فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الدَّفْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ ، وَإِنْفَاذِ أَبِي بَكْرٍ

رقم الحديث 1017 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ ثُمَّ السَّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا، وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ، وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ، فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ.
فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ، ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ، وَبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.
مِنْ ضَرُورَةٍ.
وَيُجْعَلَ الْأَكْبَرُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ.


( مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بصادين مفتوحتين بعد كل عين مهملات الأنصاري المازني ( أنه بلغه) قال أبو عمر: لم تختلف الرواة في قطعه ويتصل معناه من وجوه صحاح ( أن عمرو) بفتح العين ( بن الجموح) بفتح الجيم وخفة الميم وإسكان الواو ومهملة، ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري من سادات الأنصار وبني سلمة وأشرافهم.
روى البخاري في الأدب المفرد والسراج وأبو الشيخ وأبو نعيم عن جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا الجد بن قيس على أنا نبخله فقال بيده هكذا، ومد يده: وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح.
قال: وكان عمرو يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج ( وعبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن حرام بن ثعلبة الخزرجي العقبي البدري، والد جابر الصحابي المشهور.
أخرج أبو يعلى وابن السكن عن جابر رفعه: جزى الله الأنصار عنا خيرًا لا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة.
ورواه النسائي بلفظ لا سيما آل ابن حرام عمرو.
( الأنصاريين ثم السلميين) بفتح السين واللام، نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام، بطن من بني الأنصار الخزرج ( كانا قد حفر السيل قبرهما) ولابن وضاح عن قبرهما على تضمين حفر معنى كشف، وإلا فحفر يتعدى بنفسه ( وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد) .

روى ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح: اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال: أتى عمرو بن الجموح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ قال: نعم، وكانت عرجاء، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه فمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: إني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة.
وأمر صلى الله عليه وسلم بهما ومولاهما فجعلوا في قبر واحد.
وأخرجه أحمد بإسناد حسن.
قال ابن عبد البر: ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه.
قال الحافظ: وهو كما قال فلعله كان أسن منه قال: وابن الجموح كان صديق عبد الله وزوج أخته هند بنت عمرو ( وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما) أي لينقلا منه لمكان غيره لأجل السيل ( فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس) لأن الأرض لا تأكل جسم الشهيد ( وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت) نحيت ( يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت) { { وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُّقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } } ( وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة)

وفي الصحيح عن جابر: كان أبي أول قتيل قتل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته فجعلته في قبر على حدة.
وهذا يخالف في الظاهر حديث الموطأ.
وجمع ابن عبد البر بتعدد القصة ونظر فيه الحافظ بأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر.
وحديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة.
فإما أن المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل جرف أحد القبرين حتى صارا واحدًا.
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال: حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما يعني عمرًا وعبد الله وعليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض فأخرجناهما كأنهما دفنا بالأمس، وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد عن جابر.

( قال مالك لا بأس بأن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة) لا لغيرها لما رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي عن هشام بن عامر الأنصاري قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قالوا: أصابنا قرح وجهد قال: احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر.
( ويجعل الأكبر) في الفضل وإن كان أصغر سنًا ( مما يلي القبلة) لما في الصحيح عن جابر: كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهما أكثر أخذًا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني أحد الأعلام يعرف بربيعة الرأي ( أنه قال) منقطع قال أبو عمر: باتفاق رواة الموطأ يتصل من وجوه صحاح عن جابر قال ( قدم على أبي بكر الصديق) في خلافته ( مال من البحرين) بلفظ تثنية بحر بلد معروف من مال الجزية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم عليها وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة يأتي بجزيتها، كما في البخاري من حديث عمرو بن عوف فأغنى ذلك عن قول ابن بطال يحتمل أن يكون المال من الخمس أو الفيء ( فقال) على لسان المنادى ( من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي) بفتح الواو وإسكان الهمزة مصدر وأي بزنة وعي وعد وضمان ( أو عدة) بكسر العين وخفة الدال المهملتين أي وعد وكأن الراوي شك في اللفظ وإن اتحد المعنى، وفي البخاري دين أو عدة ( فليأتني) أف له به ( فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات) جمع حفنة وهي ما يملأ الكفين، والمراد أنه حفن له حفنة وقال: عدها فوجدها خمسمائة فقال له خذ مثليها.
ففي البخاري عن جابر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا أي ثلاثًا، فلما قبض صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديًا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا، فأتيته فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا فحثى لي ثلاثًا.
وفي رواية له: فحثى إلي حثية وقال: عدها فوجدتها خمسمائة قال: فخذ مثلها مرتين.
وفي أخرى له أيضًا فقال: لي احث فحثوت حثية فقال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفًا وخمسمائة.
والمراد بالحثية الحفنة على ما قال الهروي أنهما بمعنى وإن كان المعروف لغة أن الحثية ملء كف واحدة.
قال الإسماعيلي: لما كان وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف، نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقًا بينه وبين غيره ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن بطال وابن عبد البر: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأل جابر البينة على ما ادعاه لأنه لم يدع شيئًا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى شيئًا في بيت المال الموكول أمره إلى اجتهاد الإمام فوفاه له أبو بكر.
هذا وفي رواية للبخاري أيضًا عن جابر: فأتيت أبا بكر فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل علّي.
قال: قلت: تبخل علي وأي داء أدوأ من البخل ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ذلك إما لأمر أهم منه أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع على الإطلاق ولذا قال له: ما منعتك من مرة إلخ وهذا المال الآتي في زمن الصديق غير المال الآتي من البحرين زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن عمرو بن عوف الأنصاري البدري أنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة من البحرين بمال فسمعت الأنصار بقدومه فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما صلى بهم انصرف، فتعرضوا له فتبسم حين رآهم وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا: أجل يا رسول الله قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
وفي الصحيح عن أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتي به إلى أن قال فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم وفي مصنف ابن أبي شيبة أنه كان مائة ألف والله أعلم.



رقم الحديث 1018 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَالٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأْيٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي.
فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ.


( مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بصادين مفتوحتين بعد كل عين مهملات الأنصاري المازني ( أنه بلغه) قال أبو عمر: لم تختلف الرواة في قطعه ويتصل معناه من وجوه صحاح ( أن عمرو) بفتح العين ( بن الجموح) بفتح الجيم وخفة الميم وإسكان الواو ومهملة، ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري من سادات الأنصار وبني سلمة وأشرافهم.
روى البخاري في الأدب المفرد والسراج وأبو الشيخ وأبو نعيم عن جابر: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا الجد بن قيس على أنا نبخله فقال بيده هكذا، ومد يده: وأي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح.
قال: وكان عمرو يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج ( وعبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن حرام بن ثعلبة الخزرجي العقبي البدري، والد جابر الصحابي المشهور.
أخرج أبو يعلى وابن السكن عن جابر رفعه: جزى الله الأنصار عنا خيرًا لا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة.
ورواه النسائي بلفظ لا سيما آل ابن حرام عمرو.
( الأنصاريين ثم السلميين) بفتح السين واللام، نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام، بطن من بني الأنصار الخزرج ( كانا قد حفر السيل قبرهما) ولابن وضاح عن قبرهما على تضمين حفر معنى كشف، وإلا فحفر يتعدى بنفسه ( وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد) .

روى ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح: اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة قال: أتى عمرو بن الجموح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ قال: نعم، وكانت عرجاء، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه فمر النبي صلى الله عليه وسلم به فقال: إني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة.
وأمر صلى الله عليه وسلم بهما ومولاهما فجعلوا في قبر واحد.
وأخرجه أحمد بإسناد حسن.
قال ابن عبد البر: ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه.
قال الحافظ: وهو كما قال فلعله كان أسن منه قال: وابن الجموح كان صديق عبد الله وزوج أخته هند بنت عمرو ( وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما) أي لينقلا منه لمكان غيره لأجل السيل ( فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس) لأن الأرض لا تأكل جسم الشهيد ( وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت) نحيت ( يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت) { { وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُّقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } } ( وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة)

وفي الصحيح عن جابر: كان أبي أول قتيل قتل ودفن معه آخر في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته فجعلته في قبر على حدة.
وهذا يخالف في الظاهر حديث الموطأ.
وجمع ابن عبد البر بتعدد القصة ونظر فيه الحافظ بأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر.
وحديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة.
فإما أن المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة أو أن السيل جرف أحد القبرين حتى صارا واحدًا.
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال: حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما يعني عمرًا وعبد الله وعليهما بردتان قد غطى بهما وجوههما وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض فأخرجناهما كأنهما دفنا بالأمس، وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد عن جابر.

( قال مالك لا بأس بأن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة) لا لغيرها لما رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي عن هشام بن عامر الأنصاري قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قالوا: أصابنا قرح وجهد قال: احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر.
( ويجعل الأكبر) في الفضل وإن كان أصغر سنًا ( مما يلي القبلة) لما في الصحيح عن جابر: كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهما أكثر أخذًا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد.

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني أحد الأعلام يعرف بربيعة الرأي ( أنه قال) منقطع قال أبو عمر: باتفاق رواة الموطأ يتصل من وجوه صحاح عن جابر قال ( قدم على أبي بكر الصديق) في خلافته ( مال من البحرين) بلفظ تثنية بحر بلد معروف من مال الجزية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم عليها وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة يأتي بجزيتها، كما في البخاري من حديث عمرو بن عوف فأغنى ذلك عن قول ابن بطال يحتمل أن يكون المال من الخمس أو الفيء ( فقال) على لسان المنادى ( من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي) بفتح الواو وإسكان الهمزة مصدر وأي بزنة وعي وعد وضمان ( أو عدة) بكسر العين وخفة الدال المهملتين أي وعد وكأن الراوي شك في اللفظ وإن اتحد المعنى، وفي البخاري دين أو عدة ( فليأتني) أف له به ( فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات) جمع حفنة وهي ما يملأ الكفين، والمراد أنه حفن له حفنة وقال: عدها فوجدها خمسمائة فقال له خذ مثليها.
ففي البخاري عن جابر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا أي ثلاثًا، فلما قبض صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديًا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا، فأتيته فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا فحثى لي ثلاثًا.
وفي رواية له: فحثى إلي حثية وقال: عدها فوجدتها خمسمائة قال: فخذ مثلها مرتين.
وفي أخرى له أيضًا فقال: لي احث فحثوت حثية فقال لي عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفًا وخمسمائة.
والمراد بالحثية الحفنة على ما قال الهروي أنهما بمعنى وإن كان المعروف لغة أن الحثية ملء كف واحدة.
قال الإسماعيلي: لما كان وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخلف، نزلوا وعده منزلة الضمان في الصحة فرقًا بينه وبين غيره ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي وأشار غير واحد إلى أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن بطال وابن عبد البر: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأل جابر البينة على ما ادعاه لأنه لم يدع شيئًا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ادعى شيئًا في بيت المال الموكول أمره إلى اجتهاد الإمام فوفاه له أبو بكر.
هذا وفي رواية للبخاري أيضًا عن جابر: فأتيت أبا بكر فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت سألتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل علّي.
قال: قلت: تبخل علي وأي داء أدوأ من البخل ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ذلك إما لأمر أهم منه أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ولم يرد به المنع على الإطلاق ولذا قال له: ما منعتك من مرة إلخ وهذا المال الآتي في زمن الصديق غير المال الآتي من البحرين زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن عمرو بن عوف الأنصاري البدري أنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة من البحرين بمال فسمعت الأنصار بقدومه فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما صلى بهم انصرف، فتعرضوا له فتبسم حين رآهم وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا: أجل يا رسول الله قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
وفي الصحيح عن أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتي به إلى أن قال فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم وفي مصنف ابن أبي شيبة أنه كان مائة ألف والله أعلم.