فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الثياب البيض

( بابُُ الثِّيابِ البِيضِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ ذكر الثِّيَاب الْبيض، وَهِي من أفضل الثِّيَاب وَهِي لِبَاس الْمَلَائِكَة الَّذين نصروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَغَيره، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبس الْبيَاض ويحض على لِبَاسه، وَيَأْمُر بتكفين الْأَمْوَات فِيهِ، وَقد صَحَّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: البسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم أَيْضا.



[ قــ :5512 ... غــ :5826 ]
- حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشر حَدثنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأيْتُ بِشِمالِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِما ثِيابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأيْتُهُما قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.
( انْظُر الحَدِيث 4054) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَمُحَمّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالعين الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن كدام الْكُوفِي، وَسعد بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن سعد بن أبي وَقاص.

والْحَدِيث قد مضى فِي غَزْوَة أحد فِي بابُُ: { إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم} ( آل عمرَان: 122) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن جده عَن سعد بن أبي وَقاص إِلَى آخِره.

قَوْله: ( رجلَيْنِ) قَالُوا: هما جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وإسرافيل،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلم يصب زعم أَن أَحدهمَا إسْرَافيل.
قلت: هَذَا منع بِالْيَدِ من غير برهَان، وَكَانَ الْملكَانِ تشكلا بشكل رجلَيْنِ يومئذٍ.
قَوْله: ( قبل) مبْنى على الضَّم، وَكَذَلِكَ: بعد لِأَنَّهُمَا إِذا حذف مِنْهُمَا الْمُضَاف إِلَيْهِ يبنيان على الضَّم تَقْدِيره: قبل ذَلِك، وَلَا بعد ذَلِك.





[ قــ :5513 ... غــ :587 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ عَنِ الحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْياى ابنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أنَّ أَبَا الأسْوَدِ الدُّؤُلِي حدَّثَهُ أنَّ أَبَا ذَرّ رَضِي الله عَنهُ، حدَّثَهُ قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أبْيَضُ وَهْوَ نائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إلاهَ إِلَّا الله، ثُمَّ ماتَ عَلَى ذالِكَ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ.
قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَق قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ.
قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَق؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ، عَلَى زَعْمِ أَنْفِ أبي ذَرْ، وَكَانَ أبُوا ذَرْ إِذا حَدَّثَ بِهاذَا قَالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبي ذَرّ.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: هاذا عِنْدَ المَوْتِ أوْ قَبْلَهُ إِذا تابَ ونَدِمَ،.

     وَقَالَ : لَا إلاهَ إِلَّا الله، غُفِرَ لَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ ثوب أَبيض) .
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَالْحُسَيْن هُوَ الْمعلم، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء القَاضِي بمرو وَيحيى بن يعمر بِلَفْظ مضارع الْعِمَارَة بِفَتْح الْمِيم كَانَ أَيْضا قَاضِيا بهَا، وَأَبُو الْأسود ظَالِم بن عَمْرو الدؤَلِي بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة، وَهُوَ أول من تكلم فِي النَّحْو بِإِشَارَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.

وَالرِّجَال كلهم بصريون، وَأَبُو ذَر جُنْدُب ابْن جُنَادَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.

قَوْله: ( وَعَلِيهِ ثوب أَبيض) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَفَائِدَته ذكر الثَّوْب وَالنَّوْم والاستيقاظ لتقرير التثبت والاتقان فِيمَا يرويهِ فِي آذان السامعين ليتَمَكَّن فِي قُلُوبهم.
قَوْله: ( وَإِن زنى) حرف الِاسْتِفْهَام فِيهِ مُقَدّر، والمعاصي نَوْعَانِ: مَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى كَالزِّنَا، وبحق النَّاس كالسرقة.
قَوْله: ( على رغم أنف أبي ذَر) من رغم إِذا لصق بالرغام وَهُوَ التُّرَاب، وَيسْتَعْمل مجَازًا بِمَعْنى: كره أَو ذل إطلاقاً لإسم السَّبَب على الْمُسَبّب، وَأما تَكْرِير أبي ذَر فلاستعظام شَأْن الدُّخُول مَعَ مُبَاشرَة الْكَبَائِر وتعجبه مِنْهُ، وَأما تَكْرِير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلإنكار استعظامه وتحجيره وَاسِعًا فَإِن رَحمته وَاسِعَة على خلقه.
وَأما حِكَايَة أبي ذَر قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( على رغم أنف أبي ذَر) فللشرف والافتخار.

وَفِيه: أَن الْكَبِيرَة لَا تسلب اسْم الْإِيمَان وَأَنَّهَا لَا تحبط الطَّاعَة وَأَن صَاحبهَا لَا يخلد فِي النَّار وَأَن عاقبته دُخُول الْجنَّة، قَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الشَّرْط أَن من لم يزن لم يدْخل الْجنَّة، وَأجَاب بقوله: هَذَا الشَّرْط للْمُبَالَغَة فالدخول لَهُ بِالطَّرِيقِ الأولى نَحْو: نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
قَوْله: ( هَذَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عبد قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إلاَّ دخل الْجنَّة، وَأَرَادَ بِهِ تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ أَنه مَحْمُول على أَن من وحّد ربه وَمَات على ذَلِك تَائِبًا من الذُّنُوب الَّتِي أُشير إِلَيْهَا فِي الحَدِيث دخل الْجنَّة.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: قَول البُخَارِيّ هَذَا خلاف ظَاهر الحَدِيث، وَلَو كَانَت التَّوْبَة شرطا لم يقل: ( وَإِن زنى وَإِن سرق) والْحَدِيث على ظَاهره، وَإِن مَاتَ مُسلما دخل الْجنَّة قبل النَّار أَو بعْدهَا؟ انْتهى.
قلت: نعم ظَاهر قَول البُخَارِيّ أَنه لم يُوجب الْمَغْفِرَة إلاَّ لمن تَابَ، فَظَاهر هَذَا يُوهم إِنْفَاذ الْوَعيد لمن لم يتب، وَأَيْضًا يحْتَاج تَفْسِير البُخَارِيّ إِلَى تَفْسِير آخر، وَذَلِكَ أَن التَّوْبَة والندم إِنَّمَا ينفع فِي الذَّنب الَّذِي بَين العَبْد وربه، وَأما مظالم الْعباد فَلَا تسقطها عَنهُ التَّوْبَة إلاَّ بردهَا إِلَيْهِم أَو عفوهم، وَمعنى الحَدِيث: أَن من مَاتَ على التَّوْحِيد دخل الْجنَّة وَإِن ارْتكب الذُّنُوب، وَلَا يخلد فِي النَّار.

وَفِيه: رد على المبتدعة من الْخَوَارِج والمعتزلة الَّذين يدعونَ وجوب خُلُود من مَاتَ من مرتكبي الْكَبَائِر من غير تَوْبَة فِي النَّار.