فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من أتاه سهم غرب فقتله

( بابُُ منْ أتاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فقَتَلَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر من أَتَاهُ سهم غرب، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهُوَ إِمَّا صفة لسهم أَو مُضَاف إِلَيْهِ، فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه.
قَالَه الْكرْمَانِي: وَسكت عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: روى لنا سهم بِالتَّنْوِينِ وَغرب، بتسكين الرَّاء مَعَ التَّنْوِين،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: كَذَا تَقوله الْعَامَّة والأجود: سهم غرب، بِفَتْح الرَّاء، وَإِضَافَة الغرب إِلَى السهْم.
.

     وَقَالَ  ابْن السّكيت: يُقَال: أَصَابَهُ سهم غرب إِذا لم يدر من أَي جِهَة رمى بِهِ، وَقد روى عَن أبي زيد: إِن جَاءَ من حَيْثُ لَا يعرف فَهُوَ سهم غرب، بِسُكُون الرَّاء، فَإِن رمى بِهِ إِنْسَان فَأصَاب غَيره فَهُوَ غرب، بِفَتْح الرَّاء، وَذكره الْأَزْهَرِي بِفَتْح الرَّاء لَا غير.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: يُقَال أَصَابَهُ سهم غرب، وَغرب إِذا كَانَ لَا يدْرِي من رَمَاه.
وَفِي ( الْمُنْتَهى) : سهم غرب وَغرب بتسكين الرَّاء وَفتحهَا يُضَاف وَلَا يُضَاف إِذا أَصَابَهُ سهم لَا يعرف من رَمَاه وَمثله سهم عرض، فَإِن عرف فَلَيْسَ بغرب وَلَا عرض، وبنحوه ذكر الْقَزاز وَابْن دُرَيْد، فعلى هَذَا لَا يُقَال فِي السهْم الَّذِي أصَاب حَارِثَة: غرب، لِأَن راميه قد عرف.
وَالله أعلم.



[ قــ :2681 ... غــ :2809 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أحْمَدَ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ قَتَادَةَ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ أمَّ الرَّبِيعَ بِنٍّ البَرَاءِ وهْيَ أمُّ حَارِثَةَ بنِ سُرَاقَةَ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا نَبِيَّ الله ألاَ تُحَدِّثُنِي عَن حارِثَةَ وكانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فإنْ كانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ وإنْ كانَ غَيْرَ ذالِكَ اجْتَهَدْتُ علَيْهِ فِي البُكَاءِ قَالَ يَا أُمَّ حارِثَةَ إنَّهَا جِنانٌ فِي الجَنَّةِ وإنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلى..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبد الله، قَالَ الْكرْمَانِي: نسبه البُخَارِيّ إِلَى جده وَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله الذهلي بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة، قلت: كَذَا جزم بِهِ الكلاباذي، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْمُبَارك المخرمي، بِضَم الْمِيم وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء.
قلت: كِلَاهُمَا من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وحسين بن مُحَمَّد ابْن بهْرَام التَّمِيمِي الْمروزِي، سكن بَغْدَاد وَمَات سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وشيبان، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة أَبُو مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ، وَقد مر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِن أم الرّبيع بنت الْبَراء) ، كَذَا وَقع لجَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ، وَهَذَا وهم نبه عَلَيْهِ غير وَاحِد آخِرهم الْحَافِظ الدمياطي، وَالصَّوَاب أَنَّهَا أم حَارِثَة بن سراقَة بن الْحَارِث بن عدي بن مَالك بن عدي بن عَامر بن غنم بن عدي ابْن النجار، وَالربيع بنت النَّضر أُخْت أنس بن النَّضر بن ضَمْضَم بن زيد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم بن عدي وَهِي عمَّة أنس بن مَالك بن النَّضر بن ضَمْضَم، وَهِي الَّتِي كسرت ثنية امْرَأَة، وَقد مر بَيَانه.
قَوْله: ( وَهِي أم حَارِثَة بن سراقَة) ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ.
وَقد روى التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة فَقَالَ أنس: إِن الرّبيع بنت النَّضر أَتَت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ابْنهَا حَارِثَة بن سراقَة أُصِيب يَوْم بدر ... الحَدِيث،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي ( جَامع الْأُصُول) : الَّذِي وَقع فِي كتب النّسَب والمغازي وَأَسْمَاء الصَّحَابَة: أَن أم حَارِثَة هِيَ الرَّبيع بنت النَّضر، عمَّة أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: وَكَذَا بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي ( مستخرجه) وَأَبُو نعيم وَغَيرهمَا، وحارثة هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَصبَحت يَا حَارِثَة؟ قَالَ: أَصبَحت مُؤمنا بِاللَّه حَقًا ... الحَدِيث، وَفِيه: يَا رَسُول الله أدع لي بِالشَّهَادَةِ.
فجَاء يَوْم بدر ليشْرب من الْحَوْض فَرَمَاهُ حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عرقة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء لابعدها قَاف، بِسَهْم فَأصَاب حنجرته فَقتله.
.

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: وَكَانَ خرج نظاراً وَهُوَ غُلَام، وَقَول ابْن مَنْدَه: شهد بَدْرًا وَاسْتشْهدَ بِأحد، رد عَلَيْهِ.
وَقد تصدى الْكرْمَانِي للجواب عَن قَول من قَالَ بالوهم، فَقَالَ:؛ لَا وهم للْبُخَارِيّ، إِذْ لَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ إلاَّ هَكَذَا، قَالَ أنس: إِن أم حَارِثَة ابْن سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ظَاهر، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي رِوَايَة الْفربرِي حَاشِيَة غير صَحِيحَة لبَعض الروَاة، فألحقت بِالْمَتْنِ، ثمَّ إِنَّه على تَقْدِير وجوده وَصِحَّته عَن البُخَارِيّ يحْتَمل إحتمالات أَن يكون للربيّع ولد يُسمى بِالربيعِ بِالتَّخْفِيفِ من زوج آخر غير سراقَة اسْمه: الْبَراء، وَأَن تكون بنت الْبَراء خَبرا، لِأَن، وَضمير: هِيَ، رَاجع إِلَى الربيِّع، وَأَن تكون: بنت، صفة لأم الرّبيع، وَهِي المخاطبة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاطلق الْأُم على الْجدّة تجوزاً، وَإِن تكون إِضَافَة الْأُم إِلَى الرّبيع للْبَيَان أَي: الْأُم الَّتِي هِيَ الربيّع، وَبنت مصحف من عَمه، إِذْ الرّبيع هِيَ عمَّة الْبَراء بن مَالك وارتكاب بعض هَذِه التكلفات أولى من تخطئة الْعُدُول الثِّقَات.
انْتهى.
قلت: هَذِه تعسفات، والأنساب مَا تعرف بالاحتمالات، والعدول الثِّقَات غير معصومين من الْخَطَأ، وَدَعوى الْأَوْلَوِيَّة غير صَحِيحَة.
قَوْله: ( اجتهدت عَلَيْهِ فِي الْبكاء) ، قَالَ الْخطابِيّ: أقرها النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا، يَعْنِي: يُؤْخَذ مِنْهُ الْجَوَاز.
وَأجِيب بِأَن هَذَا كَانَ قبل تَحْرِيم النوح، فَلَا دلَالَة، فَإِن تَحْرِيمه كَانَ عقيب غَزْوَة أحد، وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت عقيب غَزْوَة بدر، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة: ( اجتهدت فِي الدُّعَاء) ، بدل قَوْله: ( فِي الْبكاء) وَهُوَ خطأ.
وَفِي رِوَايَة حميد الْآتِيَة فِي صفة الْجنَّة من الرقَاق: فَإِن كَانَ فِي الْجنَّة فَلم أبك عَلَيْهِ.
قَوْله: ( إِنَّهَا جنان فِي الْجنَّة) ، كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة: ( إِنَّهَا جنان فِي جنَّة) وَفِي رِوَايَة أبان عِنْد أَحْمد: ( إِنَّهَا جنان كَثِيرَة فِي جنَّة) ، وَفِي رِوَايَة حميد: ( إِنَّهَا جنان كَثِيرَة) فَقَط وَالضَّمِير فِي: إِنَّهَا، ضمير مُبْهَم يفسره مَا بعده كَقَوْلِهِم: هِيَ الْعَرَب تَقول مَا تشَاء، وَلما قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمه مَا قَالَ، رجعت وَهِي تضحك، وَتقول: بخ، بخٍ لَك يَا حَارِثَة، وَهُوَ أول من قتل من الْأَنْصَار يَوْم بدر، وَعَن أبي نعيم كَانَ كثير الْبر بِأُمِّهِ.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دخلت الْجنَّة فَرَأَيْت حَارِثَة لذَلِك الْبر، قيل: فِيهِ نظر، لِأَن الْمَقْتُول فِيهِ هَذَا هُوَ حَارِثَة بن النُّعْمَان كَمَا بَينه أَحْمد فِي مُسْنده.
قَوْله: ( الفردوس) ، هُوَ الْبُسْتَان الَّذِي يجمع مَا فِي الْبَسَاتِين من شجر وزهر ونبات، وَقيل: هُوَ رُومِية معربة، وَالْجنَّة الْبُسْتَان، وَيُقَال: هِيَ النّخل الطوَال.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: كل شجر متكاثف يستر بعضه بَعْضًا فَهُوَ جنَّة، مُشْتَقّ من: جننته، إِذا سترته.