فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا»

( بابُُ قَوْل النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وكانَ يُحِبُّ التخْفِيفَ واليُسْرَ عَلَى النَّاسِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَهَذَا يَأْتِي مَوْصُولا فِي الْبابُُ.
قَوْله: وَكَانَ ... إِلَى آخِره، أخرجه مَالك فِي ( الْمُوَطَّأ) عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، فَذكر حَدِيثا فِي صَلَاة الضُّحَى، وَفِيه: وَكَانَ يحب مَا خف على النَّاس.



[ قــ :5795 ... غــ :6124 ]
- حدَّثني إسْحاقُ حَدثنَا النَّضْرُ أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُما: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرا وَتَطاوَعا قَالَ أبُو مُوساى: يَا رَسولَ الله! إنَّا بِأرْض يُصْنَعُ فِيها شَرَابٌ مِنَ العَسَلِ يُقالُ لَهُ اليْنْعُ، وشَرابٌ مِنَ الشَّعِيرِ يقالُ لَهُ المِزْرُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( يسرا وَلَا تعسرا) .
وَإِسْحَاق قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم، وَإِمَّا ابْن مَنْصُور.
قلت: هُوَ قَول الكلاباذي،.

     وَقَالَ  أَبُو نعيم: هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل مصغر الشمل وَسَعِيد بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد هَذَا يروي عَن أَبِيه عَامر، وعامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْمَذْكُور، وَلَا شكّ أَنه عَن أَبِيه عَن جده.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْمَغَازِي فِي بعث أبي مُوسَى ومعاذ بن جبل إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع.

قَوْله: ( وتطاوعا) أَي: توافقا فِي الْأُمُور.
قَوْله: ( بِأَرْض) يُرِيد بهَا أَرض الْيمن.
قَوْله: ( البتع) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة.
قَوْله: ( المزر) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الزَّاي وبالراء.





[ قــ :5796 ... غــ :615 ]
- حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ أبي التَّيَّاح قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا.
( انْظُر الحَدِيث 69 وطرفه) .


التَّرْجَمَة مَأْخُوذَة من هَذَا الحَدِيث.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة يزِيد بن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي الْعلم فِي: بابُُ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى بن سعيد عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( يسروا) أَمر بالتيسير لينشطوا.
قَوْله: ( وَلَا تُعَسِّرُوا) ، نهى عَن التعسير وَهُوَ التَّشْدِيد فِي الْأُمُور لِئَلَّا ينفروا.
قَوْله: ( وَسَكنُوا) أَمر بالتسكين وَهُوَ فِي اللُّغَة خلاف التحريك، وَلَكِن المُرَاد هُنَا عدم تنفيرهم.
قَوْله: ( وَلَا تنفرُوا) كالتفسير لَهُ أَي لسابقه ومبنى كل ذَلِك إِن هَذَا الدّين مَبْنِيّ على الْيُسْر لَا على الْعسر، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لم أبْعث بالرهبانية وَإِن خير الدّين عِنْد الله الْحَنَفِيَّة السمحة وَإِن أهل الْكتاب هَلَكُوا بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم) .





[ قــ :5797 ... غــ :616 ]
- حدَّثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها قالَتْ: مَا خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلاَّ أخَذَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَكُنْ إثْماً، فإنْ كَانَ إثْماً كَانَ أبْعَد النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِنَفْسِهِ فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله فَيَنْتَقِمَ بِها لله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إلاَّ أَخذ أيسرهما) والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( مَا خيّر بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما) يُرِيد فِي أَمر دُنْيَاهُ لقَوْله: ( مَا لم يكن إِثْمًا) ، وَالْإِثْم لَا يكون إلاّ فِي أَمر الْآخِرَة.
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم؟ ثمَّ أجَاب بقوله: التَّخْيِير إِن كَانَ من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله تَعَالَى أَو من الْمُسلمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤد إِلَى إِثْم، كالتخيير بَين المجاهدة فِي الْعِبَادَة والإقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك غير حائزة.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: يحْتَمل أَن يخيره الله تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عقوبتان وَنَحْوه، وَأما قَوْلهَا: ( مَا لم يكن إِثْمًا) فيتصور إِذا خَيره الْكفَّار.
قَوْله: ( إلاَّ أَن تنتهك حُرْمَة الله) يَعْنِي: انتهاك مَا حرمه، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، يَعْنِي: إِذا انتهكت حُرْمَة الله انتصر لله تَعَالَى وانتقم مِمَّن ارْتكب ذَلِك.





[ قــ :5798 ... غــ :617 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنِ الأزرَقِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى شاطِىءِ نَهرٍ بالأهْوازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الماءُ، فَجاءَ أبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فانْطَلَقَتِ الفَرَسُ فَتَرَكَ صَلاَتَهُ وتَبعَها حَتَّى أدْرَكَها، فأخَذَها ثُمَّ جاءَ فَقَضَى صَلاتَهُ، وَفِيمَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فأقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إلَى هاذا الشَّيْخِ! تَرَكَ صَلاتَهُ مِنْ أجْلِ فَرَسٍ، فأقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أحَدٌ مُنْذُ فارَقْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ : إنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أهْلِي إِلَيّ اللَّيْلِ، وَذَكَرَ أنَّهُ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى مِنْ تَيْسيرِهِ.
( انْظُر الحَدِيث 111) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَمن قَوْله: ( فَرَأى من تيسيره) أَي: رأى من التسهيل مَا حمله على ذَلِك إِذْ لَا يجوز لَهُ أَن يَفْعَله من تِلْقَاء نَفسه دون أَن يُشَاهد مثله من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الَّذِي يُقَال لَهُ عَارِم، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، والأزرق بن قيس الْحَارِثِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بَرزَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالزاي نَضْلَة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن عبيد بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام، سكن الْبَصْرَة وَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الْأَزْرَق بن قيس ... إِلَى آخِره.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( بالأهواز) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء وبالواو وبالزاي مَوضِع بخورستان بَين الْعرَاق وَفَارِس.
قَوْله: ( نضب) ، بِفَتْح النُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة أَي: غَابَ وَذهب فِي الأَرْض.
قَوْله: ( وتبعها) ، ويروى: ( واتبعها) .
قَوْله: ( فَقضى صلَاته) أَي: أَدَّاهَا، والفضاء، يَأْتِي بِمَعْنى الْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا قضيت الصَّلَاة} ( الْجُمُعَة: 10) أَي: فَإِذا أدّيت.
قَوْله: ( وَفينَا رجل) ، كَانَ هَذَا الرجل يرى رَأْي الْخَوَارِج.
قَوْله: ( متراخ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: متباعد.
قَوْله: ( وَتركت) ، أَي: الْفرس، ويروى: ( وتركتها) ، وَالْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى لَكِن لَفظه مؤنث سَمَاعي.
قَوْله: ( فَرَأى من تيسيره) ، أَي: من تيسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.





[ قــ :5799 ... غــ :618 ]
- ( حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ح.

     وَقَالَ  اللَّيْث حَدثنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد فثار إِلَيْهِ النَّاس ليقعوا بِهِ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعوه وأهريقوا على بَوْله ذنوبا من مَاء أَو سجلا من مَاء فَإِنَّمَا بعثتم ميسرين وَلم تبعثوا معسرين)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأخرجه من طَرِيقين الأول عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ( وَالْآخر) عَن اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي بابُُ صب المَاء على الْبَوْل فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله فثار إِلَيْهِ من الثوران وَهُوَ الهيجان قَوْله ليقعوا بِهِ أَي ليؤذوه قَوْله دَعوه أَي اتركوه إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لمصلحتين وَهِي أَنه لَو قطع عَلَيْهِ بَوْله لتضرر وَإِن التنجس قد حصل فِي جُزْء يسير فَلَو أقاموه فِي أَثْنَائِهِ لتنجست ثِيَابه وبدنه ومواضع كَثِيرَة من الْمَسْجِد قَوْله وأهريقوا أَي صبوا ويروى " هريقوا " وَأَصله أريقوا من الإراقة فأبدلت الْهَاء من الْهمزَة قَوْله " ذنوبا " بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَهُوَ الدَّلْو الملآن قَوْله أَو سجلا شكّ من الرَّاوِي والسجل بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم الدَّلْو فِيهِ المَاء قل أَو كثر