فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم

( بابٌُ ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وجِوارُهُمْ واحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أدْناهُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ ذمَّة الْمُسلمين وجوارهم وَاحِدَة، فَقَوله: ذمَّة الْمُسلمين، مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وجوارهم، عطف عَلَيْهِ وَخَبره قَوْله: وَاحِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَن من انْعَقَدت عَلَيْهِ ذمَّة من طَائِفَة من الْمُسلمين فَإِنَّهَا وَاحِدَة فِي الحكم لَا تخْتَلف باخْتلَاف الْعَاقِدين، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن كل من عقد ذمَّة يَعْنِي أَمَانًا لأحد من أهل الْحَرْب جَازَ أَمَانه على جَمِيع الْمُسلمين دنيّاً كَانَ أَو شريفاً، عبدا كَانَ أَو حرا، رجلا كَانَ أَو امْرَأَة، وَلَيْسَ لَهُم بعد ذَلِك أَن يخفروه، وَاتفقَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر على جَوَاز أَمَان العَبْد قَاتل أَو لم يُقَاتل،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يجوز أَمَانه إلاَّ أَن يُقَاتل، وَأَجَازَ مَالك أَمَان الصَّبِي إِذا عقل الْإِسْلَام، وَمنع ذَلِك أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْفُقَهَاء،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: أجمع أهل الْعلم أَن أَمَان الصَّبِي غير جَائِز، وَالْمَجْنُون كَذَلِك لَا يَصح أَمَانه بِلَا خلاف كالكافر،.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: إِن غزا الذِّمِّيّ مَعَ الْمُسلمين فأمن أحدا فَإِن شَاءَ الإِمَام أَمْضَاهُ وإلاَّ فَيردهُ إِلَى مأمنه.
قَوْله: ( وجوارهم) أَي: وَجوَار الْمُسلمين، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: جوارهم.
قَوْله: ( يسْعَى بهَا) ، أَي: بِذِمَّة الْمُسلمين، أَي: بأمانهم ( أَدْنَاهُم) أَي: أقلهم عددا فَيدْخل فِيهِ الْوَاحِد وَتدْخل فِيهِ الْمَرْأَة أَيْضا، وَلَا يدْخل فِيهِ العَبْد عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْجِهَاد، فَإِذا قَاتل يكون مِنْهُم، وَلَفظ: ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم، رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) .

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل رِوَايَة أَحْمد، ثمَّ قَالَ: معنى هَذَا عِنْد أهل الْعلم أَن من أعْطى الْأمان من الْمُسلمين فَهُوَ جَائِز على كلهم.
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وهم يدٌ على من سواهُم، يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم ... الحَدِيث.



[ قــ :3027 ... غــ :3172 ]
- حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرَنَا وَكِيعٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنْ أبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا عَليّ فَقَالَ مَا عنْدَنا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إلاَّ كِتابُ الله وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَقال فِيهَا الجِرَاحَاتُ وأسْنَانُ الإبِلِ والمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْر إِلَى كذَا فَمنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثا أوْ آوى فِيهَا مُحْدِثاً فعلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلاَئِكَة والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولاَ عَدْلٌ ومَنْ تَوَلَّى غيْرَ مَوَالِيهِ فعَلَيْهِ مِثْلُ ذلِكَ وذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فعلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة) وَأما قَوْله: يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم، فَفِي رِوَايَة أَحْمد، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، كَذَا نسبه ابْن السكن،.

     وَقَالَ  الكلاباذي: روى مُحَمَّد بن مقَاتل وَمُحَمّد بن سَلام وَمُحَمّد بن نمير فِي ( الْجَامِع) عَن وَكِيع بن الْجراح، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ تيم الربابُُ، مَاتَ إِبْرَاهِيم فِي حبس الْحجَّاج سنة أَربع وَتِسْعين.

والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ حرم الْمَدِينَة فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن بشار عَن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه ... إِلَى آخِره، وَفِيه: وَهَذِه الصَّحِيفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِيهِ: فَقَالَ فِيهَا: الْجِرَاحَات وأسنان الْإِبِل ... وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( مَا بَين عير) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ اسْم جبل بِالْمَدِينَةِ قَوْله: ( إِلَى كَذَا) لَعَلَّه: أحد
قَوْله: ( حَدثا) ، بِفَتْح الدَّال، وَهُوَ الْأَمر الْمُنكر الَّذِي لَيْسَ بمعتاد وَلَا مَعْرُوف فِي السّنة، والمحدث، بِكَسْر الدَّال، وَهُوَ الَّذِي ينصر جانياً أَو أَواه وَأَجَارَهُ من خَصمه وَحَال بَينه وَبَين من يقْتَصّ مِنْهُ، ويروى بِفَتْح الدَّال، وَهُوَ الْأَمر المبتدع نَفسه.
قَوْله: ( صرف) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة: وَهُوَ التَّوْبَة، وَقيل: النَّافِلَة، وَالْعدْل: الْفِدْيَة، وَقيل: النَّافِلَة، وَالْعدْل: الْفِدْيَة، وَقيل: الْفَرِيضَة.
قَوْله: ( فَمن أَخْفَر) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: فَمن نقض عهد مُسلم فَعَلَيهِ مثل مَا كَانَ على من أحدث فِيهَا.