فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1]


[ قــ :34128 ... غــ :34129 ]
- ( { سُورَةُ المُمْتَحِنَةِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الممتحنة، قَالَ السُّهيْلي: هِيَ بِكَسْر الْحَاء أَي: المختبرة أضيف إِلَيْهَا الْفِعْل مجَازًا كَمَا سميت سُورَة بَرَاءَة المبعثرة والفاضحة لما كشفت عَن عُيُوب الْمُنَافِقين وَمن قَالَ بِفَتْح الْحَاء فَإِنَّهُ أضافها إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي نزلت فِيهَا وَهِي أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي ميعط، وَهِي امْرَأَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأم وَلَده إِبْرَاهِيم،.

     وَقَالَ  مقَاتل: الممتحنة اسْمهَا سبيعة، وَيُقَال: سعيدة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة.
وَكَانَت تَحت صَيْفِي بن الراهب.
.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر: كَانَت أم كُلْثُوم تَحت عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: وروى أَن الْآيَة نزلت فِي أُميَّة بنت بشر من بني عَمْرو بن عَوْف أم عبد الله بن سهل بن حنيف وَكَانَت تَحت حسان بن الدحداحية ففرت مِنْهُ وَهُوَ حِينَئِذٍ كَافِر فَتَزَوجهَا سُهَيْل بن حنيف، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هِيَ بِلَا خلاف،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد سُورَة الْأَحْزَاب وَقيل سُورَة النِّسَاء، وَهِي ألف وَخَمْسمِائة وَعشرَة أحرف وثلاثمائة وثمان وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَثَلَاث عشرَة آيَة وَلَيْسَت فِيهَا بَسْمَلَة عِنْد الْجَمِيع.
وَقَالَ مُجاهِدٌ لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لَا تُعَذِّبْنا بِأيْدِيهِمْ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ هاؤُلاءِ عَلَى الحَقِّ مَا أصَابَهُمْ هاذا.

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} ، ( الممتحنة: 5) الْآيَة.
وَفسّر بقوله: ( لَا تعذبنا بِأَيْدِيهِم) إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم من طَرِيق آدم بن أبي إِيَاس عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ : على شَرط مُسلم، وَفِي ( تَفْسِير النَّسَفِيّ) { رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} أَي: لَا تسلطهم علينا فيفتنوننا بِعَذَاب لَا طَاقَة لنا بِهِ، وَقيل: لَا تظفرهم علينا فيظنوا أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل.

بِعِصَمِ الكَوَافِرِ أُمِرَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفِراقِ نِسَائِهِمْ كِنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةً.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} ( الممتحنة: 01) مَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى نهى عَن التَّمَسُّك بعصم الكوافر، والعصم جمع عصمَة وَهِي مَا اعْتصمَ بِهِ، يُقَال: مسكت الشَّيْء وتمسكت بِهِ، والكوافر جمع كَافِرَة نهى الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ عَن الْمقَام على نِكَاح المشركات وَأمرهمْ بفراقهن،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: يَقُول لَا تَأْخُذُوا بِعقد الكوافر فَمن كَانَت لَهُ امْرَأَة كَافِرَة بِمَكَّة فَلَا يعتدن بهَا فقد نقضت عصمتها مِنْهُ وَلَيْسَت لَهُ بِامْرَأَة.
وَإِن جاءتكم امْرَأَة مسلمة من أهل مَكَّة وَلها بهَا زوج كَافِر فَلَا تعتدن بِهِ فقدانقضت عصمته مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: لما نزلت هَذِه الْآيَة طلق عمر امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ بِمَكَّة مشركتين قريبَة بنت أُميَّة فَتَزَوجهَا بعده مُعَاوِيَة وهما على شركهما بِمَكَّة وَالْأُخْرَى: أم كُلْثُوم الْخُزَاعِيَّة أم عبد الله فَتَزَوجهَا أَبُو جهم، وهما على شركهما، وَكَانَت عِنْد طَلْحَة بن عبيد الله أروى بنت ربيعَة فَفرق بَينهمَا الْإِسْلَام.





[ قــ :466 ... غــ :4890 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ دِينار قَالَ حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ ابنِ عَلِيٍّ أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ الله بنَ أبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيّا رَضِيَ الله عنهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَا وَالزُّبَيْرَ وَالمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإنَّ بِهَا ظَعِينَةَ مَعَهَا كِتابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَذَهَبْنَا تَعَادَي بِنا خَيْلَنا حَتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنا أخْرِجِي الكِتابَ فَقالَتْ مَا مَعِي مِنْ كتابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الكِتابَ أوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيابَ فأخْرَجَتْهُ مِنْ عِقاصِها فَأتَيْنا بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإذَا فِيهِ مِنْ حاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِمَنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أمْرِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هاذا يَا حَاطِبُ قَالَ لَا تَعْجِلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله إنِّي كُنْتُ امْرَءًا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِها أهْلِيهِمْ وَأمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أنْ أصطَنِعَ إلَيْهِمْ يَدا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرا وَلا ارْتِدَادا عَنْ دِينِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي يَا رَسُولَ الله فأضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ إنَّهُ شَهِدَ بَدْرا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَليَّ الله عَزَّ وَجَلَّ اطلعَ عَلَى أهلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفِرْتُ لَك قَالَ عَمْرٌ ووَنَزَلَتْ فِيهِ يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ قَالَ لَا أدْرِي الآيَةَ فِي الحَدِيثِ أوْ قَوْلُ عَمْرُو..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والترجمة هِيَ ذكر السُّورَة، وَوَقع لأبي ذَر على رَأس هَذَا الحَدِيث: بابُُ { لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} ( الممتحنة: 1) فعلى هَذَا التَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث يطابقها.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ الجاسوس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( بَعَثَنِي أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد) ، وَفِي رِوَايَة رَوَاهَا الثَّعْلَبِيّ، فَبعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عليا وَعمَّارًا وَعمر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة والمقداد بن الْأسود وَأَبا مرْثَد، وَكَانُوا كلهم فُرْسَانًا.
قَوْله: ( رَوْضَة خَاخ) ، بخاءين معجمتين لَا غير.
قَوْله: ( ظَعِينَة) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَهِي الْمَرْأَة فِي الهودج وَاسْمهَا سارة بالسمين الْمُهْملَة وَالرَّاء.
قَوْله: ( تعادى) ، بِلَفْظ الْمَاضِي، أَي: تتباعد وتتجارى قَوْله: ( أَو لتلْقين) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَمُقْتَضى الْقَوَاعِد النحوية أَن يُقَال، لتلقن، بِحَذْف الْيَاء فتأويله أَنه ذكر كَذَلِك لمشاكلة لتخْرجن.
قَوْله: ( كنت أمرءا من قُرَيْش) أَي: بِالْحلف وَالْوَلَاء لَا بِالنّسَبِ والولادة حَتَّى لَا يُقَال بَينه وَبَين قَوْله: لم أكن من أنفسهم، تنافٍ قَوْله: ( يدا) أَي: يدا مِنْهُ عَلَيْهِم وَحقّ محبَّة.
قَوْله: ( صدقكُم) بتَخْفِيف الدَّال أَي: قَالَ الصدْق.
قَوْله: ( دَعْنِي) أَي: ارتكني وَمَكني.
قَوْله: ( فَاضْرب) ، أَي: فَإِن اضْرِب فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا قَالَ مَعَ تَصْدِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحاطب فِيمَا قَالَه؟ قلت: قَالَ ذَلِك لقُوَّة دينه وصلابته فِي الْحق وَلم يجْزم بذلك فَلهَذَا اسْتَأْذن فِي قَتله، وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ اسْم النِّفَاق لكَونه أقدم على شَيْء فِيهِ خلاف مَا ادَّعَاهُ.
قَوْله: ( لَعَلَّ الله) كلمة: لَعَلَّ.
لَيست للترجي فِي حق الله بل للوقوع.
قَوْله: ( غفرت) أَي: الْأُمُور الأخروية وإلاَّ فَلَو توجه على أحد مِنْهُم مثلا يَسْتَوْفِي مِنْهُ قَوْله: { لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} ( الممتحنة: 1) هَذَا الْمِقْدَار للأكثرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر مَعَ ذكر أَوْلِيَاء قَوْله: ( قَالَ قَالَ عَمْرو) أَي: عَمْرو بن دِينَار هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: ( قَالَ) أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لَا أَدْرِي الْآيَة.
وَهِي قَوْله تَعَالَى: { لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} من نفس الحَدِيث هُوَ، أَو هُوَ من قَول عَمْرو بن دِينَار، وَقد شكّ فِيهِ.

حدَّثنا عَلِيٌّ قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي هَذَا فَنَزَلَتْ: { لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} قَالَ سُفْيَانُ هَذا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفْظْتُهُ مِنْ عَمْروٍ مَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفا وَمَا أُرَى أحَدا حَفِظَهُ غَيْرِي.

عَليّ هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.

قَوْله: ( فِي هَذَا) أَي: فِي أَمر حَاطِب نزلت الْآيَة.
أَي: قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي} الْآيَة، قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: هَذَا فِي حَدِيث النَّاس ورواياتهم، وَأما الَّذِي حفظته من عَمْرو بن دِينَار فَهُوَ الَّذِي رويته من غير ذكر النُّزُول، وَمَا تركت مِنْهُ حرفا وَلم أَظن أحدا حفظ هَذَا الحَدِيث من عَمْرو غَيْرِي، ملخص مَا قَالَه سُفْيَان: لَا أَدْرِي أَن حِكَايَة نزُول الْآيَة من تَتِمَّة الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَول عَمْرو بن دِينَار مَوْقُوفا عَلَيْهِ أدرجه هُوَ من عِنْده، وسُفْيَان لم يجْزم بِهَذِهِ الزِّيَادَة، وَقد روى النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور مَا يدل على هَذِه الزِّيَادَة مدرجة، وروى الثَّعْلَبِيّ هَذَا الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِي آخِره فَأنْزل الله تَعَالَى فِي شَأْن حَاطِب ومكاتبته { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا} الْآيَة.