فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {يا أيها الذين آمنوا، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون} [الأنفال: 24] "

(بابُُ: { يَا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسولِ إذَا دَعاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأنّهُ إلَيْه تُحْشَرُونَ} (الْأَنْفَال: 24)

(اسْتجِيبُوا) بِمَعْنى: اجيبوا لله تَعَالَى، يُقَال: استجبت لَهُ وأجبته، والاستجابة هُنَا بِمَعْنى الْإِجَابَة.
قَوْله: (إِذا دعَاكُمْ) أَي: إِذا طَلَبكُمْ.
قَوْله: الْآيَة أَي: الْآيَة بِتَمَامِهَا، وَهِي قَوْله: (وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وأنكم إِلَيْهِ تحشرون) ، وَفِي بعض النّسخ ذكر من قَوْله: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى قَوْله: { تحشرون} قَوْله: (يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه) قَالَ ابْن عَبَّاس: يحول بَين الْمُؤمن وَبَين الْكفْر وَبَين الْكَافِر وَبَين الْإِيمَان، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي: (مُسْتَدْركه) مَوْقُوفا،.

     وَقَالَ : صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر مَرْفُوعا وَلَا يَصح لضعف إِسْنَاده، وَالْمَوْقُوف أصح، وَعَن مُجَاهِد: يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه حَتَّى يتْركهُ لَا يعقل،.

     وَقَالَ  السّديّ: يحول بَين الْإِنْسَان وَقَلبه فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُؤمن وَلَا يكفر إلاَّ بِإِذْنِهِ.

اسْتَجِيبُوا أجِيبُوا لِمَا يُحْيِيكُمْ يُصْلِحُكُمْ
قد مر الْآن أَن: استجيبو، بِمَعْنى أجِيبُوا، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.
قَوْله: (لما يُحْيِيكُمْ) فسره بقوله: يصلحكم، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: لما يُحْيِيكُمْ للحق،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: هُوَ هَذَا الْقُرْآن فِيهِ النجَاة والبقاء والحياة،.

     وَقَالَ  السّديّ: لما يُحْيِيكُمْ فِي الْإِسْلَام بعد مَوْتهمْ بالْكفْر،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن الزبير عَن عُرْوَة بن الزبير: إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ، أَي: للحرب الَّتِي أعزكم بهَا بعد الذل، وقواكم بهَا بعد الضعْف، ومنعكم من عَدوكُمْ بعد الْقَهْر مِنْهُم لكم.



[ قــ :4393 ... غــ :4647 ]
- ح دَّثني إسْحاقُ أخبرَنا رَوْحٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ خُبَيْبِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ سَمِعتُ حَفْصَ بنَ عاصِمٍ يُحَدِّثُ عنْ أبي سَعِيدِ بنِ المُعَلَّى رَضِي الله عنهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعاني فَلَمْ آتهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أتَيْتُهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أنْ تأتَى ألَمْ يَقُلِ الله { يَا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسُولِ إذَا دَعاكُمْ، ثُمَّ قَالَ لأُعَلِّمَنَّكَ أعْظَمَ سورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ فَذَهَبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَخْرُج فذَكَرتُ لهُ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْحَاق كَذَا وَقع فِي غَالب النّسخ غير مَنْسُوب، وَفِي نُسْخَة مروية عَن طَرِيق أبي ذَر: إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَذكر أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَخلف الوَاسِطِيّ أَنه إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَكَذَا نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) ، وروح، بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الخزرجي، وَأَبُو سعيد اسْمه حَارِث أَو رَافع أَو أَوْس بن الْمُعَلَّى بِلَفْظ إسم الْمَفْعُول من التعلية بِالْمُهْمَلَةِ الْأنْصَارِيّ.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (أعظم سُورَة) أَي فِي الثَّوَاب على قرَاءَتهَا وَذَلِكَ لما يجمع هَذِه السُّورَة من الثَّنَاء وَالدُّعَاء وَالسُّؤَال.
قَوْله: (قبل أَن أخرج) ، أَي: من الْمَسْجِد، وَبِه صرح فِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة.
قَوْله: (فَذكرت لَهُ) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَوْله: لأعلمنك أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن، وَفِي الَّذِي مضى فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة قلت لَهُ: ألم تقل لأعلمنك سُورَة هِيَ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن؟ قَالَ: (الْحَمد لله رب الْعَالمين هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أُوتِيتهُ) .

وَقَالَ مُعاذٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ خُبَيْبٍ سَمِعَ حفْصاً سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلاً منْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهاذَا.

     وَقَالَ  هِيَ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ السَّبْعُ المَثانِي.

هَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ معَاذ بن معَاذ الْعَنْبَري بِسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الْمَاضِي عَن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب أبي سعيد بن الْمُعَلَّى، وَوَصله الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَفَائِدَة إِيرَاد هَذَا التَّعْلِيق مَا وَقع فِيهِ من تَصْرِيح سَماع حَفْص بن عَاصِم عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى.
قَوْله: (رجلا) ، بدل من أبي سعيد.
قَوْله: (بِهَذَا) ، أَي: بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن الْحَمد لله رب الْعَالمين السَّبع المثاني بدل قَوْله: (رب الْعَالمين) ، أَو عطف بَيَان وَهِي سبع آيَات وَسميت بالمثاني لِأَنَّهَا تئني فِي الصَّلَاة، والمثاني من التَّثْنِيَة وَهِي التكرير لِأَن الْفَاتِحَة تَتَكَرَّر فِي الصَّلَاة، أَو من الثَّنَاء لاشتمالها على الثَّنَاء على الله تَعَالَى.