فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حك البزاق باليد من المسجد

( بابُُ حَكِّ البُزَاقِ بِاليَدِ مِنَ المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حك البزاق بِالْيَدِ، سَوَاء كَانَ بِآلَة أَو لَا.
فَإِن قلت: فِي حَدِيث الْبابُُ الحك بِالْيَدِ من غير ذكر آلَة وَكَذَلِكَ فِي التَّرْجَمَة قلت: قَوْله: بِالْيَدِ، أَعم من أَن يكون فِيهَا آلَة أَو لَا، على أَن أَبَا دَاوُد روى عَن جَابر قَالَ: ( أَتَانَا رَسُول الله فِي مَسْجِدنَا وَفِي يَده عرجون ابْن طَابَ، فَنظر فَرَأى فِي قبْلَة الْمَسْجِد نخامة، فَأقبل عَلَيْهَا فحتها بالعرجون) الحَدِيث، فَهَذَا يدل على أَنه بَاشر بِيَدِهِ بعرجون فِيهَا؛ والعرجون، بِضَم الْعين: هُوَ الْعود الْأَصْغَر الَّذِي فِيهِ الشماريخ إِذا يبس واعوج، وَهُوَ من الانعراج، وَهُوَ الانعطاف، وَجمعه: عراجين، و: الْوَاو وَالنُّون فِيهِ زائدتان، و: ابْن طَابَ، رجل من أهل الْمَدِينَة ينْسب إِلَيْهِ نوع من تمر الْمَدِينَة، وَمن عاداتهم أَنهم ينسبون ألوان التَّمْر كل لون إِلَى أحد، وَمَعَ هَذَا يحْتَمل تعدد الْقِصَّة.
وَفِي البزاق ثَلَاث لُغَات: بالزاي وَالصَّاد وَالسِّين، والأوليان مشهورتان.

وَلما فرغ من بَيَان أَحْكَام الْقبْلَة شرع فِي بَيَان أَحْكَام الْمَسَاجِد، والمناسبة ظَاهِرَة.



[ قــ :399 ... غــ :405]
- حَدَّثَنَا قتَيْبَةُ قَالَ حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ أنَّ النبيَّ رَأى نُخَامَةً فِي القبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ فقامَ فَحكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: ( إِنَّ أحَدَكُمْ إذَا قامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَو إنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ فَلاَ يَبْزُقَنَّ أحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عنْ يَسَارِهِ أوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) ثُمَّ أخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فقالَ أَو يَفْعَلُ هَكَذَا.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي بابُُ خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بابُُ كَفَّارَة البزاق فِي الْمَسْجِد، وَفِي بابُُ إِذا بدره البزاق وَفِي بابُُ لَا يبصق عَن يَمِينه فِي الصَّلَاة، وَفِي بابُُ ليبصق عَن يسَاره، وَفِي بابُُ مَا يجوز من البزاق، وَفِي بابُُ الْمُصَلِّي يُنَاجِي ربه.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَفِي هَذَا الْبابُُ عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد وَعَائِشَة يَأْتِي عَن قريب، وَحَدِيث النَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: ( رأى رَسُول الله نخامة فِي قبْلَة الْمَسْجِد فَغَضب حَتَّى احمر وَجهه، فَقَامَتْ امْرَأَة من الْأَنْصَار فحكتها وَجعلت مَكَانهَا خلوقاً، قَالَ رَسُول ا: مَا أحسن هَذَا) وَفِي كتاب ( الْمَسَاجِد) لأبي نعيم: ( من ابتلع رِيقه إعظاماً لِلْمَسْجِدِ وَلم يمح اسْما من أَسمَاء اتعالى ببزاق كَانَ من خِيَار عباد ا) .
وَفِي سَنَده ضرار بن عَمْرو، وَفِيه كَلَام، وَذكر ابْن خالويه فِي هَذَا ( أَن النَّبِي لما رأى النخامة فِي الْمِحْرَاب قَالَ: من إِمَام هَذَا الْمَسْجِد؟ قَالُوا؛ فلَان.
قَالَ: قد عزلته، فَقَالَت امْرَأَته: لِمَ عزل النَّبِي زَوجي عَن الْإِمَامَة؟ فَقَالَ: رأى نخامة فِي الْمَسْجِد فعمدت إِلَى خلوق طيب فخلقت بِهِ الْمِحْرَاب، فاجتاز عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَسْجِدِ فَقَالَ: من فعل هَذَا؟ قَالَ: امْرَأَة الإِمَام قَالَ: قد وهبت ذَنبه لامْرَأَته ورددته إِلَى الْإِمَامَة)
.
فَكَانَ هَذَا أول خلوق كَانَ فِي الْإِسْلَام.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: ( نخامة) ، بِضَم النُّون: النخاعة، وَقد ذكره البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ فِي بابُُ الِالْتِفَات.
يُقَال: تنخم الرجل إِذا تنخع.
وَفِي ( الْمطَالع) : النخامة مَا يخرج من الصَّدْر وَهُوَ البلغم اللزج.
وَفِي ( النِّهَايَة) : النخامة البزقة الَّتِي تخرج من الرَّأْس.
وَيُقَال: النخامة مَا يخرج من الصَّدْر.
والبصاق مَا يخرج من الْفَم، والمخاط مَا يسيل من الْأنف.
قَوْله: ( فِي الْقبْلَة) أَي: فِي حَائِط من جِهَة قبْلَة الْمَسْجِد.
قَوْله: ( حَتَّى رُؤِيَ فِي وَجهه) ، بِضَم الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَفتح الْيَاء، أَي: شوهد أثر الْمَشَقَّة فِي وَجهه، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( فَغَضب حَتَّى أحمَّر وَجهه) ، وللبخاري فِي الْأَدَب من حَدِيث ابْن عمر: ( فتغيظ على أهل الْمَسْجِد) .
قَوْله: ( إِذا قَامَ فِي صلَاته) ، الْفرق بَين: قَامَ فِي الصَّلَاة، وَقَامَ إِلَى الصَّلَاة، أَن الأول يكون بعد الشُّرُوع، وَالثَّانِي عِنْد الشُّرُوع.
قَوْله: ( فَإِنَّهُ) ، الْفَاء: فِيهِ جَوَاب: إِذا، وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة، قَائِمَة مقَام خبر الْمُبْتَدَأ.
قَوْله: ( يُنَاجِي ربه) ، من الْمُنَاجَاة.
قَالَ النَّوَوِيّ: الْمُنَاجَاة إِشَارَة إِلَى إخلاص الْقلب وحضوره وتفريغه لذكر اتعالى.
قلت: الْمُنَاجَاة والنجوى هُوَ السِّرّ بَين الْإِثْنَيْنِ، يُقَال: نَاجَيْته إِذا ساررته، وَكَذَلِكَ نجوت نجوى، ومناجاة الرب مجَاز لِأَن الْقَرِينَة صارفة عَن إِرَادَة الْحَقِيقَة، إِذْ لَا كَلَام محسوساً، إلاَّ من طرف العَبْد، فَيكون المُرَاد لَازم الْمُنَاجَاة وَهُوَ إِرَادَة الْخَيْر، وَيجوز أَن تكون من بابُُ التَّشْبِيه أَي: كَأَنَّهُ ربه يُنَادي، وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَنه شبه العَبْد وتوجهه إِلَى اتعالى فِي الصَّلَاة وَمَا فِيهَا من الْقِرَاءَة والأذكار وكشف الْأَسْرَار واستنزال رَحمته ورأفته مَعَ الخضوع والخشوع.
بِمن يُنَاجِي مَوْلَاهُ ومالكه، فَمن شَرَائِط حسن الْأَدَب أَن يقف محاذيه ويطرق رَأسه وَلَا يمد بَصَره إِلَيْهِ ويراعي جِهَة أَمَامه حَتَّى لَا يصدر من تِلْكَ الهيئات شَيْء وَإِن كَانَ اتعالى منزهاً عَن الْجِهَات، لِأَن الْآدَاب الظَّاهِرَة والباطنة مُرْتَبِط بَعْضهَا بِبَعْض.
قَوْله: ( أَو أَن ربه بَينه وَبَين الْقبْلَة) ، كَذَا هُوَ بِالشَّكِّ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: بواو، الْعَطف وَلَا يَصح حمل هَذَا الْكَلَام على ظَاهره، لِأَن اتعالى منزه عَن الْحُلُول فِي الْمَكَان، فَالْمَعْنى على التَّشْبِيه، أَي: كَأَنَّهُ بَينه وَبَين الْقبْلَة، وَكَذَا معنى قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي بعده: ( فَإِن اقِبَل وَجهه) .
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن توجهه إِلَى الْقبْلَة مفض بِالْقَصْدِ مِنْهُ إِلَى ربه، فَصَارَ فِي التَّقْدِير كَأَن مَقْصُوده بَينه وَبَين قبلته، فَأمر أَن تصان تِلْكَ الْجِهَة عَن البزاق وَنَحْوه من أثقال الْبدن.
قَوْله: ( قبل) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة.
أَي: جِهَة الْقبْلَة.
قَوْله: ( أَو تَحت قدمه الْيُسْرَى) كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَي: فِي الْبابُُ الَّذِي بعده، وَزَاد أَيْضا من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة: ( فيدفنها) ، كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ اتعالى.
قَوْله: ( ثمَّ أَخذ طرف رِدَائه) الخ، فِيهِ الْبَيَان بِالْفِعْلِ ليَكُون أوقع فِي نفس السَّامع.
قَوْله: ( أَو يفعل هَكَذَا) عطف على الْمُقدر بعد حرف الِاسْتِدْرَاك، أَي: وَلَكِن يبزق عَن يسَاره أَو يفعل هَكَذَا، وَلَيْسَت كلمة: أَو، هَهُنَا للشَّكّ بل للتنويع، وَمَعْنَاهُ أَنه: مُخَيّر بَين هَذَا وَهَذَا.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: تَعْظِيم الْمَسَاجِد عَن إثقال ابدن، وَعَن القاذورات بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَفِيه: احترام جِهَة الْقبْلَة.
وَفِيه: إِزَالَة البزاق وَغَيره من الأقذار من الْمَسْجِد.
وَفِيه: أَنه إِذا بزق يبزق عَن يسَاره وَلَا يبزق أَمَامه تَشْرِيفًا للْقبْلَة، وَلَا عَن يَمِينه تَشْرِيفًا للْيَمِين، وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: ( فَإِن عَن يَمِينه ملكا) ، وَعند ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح: ( لَا يبزق عَن يَمِينه فَعَن يَمِينه كَاتب الْحَسَنَات، وَلَكِن يبزق عَن شِمَاله أَو خلف ظَهره) .
وَقَوله: ( فَإِن عَن يَمِينه ملكا) دَلِيل على أَنه لَا يكون حالتئذٍ عَن يسَاره ملك، لِأَنَّهُ فِي طَاعَة فَإِن قلت: يخدش فِي هَذَا قَوْله: ( إِن الْكِرَام الْكَاتِبين لَا يفارقان العَبْد إلاَّ عِنْد الْخَلَاء وَالْجِمَاع) .
قلت: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.
قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا فِي غير الْمَسْجِد، أما فِيهِ فَلَا يبزق إلاَّ فِي ثَوْبه.

قلت: وَسِيَاق الحَدِيث على أَنه فِي الْمَسْجِد.
وَاعْلَم أَن البصاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة مُطلقًا، سَوَاء احْتَاجَ إِلَيْهِ أم لَا، فَإِن احْتَاجَ يبزق فِي ثَوْبه، فَإِن بزق فِي الْمَسْجِد يكون خَطِيئَة وَعَلِيهِ أَن يكفر هَذِه الْخَطِيئَة بدفنه،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: البزاق لَيْسَ بخطيئة إلاَّ فِي حق من لم يدفنه، فَأَما من أَرَادَ دَفنه فَلَيْسَ بخطيئة، وَهَذَا غير صَحِيح، وَالْحق مَا ذَكرْنَاهُ.
وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد: بدفنه، فالجمهور على أَنه الدّفن فِي تُرَاب الْمَسْجِد ورمله وحصياته إِن كَانَت فِيهِ هَذِه الْأَشْيَاء، وإلاَّ يُخرجهَا.
وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا إِخْرَاجه مُطلقًا، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الرَّوْيَانِيّ، فَإِن لم تكن الْمَسَاجِد تربة وَكَانَت ذَات حَصِير فَلَا يجوز احتراماً للمآلية، وَفِيه أَن البزاق طَاهِر، وَكَذَا النخامة طَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهِ خلاف إلاَّ مَا حُكيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يَقُول: البزاق نجس.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: الحَدِيث دَال على تَحْرِيم البصاق فِي الْقبْلَة، فَإِن الدّفن لَا يَكْفِيهِ.
قيل: هُوَ كَمَا قَالَ.
وَقيل: دَفنه كَفَّارَته.
وَقيل: النَّهْي فِيهِ للتنزيه، وَالأَصَح أَنه للتَّحْرِيم، وَفِي ( صحيحي) ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان، من حَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا: ( من تفل تجاه الْقبْلَة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وتفله بَين عَيْنَيْهِ) .
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة، من حَدِيث ابْن عمر، مَرْفُوعا: ( يبْعَث صَاحب النخامة فِي الْقبْلَة يَوْم الْقِيَامَة وَهِي فِي وَجهه) .
وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سهلة السَّائِب بن خَلاد، قَالَ أَحْمد، من أَصْحَاب النَّبِي: ( إِن رجلا أم قوما فبصق فِي الْقبْلَة وَرَسُول الله ينظر، فَقَالَ رَسُول الله حِين فرغ: لَا يُصَلِّي لكم، فَأَرَادَ بعد ذَلِك أَن يُصَلِّي لَهُم فمنعوه وَأَخْبرُوهُ بقول رَسُول ا، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: نعم، وحسبت أَنه قَالَ: إِنَّك آذيت اورسوله) .
وَالْمعْنَى: أَنه فعل فعلا لَا يُرْضِي اورسوله.
وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث جَابر أَنه قَالَ: ( أَتَانَا رَسُول الله فِي مَسْجِدنَا هَذَا، وَفِي يَده عرجون ابْن طَابَ) ، ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبابُُ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( مَا بَال أحدكُم يقوم يسْتَقْبل ربه، عز وَجل، فيتنخع أَمَامه، أَيُحِبُّ أَن يسْتَقْبل فيتنخع فِي وَجهه؟) الحَدِيث.





[ قــ :400 ... غــ :406]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ أَنَّ رسولَ الله رَأى بُصَاقاً فِي جِدَارِ القِبلَةِ فَحكَّهُ ثُمَّ أقْبَلَ عَلَى الناسِ فَقَالَ: ( إذَا كانَ أحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى) .
( الحَدِيث 604 أَطْرَافه فِي: 357، 311، 1116) .


مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من إِسْنَاد الحك إِلَيْهِ أَنه كَانَ بِيَدِهِ، وَأَن الْمَعْهُود من جِدَار الْقبْلَة، جِدَار قبْلَة مَسْجِد رَسُول ا، وَبِهَذَا التَّقْدِير يسْقط سُؤال من يَقُول: إِن هَذَا الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على بعض التَّرْجَمَة، وَلَا يعلم أَن الحك كَانَ بِيَدِهِ وَلَا من الْمَسْجِد فَافْهَم.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب وَغَيره.
وَأخرجه مُسلم عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، ثَلَاثَتهمْ عَنهُ بِهِ.

قَوْله: ( فِي جِدَار الْقبْلَة) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( فِي جِدَار الْمَسْجِد) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة من طَرِيق أَيُّوب عَن نَافِع: ( فِي قبْلَة الْمَسْجِد) وَزَاد فِيهِ: ( ثمَّ نزل فحكها بِيَدِهِ) ، وَفِيه إِشْعَار بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَالَة الْخطْبَة، وَصرح الْإِسْمَاعِيلِيّ بذلك فِي رِوَايَة من طَرِيق شيخ البُخَارِيّ، وَزَاد فِيهِ أَيْضا قَالَ: ( وَأَحْسبهُ دَعَا بزعفران فلطخه بِهِ) ، وَزَاد عبد الرَّزَّاق فِي رِوَايَة عَن معمر عَن أَيُّوب، فَلذَلِك صنع الزَّعْفَرَان فِي الْمَسَاجِد.
قَوْله: ( فَإِن اقبل وَجهه) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء، أَي: جِهَة وَجهه، وَهَذَا أَيْضا على سَبِيل التَّشْبِيه، أَي كَأَن اتعالى فِي مُقَابل وَجهه.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: فَإِن اقِبَل الْجِهَة الَّتِي عظمها، وَقيل: فَإِن قبله اوقبله ثَوَابه وَنَحْو ذَلِك، فَلَا يُقَابل هَذِه الْجِهَة بالبزاق الَّذِي هُوَ الاستخفاف لمن يبزق إِلَيْهِ وتحقيره.





[ قــ :401 ... غــ :407]
- حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيهِ عنْ عائِشَة أمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّ رسولَ اللَّهِ رَأى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مَخَاطاً أوْ بُصَاقاً أوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة أَيْضا.
وَأخرجه مُسلم.
أَيْضا.
قَوْله: ( أَو بصاقاً أَو نخامة) ، كَذَا هُوَ وَقع فِي ( الْمُوَطَّأ) بِالشَّكِّ، وَفِي وَرَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معن عَن مَالك: ( أَو نخاعاً) بدل: ( مخاطاً) .
وَقد ذكرنَا الْفرق بَين هَذِه الثَّلَاثَة.