فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نسبة اليمن إلى إسماعيل «

( بابُُ مَا جاءَ فِيمَن يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ ويُسَمِّيه بِغَيْرِ اسْمِه)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي حق من يرى الْخمر حَلَالا.
قَوْله: ( ويسميه) أَي: يُسَمِّي الْخمر أَي: وَفِي بَيَان من يُسمى الْخمر بِغَيْر اسْمه، وَإِنَّمَا ذكر ضمير الْخمر بالتذكير مَعَ أَن الْخمر مؤنث سَمَاعي بِاعْتِبَار الشَّرَاب.
قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى يسميها بِغَيْر اسْمهَا يَعْنِي: بتأنيث الضَّمِير على الأَصْل.



[ قــ :8000 ... غــ :5590 ]
- وَقَالَ هِشامُ بنُ عَمَّارٍ: حَدثنَا صَدَقَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا عبدُ الرَّحْمانِ بنُ يَزِيدَ بنِ جابِرٍ حَدثنَا عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ غَنْمٍ الأشْعَرِيُّ قَالَ: حدّثني أبُو عامِرٍ.
أوْ أبُو مالِكٍ الأشْعَرِيُّ.
وَالله مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لِيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَليْهِمْ بِسارِحَةٍ لَهُمْ يأْتِيهِمْ يَعْني: الفَقِيرَ لحاجَةٍ، فَيَقُولُون: ارْجِعْ إلَيْنا غَداً فَيُبَيِّتُهُمُ الله وَيَضَعُ العَلَمَ، ويَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وخنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
مُطَابقَة الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق الْجُزْء الثَّانِي قيل: أَشَارَ بقوله ( ويسميه) بِغَيْر اسْمه إِلَى حَدِيث رُوِيَ فِي ذَلِك، وَلكنه لم يُخرجهُ لكَونه على غير شَرطه، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق مَالك بن أبي مَرْيَم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليشربنَّ ناسٌ الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يشرب نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا يضْرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأَرْض، وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير.

قَوْله:.

     وَقَالَ  هِشَام بن عمار بن نصير بن ميسرَة أَبُو الْوَلِيد السّلمِيّ الدِّمَشْقِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وروى عَنهُ فِي فضل أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَفِي الْبيُوع أسْند عَنهُ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي ثَلَاث مَوَاضِع يَقُول: قَالَ هِشَام بن عمار فِي الْأَشْرِبَة هَذَا، وَفِي الْمَغَازِي: إِن النَّاس كَانُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم الْحُدَيْبِيَة تفَرقُوا فِي ظلال شجر، وَفِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة لَا يَقُول: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَالظَّاهِر أَنه أَخذ هَذَا الحَدِيث عَن هِشَام هَذَا مذاكرة.

والْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَت صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَقد تقرر عِنْد الْحفاظ أَن الَّذِي يَأْتِي بِهِ البُخَارِيّ من التَّعَالِيق كلهَا بِصِيغَة الْجَزْم يكون صَحِيحا إِلَى من علقه عَنهُ، وَلَو لم يكن من شبوخه.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع فِيمَا بَين البُخَارِيّ وَصدقَة بن خَالِد والمنقطع لَا تقوم بِهِ حجَّة.
قلت: وهم ابْن حزم فِي هَذَا، فَالْبُخَارِي إِنَّمَا قَالَ: قَالَ هِشَام بن عمار: حَدثنَا صَدَقَة وَلم يقل: قَالَ صَدَقَة بن خَالِد.
قَالَ صَاحب ( التَّوْضِيح) وليته أعله بِصَدقَة فَإِن يحيى قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء، رَوَاهُ ابْن الْجُنَيْد عَنهُ، وروى الْمروزِي عَن أَحْمد: لَيْسَ بِمُسْتَقِيم وَلم يرضه.
قلت: هَذَا تمنٍ غير مرجو فِيهِ، المُرَاد فَإِن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ عَن أَبِيه، فَقِيه ثِقَة لَيْسَ بِهِ بَأْس، أثبت من الْوَلِيد بن مُسلم صَالح الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  دُحَيْم وَالْعجلِي وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة، وروى عَن يحيى أَيْضا، وَذهل صَاحب ( التَّوْضِيح) وَظن أَنه الْمَنْقُول عَن أَحْمد وَيحيى فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي صَدَقَة بن عبد السمين وَهُوَ أقدم من صَدَقَة بن خَالِد، وَقد شَاركهُ فِي كَونه دمشقياً، وَفِي رِوَايَة عَن بعض شُيُوخه كزيد بن وَاقد وَهُوَ صَدَقَة بن خَالِد الْقرشِي الْأمَوِي أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى أم الْبَنِينَ أُخْت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.
قَالَه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَقيل: مولى أم الْبَنِينَ أُخْت عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَه هِشَام بن عمار الرَّاوِي عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَآخر تقدم فِي مَنَاقِب أبي بكر، وَصدقَة هَذَا يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن جَابر الْأَزْدِيّ مر فِي الصَّوْم وَهُوَ يروي عَن عطيةِ بن قيس الْكلابِي الشَّامي التَّابِعِيّ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: ابْن كريب بن هانىء مُخْتَلف فِي صحبته،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ أَبوهُ مِمَّن قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَذكر ابْن يُونُس أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ مَعَ أَبِيه حِين وَفد،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَغَيره من حفاظ الشَّام: إِنَّه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يلقه.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ جاهلي: كَانَ مُسلما على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره، وَلم يفد عَلَيْهِ، ولازم معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ مُنْذُ بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَسمع من عمر بن الْخطاب، وَكَانَ أفقه أهل الشَّام، وَهُوَ الَّذِي فقه عَامَّة التَّابِعين بِالشَّام، وَمَات بِالشَّام سنة ثَمَان وَسبعين.

قَوْله: ( قَالَ حَدثنِي أَبُو عَامر، أَو أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ) هَكَذَا رَوَاهُ أَكثر الْحفاظ عَن هِشَام بن عمار بِالشَّكِّ، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة بشر بن بكر، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من رِوَايَة بشر بن بكر حَدثنِي أَبُو مَالك بِغَيْر شكّ، وَالرَّاجِح أَنه عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور، قيل: اسْمه كَعْب، وَقيل: عَمْرو، وَقيل: عبد الله، وَقيل: عبيد يعد فِي الشاميين، وَأما أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ الْمزي: اخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: عبيد الله بن هانىء وَقيل: عبد الله بن وهب، وَقيل: عبيد بن وهب، سكن الشَّام وَلَيْسَ بعم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ذَاك قتل أَيَّام حنين فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه عبيد بن حضار، وَهَذَا بَقِي إِلَى زمن عبد الْملك بن مَرْوَان.
فَإِن قلت: قَالَ الْمُهلب: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لِأَن البُخَارِيّ لم يسْندهُ من أجل شكّ الْمُحدث فِي ( الصاحب) فَقَالَ أَبُو عَامر أَو أَبُو مَالك: قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء إِذْ الترديد فِي الصَّحَابِيّ لَا يضر إِذْ كلهم عدُول.
قَوْله ( وَالله مَا كَذبَنِي) هَذَا تَأْكِيد ومبالغة فِي صدق الصَّحَابِيّ لِأَن عَدَالَة الصَّحَابَة مَعْلُومَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْجَمَاعَة أَنه عَن وَاحِد لَا عَن اثْنَيْنِ قيل: هَذَا كَلَام سَاقِط لِأَنَّهُ من قَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث من اثْنَيْنِ حَتَّى يُؤَيّد بِهَذَا اللَّفْظ أَنه من وَاحِد.
قلت: لَا بل هُوَ كَلَام موجه لِأَن ابْن حبَان روى عَن الْحُسَيْن بن عبد الله عَن هِشَام بِهَذَا السَّنَد إِلَى عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه سمع أَبَا عَامر وَأَبا مَالك الْأَشْعَرِيين يَقُولَانِ فَذكر الحَدِيث، كَذَا قَالَ، وَالْمَحْفُوظ رِوَايَة الْجَمَاعَة بِالشَّكِّ.
قَوْله ( من أمتِي) قَالَ ابْن التِّين.
قَوْله ( من أمتِي) يحْتَمل أَن يُرِيد من تسمى بهم ويستحل مَا لَا يحل فَهُوَ كَافِر إِن أظهر ذَلِك، ومنافق إِن أسره أَو يكون مرتكب الْمَحَارِم تهاوناً واستخفافاً فَهُوَ يُقَارب الْكفْر، وَالَّذِي يُوضح فِي النّظر أَن هَذَا لَا يكون إلاَّ مِمَّن يعْتَقد الْكفْر ويتسمَّ بِالْإِسْلَامِ، لِأَن الله عز وَجل لَا يخسف من تعود عَلَيْهِ رَحمته فِي الْمعَاد، وَقيل: كَونهم من الْأمة يبعد مَعَه أَن يستحلوها بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف، فَإِن ذَلِك مجاهرة بِالْخرُوجِ عَن الْأمة إِذْ تَحْرِيم الْخمر مَعْلُوم ضَرُورَة.
قَوْله: ( يسْتَحلُّونَ الْحر) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: الْفرج، وَأَصله: الْجرْح، فحذفت إِحْدَى الحائين مِنْهُ، كَذَا ضَبطه ابْن نَاصِر، وَكَذَا هُوَ فِي مُعظم الرِّوَايَات من ( صَحِيح البُخَارِيّ) .

     وَقَالَ  ابْن التِّين: هُوَ بالمعجمتين يَعْنِي: الْخَزّ.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ تَصْحِيف، وَإِنَّمَا روينَاهُ بالمهملتين وَهُوَ الْفرج، وَالْمعْنَى: يسْتَحلُّونَ الزِّنَا،.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي: إِن فِي كتاب أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ مَا يَقْتَضِي أَنه الْخَزّ بالزاي وَالْخَاء الْمُعْجَمَة،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وَهُوَ الْفرج وَلَيْسَ كَمَا أَوله من صحفه، فَقَالَ: الْخَزّ من أجل مقارنته الْحَرِير فَاسْتعْمل التَّصْحِيف بالمقارنة، وَحكى عِيَاض فِيهِ تَشْدِيد الرَّاء،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: مخفف الرَّاء، فرج الْمَرْأَة وَهُوَ الأصوب، وَقيل: أَصله بِالتَّاءِ بعد الرَّاء فحذفت،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: أَحسب أَن قَوْله: ( من الْخَزّ) لَيْسَ بِمَحْفُوظ لِأَن كثيرا من الصَّحَابَة لبسوه،.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيّ: أورد أَبُو دَاوُد هَذَا الْخَبَر فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي الْخَزّ، كَذَا الرِّوَايَة فَدلَّ أَنه عِنْده كَذَلِك وَكَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ، وَهِي ثِيَاب مَعْرُوفَة لبسهَا غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، فَيكون النَّهْي عَنهُ لأجل التَّشَبُّه.
قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه ابْن بطال، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث يرويهِ أَبُو ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَحل الْخَزّ وَالْحَرِير، يُرَاد بِهِ استحلال الْحَرَام من الْفرج.
قَوْله: ( وَالْحَرِير) قَالَ ابْن بطال: واستحلالهم الْحَرِير أَي: يسْتَحلُّونَ النَّهْي عَنهُ، وَالنَّهْي عَنهُ فِي كتاب الله تَعَالَى: { فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} ( النُّور: 63) .
قَوْله وَالْمَعَازِف الملاهي جمع معزفة، يُقَال: هِيَ آلَات الملاهي، وَنقل الْقُرْطُبِيّ عَن الْجَوْهَرِي: إِن المعازف القيان، وَالَّذِي ذكره فِي ( الصِّحَاح) أَنَّهَا آلَات اللَّهْو، وَقيل: أصوات الملاهي، وَفِي ( حَوَاشِي الدمياطي) : المعازف الدفوف وَغَيرهَا مِمَّا يضْرب بِهِ، وَيُطلق على الْغناء عزف، وعَلى كل لعب عزف، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك بن أبي مَرْيَم تَغْدُو عَلَيْهِم القيان وَتَروح عَلَيْهِم المعازف.
قَوْله ( علم) بِفتْحَتَيْنِ الْجَبَل وَالْجمع أَعْلَام، وَقيل: الْعلم رَأس الْجَبَل.
قَوْله: ( يروح عَلَيْهِم) فَاعل يروح مَحْذُوف أَي: يروح عَلَيْهِم الرَّاعِي بِقَرِينَة السارحة لِأَن السارحة هِيَ الْغنم الَّتِي تسرح لَا بُد لَهَا من الرَّاعِي، ويروى: تروح عَلَيْهِم سارحة، بِدُونِ حرف الْبَاء، فعلى هَذَا سارحة مَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعل يروح أَي: تروح سارحة كائنة لَهُم، الْمَعْنى: أَن الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى رعيها، وَتَروح أَي: ترجع بالْعَشي إِلَى مألفها.
قَوْله ( يَأْتِيهم) فَاعله ( الْفَقِير) وَلِهَذَا قَالَ: يَعْنِي الْفَقِير، وَفِي رِوَايَة يَأْتِيهم فَقَط فَاعله مَحْذُوف، وَهُوَ الْفَقِير يدل عَلَيْهِ قَوْله ( لحَاجَة) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض المخرجات: يَأْتِيهم رجل لحَاجَة، تَصْرِيحًا بِلَفْظ: رجل، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فيأتيهم طَالب حَاجَة.
قَوْله: ( فيبيتهم الله) أَي: يُهْلِكهُمْ بِاللَّيْلِ، والبيات هجوم الْعَدو لَيْلًا.
قَوْله: ( وَيَضَع الْعلم) أَي: يضع الْجَبَل بِأَن يدكدكه عَلَيْهِم ويوقعه على رؤوسهم، ويروى: وَيَضَع الْعلم عَلَيْهِم بِزِيَادَة لفظ: عَلَيْهِم.
قَوْله: ( ويمسخ آخَرين) أَي: يمسخ جمَاعَة آخَرين مِمَّن لم يُهْلِكهُمْ البيات،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: يحْتَمل الْحَقِيقَة كَمَا وَقع فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة، وَيحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن تبدل أَخْلَاقهم،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: المسخ فِي حكم الْجَوَاز فِي هَذِه الْأمة إِن لم يأتِ خبر يُهْلِكهُمْ يرفع جَوَازه، وَقد وَردت أَحَادِيث بَيِّنَة الْأَسَانِيد أَنه يكون فِي هَذِه الْأمة خسف ومسخ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث أَن الْقُرْآن يرفع من الصُّدُور، وَأَن الْخُشُوع وَالْأَمَانَة ينزعان مِنْهُم، وَلَا مسخ أَكثر من هَذَا، وَقد يكون الحَدِيث على ظَاهره فيمسخ الله من أَرَادَ تَعْجِيل عُقُوبَته، كَمَا أهلك قوما بالخسف، وَقد رَأينَا ذَلِك عيَانًا، فَكَذَلِك المسخ يكون، وَزعم الْخطابِيّ أَن الْخَسْف وَالْمَسْخ يكونَانِ فِي هَذِه الْأمة كَسَائِر الْأُمَم، خلافًا لمن زعم أَن ذَلِك لَا يكون، وَإِنَّمَا مسخها بقلوبها، وَفِي كتاب سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا أَبُو دَاوُد وَسليمَان بن سَالم الْبَصْرِيّ حَدثنَا حسان بن سِنَان عَن رجل عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ: يمسخ قوم من أمتِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير، قَالُوا: يَا رَسُول الله! وَيشْهدُونَ أَنَّك رَسُول الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله؟ قَالَ: نعم، وَيصلونَ وَيَصُومُونَ ويحجون.
قَالُوا: فَمَا بالهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والقينات والدفوف وَيَشْرَبُونَ هَذِه الْأَشْرِبَة فَبَاتُوا على لهوهم وشرابهم فَأَصْبحُوا قردة وَخَنَازِير، وَلما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي ( النَّوَادِر) لِلتِّرْمِذِي: حَدثنَا عَمْرو بن أبي عمر حَدثنَا هِشَام بن خَالِد الدِّمَشْقِي عَن اسماعيل بن عَيَّاش عَن أَبِيه عَن ابْن سابط عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكون فِي أمتِي فزعة، فَيصير النَّاس إِلَى عُلَمَائهمْ، فَإِذا هم قردة وَخَنَازِير.