فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الترتيل في القراءة

( بابُُ التَّرْتِيلِ فِي القِرَاءَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الترتيل فِي قِرَاءَة الْقُرْآن، وَهُوَ تَبْيِين حروفها والتأني فِي أَدَائِهَا لتَكون أدعى إِلَى فهم مَعَانِيهَا.
وَقيل: الترتيل تَبْيِين الْحُرُوف وإشباع الحركات.

وقَوْلِهِ تَعَالَى { ( 73) ورتل الْقُرْآن ترتيلا} ( المزمل: 4)

وَقَوله تَعَالَى، بِالْجَرِّ عطف على الترتيل فِي الْقُرْآن، وَمعنى: رتل الْقُرْآن أقرأه قِرَاءَة بَينه، قَالَه الْحسن، وَعَن مُجَاهِد: بعضه على أثر بعض على تؤدة بَيِّنَة بَيَانا، وَعَن قَتَادَة: تثبت فِيهِ تثبيتا، وَقيل: فَصله تَفْصِيلًا وَلَا تعجل فِي قِرَاءَته، وَهُوَ من قَول الْعَرَب: ثغر رتل، إِذا كَانَ مفلجا.

وقَوْلِهِ { ( 17) وقرآنا فرقناه لتقرأه على النَّاس على مكث} ( الْإِسْرَاء: 601)

وَقَوله، هَذَا عطف على قَوْله الأول.
قَوْله: ( وقرآنا فرقناه) ، يَعْنِي: نزلناه نجوما لَا جملَة وَاحِدَة بِخِلَاف الْكتب الْمُتَقَدّمَة، يدل عَلَيْهِ قَوْله: { لتقرأه على النَّاس على مكث} ( الْإِسْرَاء: 601) .

وَمَا يُكْرَهُ أنْ يُهَذِّ كَهَذِّ الشِّعْرِ

هَذَا عطف على قَوْله بابُُ الترتيل.
وَقد ذكرنَا أَن التَّقْدِير: بابُُ فِي بَيَان الترتيل.
وَكَذَلِكَ التَّقْدِير هُنَا، أَي: فِي بَيَان مَا يكره أَن يهذر، كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة وَكَذَلِكَ كلمة: أَن، وَالتَّقْدِير: أَي وَفِي بَيَان كَرَاهَة الهذ كهذ الشّعْر، والهذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة: سرعَة الْقطع والمرور فِيهِ من غير تَأمل للمعنى، كَمَا ينشد الشّعْر وتعد أبياته وقوافيه،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هُوَ الإفراط فِي العجلة فِي حفظه ورواياته لَا فيإنشاده وترنمه لِأَنَّهُ يزِيد فِي الإنشاد والترنم فِي الْعَادة.

فِيها يُفْرِقُ: يُفَصَّلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فِيهَا يفرق كَا أَمر حَكِيم} ( الدُّخان: 4) وَفسّر: ( يفرق) ، بقوله: ( وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة) .

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فرَقْناهُ: فصَّلْناهُ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { وقرآنا فرقناه} ( الْإِسْرَاء: 601) أَن مَعْنَاهُ: فصلناه، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن الْمُبَارك: حَدثنَا زيد حَدثنَا ابْن ثَوْر عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ.
وَأخرجه ابْن جرير من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.



[ قــ :4774 ... غــ :5043 ]
- حدَّثنا أبُو النعْمانِ حَدثنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ حَدثنَا واصلٌ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله، قَالَ: غدَوْنا علَى عبْدِ الله، فقار رجلٌ: قرَأْتُ المُفَصَّلَ البَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذّا كهَذِّ الشِّعْر؟ إنّا قَدْ سَمِعْنا القِرَاءَةَ وإنِّي لأحْفَظُ القُرناءَ الَّتِي كانَ يَقْرَأ بِهِنَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِي عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ المفَصَّلِ وسُورَتَيْنِ منْ آلِ حم.

مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَمَا يكره أَن يهذ كهذ الشّعْر.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وواصل بن حبَان الأحدب الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.

والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ الْجمع بَين السورتين فِي الرَّكْعَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ( على عبد الله) أَي: ابْن مَسْعُود قَوْله: ( فَقَالَ رجل) هُوَ نهيك بن سِنَان كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق مَنْصُور عَن أبي وَائِل فِي هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: ( هَذَا) نصب على الْمصدر أَي: هذذت هَذَا.
قَوْله: ( إِنَّا قد سمعنَا الْقِرَاءَة) قَالَ الْكرْمَانِي: الْقِرَاءَة بِلَفْظ الْمصدر، ويروي الْقِرَاءَة جمع القارىء.
قَوْله: ( لأحفظ القرناء) أَي: النَّظَائِر فِي الطول وَالْقصر.
قَوْله: ( ثَمَانِي عشرَة) إِلَى آخِره، وَقد تقدم فِي: بابُُ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عشرُون سُورَة، وعدَّ ثمَّة: حم من الْمفصل، وَهَهُنَا قد أخرجه مِنْهُ وَأجِيب بِأَن مُرَاده ثمَّة أَن مُعظم الْعشْرين مِنْهُ.
قَوْله: ( من آل حم) أَي: السُّور الَّتِي أَولهَا حم، كَقَوْلِك: فلَان من آل فلَان، قَالَه النَّوَوِيّ.
.

     وَقَالَ  غَيره المُرَاد حم نَفسهَا، يَعْنِي لفظ: آل، مقحمة كَقَوْلِك: آل دَاوُد، يُرِيد دَاوُد نَفسه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَوْلَا أَنه فِي الْكِتَابَة مُنْفَصِل لحسن أَن يُقَال: إِنَّه الْألف وَاللَّام الَّتِي لتعريف الْجِنْس، يَعْنِي: وسورتين من جنس الحواميم،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: قَوْله: ( من آل حم) من كَلَام أبي وَائِل وإلاَّ كَانَ أول الْمفصل عِنْد ابْن مَسْعُود من أول الجاثية، قيل: إِنَّمَا يرد لَو كَانَ تَرْتِيب مصحف ابْن مَسْعُود كترتيب الْمُصحف العثماني، وَالْأَمر بِخِلَاف ذَلِك، فَإِن تَرْتِيب السُّور فِي مصحف ابْن مَسْعُود يغاير التَّرْتِيب فِي الْمُصحف العثماني، فَلَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، وَيكون أول الْمفصل عِنْده الجاثية، وَالدُّخَان مُتَأَخِّرَة فِي ترتيبه عَن الجاثية.





[ قــ :4775 ... غــ :5044 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مُوسَى بنِ أبي عائِشَةَ عنْ سعِيدِ بنِ جبَيْر عنِ ابْن عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قوْلِهِ: { ( 75) لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} ( الْقِيَامَة: 61) قَالَ: كَانَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا نَزَلَ عَليهِ جِبْرِيلُ بالوَحْيِ وكانَ مِمَّا يُحرِّك بِهِ لِسانَهُ وشَفَتَيْهِ فيَشْت، علَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فأنْزَلَ الله الآيةَ الَّتِي فِي لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ( الْقِيَامَة: 1) لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} ( الْقِيَامَة: 61 81) فإِذَا أَنْزَلْناهُ فاسْتَمِع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ( الْقِيَامَة: 91) قَالَ: إِنَّ علَيْنا أنْ نُبَيِّنَهُ بلِسانِكَ قَالَ: وكانَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ، فإِذَا ذَهَبَ قرَأهُ كَما وعَدَهُ الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} ( الْقِيَامَة: 51) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اسْتِحْبابُُ التأني فِيهِ وَمِنْه يحصل الترتيل.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، ومُوسَى ابْن أبي عَائِشَة أَبُو بكر الْهَمدَانِي.
والْحَدِيث قد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْقِيَامَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بطرق كَثِيرَة.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.