فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود

( بابُُ مَا يذكر فِي الْأَشْخَاص، وَالْخُصُومَة بَين الْمُسلم واليهودي)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْخُصُومَات، وَهُوَ جمع خُصُومَة، وَهِي إسم، قَالَ الْجَوْهَرِي: خاصمه مخاصمة وخصاماً، والإسم الْخُصُومَة، والخصم مَعْرُوف يَسْتَوِي فِيهِ الْجمع والمؤنث لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر، وَمن الْعَرَب من يثنيه ويجمعه، فَيَقُول: خصمان وخصوم، والخصيم أَيْضا الْخصم، وَالْجمع: خصما والخصم، بِكَسْر الصَّاد: شَدِيد الْخُصُومَة، وَوَقع للأكثرين مَا يذكر فِي الْأَشْخَاص وَالْخُصُومَة بَين الْمُسلم وَالْيَهُود، وَوَقع لبَعْضهِم: واليهودي بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مَا يذكر فِي الْخُصُومَات والملازمة والأشخاص، وَفِي بعض النّسخ، بابُُ مَا يذكر فِي الْأَشْخَاص وَالْخُصُومَة بَين الْمُسلم واليهودي، قَالَ ابْن التِّين: يُقَال: شخص، بِفَتْح الْخَاء من بلد إِلَى بلد، أَي: ذهب، والمصدر شخوصاً، وأشخصه غَيره، وشخص التَّاجِر خرج من منزله، وشخص بِكَسْر الْخَاء رَجَعَ ذكره ابْن سَيّده.



[ قــ :2308 ... غــ :2410 ]
- حدَّثنا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ عبدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ أَخْبرنِي قَالَ سَمِعْتُ النَّزَّالَ قَالَ سَمِعْتُ عبدَ الله يقولُ سَمِعتُ رَجُلاً قرَأَ آيَةً قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِلافَها فأخذْتُ بِيَدِهِ فأتَيْتُ بِهِ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كِلاَكُما مُحْسِنٌ قَالَ شُعْبَةُ أظُنُّهُ قَالَ لاَ تَخْتَلِفُوا فإنَّ منْ كانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَا تختلفوا) إِلَى آخِره، لِأَن الِاخْتِلَاف الَّذِي يُورث الْهَلَاك هُوَ أَشد الْخُصُومَة، وَأَشَارَ بَعضهم إِلَى أَن التَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَأخذت بِيَدِهِ فَأتيت بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ) ، إِنَّه الْمُنَاسب للتَّرْجَمَة.
قلت: الَّذِي قلته هُوَ الْأَنْسَب، لِأَن فِيمَا ذكره احْتِمَال الْخُصُومَة، وَالَّذِي ذكرته فِيهِ الْخُصُومَة المحققة على مَا لَا يخفى.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: عبد الْملك بن ميسرَة الْهِلَالِي، يُقَال لَهُ: الزراد، بالزاي وَتَشْديد الرَّاء.
الرَّابِع: النزال، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الزَّاي: ابْن سُبْرَة، بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: الْهِلَالِي.
الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِيه: تَقْدِيم الرَّاوِي على الصِّيغَة وَهُوَ جَائِز عِنْد الْمُحدثين.
وَفِيه: السماع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي، والنزال صَحَابِيّ، فِيمَا ذكره أَبُو عمر، فَإِنَّهُ ذكره فِي جملَة الصَّحَابَة، وَغَيره ذكره فِي التَّابِعين الْكِبَار، فعلى قَول أبي عمر: فِيهِ: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وعَلى قَول غَيره: فِيهِ: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، لِأَن عبد الْملك من التَّابِعين.
وَفِيه: أَن النزال لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن مَسْعُود وَآخر فِي الْأَشْرِبَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ذكر بني إِسْرَائِيل، وَفِي فضال الْقُرْآن عَن سُفْيَان بن حَرْب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قَرَأَ آيَة) وَفِي ( صَحِيح ابْن حبَان) : عَن عبد الله: أَقْرَأَنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُورَة الرَّحْمَن، فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد عَشِيَّة فَجَلَست إِلَى رَهْط، فَقلت لرجل: اقْرَأ عَليّ فَإِذا هُوَ يقْرَأ أحرفاً لَا أقرؤها فَقلت: من أَقْرَأَك؟ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى وقفنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: اخْتَلَفْنَا فِي قراءتنا فَإِذا وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ تَغْيِير، وَوجد فِي نَفسه حِين ذكرت الِاخْتِلَاف،.

     وَقَالَ : إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بالاختلاف، فَأمر عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُركُمْ أَن يقْرَأ كل رجل مِنْكُم كَمَا علم، فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الِاخْتِلَاف، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا وكل رجل منا يقْرَأ حرفا لَا يقْرَأ صَاحبه.
انْتهى.
فَهَذَا يدل على أَن كلاًّ مِنْهُمَا مَا خرج عَن قِرَاءَة السَّبْعَة، فَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( كلاكما محسن) أَي: فِي الْقِرَاءَة، وإفراد الْخَبَر بِاعْتِبَار لفظ كلا، وَأما أصل السَّبْعَة فَمَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) من حَدِيث أبي بن كَعْب، قَالَ: قَرَأَ رجل آيَة، وقرأتها على غير قِرَاءَته، فَقلت: من أَقْرَأَك هَذِه؟ قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَانْطَلَقت، فَقلت: يَا رَسُول الله أقرأتني آيَة كَذَا وَكَذَا، قَالَ: نعم، فَقَالَ الرجل لَهُ: أقرأتني آيَة كَذَا وَكَذَا، قَالَ: نعم، إِن جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، أتياني فَجَلَسَ جِبْرِيل عَن يَمِيني وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن يساري فَقَالَ جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد إقرأ الْقُرْآن على حرف، فَقَالَ مِيكَائِيل: استزده، فَقلت: زِدْنِي.
فَقَالَ: إقرأ على حرفين، فَقَالَ مِيكَائِيل: استزده، حَتَّى بلغ سَبْعَة أحرف،.

     وَقَالَ : كل كافٍ شافٍ، وَفِي لفظ: أنزل عَليّ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، وَعند التِّرْمِذِيّ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل { إِنِّي بعثت إِلَى أمة أُميَّة مِنْهُم الْعَجُوز وَالشَّيْخ الْكَبِير والغلام وَالْجَارِيَة وَالرجل الَّذِي لم يقْرَأ كتابا قطّ، قَالَ: يَا مُحَمَّد} إِن الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف.
قَوْله: ( قَالَ شُعْبَة) هُوَ بالأسناد الْمَذْكُور.
قَوْله: ( أَظُنهُ قَالَ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تختلفوا أَي: لَا تختلفوا فِي الْقُرْآن، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ كفر إِذا نفى إنزاله إِذا كَانَ يقْرَأ خلاف ذَلِك، وَلَا يُخَيّر بَين الْقِرَاءَتَيْن، لِأَنَّهُمَا كِلَاهُمَا كَلَامه قديم غير مَخْلُوق، وَإِنَّمَا التَّفْضِيل فِي الثَّوَاب.
وَفِي ( مُعْجم) أبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُطِيع حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن يزِيد بن خصيفَة عَن مُسلم بن معبد عَن أبي جهيم بن الْحَارِث بن الصمَّة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف، فَلَا تماروا فِي الْقُرْآن فَإِن المراء فِيهِ كفر، وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو عبيد بن سَلام فِي كتاب ( القراآت) تأليفه عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر.
2 - ( حَدثنَا يحيى بن قزعة قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة وَعبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ استب رجلَانِ رجل من الْمُسلمين وَرجل من الْيَهُود قَالَ الْمُسلم وَالَّذِي اصْطفى مُحَمَّدًا على الْعَالمين فَقَالَ الْيَهُودِيّ وَالَّذِي اصْطفى مُوسَى على الْعَالمين فَرفع الْمُسلم يَده عِنْد ذَلِك فلطم وَجه الْيَهُودِيّ فَذهب الْيَهُودِيّ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ بِمَا كَانَ من أمره وَأمر الْمُسلم فَدَعَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُسلم فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَأخْبرهُ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تخيروني على مُوسَى فَإِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فأصعق مَعَهم فَأَكُون أول من يفِيق فَإِذا مُوسَى باطش جَانب الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَن صعق فأفاق قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله استب رجلَانِ فَإِن الاستبابُ عَن اثْنَيْنِ لَا يكون إِلَّا بِالْخُصُومَةِ وَرِجَاله قد ذكرُوا غيرَة مرّة والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد وَفِي الرقَاق عَن يحيى بن قزعة وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأبي بكر بن أبي النَّضر وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن حجاج بن أبي يَعْقُوب وَمُحَمّد بن يحيى بن فَارس وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي سَلمَة وَعَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج " يَعْنِي الزُّهْرِيّ يروي عَنْهُمَا جَمِيعًا وهما يرويان جَمِيعًا عَن أبي هُرَيْرَة ويروي عَن ابْن شهَاب والأعرج قَوْله " استب رجلَانِ " من السب وَهُوَ الشتم من سبه يسبه سبا وسبابُا قَوْله " رجل " أَي أَحدهمَا رجل من الْمُسلمين قيل هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوَقع فِي جَامع سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار أَن الرجل الَّذِي لطم الْيَهُودِيّ هُوَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " وَرجل من الْيَهُود " أَي وَالْآخر رجل من الْيَهُود ذكر فِي تَفْسِير ابْن إِسْحَاق أَن الْيَهُودِيّ اسْمه فنحَاص وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى { لقد سمع الله قَول الَّذين قَالُوا إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء} قَوْله " وَالَّذِي اصْطفى مُحَمَّدًا " أَي وَالله الَّذِي اخْتَار مُحَمَّدًا على الْعَالمين وأصل اصْطفى اصتفى لِأَنَّهُ من الصفوة فَلَمَّا نقل صفا إِلَى بابُُ الافتعال فَقيل اصتفى قلبت تاؤه طاء لِأَن الصَّاد من المجهورة وَالتَّاء من المهموسة فَلَا يعتدلان قَوْله " لَا تخيروني " أَي لَا تفضلُونِي على مُوسَى.
( فَإِن قلت) نَبينَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ.

     وَقَالَ  " أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر " فَمَا وَجه قَوْله " لَا تخيروني " أَي تفضلُونِي قلت الْجَواب عَنهُ من أوجه.
الأول أَنه قبل أَن يعلم أَنه أفضلهم فَلَمَّا علم قَالَ " أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر ".
الثَّانِي أَنه نهى عَن تَفْضِيل يُؤَدِّي إِلَى تنقيص بَعضهم فَإِنَّهُ كفر.
الثَّالِث أَنه نهى عَن تَفْضِيل يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة كَمَا فِي الحَدِيث من لطم الْمُسلم الْيَهُودِيّ الرَّابِع أَنه قَالَ تواضعا ونفيا للكبر وَالْعجب.
الْخَامِس أَنه نهى عَن التَّفْضِيل فِي نفس النُّبُوَّة لَا فِي ذَوَات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَعُمُوم رسالتهم وَزِيَادَة خصائصهم وَقد قَالَ تَعَالَى { تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} .

     وَقَالَ  ابْن التِّين معنى لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء يَعْنِي من غير علم وَإِلَّا فقد قَالَ تَعَالَى { تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} وَأغْرب ابْن قُتَيْبَة فَأجَاب بِأَنَّهُ سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ الشافع يَوْمئِذٍ وَله لِوَاء الْحَمد والحوض قَوْله " يصعقون " يَعْنِي يخرون صراعا بِصَوْت يسمعونه يُوجب فيهم ذَلِك من صعق يصعق من بابُُ علم يعلم.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير الصَّعق أَن يغشى على الْإِنْسَان من صَوت شَدِيد يسمعهُ وَرُبمَا مَاتَ مِنْهُ ثمَّ اسْتعْمل فِي الْمَوْت كثيرا والصعقة الْمرة الْوَاحِدَة مِنْهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ الصَّعق والصعقة الْهَلَاك وَالْمَوْت يُقَال مِنْهُ صعق الْإِنْسَان بِفَتْح الصَّاد وَضمّهَا وَأنكر بَعضهم الضَّم مِنْهُم الْقَزاز فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُقَال صعق وَلَا هُوَ مصعوق.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس { فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} تُرَابا { وخر مُوسَى صعقا} قَالَ مغشيا عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة " فَلم يزل صعقا مَا شَاءَ الله ".

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ وَهُوَ بِالْمَوْتِ أشبه وَفِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة وَابْن جريج { وخر مُوسَى صعقا} قَالَا مَيتا وَفِي التَّهْذِيب للأزهري قَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا أَفَاق} دَلِيل الغشي لِأَنَّهُ يُقَال للمغشي عَلَيْهِ وللذي ذهب عقله قد أَفَاق وَفِي الْمَيِّت بعث وَنشر قَوْله " فَأَكُون أول من يفِيق " وَفِي لفظ " أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض " قيل هُوَ مُشكل لِأَن الْأَحَادِيث دَالَّة على أَن مُوسَى قد توفّي وَأَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَارَهُ فِي قَبره وَجه الْإِشْكَال أَن نفخة الصَّعق إِنَّمَا يَمُوت بهَا من كَانَ حَيا فِي هَذِه الدَّار فَأَما من مَاتَ فيستحيل أَن يَمُوت ثَانِيًا وَإِنَّمَا ينْفخ فِي الْمَوْتَى نفخة الْبَعْث ومُوسَى قد مَاتَ فَلَا يَصح أَن يَمُوت مرّة أُخْرَى وَلَا يَصح أَن يكون مُسْتَثْنى من نفخة الصَّعق لِأَن المستثنين أَحيَاء لم يموتوا وَلَا يموتون وَلَا يَصح استثناؤهم من الْمَوْتَى.

     وَقَالَ  بَعضهم يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهَذِهِ الصعقة صعقة فزع بعد الْمَوْت حِين تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ يحْتَمل أَن يكون مُوسَى مِمَّن لم يمت من الْأَنْبِيَاء وَهُوَ بَاطِل.

     وَقَالَ  القَاضِي يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهَذِهِ الصعقة صعقة فزع بعد الْمَوْت حِين تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ يحْتَمل أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ هَذَا قبل أَن يعلم أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض إِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ على ظَاهره وَأَن نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض فَيكون مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من تِلْكَ الزمرة وَهِي وَالله أعلم زمرة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ( فَإِن قلت) إِذا جعلت لَهُ تِلْكَ عوضا من الصعقة فَيكون حَيا حَالَة الصَّعق وَحِينَئِذٍ لم يصعق ( قلت) الْمَوْت لَيْسَ بِعَدَمِ إِنَّمَا هُوَ انْتِقَال من دَار إِلَى دَار فَإِذا كَانَ هَذَا للشهداء كَانَ الْأَنْبِيَاء بذلك أَحَق وَأولى مَعَ أَنه صَحَّ عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن الأَرْض لَا تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد اجْتمع بهم لَيْلَة الْإِسْرَاء بِبَيْت الْمُقَدّس وَالسَّمَاء خُصُوصا بمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَتحصل من جملَة هَذَا الْقطع بِأَنَّهُم غَيَّبُوا عَنَّا بِحَيْثُ لَا ندركهم وَإِن كَانُوا موجودين أَحيَاء وَذَلِكَ كالحال فِي الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُم موجودون أَحيَاء لَا يراهم أحد من نوعنا إِلَّا من خصّه الله تَعَالَى بكرامته وَإِذا تقرر أَنهم أَحيَاء فهم فِيمَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الصَّعق صعق كل من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله فَأَما صعق غير الْأَنْبِيَاء فموت وَأما صعق الْأَنْبِيَاء فَالْأَظْهر أَنه غشي فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الْبَعْث فَمن مَاتَ حَيّ وَمن غشي عَلَيْهِ أَفَاق فَإِذا تحقق هَذَا علم أَن نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أول من يفِيق وَأول من يخرج من قَبره قبل النَّاس كلهم الْأَنْبِيَاء وَغَيرهم إِلَّا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّهُ حصل لَهُ فِيهِ تردد هَل بعث قبله أَو بَقِي على الْحَالة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وعَلى أَي الْحَالَتَيْنِ كَانَ فَهِيَ فَضِيلَة عَظِيمَة لمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَيست لغيره ( قلت) لقَائِل أَن يَقُول أَن سيدنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما يرفع بَصَره حِين الْإِفَاقَة يكون إِلَى جِهَة من جِهَات الْعَرْش ثمَّ ينظر ثَانِيًا إِلَى جِهَة أُخْرَى مِنْهُ فيجد مُوسَى وَبِه يلتئم قَوْله " أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض " قَوْله " فَإِذا مُوسَى باطش " كلمة إِذا للمفاجأة وَمعنى باطش مُتَعَلق بِهِ بِقُوَّة والبطش الْأَخْذ الْقوي الشَّديد قَوْله " فَلَا أَدْرِي " إِلَى آخِره ( فَإِن قلت) يَأْتِي فِي حَدِيث أبي سعيد عقيب هَذَا " فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَن صعق أم حُوسِبَ بصعقته الأولى " فَمَا الْجمع بَين هَذِه الثَّلَاثَة ( قلت) الْمَعْنى لَا أَدْرِي أَي هَذِه الثَّلَاثَة كَانَت من الْإِفَاقَة أَو الِاسْتِثْنَاء أَو المحاسبة والمستثنى قد يكون نفس من لَهُ الصعقة فِي الدُّنْيَا قَوْله " مِمَّن اسْتثْنى الله " يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى { فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} أَن لَا يصعق وهم جِبْرِيل وإسرافيل وَمِيكَائِيل وعزرائيل وَزَاد كَعْب حَملَة الْعَرْش وروى أنس مَرْفُوعا " ثمَّ تَمُوت الثَّلَاثَة الأول ثمَّ ملك الْمَوْت بعدهمْ وَملك الْمَوْت يقبضهم ثمَّ يميته الله " وروى أنس مَرْفُوعا " آخِرهم موتا جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  سعيد بن الْمسيب ( إِلَّا من شَاءَ الله) الشُّهَدَاء متقلدون بِالسُّيُوفِ حول الْعَرْش -



[ قــ :310 ... غــ :41 ]
- حدَّثنا موسَى بنُ إسْمَاعيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ أبِيهِ عنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَيْنَما رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ جاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ يَا أبَا القَاسِمِ ضَرَبَ وجْهِي رجُلٌ مِنْ أصْحَابِكَ فقالَ مَنْ قَالَ رجلٌ مِنَ الأنْصَارِ قَالَ ادْعوهُ فَقَالَ أضرَبْتَهُ قَالَ سَمِعْتُهُ بالسُّوقِ يَحْلِفُ والَّذِي اصْطَفى موسَى علَى البَشَرِ.

قُلْتُ أيْ خَبِيثُ علَى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضرَبْتُ وجْهَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تُخَيِّرُوا بَينَ الأنبِياءِ فإنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فأكونُ أوَّلَ منْ تَنشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ فإذَا أنَا بِمُوساى آخِذٌ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أدْرِي أكانَ فِيمَنْ صَعِقَ أمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الْأُولى.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أَدْعُوهُ) ، فَإِن المُرَاد بِهِ إشخاصه بَين يَدي النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي.
الثَّانِي: وهيب مصغر وهب بن خَالِد أَبُو بكر.
الثَّالِث: عَمْرو بن يحيى الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: أَبوهُ يحيى بن عمَارَة بن أبي حسن.
الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، اسْمه سعد بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان، وعمراً وأباه مدنيان.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير وَفِي الدِّيات، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي التَّوْحِيد عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَفِي الدِّيات عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان بِهِ مُخْتَصرا.
وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن عَمْرو النَّاقِد: وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُوسَى بِهِ مُخْتَصرا: لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بَيْنَمَا) مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
قَوْله: ( رَسُول الله) مُبْتَدأ وَخَبره.
قَوْله: ( جَالس) .
وَقَوله: ( جَاءَ يَهُودِيّ) جَوَاب: بَيْنَمَا.
قَوْله: ( فَقَالَ من؟) يَعْنِي: من ضربك.
قَوْله: ( قَالَ: رجل) أَي: قَالَ الْيَهُودِيّ: ضَرَبَنِي رجل من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( قَالَ: ادعوهُ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدعوا أَي: اطْلُبُوا هَذَا الرجل.
قَوْله: ( فَقَالَ: أضربته؟) فِيهِ حذف تَقْدِيره، أَي: فَحَضَرَ الرجل فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل ضربت الرجل؟ قَوْله: ( على الْبشر) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على النَّبِيين.
قَوْله: ( أَي خَبِيث) ، أَي: قلت: يَا خَبِيث! على مُحَمَّد؟ أَي: اصْطفى مُوسَى على مُحَمَّد؟ والاستفهام فِيهِ على سَبِيل الْإِنْكَار.
قَوْله: ( فَإِذا أَنا بمُوسَى) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، وَالْبَاء، فِي: بمُوسَى، للإلصاق الْمجَازِي، مَعْنَاهُ: فَإِذا أَنا بمَكَان يقرب من مُوسَى، أَي: من رُؤْيَته.
قَوْله: ( آخذ) ، على وزن فَاعل مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ آخذ، وَمن جِهَة الْعَرَبيَّة يجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال.
قَوْله: ( بقائمه) ، الْقَائِمَة فِي اللُّغَة وَاحِدَة قَوَائِم الدَّابَّة، وَالْمرَاد هَهُنَا مَا هُوَ كالعمود للعرش.

وَقَالَ ابْن بطال فِيهِ: أَن لَا قصاص بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ، لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يَأْمر بقصاص اللَّطْمَة.





[ قــ :311 ... غــ :413 ]
- حدَّثنا مُوسَى قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عَن قَتَادةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ يَهُودياً رضَّ رأسَ جارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ قِيلَ من فَعَلَ هذَا بِكِ أفُلانٌ أفُلانٌ حتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فأوْمَتْ بِرَأسِها فأُخِذَ الْيَهُوديُّ فاعْتَرَفَ فأمَرَ بِهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرُضَّ رَأسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يشْتَمل على خُصُومَة بَين يَهُودِيّ وَجَارِيَة من الْأَنْصَار، ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَهَمَّام على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن حسان بن أبي عباد وَفِي الدِّيات عَن حجاج بن منهال وَعَن إِسْحَاق عَن ابْن حبَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن هدبة بن خَالِد، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن كثير.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ وَالنَّسَائِيّ فِي الْقود جَمِيعًا عَن عَليّ بن حجر.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( رض) ، بتَشْديد الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: دق يُقَال: رضضت الشَّيْء رضَا فَهُوَ رضيض ومرضوض،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الرض الدق الجريش.
قَوْله: ( رَأس جَارِيَة) ، كَانَت هَذِه الْجَارِيَة من الْأَنْصَار كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَاخْتلفت أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فههنا رض رَأس جَارِيَة بَين حجرين، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، على مَا سَيَأْتِي: أَن يَهُودِيّا قتل جَارِيَة على أوضاح لَهَا، فَقَتلهَا بَين حجرين، وَفِي رِوَايَة للطحاوي: ( عدا يَهُودِيّ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جَارِيَة، فَأخذ أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا) .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فرضخ رَأسهَا بَين حجرين، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: أَن يَهُودِيّا قتل جَارِيَة من الْأَنْصَار على حلى لَهَا، ثمَّ أَلْقَاهَا فِي قليب رضخ رَأسهَا بِالْحِجَارَةِ، فأُخِذَ فأُتي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمر بِهِ أَن يُرجم حَتَّى يَمُوت، فرجم حَتَّى مَاتَ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: خرجت جَارِيَة عَلَيْهَا أوضاح، فَأَخذهَا يَهُودِيّ فرضخ رَأسهَا وَأخذ مَا عَلَيْهَا من حلي، قَالَ: فأدركت وَبهَا رَمق، فَأتي بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: من قَتلك؟ الحَدِيث.
قلت: الِاخْتِلَاف فِي الْأَلْفَاظ لَا فِي الْمعَانِي، فَإِن الرضخ والرض وَالرَّجم كُله عبارَة هَهُنَا عَن الضَّرْب بِالْحِجَارَةِ، والأوضاح جمع وضح، بالضاد الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة، وَهُوَ نوع من الْحلِيّ يعْمل من الْفضة، سميت بهَا لبياضها، والرضخ، بالضاد وَالْخَاء المعجمتين: وَهُوَ الدق وَالْكَسْر هُنَا، وَيَجِيء بِمَعْنى الشدخ أَيْضا وَبِمَعْنى الْعَطِيَّة.
قَوْله: ( أفلان؟ أفلان؟) الْهمزَة فيهمَا للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( فأومت) ، كَذَا ذكره ابْن التِّين، ثمَّ قَالَ: صَوَابه فأومأت، وثلاثيه: ومأ، وَفِي ( الْمطَالع) : يُقَال مِنْهُ: ومأ وَأَوْمَأَ، وَفِي ( الصِّحَاح) : أَوْمَأت إِلَيْهِ: أَشرت، وَلَا تقل أوميت وومأت إِلَيْهِ إِمَاء ووماء، لُغَة وَهَذَا معتل الْفَاء مَهْمُوز اللَّام.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَقَتَادَة وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر وَجَمَاعَة من الظَّاهِرِيَّة: على أَن الْقَاتِل يقتل بِمَا قتل بِهِ،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: قَالَ مَالك: إِن قتلَه بِحجر أَو بعصا أَو بالنَّار أَو بِالتَّفْرِيقِ قتل بِمثل ذَلِك، يُكَرر عَلَيْهِ أبدا حَتَّى يَمُوت.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن ضربه بِحجر أَو بعصا حَتَّى مَاتَ ضرب بِحجر أَو بعصا أبدا حَتَّى يَمُوت، فَإِن حَبسه بِلَا طَعَام وَلَا شراب حَتَّى مَاتَ حبس مثل الْمدَّة حَتَّى يَمُوت، فَإِن لم يمت قتل بِالسَّيْفِ، وَهَكَذَا إِن غرقه، وَهَكَذَا إِن أَلْقَاهُ من مهواة عالية، فَإِن قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَمَاتَ قطعت يدا الْقَاتِل وَرجلَاهُ، فَإِن مَاتَ وإلاَّ قتل بِالسَّيْفِ.
.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّد: إِن لم يمت ترك كَمَا هُوَ حَتَّى يَمُوت لَا يطعم وَلَا يسقى، وَكَذَلِكَ إِن قَتله جوعا أَو عطشاً عطّش أَو جوّع حَتَّى يَمُوت، وَلَا تراعى الْمدَّة أصلا.
.

     وَقَالَ  ابْن شبْرمَة: إِن غمسه فِي المَاء حَتَّى مَاتَ غمس حَتَّى يَمُوت،.

     وَقَالَ  عَامر الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، رَحِمهم الله: لَا يقتل الْقَاتِل فِي جَمِيع الصُّور إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن قيس عَن جَابر الْجعْفِيّ عَن أبي عَازِب عَن النُّعْمَان ابْن بشير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا قَود إلاَّ بحديدة.
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن أبي عَازِب عَن النُّعْمَان.
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان النعماني حَدثنَا الْحسن بن عبد الرَّحْمَن الجرجرائي.
حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد عَن مبارك عَن الْحسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ.
قيل لِلْحسنِ: عَمَّن؟ قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يذكر ذَلِك.
وَقيل: عَن مبارك بن فضَالة عَن الْحسن عَن أبي بكرَة مَرْفُوعا، رَوَاهُ الْوَلِيد بن صَالح عَنهُ.
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة مُرْسلا: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن أَشْعَث وَعَمْرو بن عبيد عَن الْحسن، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن مَعْنَاهُ: لَا قصاص حَاصِل إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَقد علم أَن النكرَة فِي مَوضِع النَّفْي تعم، وَيكون الْمَعْنى: لَا فَرد من أَفْرَاد الْقود إلاَّ وَهُوَ مُسْتَوفى بِالسَّيْفِ.
وَقيل: النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاء، وَهُوَ طَرِيق من طرق الْقصر، وَتَحْقِيق الْقصر فِيهِ أَنه لما قيل: لَا قَود توجه النَّفْي إِلَى ذَات الْقود، فَانْتفى الْقود الْمُنكر الشَّامِل لكل وَاحِد من أَفْرَاد الْقود، وَلما قيل: إلاَّ بِالسَّيْفِ، جَاءَ الْقصر، وَفِيه إِثْبَات ذَلِك الْقود الْمَنْفِيّ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: توجه النَّفْي إِلَى ذَات الْقود، لِأَن الْقود معنى من الْمعَانِي وَلَيْسَ لَهُ قيام إلاَّ بِالذَّاتِ، والذات لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ النَّفْي، وَلِهَذَا نقُول: الْمَنْفِيّ فِي قَوْلنَا إِنَّمَا زيد قَائِم، هُوَ اتصاف زيد بِالْقيامِ لَا ذَات زيد، لِأَن أنفس الذوات أَي: الْأَجْسَام، يمْتَنع نَفيهَا، كَا بَين ذَلِك فِي الطبيعيات.

فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، وَجَابِر الْجعْفِيّ مطعون فِيهِ.
قلت: الْجعْفِيّ، وَإِن طعن فِيهِ، فقد قَالَ وَكِيع: مهما تشككتم فِيهِ فَلَا تَشكوا فِي أَن جَابِرا ثِقَة،.

     وَقَالَ  شُعْبَة: صَدُوق فِي الحَدِيث،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ لشعبة: لَئِن تَكَلَّمت فِي جَابر لتكلمت فِيك،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ فِي ( الكاشف) : إِن ابْن حبَان أخرج لَهُ فِي ( صَحِيحه) وَقد تَابع الثَّوْريّ أَيْضا قيس بن الرّبيع، كَمَا ذكرنَا فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ،.

     وَقَالَ  عَفَّان: كَانَ قيس ثِقَة وَثَّقَهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: هُوَ ثِقَة حسن الحَدِيث، ثمَّ إِنَّا، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ، فقد وجدنَا شَاهدا لحَدِيث النُّعْمَان الْمَذْكُور، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن المستمر حَدثنَا الْحر بن مَالك الْعَنْبَري حَدثنَا مبارك بن فضَالة عَن الْحسن عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَسَنَده جيد، وَابْن المستمر صَدُوق، كَذَا قَالَ النَّسَائِيّ، وَالْحر، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق، وَالْمبَارك، وَإِن تكلم فِيهِ، فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي المبايعات فِي: بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخوف الله عباده بالكسوف، وَأخرج لَهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) وَوَثَّقَهُ،.

     وَقَالَ  عَفَّان: كَانَ ثِقَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين مرّة وَضَعفه أُخْرَى، وَكَانَ يحيى الْقطَّان يحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَيْضا نَحوه عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجه الْبَيْهَقِيّ من ( سنَنه) من حَدِيث ابْن مصفى: حَدثنَا بَقِيَّة حَدثنَا سُلَيْمَان عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ) ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن أبي معَاذ هُوَ سُلَيْمَان بن أَرقم عَن الزُّهْرِيّ هَكَذَا، وَعَن أبي معَاذ عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( لَا فود إلاَّ بسلاح) .
وَرَوَاهُ مُعلى بن هِلَال عَن أبي أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا قَود إلاَّ بحديدة) .
وروى أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الصَّمد بن عَليّ عَن الْفضل بن عَبَّاس عَن يحيى بن غيلَان عَن عبد الله بن بزيع عَن أبي شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان عَن جَابر عَن أبي عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( الْقود بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة) ، وَهَذَا الحَدِيث كَمَا رَأَيْت قد رُوِيَ عَن النُّعْمَان بن بشير وَأبي بكرَة وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن مَسْعُود وَعلي بن أبي طَالب وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلَا شكّ أَن بَعْضهَا يشْهد لبَعض، وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا، فَإِذا كَانَ حسن صَحَّ الِاحْتِجَاج بِهِ.
.

وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبابُُ بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى أَن ذَلِك الْقَاتِل يجب قَتله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله تَعَالَى إِذا كَانَ إِنَّمَا قتل على مَال، قد بَين ذَلِك فِي الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الأوضاح، كَمَا يجب دم قَاطع الطَّرِيق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله تَعَالَى، فَكَأَن لَهُ أَن يقْتله كَيفَ شَاءَ، بِسيف أَو بِغَيْرِهِ، وَأَيْضًا رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث، فِيمَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِهِ أَن يرْجم حَتَّى يَمُوت، فرجم حَتَّى مَاتَ، وَقد مر عَن قريب، فَدلَّ ذَلِك أَن قتل الْقَاتِل لَا يتَعَيَّن أَن يكون بِمَا قتل بِهِ.
وَجَوَاب آخر: أَن ذَلِك كَانَ حِين كَانَت الْمثلَة مُبَاحَة، كَمَا فعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعرنيين، ثمَّ نسخت بعد ذَلِك، وَنهى عَنْهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَفِيه: إِيمَاء تِلْكَ الْجَارِيَة، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي إِشَارَة الْمَرِيض، فَذهب اللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه إِذا ثبتَتْ إِشَارَته على مَا يعرف من حَضَره جَازَت وَصيته،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري: إِذا سُئِلَ الْمَرِيض عَن الشَّيْء فَأَوْمأ بِرَأْسِهِ أَو بِيَدِهِ فَلَيْسَ بِشَيْء حَتَّى يتَكَلَّم.
قَالَ أَبُو حنيفَة: وَإِنَّمَا تجوز إِشَارَة الْأَخْرَس أَو من لحقته سكتة لَا يتَكَلَّم، وَأما من اعتقل لِسَانه وَلم يَوْم بِهِ ذَلِك فَلَا تجوز إِشَارَته.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : قلت: الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
قلت: لَو أدْرك مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا لما اجترأ بإبراز هَذَا الْكَلَام، فَلَا يكثر مثل هَذَا على قَاصِر الْفَهم وفائت الْإِدْرَاك، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكتف بِإِشَارَة الْجَارِيَة فِي قتل الْيَهُودِيّ، وَإِنَّمَا قَتله باعترافه.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: من أطَاق الْإِبَانَة عَن نَفسه لم تكن إِشَارَته فِيمَا لَهُ أَو عَلَيْهِ وَاقعَة موقع الْكَلَام، لَكِن تقع موقع الدّلَالَة على مَا يُرَاد، لَا فِيمَا يُؤَدِّي إِلَى الحكم على إِنْسَان بِإِشَارَة غَيره، وَلَو كَانَ كَذَلِك لقبلت شَهَادَة الشَّاهِدين بِالْإِشَارَةِ والإيماء.
.

     وَقَالَ  بعض الشَّافِعِيَّة: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي حنيفَة حَيْثُ لم يُوجب الْقصاص فِيمَن قتل بمثقل عمدا، وَإِنَّمَا يجب عِنْده دِيَة مُغَلّظَة، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَخَالفهُ غَيره من الْأَئِمَّة: مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وجماهير الْعلمَاء، وَالْجَوَاب عَن هَذَا: أَن عَادَة ذَلِك الْيَهُودِيّ كَانَت قتل الصغار بذلك الطَّرِيق، فَكَانَ ساعياً فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ، فَقتل سياسة.
واعترضوا بِأَنَّهُ لَو قتل لسعيه فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ لما قتل مماثله برض رَأسه بَين الحجرين، ورد بِأَن قَتله مماثلة كَانَ قبل تَحْرِيم الْمثلَة، فَلَمَّا حرمت نسخت، فَكَانَ الْقَتْل بعد ذَلِك بِالسَّيْفِ.
وَفِيه: بَيَان أَن الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ عِنْد من يعْتد بإجماعه.
وَفِيه: خلاف شَاذ.
وَفِيه: قتل الْكَافِر بِالْمُسلمِ، وَالله أعلم.