْله: (الْعَهْد والميثاق) ، الْعَهْد: يَأْتِي لمعان، بِمَعْنى: الْحفاظ، ورعاية الْحُرْمَة والذمة والأمان وَالْيَمِين وَالْوَصِيَّة، والميثاق، الْعَهْد أَيْضا، وَهُوَ على وزن مفعال، من الوثاق، وَهُوَ فِي الأَصْل حَبل أَو قيد يشد بِهِ الْأَسير أَو الدَّابَّة.
قَوْله: (بهجتها) أَي: حسنها ونضارتها.
قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك) قَالَ السفاقسي: كَذَا هُنَا
(لأَكُون) وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن: (لاأكونن) ، وَالْمعْنَى: إِن أَنْت أبقيتني على هَذِه الْحَالة وَلَا تدخلني الْجنَّة لأكونن أَشْقَى خلقك الَّذين دخلوها، وَالْألف زَائِدَة يَعْنِي فِي قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك).

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: (لَا أكون أَشْقَى خلقك) أَي: كَافِرًا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ طابق هَذَا الْجَواب لفظ: (أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت العهود) ؟ قلت: كَأَنَّهُ قَالَ: يَا رب أَعْطَيْت، لَكِن كرمك يطمعني إِذْ لَا ييأس من روح الله إلاّ الْقَوْم الْكَافِرُونَ.
قَوْله: (فَمَا عَسَيْت إِن أَعْطَيْت ذَلِك) كلمة: مَا استفهامية، وَاسم: عَسى، هُوَ الضَّمِير، وَخَبره هُوَ قَوْله: (أَن تسْأَل) وَقَوله: (إِن أَعْطَيْت) جملَة مُعْتَرضَة، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله: (ذَلِك) مفعول ثَان: لأعطيت، أَي: إِن أَعْطَيْت الْقَدِيم إِلَى بابُُ الْجنَّة.
وَقَوله: (غَيره) مفعول (أَن تسْأَل) أَي: غير التَّقْدِيم إِلَى بابُُ الْجنَّة.
وَكلمَة: (إِن) فِي: (إِن أَعْطَيْت) مَكْسُورَة، وَهِي شَرْطِيَّة وَالَّتِي فِي: (أَن تسْأَل) مَفْتُوحَة مَصْدَرِيَّة ويروى: (أَن لَا تسْأَل) ، بِزِيَادَة لَفْظَة: لَا، ووجهها، إِمَّا أَن تكون زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} (الْحَدِيد: 29) .
وَإِمَّا أَن تكون على أَصْلهَا، وَتَكون كلمة: (مَا) فِي قَوْله: (فَمَا عَسَيْت) نَافِيَة، وَنفي النَّفْي إِثْبَات.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي هُنَا فَإِن قلت: كَيفَ يَصح هَذَا من الله تَعَالَى وَهُوَ عَالم بِمَا كَانَ وَمَا يكون؟ قلت: مَعْنَاهُ أَنكُمْ يَا بني آدم لما عهد عَنْكُم نقض الْعَهْد أحقاء بِأَن يُقَال لكم ذَلِك، وَحَاصِله أَن معنى: عَسى، رَاجع إِلَى الْمُخَاطب لَا إِلَى الله تعالي.
قَوْله: (فَيَقُول: لَا) أَي: فَيَقُول الرجل: لَا يَا رب لَا أسأَل غَيره وَحقّ عزتك.
قَوْله: (فيعطي ربه) أَي: فيعطي الرجل ربه مَا شَاءَ من الْعَهْد والميثاق.
قَوْله: (فَإِذا بلغ بابُُهَا) أَي: بابُُ الْجنَّة.
قَوْله: (فَرَأى زهرتها) عطف على: بلغ، وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: فَإِذا بلغ إِلَى آخِره سكت، ثمَّ بَين سُكُوته بقوله: (فيسكت) ، بِالْفَاءِ التفسيرية، ثمَّ إِن سُكُوته بِمِقْدَار مَشِيئَة الله تَعَالَى إِيَّاه، وَهُوَ معنى قَوْله: (فيسكت مَا شَاءَ الله أَن يسكت) وَكلمَة: أَن، هَذِه مَصْدَرِيَّة أَي: مَا شَاءَ الله سُكُوته.
.

     وَقَالَ  الكلاباذي: إمْسَاك العَبْد عَن السُّؤَال حَيَاء من ربه، عز وَجل، وَالله تَعَالَى يحب سُؤَاله لِأَنَّهُ يحب صَوته، فيباسطه بقوله: لَعَلَّك إِن أَعْطَيْت هَذَا تسْأَل غَيره؟ وَهَذِه حَال المقصر، فَكيف حَال الْمُطِيع، وَلَيْسَ نقض هَذَا العَبْد عَهده وَتَركه أقسامه جهلا مِنْهُ، وَلَا قلَّة مبالاة، بل علما مِنْهُ بِأَن نقض هَذَا الْعَهْد أولى من الْوَفَاء، لِأَن سُؤَاله ربه أولى من إبرار قسمه، لِأَنَّهُ علم قَول نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) .
قَوْله: (وَيحك) كلمة رَحْمَة، كَمَا أَن: وَيلك كلمة عَذَاب، وَقيل: هما بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: (ابْن آدم) أَي: يَا ابْن آدم.
قَوْله: (مَا أغدرك) ، فعل التَّعَجُّب، والغدر ترك الْوَفَاء.
قَوْله: (أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَعْلُوم.
قَوْله: (غير الَّذِي أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (فيضحك الله مِنْهُ) ، أَي: من فعل هَذَا الرجل، وَالْمرَاد من الضحك لَازمه، وَهُوَ الرضى مِنْهُ وَإِرَادَة الْخَيْر لَهُ، لِأَن إِطْلَاق حَقِيقَة الضحك على الله تَعَالَى لَا يتَصَوَّر، وأمثال هَذِه الأطلاقات كلهَا يُرَاد بهَا لوازمها.
قَوْله: (تمن) أَمر من التَّمَنِّي، ويروى: (تمن كَذَا وَكَذَا) .
قَوْله: (حَتَّى إِذا انْقَطع) ويروى: (إِذا انْقَطَعت) ، وَقد علم أَن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مثل هَذَا الْفَاعِل يجوز فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث.
قَوْله: (زد من كَذَا وَكَذَا) أَي: من أمانيك الَّتِي كَانَت لَك قبل أَن أذكرك بهَا.
قَوْله: (أقبل) ، فعل مَاض من الإقبال، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الله تَعَالَى، وَكَذَا الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي قَوْله: (يذكرهُ) ، وَقد تنَازع هَذَانِ الفعلان فِي قَوْله: (ربه) .
فَإِن قلت: مَا موقع هَاتين الجملتين؟ أَعنِي: (أقبل يذكرهُ؟) قلت: بدل من قَوْله: قَالَ الله عز وَجل: زد قَوْله: (الْأَمَانِي) جمع أُمْنِية.
قَوْله: (لَك ذَلِك) أَي: مَا سَأَلته من الْأَمَانِي.
قَوْله: (وَمثله مَعَه) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت حَالا.
قَوْله: (لَك ذَلِك وَعشرَة أَمْثَاله) ، أَي: وَعشرَة أَمْثَال مَا سَأَلته، وَهَذَا فِي خبر أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَوجه الْجمع بَين خَبره وَخبر أبي هُرَيْرَة لِأَن فِي خبر أبي هُرَيْرَة: وَمثله، وَفِي خبر أبي سعيد: وَعشرَة أَمْثَاله، هُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَولا بِالْمثلِ، ثمَّ اطلع على الزِّيَادَة تكرما، وَلَا يحْتَمل الْعَكْس، لِأَن الْفَضَائِل لَا تنسخ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أعلم أَولا بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ تكرم الله فزادها فَأخْبر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمعهُ أَبُو هُرَيْرَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: إِثْبَات الرُّؤْيَة للرب عز وَجل نصا من كَلَام الشَّارِع، وَهُوَ تَفْسِير قَوْله جلّ جَلَاله: { وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} (الْقِيَامَة: 22، 23) .
يَعْنِي: مبصرة، وَلَو لم يكن هَذَا القَوْل من الشَّارِع بِالرُّؤْيَةِ نصا لَكَانَ مَا فِي الْآيَة كِفَايَة لمن انصف، وَذَلِكَ أَن النّظر إِذا قرن بِذكر الْوَجْه لم يكن إلاّ نظر الْبَصَر، وَإِذا قرن بِذكر الْقُلُوب كَانَ بِمَعْنى الْيَقِين، فَلَا يجوز أَن ينْقل حكم الْوُجُوه إِلَى حكم الْقُلُوب.

وَاعْلَم أَن أهل السّنة اتَّفقُوا على أَن الله تَعَالَى يَصح أَن يُرى بِمَعْنى: أَنه ينْكَشف لِعِبَادِهِ وَيظْهر لَهُم بِحَيْثُ تكون نِسْبَة ذَلِك الانكشاف إِلَى ذَاته الْمَخْصُوصَة كنسبة الإبصار إِلَى هَذِه المبصرات المادية، لكنه يكون مُجَردا عَن ارتسام صُورَة المرئي، وَعَن اتِّصَال الشعاع بالمرئي، وَعَن الْمُحَاذَاة والجهة وَالْمَكَان، خلافًا للمعتزلة فِي الرُّؤْيَة مُطلقًا، وللمشبهة والكرامية فِي خلوها عَن المواجهة وَالْمَكَان.

احتجت الْمُعْتَزلَة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِوُجُوه: الأول: بقوله تَعَالَى: { لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} (الْأَنْعَام: 103) .
وَالْجَوَاب عَنهُ: إِن معنى الْإِدْرَاك هَهُنَا الْإِحَاطَة، وَنحن نقُول أَيْضا: إِن الْإِحَاطَة ممتنعة.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: الْآيَة مَخْصُوصَة بِالسنةِ.
قلت: فِيهِ نظر، وَالْأولَى مَا قُلْنَا.
الثَّانِي: بقوله تَعَالَى: { لن تراني} (الْأَعْرَاف: 143) .
فَإِن: لن، نفي للتأييد بِدَلِيل قَوْله: { قل لن تتبعونا} (الْفَتْح: 15) .
فَإِذا ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي حق مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثَبت فِي حق غَيره أَيْضا لانعقاد الْإِجْمَاع على عدم الْفرق، وَالْجَوَاب عَنهُ: إِنَّا لَا نسلم أَن: لن، تدل على التأييد بِدَلِيل قَوْله: { لن يَتَمَنَّوْهُ أبدا} (الْبَقَرَة: 95) .
مَعَ أَنهم يتمنونه فِي الْآخِرَة.
الثَّالِث: بقوله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إلاّ وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} (الشورى: 51) .
الْآيَة، فَإِن الْآيَة دلّت على أَن كل من يتَكَلَّم الله تَعَالَى مَعَه، فَإِنَّهُ لَا يرَاهُ، فَإِذن ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي غير وَقت الْكَلَام ضَرُورَة أَنه لَا قَائِل بِالْفَصْلِ، وَالْجَوَاب: أَن الْوَحْي كَلَام يسمع بالسرعة وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة تدل على كَون الْمُتَكَلّم محجوبا عَن نظر السَّامع.

وَفِيه: أَن الصَّلَاة أفضل الْأَعْمَال لما فِيهَا من السُّجُود، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أقرب مَا يكون العَبْد من ربه إِذا سجد) ، وَفِيه: فَضِيلَة السُّجُود، وَالْبابُُ مترجم بذلك.
وَفِيه: بَيَان كرم أكْرم الأكرمين ولطفه وفضله الْوَاسِع.
وَفِيه: أَن الصِّرَاط حق، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، والحشر حق، والنشر حق، وَالسُّؤَال حق.