فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما قيل في ذي الوجهين

( بابُُ مَا قيلَ فِي ذِي الوَجْهَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا قيل فِي حق ذِي الْوَجْهَيْنِ، وَذُو الْوَجْهَيْنِ هُوَ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه، كَمَا يَجِيء عَن قريب فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَهَذِه هِيَ المداهنة الْمُحرمَة، وَسمي ذُو الْوَجْهَيْنِ مداهناً لِأَنَّهُ يظْهر لأهل الْمُنكر أَنه عَنْهُم راضٍ فيلقاهم بِوَجْه سمح بالترحيب والبشر وَكَذَلِكَ يظْهر لأهل الْحق مَا أظهره لأهل الْمُنكر فيخلطه لكلتا الطَّائِفَتَيْنِ، وإظهاره الرضى بفعلهم اسْتحق إسم المداهنة وَاسْتحق الْوَعيد الشَّديد أَيْضا، رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يكون عِنْد الله وجيهاً) ، وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ، أَنه روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( من كَانَ ذَا لسانين فِي الدُّنْيَا جعل الله لَهُ لسانين من نَار يَوْم الْقِيَامَة) .



[ قــ :5734 ... غــ :6058 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ حدَّثنا أبُو صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ الله ذَا الوَجْهَيْنِ الَّذِي يأتِي هاؤُلاءِ بِوَجْهٍ وهاؤُلاَءِ بِوَجْهٍ.
( انْظُر الحَدِيث 3494 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو بن حَفْص يروي عَن أبي حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان السمان الزيات.

قَوْله: ( تَجِد من شَرّ النَّاس) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من شرار النَّاس، بِصِيغَة الْجمع، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: إِن من شَرّ النَّاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم: تَجِدُونَ شَرّ النَّاس، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: تَجِدُونَ من شَرّ النَّاس ذَا الْوَجْهَيْنِ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: من شَرّ النَّاس ذُو الْوَجْهَيْنِ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن الْأَعْمَش بِلَفْظ: من شَرّ خلق الله ذُو الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه الْأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة وَالرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا: شَرّ النَّاس، مَحْمُولَة على الرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا: من شَرّ النَّاس، مُبَالغَة فِي ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: أشر النَّاس، بِلَفْظ أفعل وَهُوَ لُغَة فصيحة، وَإِنَّمَا كَانَ أشر لِأَنَّهُ يشبه النِّفَاق.
فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِالنَّاسِ؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد من ذكر من الطَّائِفَتَيْنِ خَاصَّة فَهُوَ شرهم كلهم، وَالْأولَى أَن يحمل على عُمُومه فَهُوَ أبلغ بالذم.
قَوْله: ذَا الْوَجْهَيْنِ مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول.
قَوْله: تَجِد قَوْله: ( يَأْتِي هَؤُلَاءِ) أَي: يَأْتِي كل طَائِفَة وَيظْهر عِنْدهم أَنه مِنْهُم ومخالف للآخرين مبغض لَهُم، إِذْ لَو أَتَى كل طَائِفَة بالإصلاح وَنَحْوه لَكَانَ مَحْمُودًا.