فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ميراث الولد من أبيه وأمه

( بابُُ مِيرَاث الوَلَدِ مِنْ أبِيهِ وأُمِّهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَالْولد يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى وَولد الْوَلَد وَإِن سفل.

وَقَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ: إذَا تَرَكَ رجُلٌ أوِ امْرَأةٌ بِنْتاً فَلَها النِّصْفُ، وإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ أوْ أكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثانِ، وإنْ كانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِيءَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ، فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ فَما بَقِيَ { فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} ( النِّسَاء: 671) .

زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ النجاري الْمدنِي كَاتب وَحي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَمن أَصْحَاب الْفَتْوَى، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، سنة خمس وَأَرْبَعين،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: أصل مَا بنى عَلَيْهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الْحجاز وَمن وافقهم فِي الْفَرَائِض قَول زيد بن ثَابت، وأصل مَا بنى عَلَيْهِ أهل الْعرَاق وَمن وافقهم فِيهَا قَول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وكل من الْفَرِيقَيْنِ لَا يُخَالف صَاحبه إلاَّ فِي الْيَسِير النَّادِر، إِذا ظهر، وَوصل أَثَره سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه فَذكر مثله.
قَوْله: فلهَا النّصْف، أَي: فللبنت الْوَاحِدَة النّصْف، هَذَا قَول الْجَمَاعَة إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وَكَذَا فِي الابنتين فَأكْثر إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وإلاَّ ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل للبنتين النّصْف.
قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ، أَي: مَعَ الْبَنَات ذكر بدىء على صِيغَة الْمَجْهُول بِمن شركهم أَي: بِمن شرك الْبَنَات وَالذكر، فغلب التَّذْكِير على التَّأْنِيث يَعْنِي: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ لَهُنَّ وَكَانَ مَعَهم غَيرهم فَمن لَهُ فرض مُسَمّى كالأم مثلا، كَمَا لَو مَاتَ عَن بَنَات وَابْن وَأم، يبْدَأ بِالْأُمِّ فتعطى فَرضهَا وَمَا بَقِي فَهُوَ بَين الْبَنَات وَالِابْن { للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} .

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ ذكر، يُرِيد: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ من أبيهن وَكَانَ مَعَهم غَيرهم مِمَّن لَهُ فرض مُسَمّى كَالْأَبِ مثلا، قَالَ: فَلذَلِك قَالَ: شركهم، وَلم يقل: شركهن.
فَيعْطى الْأَب مثلا فَرْضه وَيقسم مَا بَقِي بَين الابْن وَالْبَنَات { للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيل حَدِيث الْبابُُ، وَهُوَ قَوْله ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا.



[ قــ :6380 ... غــ :6732 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طَاوُوس عنْ أبِيهِ عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( ألْحَقُوا الفَرائِضَ بأهْلِها، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدْخل فِيهِ مِيرَاث الابْن على مَا لَا يخفى.

ووهيب هوابن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض أَيْضا عَن أُميَّة بن بسطَام وَعَن غَيره.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن أَحْمد بن صَالح وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد بن حميد بِهِ وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره، وَقيل: تفرد بوصله وهيب وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن طَاوُوس وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، بل أرْسلهُ.
أخرجه النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى تَرْجِيح الْإِرْسَال والمرجح فِي ( الصَّحِيحَيْنِ) : الْوَصْل وَإِذا تعَارض الْوَصْل والإرسال وَلم يرجح أحد الطَّرفَيْنِ قدم الْوَصْل.

قَوْله: ( ألْحقُوا الْفَرَائِض) أَي: الْأَنْصِبَاء الْمقدرَة فِي كتاب الله، وَهِي النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس، وأصحابها مَذْكُورَة فِي الْفَرَائِض.
قَوْله: ( بِأَهْلِهَا) هُوَ من يَسْتَحِقهَا بِنَصّ الْقُرْآن، وَوَقع فِي رِوَايَة روح بن الْقَاسِم عَن ابْن طَاوُوس: اقسموا المَال بَين أهل الْفَرَائِض على كتاب الله، أَي: على وفْق مَا أنزل الله فِي كِتَابه.
قَوْله: ( فَمَا بَقِي) أَي: من أَصْحَاب الْفَرَائِض.
قَوْله: ( فَهُوَ لأولى رجل) قَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد بِالْأولَى الْأَقْرَب وإلاَّ لخلا عَن الْفَائِدَة، لأَنا لَا نَدْرِي من هُوَ الأحق.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ الأولى الْأَقْرَب رجل من الْعصبَة.

وَفِي ( التَّلْوِيح) : قَوْله: ( فَهُوَ لأولى رجل) يُرِيد إِذا كَانَ فِي الذُّكُور من هُوَ أولى من صَاحبه بِقرب أَو بطن فَأَما إِذا اسْتَووا فِي التَّعَدُّد، وأدلوا بالإناث والأمهات مَعًا كالإخوة وشبههم فَلم يقصدوا بِهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَنِينَ من هُوَ أولى مِنْهُم، لأَنهم قد اسْتَووا فِي الْمنزلَة وَلَا يجوز أَن يُقَال: أولى، وهم سَوَاء فَلم يرد الْبَنِينَ بِهَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيرهم.
وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلأولى رجل، بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام بَينهمَا وَاو سَاكِنة على وزن: أفعل التَّفْضِيل من الْوَلِيّ بِسُكُون اللَّام وَهُوَ الْقرب، أَي: لمن يكون أقرب فِي النّسَب إِلَى الْمَوْرُوث، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا الأحق.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: إِن فِي رِوَايَة ابْن الْحذاء عَن ابْن ماهان فِي ( مُسلم) : فَهُوَ لأدنى، بدال وَنون، وَهُوَ بِمَعْنى الْأَقْرَب،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: إِنَّمَا المُرَاد بِهِ الْعمة مَعَ الْعم وَبنت الْأَخ مَعَ ابْن الْأَخ وَبنت الْعم مَعَ ابْن الْعم، وَخرج من ذَلِك الْأَخ وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَإِنَّهُم يَرِثُونَ.
بِنَصّ قَوْله تَعَالَى: { وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} ( النِّسَاء: 671) وَيسْتَثْنى من ذَلِك من يحجب، كالأخ للْأَب مَعَ الْبِنْت ولأخت الشَّقِيقَة، وَكَذَا يخرج الْأَخ وَالْأُخْت لأم بقوله تَعَالَى: { فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} ( النِّسَاء: 11) وَقد نقل الْإِجْمَاع على أَن المُرَاد بهَا الْأُخوة من الْأُم.
قَوْله: ( رجل ذكر) فِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة، أَعنِي: فِي توصيف الرجل بالذكورة.

الأول: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي: هَذِه اللَّفْظَة لَيست بمحفوظة،.

     وَقَالَ  ابْن الصّلاح: فِيهَا بعد عَن الصِّحَّة من حَيْثُ اللُّغَة، فضلا عَن الرِّوَايَة.
الثَّانِي: إِنَّمَا وصف الرجل بِالذكر للتّنْبِيه على سَبَب اسْتِحْقَاقه وَهِي الذُّكُورَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْعُصُوبَة وَسبب التَّرْجِيح فِي الْإِرْث.
الثَّالِث: قَالَ السُّهيْلي: قَوْله: ( ذكر) صفة لأولي لَا: لرجل، والأولي بِمَعْنى: الْقَرِيب الْأَقْرَب فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ لقريب الْمَيِّت ذكر من جِهَة الرجل وصلب لَا من جِهَة بطن ورحم، فالأولي من حَيْثُ الْمَعْنى مُضَاف إِلَى الْمَيِّت.
وَقد أُشير بِذكر الرجل إِلَى جِهَة الْأَوْلَوِيَّة، فأفيد بذلك نفي الْمِيرَاث عَن الأولي الَّذِي هُوَ من جِهَة الْأُم كالخال، وَبِقَوْلِهِ: ذكر، إِلَى نَفيهَا عَن النِّسَاء بالعصوبة، وَإِن كن من الْأَوَّلين للْمَيت من جِهَة الصلب، وَلَو جَعَلْنَاهُ صفة لرجل يلْزم اللَّغْو، وَأَن لَا يبْقى مَعَه حكم الطِّفْل الرَّضِيع إِذْ لَا يُطلق الرجل إلاّ على الْبَالِغ، وَقد علم أَنه يَرث وَلَو ابْن سَاعَة، وَأَن لَا تحصل التَّفْرِقَة بَين قرَابَة الْأَب وقرابة الْأُم.
الرَّابِع: قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا قَالَ: ( ذكر) لبَيَان إِرْثه بالذكورة ليعلم أَن الْعصبَة إِذا كَانَ عَمَّا أَو ابْن عَم مثلا وَكَانَ مَعَه أُخْت لَهُ لَا تَرث وَلَا يكون المَال بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، ورد بِأَنَّهُ ظَاهر من التَّعْبِير بقوله: ( رجل) الْخَامِس: قَالَ ابْن التِّين: إِنَّه للتَّأْكِيد كَمَا فِي قَوْله: ابْن لبون ذكر، ورد بِأَن هَذَا لَيْسَ بتأكيد لَفْظِي وَلَا معنوي.
السَّادِس: قَالَ غَيره: هَذَا التَّأْكِيد لمتعلق الحكم وَهُوَ الذُّكُورَة، لِأَن الرجل قد يُرَاد بِهِ معنى النجدة وَالْقُوَّة فِي الْأَمر، فقد حكى سِيبَوَيْهٍ: مَرَرْت بِرَجُل رجل أَبوهُ، فَلهَذَا احْتَاجَ الْكَلَام إِلَى زِيَادَة التوكيد: بِذكر حَتَّى لَا يظنّ أَن المُرَاد بِهِ خُصُوص الْبَالِغ.
السَّابِع: إِنَّمَا قيد: بِذكر، خشيَة أَن يظنّ أَن المُرَاد من الرجل الشَّخْص، وَهُوَ أَعم من الذّكر وَالْأُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ على مَا لَا يخفى.
الثَّامِن: مَا قَالَه بعض الفرضيين: إِنَّه احْتِرَاز عَن الْخُنْثَى.
التَّاسِع: مَا قيل: إِن المُرَاد بِالرجلِ الْمَيِّت لِأَن الْغَالِب فِي الْأَحْكَام أَن تذكر الرِّجَال وَتدْخل النِّسَاء فيهم بالتبعية.
الْعَاشِر: أَنه للْإِشَارَة إِلَى الْكَمَال فِي ذَلِك، كَمَا يُقَال: امْرَأَة أُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ.
وَقيل غير ذَلِك مِمَّا الْغَالِب فِيهِ النّظر والتردد.