فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُنَّقَى مِنَ الشُّؤْمِ

رقم الحديث 1779 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنْ كَانَ، فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَسْكَنِ يَعْنِي الشُّؤْمَ.


( ما يتقى من الشؤم)

( مالك عن أبي حازم) سلمة ( بن دينار عن سهل بن سعد) بفتح فسكون فيهما ( الساعدي) نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا هكذا في أكثر الموطآت ورواه القعنبي والتنيسي إن كان في شيء ورواه إسماعيل بن عمر ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك إن كان الشؤم في شيء أخرجها الدارقطني لكن لم يقل إسماعيل في شيء وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم قال ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وأخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه قال ابن العربي معناه إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء وقال المازري محمله إذا كان الشؤم حقًا فهذه الثلاثة أحق به بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها وقال عياض يعني إن كان له وجود في شيء لكان في هذه الثلاثة لأنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلاً انتهى أي إن كان شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعًا وشرعًا وقيل هذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم لمن له دار يسكنها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا يوافقه أن يفارقها بنقله وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق والبيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة وقال القرطبي وجه تخصيص الثلاثة بالذكر مع جري هذا في كل متطير به لملازمتها للإنسان وأنها أكثر ما يتشاءم به قال ومقتضى سياق هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متحققًا لوجود الشؤم في الثلاث لما تكلم بهذا ثم علمه بعد ذلك فقال الشؤم في ثلاث في الحديث التالي وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد ومسلم عن القعنبي والبخاري أيضًا في النكاح عن التنيسي كلاهما عن مالك به وتابعه هشام بن سعد ( مالك عن ابن شهاب عن حمزة) العمري المدني شقيق سالم تابعي ثقة من رجال الجميع ( وسالم بن عبد الله بن عمر) واقتصر شعيب ويونس من رواية عثمان بن عمر عنه كلاهما عند البخاري وابن جريج عند أبي عوانة عن الزهري عن سالم ونقل الترمذي أن ابن عيينة قال لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم قال الحافظ وهو حصر مردود فقد حدث به مالك عنه عن حمزة وسالم وهو من كبار الحفاظ ولا سيما في الزهري وتابعه يونس من رواية ابن وهب عنه عند البخاري وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي الستة عن الزهري عنهما وقد رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه عن الزهري عنهما عند مسلم والترمذي وهو يقتضي رجوع سفيان عن ذلك الحصر ورواه إسحاق بن راشد عند النسائي وأحمد عن معمر خمستهم عن الزهري عن حمزة وحده والظاهر أن الزهري كان يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عقبة بن مسلم عن حمزة ( عن) أبيهما ( عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم) الذي هو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا قال الطيبي واوه همزة خففت فصارت واوًا ثم غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة انتهى ومقتضى كلام الحافظ خلافه فإنه قال بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا ( في الدار والمرأة والفرس) أي كائن فيها وقد يكون في غيرها فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة وقال غيره خصها بالذكر لطول ملازمتها وقال الخطابي اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله وهذه الأشياء الثلاثة ظروف جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير في شيء إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان وهما صادران عن مشيئة الله عز وجل انتهى واتفقت طرق الحديث على الثلاثة المذكورة وروى جويرية بن أسماء وسعيد بن داود عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عنها والسيف أخرجه الدارقطني والبعض المبهم بين في ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أمه زينب ابنة أم سلمة عن أمها أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت والسيف ثم اختلف في معنى الحديث فقيل هو على ظاهره ولا يمتنع أن يجري الله العادة بذلك في هؤلاء كما أجرى العادة بأن من شرب السم مات ومن قطع رأسه مات وقد روى أبو داود عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا قال المازري فحمله مالك على ظاهره والمعنى أن قدر الله ربما وافق ما يكره عند سكنى الدار فيصير ذلك كالسبب فيتشاءم في إضافة الشؤم إليه اتساعًا وقال ابن العربي لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار وإنما هو عبارة عن جري العادة فأشار إلى أنه ينبغي الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل وكذا حمله ابن قتيبة وغيره على ظاهره قال القرطبي ولا يظن بمن حمله على الظاهر أنه يحمله على معتقد الجاهلية أن ذلك يضر وينفع بذاتهم وأن ذلك خطأ وإنما عنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يتطير به فمن وقع في نفسه شيء منها أبيح له تركه ويستبدل به غيره وقيل معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهية أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب قال الحافظ والأولى ما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحول منها لأنه متى بقي فيها ربما حمله اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وقيل شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وبعدها من المسجد لا يسمع فيها الأذان والمرأة أن لا تلد أو سوء خلقها أو غلاء مهرها أو عدم قنعها أو بسط لسانها والفرس أن لا يغزو عليها أو حرونها وروى الدمياطي بإسناد ضعيف إذا كان الفرس حرونا فهو مشؤوم وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشؤومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشؤومة وللطبراني من حديث أسماء أن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منع ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها وروى أحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاء ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان المركب الهني والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم وثلاثة من الشقاوة المرأة تراها تسوءك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفًا فإذا ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق وهذا تخصيص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض وبه صرح ابن عبد البر فقال يكون لقوم دون قوم وذلك كله بقدر الله وقال المهلب ما حاصله المخاطب بقوله الشؤم من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه فقال لهم إنما يقع ذلك في هذه الثلاثة التي تلازم في غالب الأحوال فإذا كان كذلك فانزعوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها ويدل على ذلك تصديره في بعض طرق الحديث بنفي الطيرة واستدل لذلك بما رواه ابن حبان بإسناد فيه مقال عن أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وقيل الحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك وسياق الأحاديث الصحيحة يبعده بل قال ابن العربي إنه ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية أو الحاصلة وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه وما رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدابة والفرس ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة وروى أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قيل لعائشة إن أبا هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة فقالت لم يحفظ أنه دخل وهو يقول قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله وهو منقطع فمكحول لم يسمع عائشة لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة فقالا إن أبا هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الفرس والمرأة والدابة فغضبت غضبًا شديدًا وقالت ما قاله وإنما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك قال الحافظ ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة جمع من الصحابة له على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كابن عمر وسعد بن أبي وقاص وغيرهما وقيل كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى { { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم } } الآية حكاه ابن عبد البر والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع خصوصًا وقد ورد في نفس هذا الحديث نفي التطير ثم إثباته في الثلاثة المذكورة في بعض طرقه عند الشيخين لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة فذكرها ولأبي داود عن سعد بن أبي وقاص ولا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة والطيرة والشؤم بمعنى واحد انتهى نج وقال التقي السبكي في هذا الحديث وسابقه مع قوله تعالى { { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } } إشارة إلى تخصيص الشؤم بالمرأة التي تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها وإن لها تأثيرًا في ذلك وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ومن قال ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من نسب المطر إلى النوء الكفر فكيف من نسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير اعتقاد نسبة الفعل إليها انتهى ثم لا يشكل هذا مع الحديث السابق في الجهاد الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة لاحتمال أن الشؤم في غير التي ربطت للجهاد والتي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون الفرس مما يتشاءم به أو المراد جنس الخير أي أنها بصدد أن فيها الخير فلا ينافي حصول غيره عارض قاله عياض وسأل بعضهم ما الفرق بين الدار يباح الانتقال منها وبين موضع الوباء ينهى عن الانتقال عنه وأجاب النووي بقول بعض العلماء الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام قسم لم يقع به ضرر ولا اطردت به العادة كصريخ يوم على دار ونعيق غراب في سفر فهذا لا يصغى إليه وهو الذي أنكر الشرع الالتفات إليه وهو الذي كانت العرب تتطير به وثانيها ما يقع به الطيرة ولكنه لا يعم كالدار والمرأة والفرس فيباح لصاحب ذلك أن يفارق ولما مر من وجه استثنائها والثالث ما يقع ويعم ولا يخص ويندر ولا يتكرر كالوباء هذا لا يقدم عليه احتياطًا ولا ينتقل عنه لأنه لا يفيد قال فهذا التفسير الذي ذكره يشير إلى الفرق والحديث رواه البخاري في النكاح عن إسماعيل ومسلم عن القعنبي ويحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال) منقطعًا قال ابن عبد البر إنه محفوظ عن أنس وغيره لكن الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس أن السائل رجل وعنده عن فروة بن مسيك بمهملة مصغر يدل على أنه هو السائل وهنا قال ( جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيجمع بينهما بأن كلاً من الرجل والمرأة سأل عن ذلك ( فقالت يا رسول الله دار سكناها) قال ابن العربي هي دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف ( والعدد كثير والمال وافر) زائد ( فقل العدد وذهب المال) رأسًا ( فقال صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة) قال ابن عبد البر أي مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون وكارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها قال وعندي أنه إنما قاله خشية عليهم التزام الطيرة وقال ابن العربي إنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها وليس كما ظنوا لكن الخالق جعل ذلك وقتًا لظهور قضائه وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم وأفاد وصفها بقوله ذميمة جواز ذلك وإن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير اعتقاد أن ذلك منها ولا يمنع ذم المحل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى.



رقم الحديث 1780 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ، وَسَالِمٍ، ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الشُّؤْمُ: فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ.


( ما يتقى من الشؤم)

( مالك عن أبي حازم) سلمة ( بن دينار عن سهل بن سعد) بفتح فسكون فيهما ( الساعدي) نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا هكذا في أكثر الموطآت ورواه القعنبي والتنيسي إن كان في شيء ورواه إسماعيل بن عمر ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك إن كان الشؤم في شيء أخرجها الدارقطني لكن لم يقل إسماعيل في شيء وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم قال ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وأخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه قال ابن العربي معناه إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء وقال المازري محمله إذا كان الشؤم حقًا فهذه الثلاثة أحق به بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها وقال عياض يعني إن كان له وجود في شيء لكان في هذه الثلاثة لأنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلاً انتهى أي إن كان شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعًا وشرعًا وقيل هذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم لمن له دار يسكنها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا يوافقه أن يفارقها بنقله وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق والبيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة وقال القرطبي وجه تخصيص الثلاثة بالذكر مع جري هذا في كل متطير به لملازمتها للإنسان وأنها أكثر ما يتشاءم به قال ومقتضى سياق هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متحققًا لوجود الشؤم في الثلاث لما تكلم بهذا ثم علمه بعد ذلك فقال الشؤم في ثلاث في الحديث التالي وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد ومسلم عن القعنبي والبخاري أيضًا في النكاح عن التنيسي كلاهما عن مالك به وتابعه هشام بن سعد ( مالك عن ابن شهاب عن حمزة) العمري المدني شقيق سالم تابعي ثقة من رجال الجميع ( وسالم بن عبد الله بن عمر) واقتصر شعيب ويونس من رواية عثمان بن عمر عنه كلاهما عند البخاري وابن جريج عند أبي عوانة عن الزهري عن سالم ونقل الترمذي أن ابن عيينة قال لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم قال الحافظ وهو حصر مردود فقد حدث به مالك عنه عن حمزة وسالم وهو من كبار الحفاظ ولا سيما في الزهري وتابعه يونس من رواية ابن وهب عنه عند البخاري وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي الستة عن الزهري عنهما وقد رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه عن الزهري عنهما عند مسلم والترمذي وهو يقتضي رجوع سفيان عن ذلك الحصر ورواه إسحاق بن راشد عند النسائي وأحمد عن معمر خمستهم عن الزهري عن حمزة وحده والظاهر أن الزهري كان يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عقبة بن مسلم عن حمزة ( عن) أبيهما ( عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم) الذي هو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا قال الطيبي واوه همزة خففت فصارت واوًا ثم غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة انتهى ومقتضى كلام الحافظ خلافه فإنه قال بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا ( في الدار والمرأة والفرس) أي كائن فيها وقد يكون في غيرها فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة وقال غيره خصها بالذكر لطول ملازمتها وقال الخطابي اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله وهذه الأشياء الثلاثة ظروف جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير في شيء إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان وهما صادران عن مشيئة الله عز وجل انتهى واتفقت طرق الحديث على الثلاثة المذكورة وروى جويرية بن أسماء وسعيد بن داود عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عنها والسيف أخرجه الدارقطني والبعض المبهم بين في ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أمه زينب ابنة أم سلمة عن أمها أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت والسيف ثم اختلف في معنى الحديث فقيل هو على ظاهره ولا يمتنع أن يجري الله العادة بذلك في هؤلاء كما أجرى العادة بأن من شرب السم مات ومن قطع رأسه مات وقد روى أبو داود عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا قال المازري فحمله مالك على ظاهره والمعنى أن قدر الله ربما وافق ما يكره عند سكنى الدار فيصير ذلك كالسبب فيتشاءم في إضافة الشؤم إليه اتساعًا وقال ابن العربي لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار وإنما هو عبارة عن جري العادة فأشار إلى أنه ينبغي الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل وكذا حمله ابن قتيبة وغيره على ظاهره قال القرطبي ولا يظن بمن حمله على الظاهر أنه يحمله على معتقد الجاهلية أن ذلك يضر وينفع بذاتهم وأن ذلك خطأ وإنما عنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يتطير به فمن وقع في نفسه شيء منها أبيح له تركه ويستبدل به غيره وقيل معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهية أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب قال الحافظ والأولى ما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحول منها لأنه متى بقي فيها ربما حمله اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وقيل شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وبعدها من المسجد لا يسمع فيها الأذان والمرأة أن لا تلد أو سوء خلقها أو غلاء مهرها أو عدم قنعها أو بسط لسانها والفرس أن لا يغزو عليها أو حرونها وروى الدمياطي بإسناد ضعيف إذا كان الفرس حرونا فهو مشؤوم وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشؤومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشؤومة وللطبراني من حديث أسماء أن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منع ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها وروى أحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاء ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان المركب الهني والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم وثلاثة من الشقاوة المرأة تراها تسوءك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفًا فإذا ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق وهذا تخصيص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض وبه صرح ابن عبد البر فقال يكون لقوم دون قوم وذلك كله بقدر الله وقال المهلب ما حاصله المخاطب بقوله الشؤم من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه فقال لهم إنما يقع ذلك في هذه الثلاثة التي تلازم في غالب الأحوال فإذا كان كذلك فانزعوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها ويدل على ذلك تصديره في بعض طرق الحديث بنفي الطيرة واستدل لذلك بما رواه ابن حبان بإسناد فيه مقال عن أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وقيل الحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك وسياق الأحاديث الصحيحة يبعده بل قال ابن العربي إنه ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية أو الحاصلة وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه وما رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدابة والفرس ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة وروى أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قيل لعائشة إن أبا هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة فقالت لم يحفظ أنه دخل وهو يقول قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله وهو منقطع فمكحول لم يسمع عائشة لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة فقالا إن أبا هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الفرس والمرأة والدابة فغضبت غضبًا شديدًا وقالت ما قاله وإنما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك قال الحافظ ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة جمع من الصحابة له على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كابن عمر وسعد بن أبي وقاص وغيرهما وقيل كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى { { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم } } الآية حكاه ابن عبد البر والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع خصوصًا وقد ورد في نفس هذا الحديث نفي التطير ثم إثباته في الثلاثة المذكورة في بعض طرقه عند الشيخين لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة فذكرها ولأبي داود عن سعد بن أبي وقاص ولا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة والطيرة والشؤم بمعنى واحد انتهى نج وقال التقي السبكي في هذا الحديث وسابقه مع قوله تعالى { { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } } إشارة إلى تخصيص الشؤم بالمرأة التي تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها وإن لها تأثيرًا في ذلك وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ومن قال ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من نسب المطر إلى النوء الكفر فكيف من نسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير اعتقاد نسبة الفعل إليها انتهى ثم لا يشكل هذا مع الحديث السابق في الجهاد الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة لاحتمال أن الشؤم في غير التي ربطت للجهاد والتي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون الفرس مما يتشاءم به أو المراد جنس الخير أي أنها بصدد أن فيها الخير فلا ينافي حصول غيره عارض قاله عياض وسأل بعضهم ما الفرق بين الدار يباح الانتقال منها وبين موضع الوباء ينهى عن الانتقال عنه وأجاب النووي بقول بعض العلماء الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام قسم لم يقع به ضرر ولا اطردت به العادة كصريخ يوم على دار ونعيق غراب في سفر فهذا لا يصغى إليه وهو الذي أنكر الشرع الالتفات إليه وهو الذي كانت العرب تتطير به وثانيها ما يقع به الطيرة ولكنه لا يعم كالدار والمرأة والفرس فيباح لصاحب ذلك أن يفارق ولما مر من وجه استثنائها والثالث ما يقع ويعم ولا يخص ويندر ولا يتكرر كالوباء هذا لا يقدم عليه احتياطًا ولا ينتقل عنه لأنه لا يفيد قال فهذا التفسير الذي ذكره يشير إلى الفرق والحديث رواه البخاري في النكاح عن إسماعيل ومسلم عن القعنبي ويحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال) منقطعًا قال ابن عبد البر إنه محفوظ عن أنس وغيره لكن الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس أن السائل رجل وعنده عن فروة بن مسيك بمهملة مصغر يدل على أنه هو السائل وهنا قال ( جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيجمع بينهما بأن كلاً من الرجل والمرأة سأل عن ذلك ( فقالت يا رسول الله دار سكناها) قال ابن العربي هي دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف ( والعدد كثير والمال وافر) زائد ( فقل العدد وذهب المال) رأسًا ( فقال صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة) قال ابن عبد البر أي مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون وكارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها قال وعندي أنه إنما قاله خشية عليهم التزام الطيرة وقال ابن العربي إنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها وليس كما ظنوا لكن الخالق جعل ذلك وقتًا لظهور قضائه وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم وأفاد وصفها بقوله ذميمة جواز ذلك وإن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير اعتقاد أن ذلك منها ولا يمنع ذم المحل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى.



رقم الحديث 1781 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًي وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.


( باب ما جاء في معي الكافر)

( مالك عن أبي الزناد) بكسر الزاي وخفة النون ( عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل المسلم في معي واحد) بكسر الميم مقصور كما اقتصر عليه شراح الحديث إما لأنه الرواية أو لأنه أشهر وإلا ففيه الفتح والمد وجمع المقصور أمعاء كعنب وأعناب والممدود أمعية كحمار وأحمرة وهي المصارين وعدى بفي على معنى دفع الأكل فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى { { إنما يأكلون في بطونهم نارا } } أي ملء بطونهم ( والكافر يأكل في سبعة أمعاء) هي عدة أمعاء الإنسان ولا ثامن لها كما بين في التشريح قال ابن عبد البر لا سبيل إلى حمله على ظاهره لأن المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلاً وشربًا من مسلم وعكسه وكم من كافر أسلم ولم يتغير أكله وشربه انتهى وجملة ما قيل فيه عشرة أوجه فقيل ليست حقيقة العدد مرادة بل المراد قلة أكل المؤمن وكثرة أكل الكافر ويؤيده قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كقوله تعالى { { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } } والمعنى أن شأن المؤمن التقلل في الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة وعلمه أن قصد الشرع من الأكل سد الجوع والعون على العبادة ولخشيته من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك قال القرطبي وهذا أرجح وقيل المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي واحد لقلة حرصه وشرهه على الطعام وأشار النووي إلى اختياره ولا يلزم اطراده في كل مؤمن وكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على خلاف هذا الوصف لا يقدح في الحديث وقيل المراد أن المؤمن يسمي الله عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان بخلاف الكافر لا يسمي فيأكل معه الشيطان والثلاثة على أن المراد مطلق مسلم وكافر وقيل المراد بالمسلم الإسلام التام لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره بالموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكرة والخوف على نفسه من استيفاء شهوته ويشير إلى ذلك حديث الصحيح إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على أن المراد من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فشأنه الشره فيأكل كالبهيمة لا بمصلحة قيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من السلف الأكل الكثير فلم يكن ذلك نقصًا في إيمانهم وقيل المراد المسلم يأكل الحلال والكافر الحرام والحلال أقل وقيل المراد حض المسلم على قلة الأكل إذا علم أن كثرته من صفات الكافر وقال القرطبي شهوات الطعام سبع الطبع والنفس والعين والفم والأنف والأذن والجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المسلم وأما الكافر فيأكل بالجميع وقال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع والحسد وحب السمن وسوء الطبع وبالواحد في المسلم سد خلته وقال ابن العربي السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة والقول العاشر أن اللام في الكافر عهدية فهو خاص بمعنى كان كافرًا فأسلم بدليل الحديث التالي ويأتي تفسير الرجل فيه وفي البخاري من وجه آخر عن أبي هريرة أن رجلاً كان يأكل أكلاً كثيرًا فأسلم فكان يأكل قليلاً فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وبهذا جزم ابن عبد البر قال لأن المعاينة وهي أصح علوم الحواس تدفع أن يكون ذلك في كل كافر ومؤمن ومعروف من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم والمراد به الخصوص كقوله تعالى { { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } } فالمراد بالناس رجل واحد أخبر الصحابة أن قريشًا جمعت لهم وجاء اللفظ على العموم ومثله كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم وهذا الحديث أخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ورواه مسلم وغيره وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن سهيل) بضم السين مصغر ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر) هو جهجاه بن سعيد الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار وغيرهما من حديثه وجزم به ابن عبد البر أو نضلة بنت عمر وكما عند أحمد وأبي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في الدلائل أو أبو بصرة الغفاري ذكره أبو عبيد وعبد الغني بن سعيد أو ثمامة بن أثال الحنفي ذكره ابن إسحاق والباجي وابن بطال ( فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه) أي حلابها كله ( ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب) بكسر الحاء ( سبع شياه) وعند ابن أبي شيبة وغيره عن جهجاه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب قال يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلاً عظيمًا طوالاً لا يقدم علي أحد فذهب بي رسول الله إلى منزله فحلب لي عنزًا فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله هذه الليلة قال مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله ( ثم أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها) وفي حديث جهجاه فذهب رسول الله إلى منزله فحلبت لي عنز فترويت وشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا فقال بلى ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معي واحد) من أمعائه السبعة ( والكافر يشرب في سبعة أمعاء) التي هي جميع أمعائه قال عياض عند أهل التشريح إن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر وكلها غلاظ وقد نظمها الحافظ زين الدين العراقي في قوله

سبعة أمعاء لكل آدمي
معدة بوابها مع صائم

ثم الرقيق أعور قولون مع
المستقيم مسلك المطاعم

وفي الشرب ما سبق في الأكل من الأقوال العشرة وفيه كسابقه إشارة إلى تقليل الأكل وقد روى أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم مرفوعًا ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس قال القرطبي في شرح الأسماء لو سمع بقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم منه وقال غيره خص الثلاثة لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد الثلث المساوي حقيقة والطريق إليه غلبة الظن أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة وإن لم يغلب ظنه بالثلث الحقيقي محل احتمال قال الحافظ والأول أولى ويحتمل أنه لمح بذكر الثلث إلى قوله في الحديث الآخر والثلث كثير وقال غيره أرجح الاحتمالين الأول إذ هو المتبادر والثاني يحتاج لدليل وحديث الباب رواه مسلم من طريق إسحاق بن عيسى والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به.



رقم الحديث 1781 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَارٌ سَكَنَّاهَا، وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ، فَقَلَّ الْعَدَدُ، وَذَهَبَ الْمَالُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهَا ذَمِيمَةً.


( ما يتقى من الشؤم)

( مالك عن أبي حازم) سلمة ( بن دينار عن سهل بن سعد) بفتح فسكون فيهما ( الساعدي) نسبة إلى ساعدة بن كعب بن الخزرج ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا هكذا في أكثر الموطآت ورواه القعنبي والتنيسي إن كان في شيء ورواه إسماعيل بن عمر ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك إن كان الشؤم في شيء أخرجها الدارقطني لكن لم يقل إسماعيل في شيء وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني عن هشام بن سعد عن أبي حازم قال ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره وأخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه قال ابن العربي معناه إن كان الله خلق الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء وقال المازري محمله إذا كان الشؤم حقًا فهذه الثلاثة أحق به بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها وقال عياض يعني إن كان له وجود في شيء لكان في هذه الثلاثة لأنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلاً انتهى أي إن كان شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعًا وشرعًا وقيل هذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم لمن له دار يسكنها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا يوافقه أن يفارقها بنقله وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل الفراق والبيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة وقال القرطبي وجه تخصيص الثلاثة بالذكر مع جري هذا في كل متطير به لملازمتها للإنسان وأنها أكثر ما يتشاءم به قال ومقتضى سياق هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متحققًا لوجود الشؤم في الثلاث لما تكلم بهذا ثم علمه بعد ذلك فقال الشؤم في ثلاث في الحديث التالي وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد ومسلم عن القعنبي والبخاري أيضًا في النكاح عن التنيسي كلاهما عن مالك به وتابعه هشام بن سعد ( مالك عن ابن شهاب عن حمزة) العمري المدني شقيق سالم تابعي ثقة من رجال الجميع ( وسالم بن عبد الله بن عمر) واقتصر شعيب ويونس من رواية عثمان بن عمر عنه كلاهما عند البخاري وابن جريج عند أبي عوانة عن الزهري عن سالم ونقل الترمذي أن ابن عيينة قال لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم قال الحافظ وهو حصر مردود فقد حدث به مالك عنه عن حمزة وسالم وهو من كبار الحفاظ ولا سيما في الزهري وتابعه يونس من رواية ابن وهب عنه عند البخاري وصالح بن كيسان عند مسلم وأبو أويس عند أحمد ويحيى بن سعيد وابن أبي عتيق وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي الستة عن الزهري عنهما وقد رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه عن الزهري عنهما عند مسلم والترمذي وهو يقتضي رجوع سفيان عن ذلك الحصر ورواه إسحاق بن راشد عند النسائي وأحمد عن معمر خمستهم عن الزهري عن حمزة وحده والظاهر أن الزهري كان يجمعهما تارة ويفرد أحدهما أخرى وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري أخرجه مسلم من طريق عقبة بن مسلم عن حمزة ( عن) أبيهما ( عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم) الذي هو ضد اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا قال الطيبي واوه همزة خففت فصارت واوًا ثم غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة انتهى ومقتضى كلام الحافظ خلافه فإنه قال بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا ( في الدار والمرأة والفرس) أي كائن فيها وقد يكون في غيرها فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة وقال غيره خصها بالذكر لطول ملازمتها وقال الخطابي اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله وهذه الأشياء الثلاثة ظروف جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير في شيء إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان وهما صادران عن مشيئة الله عز وجل انتهى واتفقت طرق الحديث على الثلاثة المذكورة وروى جويرية بن أسماء وسعيد بن داود عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة عنها والسيف أخرجه الدارقطني والبعض المبهم بين في ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أمه زينب ابنة أم سلمة عن أمها أنها حدثت بهذه الثلاثة وزادت والسيف ثم اختلف في معنى الحديث فقيل هو على ظاهره ولا يمتنع أن يجري الله العادة بذلك في هؤلاء كما أجرى العادة بأن من شرب السم مات ومن قطع رأسه مات وقد روى أبو داود عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا قال المازري فحمله مالك على ظاهره والمعنى أن قدر الله ربما وافق ما يكره عند سكنى الدار فيصير ذلك كالسبب فيتشاءم في إضافة الشؤم إليه اتساعًا وقال ابن العربي لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار وإنما هو عبارة عن جري العادة فأشار إلى أنه ينبغي الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل وكذا حمله ابن قتيبة وغيره على ظاهره قال القرطبي ولا يظن بمن حمله على الظاهر أنه يحمله على معتقد الجاهلية أن ذلك يضر وينفع بذاتهم وأن ذلك خطأ وإنما عنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يتطير به فمن وقع في نفسه شيء منها أبيح له تركه ويستبدل به غيره وقيل معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهية أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبة ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب قال الحافظ والأولى ما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة فيقع في اعتقاد ما نهى عن اعتقاده فأشير إلى اجتناب مثل ذلك والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحول منها لأنه متى بقي فيها ربما حمله اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم وقيل شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وبعدها من المسجد لا يسمع فيها الأذان والمرأة أن لا تلد أو سوء خلقها أو غلاء مهرها أو عدم قنعها أو بسط لسانها والفرس أن لا يغزو عليها أو حرونها وروى الدمياطي بإسناد ضعيف إذا كان الفرس حرونا فهو مشؤوم وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشؤومة وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشؤومة وللطبراني من حديث أسماء أن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها وسوء الدابة منع ظهرها وسوء طبعها وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها وروى أحمد وصححه ابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاء ابن آدم ثلاثة المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء وفي رواية لابن حبان المركب الهني والمسكن الواسع وفي رواية للحاكم وثلاثة من الشقاوة المرأة تراها تسوءك وتحمل لسانها عليك والدابة تكون قطوفًا فإذا ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك والدار تكون ضيقة قليلة المرافق وهذا تخصيص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض وبه صرح ابن عبد البر فقال يكون لقوم دون قوم وذلك كله بقدر الله وقال المهلب ما حاصله المخاطب بقوله الشؤم من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه فقال لهم إنما يقع ذلك في هذه الثلاثة التي تلازم في غالب الأحوال فإذا كان كذلك فانزعوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها ويدل على ذلك تصديره في بعض طرق الحديث بنفي الطيرة واستدل لذلك بما رواه ابن حبان بإسناد فيه مقال عن أنس رفعه لا طيرة والطيرة على من تطير وقيل الحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك وسياق الأحاديث الصحيحة يبعده بل قال ابن العربي إنه ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية أو الحاصلة وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه وما رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدابة والفرس ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة وروى أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قيل لعائشة إن أبا هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثلاثة فقالت لم يحفظ أنه دخل وهو يقول قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله وهو منقطع فمكحول لم يسمع عائشة لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة فقالا إن أبا هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الفرس والمرأة والدابة فغضبت غضبًا شديدًا وقالت ما قاله وإنما قال إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك قال الحافظ ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة جمع من الصحابة له على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كابن عمر وسعد بن أبي وقاص وغيرهما وقيل كان قوله ذلك في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى { { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم } } الآية حكاه ابن عبد البر والنسخ لا يثبت بالاحتمال لا سيما مع إمكان الجمع خصوصًا وقد ورد في نفس هذا الحديث نفي التطير ثم إثباته في الثلاثة المذكورة في بعض طرقه عند الشيخين لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة فذكرها ولأبي داود عن سعد بن أبي وقاص ولا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة والطيرة والشؤم بمعنى واحد انتهى نج وقال التقي السبكي في هذا الحديث وسابقه مع قوله تعالى { { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } } إشارة إلى تخصيص الشؤم بالمرأة التي تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها وإن لها تأثيرًا في ذلك وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ومن قال ذلك فهو جاهل وقد أطلق الشارع على من نسب المطر إلى النوء الكفر فكيف من نسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير اعتقاد نسبة الفعل إليها انتهى ثم لا يشكل هذا مع الحديث السابق في الجهاد الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة لاحتمال أن الشؤم في غير التي ربطت للجهاد والتي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ولا يمنع ذلك أن يكون الفرس مما يتشاءم به أو المراد جنس الخير أي أنها بصدد أن فيها الخير فلا ينافي حصول غيره عارض قاله عياض وسأل بعضهم ما الفرق بين الدار يباح الانتقال منها وبين موضع الوباء ينهى عن الانتقال عنه وأجاب النووي بقول بعض العلماء الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام قسم لم يقع به ضرر ولا اطردت به العادة كصريخ يوم على دار ونعيق غراب في سفر فهذا لا يصغى إليه وهو الذي أنكر الشرع الالتفات إليه وهو الذي كانت العرب تتطير به وثانيها ما يقع به الطيرة ولكنه لا يعم كالدار والمرأة والفرس فيباح لصاحب ذلك أن يفارق ولما مر من وجه استثنائها والثالث ما يقع ويعم ولا يخص ويندر ولا يتكرر كالوباء هذا لا يقدم عليه احتياطًا ولا ينتقل عنه لأنه لا يفيد قال فهذا التفسير الذي ذكره يشير إلى الفرق والحديث رواه البخاري في النكاح عن إسماعيل ومسلم عن القعنبي ويحيى الثلاثة عن مالك به وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال) منقطعًا قال ابن عبد البر إنه محفوظ عن أنس وغيره لكن الذي رواه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس أن السائل رجل وعنده عن فروة بن مسيك بمهملة مصغر يدل على أنه هو السائل وهنا قال ( جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيجمع بينهما بأن كلاً من الرجل والمرأة سأل عن ذلك ( فقالت يا رسول الله دار سكناها) قال ابن العربي هي دار مكمل بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف ( والعدد كثير والمال وافر) زائد ( فقل العدد وذهب المال) رأسًا ( فقال صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة) قال ابن عبد البر أي مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون وكارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها قال وعندي أنه إنما قاله خشية عليهم التزام الطيرة وقال ابن العربي إنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها وليس كما ظنوا لكن الخالق جعل ذلك وقتًا لظهور قضائه وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم وأفاد وصفها بقوله ذميمة جواز ذلك وإن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير اعتقاد أن ذلك منها ولا يمنع ذم المحل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى.