فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كيف يبايع الإمام الناس

( بابٌُ كَيْفَ يُبايِعُ الإمامُ النَّاس)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ كَيفَ يُبَايع الإِمَام النَّاس، قيل: المُرَاد بالكيفية الصِّيَغ القولية لَا الفعلية بِدَلِيل مَا ذكره فِيهِ سِتّ أَحَادِيث، وَهِي الْبيعَة على السّمع وَالطَّاعَة وعَلى الْهِجْرَة وعَلى الْجِهَاد وعَلى الصَّبْر وعَلى عدم الْفِرَار وَلَو وَقع الْمَوْت وعَلى بيعَة النِّسَاء وعَلى الْإِسْلَام، وكل ذَلِك وَقع عِنْد الْبيعَة بَينهم بالْقَوْل.


حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ يَحْياى بنِ سَعيدٍ قَالَ أَخْبرنِي عُبادَةُ بنُ الوَلِيدِ أَخْبرنِي أبي عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: بايَعْنا رسولَ الله عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ فِي المَنْشَطِ والمَكْرَهِ.
وأنْ لَا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، وأنْ نَقُومَ أَو نَقُولَ بالحَقِّ حَيْثُما كُنَّا لَا نَخافُ فِي الله لَوْمَةَ لائِمٍ.

ي: 7205، 7272
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: عبد الْملك هُوَ ابْن مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي، وَالْمرَاد باجتماع النَّاس عَلَيْهِ عقدهم لَهُ بالخلافة وَكَانَ بُويِعَ لَهُ فِي حَيَاة أَبِيه، فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ فِي ثَالِث رَمَضَان فِي سنة خمس وَسِتِّينَ جددت لعبد الْملك الْبيعَة بِدِمَشْق ومصر وأعمالهما، واستقرت يَده على مَا كَانَت يَد أَبِيه عَلَيْهِ.
قَوْله: كتب أَي: ابْن عمر إِنِّي أقرّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة إِلَى آخِره.
قَوْله: مَا اسْتَطَعْت أَي: قدر استطاعتي.
قَوْله: إِن بني قد أقرُّوا بذلك أَي: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، وأبناؤه هم عبد الله وَأَبُو بكر وَأَبُو عُبَيْدَة وبلال وَعمر أمّهم صَفِيَّة بنت أبي عبيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَعبد الرحمان أمه أم عَلْقَمَة بنت نافس بن وهب وَسَالم وَعبيد الله وَحَمْزَة أمّهم أم ولد وَزيد أمه أم وَلَده.



[ قــ :6816 ... غــ :7204 ]
- حدّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هُشيمٌ، أخبرنَا سَيَّارٌ، عَن الشعبيِّ، عَن جرير بن عبد الله قَالَ: بايعتُ النبيّ على السّمع وَالطَّاعَة، فلقنني: فِيمَا است




[ قــ :6817 ... غــ :705 ]
- حدّثنا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن دِينَار قَالَ: لما بَايع النَّاس عبد الْملك كتب إِلَيْهِ عبدُ الله بن عمر: إِلَى عبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي أُقر بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة لعبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ على سنة الله وَسنة رَسُوله، فِيمَا اسْتَطَعْت، وَإِن بني قد أقرُّوا بذلك
انْظُر الحَدِيث 703 وطرفه




[ قــ :6818 ... غــ :706 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، حَدثنَا حاتِمٌ عنْ يَزِيدَ قَالَ:.

قُلْتُ لِسَلَمَةَ: عَلى أيِّ شَيءٍ بايَعْتُمُ النبيَّ يَوْمَ الحُدَيْبيَةِ قَالَ: عَلى المَوْتِ.

انْظُر الحَدِيث 960 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي سكن الْمَدِينَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع يروي عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع وَهُوَ الْقَائِل لَهُ: على أَي شَيْء بايعتم
قَوْله: على الْمَوْت يَعْنِي: لَا نفر وَإِن قتلنَا، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر، وَتَمَامه فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ الْبيعَة على الْحَرْب أَن لَا يَفروا.





[ قــ :6819 ... غــ :707 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْماءَ، حدّثنا جُوَيْرِيَةُ، عنْ مالِكٍ عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ حُمَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ، أخْبَرَهُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبرهُ أنَّ الرَّهْطَ الّذِينَ وَلاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمان: لَسْتُ بِالّذِي أنافِسُكُمْ عَلى هاذَا الأمْرِ، ولاكِنَّكُمْ إنْ شئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمُ، فَجَعَلُوا ذالِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ، فَلمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمانِ أمْرَهُمْ فمالَ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمانِ حتَّى مَا أراى أحدا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولائِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأَ عَقِبَهُ، ومالَ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمانِ يُشاوِرُونَهُ تِلْكَ اللّيالي، حتَّى إِذا كانَتِ اللّيْلَة الّتِي أصْبَحْنا مِنْها فبايَعْنا عُثْمانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقني عَبْدُ الرَّحْمانِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البابَُ حتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أراكَ نائِماً فَوالله مَا اكْتَحَلْتُ هاذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَثِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فادْعُ الزُّبَيْرَ وسَعْداً، فَدَعُوتُهُما لهُ فَشاوَرَهُما، ثُمَّ دَعاني فَقَالَ: ادْعُ لي عَلِيّاً فَدَعَوْتُهُ فَناجاهُ حتَّى ابْهارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وهْوَ عَلى طَمَعٍ وقَدْ كانَ عَبْدُ الرَّحْمانِ يَخْشَى مِنْ عَلِيَ شَيْئاً، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمانَ فَدَعَوْتُهُ فَنجاهُ، حتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُما المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلمَّا صَلّى للنَّاسِ الصُّبْحَ، واجْتَمَعَ أُولائِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فأرْسَلَ إِلَى مَنْ كانَ حاضِراً مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، وأرْسَلَ إِلَى أُمَراءِ الأجْناد وَكَانُوا وافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمانَ، فَلا تَجْعَلَنَّ عَلى نَفْسِكَ سَبِيلاً، فَقَالَ: أُبايِعُكَ عَلى سُنَّةِ الله وسُنَّةِ رسُولِهِ والخَليفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فبايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ وبايَعَهُ النَّاسُ المُهاجِرُونَ والأنْصارُ وأُمَراءُ الأجْناد والمُسْلِمُونَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَذَا آخر الْأَحَادِيث السِّتَّة الَّتِي أخرج كلّاً مِنْهَا لكل من الْبيعَة السِّتَّة.

وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء الضبعِي وَهُوَ عَم عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء الرَّاوِي عَنهُ، وَحميد بن عبد الرحمان بن عَوْف، والمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم ابْن نَوْفَل ابْن أُخْت عبد الرحمان بن عَوْف يكنى أَبَا عبد الرحمان، سمع النَّبِي
قَوْله: إِن الرَّهْط الَّذين ولاهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرحمان بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

     وَقَالَ : إِن عجل بِي أَمر فالشورى فِي هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله وَهُوَ عَنْهُم راضٍ.
.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: فَلم يكن أحد من أهل الْإِسْلَام يومئذٍ لَهُ مَنْزِلَتهمْ من الدّين وَالْهجْرَة السَّابِقَة وَالْفضل وَالْعلم بسياسة الْأَمر.
قَوْله: فَقَالَ لَهُم عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عَوْف.
قَوْله: أنافسكم أَي: أنازعكم فِيهِ إِذْ لَيْسَ لي فِي الِاسْتِقْلَال بالخلافة رَغْبَة.
قَوْله: على هَذَا الْأَمر هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَن هَذَا الْأَمر، أَي: من جِهَته ولأجله.
قَوْله: فَلَمَّا ولوا عبد الرَّحْمَن أَمرهم يَعْنِي: أَمر الِاخْتِيَار مِنْهُم.
قَوْله: فَمَال النَّاس على عبد الرحمان من الْميل، وَفِي رِوَايَة سعيد بن عَامر: فانثال النَّاس، بنُون وبثاء مُثَلّثَة أَي: قصدوه كلهم شَيْئا بعد شَيْء، وأصل الْمثل: الصب، يُقَال: نثل كِنَانَته أَي: صب مَا فِيهَا من السِّهَام.
قَوْله: وَلَا يطَأ عقبه بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبكسر الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة أَي: وَلَا يمشي خَلفه، وَهِي كِنَايَة عَن الْإِعْرَاض.
قَوْله: فَمَال النَّاس على عبد الرحمان كرر هَذِه اللَّفْظَة لبَيَان سَبَب الْميل وَهُوَ قَوْله: يشاورونه تِلْكَ اللَّيَالِي قَوْله: بعد هجع بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وبالعين الْمُهْملَة أَي: بعد قِطْعَة من اللَّيْل، يُقَال: لَقيته بعد هجع من اللَّيْل، والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بِمَعْنى،.

     وَقَالَ  صَاحب الْعين الهجوع النّوم بِاللَّيْلِ خَاصَّة، يُقَال: هجع يهجع وَقوم هجع وهجوع.
قَوْله: هَذِه اللَّيْلَة كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا اكتحلت هَذِه الثَّلَاث، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة سعيد بن عَامر: وَالله مَا حملت فِيهَا غمضاً مُنْذُ ثَلَاث.
قَوْله: بِكَثِير نوم بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ مشْعر بِأَنَّهُ لم يستوعب اللَّيْل سهراً بل نَام لَكِن يَسِيرا مِنْهُ، والاكتحال فِي هَذَا كِنَايَة عَن دُخُول النّوم جفن الْعين كَمَا يدخلهَا الْكحل، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس: مَا ذاقت عَيْنَايَ كثير نوم.
قَوْله: فشاورهما من الْمُشَاورَة وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فسارهما، بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء.
فَإِن قلت: لَيْسَ لطلْحَة ذكر هَاهُنَا.
قلت: لَعَلَّه كَانَ شاوره قبلهمَا.
قَوْله: حَتَّى ابهارَّ اللَّيْل بِالْبَاء الْمُوَحدَة الساكنة وَتَشْديد الرَّاء أَي: حَتَّى انتصف اللَّيْل، وبهرة كل شَيْء وَسطه.
وَقيل: معظمه.
قَوْله: على طمع أَي: أَن يوليه.
قَوْله: وَقد كَانَ عبد الرحمان يخْشَى من عَليّ شَيْئا أَي: من الْمُخَالفَة الْمُوجبَة للفتنة.
قَوْله: وَكَانُوا وافوا تِلْكَ الْحجَّة أَي: قدمُوا إِلَى مَكَّة فحجوا مَعَ عمر ورافقوه إِلَى الْمَدِينَة، وأمراء الأجناد هم: مُعَاوِيَة أَمِير الشَّام، وَعُمَيْر بن سعد أَمِير حمص، والمغيرة بن شُعْبَة أَمِير الْكُوفَة، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَمِير الْبَصْرَة، وَعَمْرو بن الْعَاصِ أَمِير مصر.
قَوْله: تشهد عبد الرَّحْمَن وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان: جلس عبد الرحمان على الْمِنْبَر، وَفِي رِوَايَة سعيد بن عَامر: فَلَمَّا صلى صُهَيْب بِالنَّاسِ صَلَاة الصُّبْح جَاءَ عبد الرَّحْمَن يتخطى حَتَّى صعد الْمِنْبَر.
قَوْله: فَلَا تجعلن على نَفسك سَبِيلا أَي: من الْخلَافَة إِذا لم يُوَافق الْجَمَاعَة، وَهَذَا ظَاهر أَن عبد الرحمان لم يتَرَدَّد عِنْد الْبيعَة فِي عُثْمَان.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَمْرو بن مَيْمُون التَّصْرِيح بِأَنَّهُ بَدَأَ بعلي فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: لَك قرَابَة رَسُول الله والقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت، وَالله عَلَيْك لَئِن أَمرتك لتعدلن، وَأَن أمرت عُثْمَان لتسمعن ولتطيعن، ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك، فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ: ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان فَبَايعهُ وَبَايَعَهُ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: طَرِيق الْجمع بَينهمَا أَن عَمْرو بن مَيْمُون حفظ مَا لم يحفظه الآخر، وَيحْتَمل أَن يكون الآخر حفظه وَلَكِن طوى ذكره بعض الروَاة.
قَوْله: فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن فِيهِ حذف تَقْدِيره: قَالَ: نعم، بعد أَن قَالَ لَهُ: أُبَايِعك على سنة الله ... إِلَى آخِره.
قَوْله: والمسلمون من عطف الْعَام على الْخَاص.

وَفِيه: فَائِدَة جليلة ذكرهَا ابْن الْمُنِير، وَهِي أَن الْوَكِيل الْمُفَوض لَهُ أَن يُوكل وَإِن لم ينص لَهُ على ذَلِك، لِأَن الْخَمْسَة أسندوا الْأَمر لعبد الرحمان وأفردوه بِهِ فاستقل، مَعَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم ينص لَهُم على الِانْفِرَاد.