فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ

رقم الحديث 528 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ.


( غسل الميت)

( مالك عن جعفر) الصادق لصدقه في مقاله ( ابن محمد) الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن أبيه) قال ابن عبد البر أرسله رواة الموطأ إلا سعيد بن عفير فقال عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص) قال وأسند في غير الموطأ عن جابر وهو عن عائشة أصح قال وهو حديث مشهور عند العلماء وأهل السير والمغازي وقال الباجي يحتمل أن يكون ذلك خاصًا به صلى الله عليه وسلم لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه وقال الشافعي لا يجرد ويغسل فيه وقد قالت عائشة لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) بفوقية بلفظ واحدة التمائم واسمه كيسان ( السختياني عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم ( عن أم عطية) اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغر على المشهور وعن ابن معين وغيره فتح النون وكسر السين بنت كعب ويقال بنت الحارث ( الأنصارية) صحابية فاضلة مشهورة مدنية ثم سكنت البصرة قال ابن المنذر وابن عبد البر ليس في أحاديث غسل الميت أصح منه ولا أعم وعليه عول العلماء أنها ( قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته) وفي رواية عبد الوهاب الثقفي وابن جريج عن أيوب دخل علينا ونحن نغسل ابنته وجمع بأنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وللنسائي من وجه آخر عن أم عطية ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا والمشهور أنها زينب والدة أمامة المتقدمة وهي أكبر بناته ماتت في أول سنة ثمان ولمسلم عن عاصم الأحول عن أم عطية ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا اغسلنها الحديث ولابن ماجه بإسناد جيد دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وفي مبهمات ابن بشكوال من وجه آخر عن أم عطية كنت فيمن غسل أم كلثوم وللدولابي عن أم عمرة أن أم عطية كانت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن ترجيحه لتعدد طرقه وبه جزم الداودي والجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا فقد جزم ابن عبد البر بأن أم عطية كانت غاسلة الميتات وعزو النووي تبعًا لعياض أي تبعًا لابن عبد البر تسميتها أم كلثوم لبعض أهل السير قصور شديد وقول المنذري إنها ماتت والنبي ببدر فلم يشهدها غلط فالميتة وهو ببدر رقية ( فقال اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها ووقفت من تسميتهن على ثلاث فعند الدولابي عن أسماء بنت عميس أنها كانت فيمن غسلها قالت ومعنا صفية بنت عبد المطلب ولأبي داود عن ليلى بنت قانف بقاف ونون الثقفية قالت كنت فيمن غسلها وللطبراني عن أم سليم ما يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضًا قال ابن بزيزة استدل به على وجوب غسل الميت وهو ينبني على أن قوله بعد أن رأيتن ذلك يرجع إلى الغسل أو إلى العدد والثاني أرجح فيثبت المدعي قال ابن دقيق العيد لكن قوله ( ثلاثًا) ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فالاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن لفظ ثلاثًا لا يستقل بنفسه فلا بد من دخوله تحت الأمر فيراد به الوجوب بالنسبة لأصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار اهـ وقواعد الشافعية أي والمالكية لا تأبى ذلك وذهب الحسن والكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى وجوب الثلاث وإن خرج منه شيء بعدها غسل موضعه فقط ولا يزاد على الثلاث وهو خلاف ظاهر الحديث ( أو خمسًا) وفي رواية حفصة عن أم عطية اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا أو خمسًا وأو للترتيب لا للتخيير وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاثة مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما زاد وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء والواجب مرة واحدة تعم جميع البدن قاله النووي وقال ابن العربي في قوله أو خمسًا إشارة إلى الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع ( أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية عند البخاري ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ولم أر في شيء من الروايات بعد سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية أبي ذر وأما سواها فإما سبعًا وإما أو أكثر من ذلك فيحتمل تفسيره بالسبع وبه قال أحمد وكره الزيادة عليها وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثًا وإلا فخمسًا وإلا فأكثر قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع ( إن رأيتن ذلك) تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي وقال ابن المنذر إنما فوض إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار وقال بعضهم يحتمل أن يرجع إلى الأعداد المذكورة ويحتمل أن معناه إن رأيتن فعل ذلك وإلا فالإنقاء يكفي قاله كله الحافظ ببعض اختصار قال ابن عبد البر وجميع رواة الموطأ قالوا إن رأيتن ذلك إلا يحيى وهو مما عد من سقطه وفي هذه اللفظة من الفقه رد عدد الغسلات إلى الغاسل على حسب ما يرى بعد الثلاث من بلوغ الوتر فيها ( بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة وقال قوم يطرح ورقات السدر في الماء لئلا يمازج الماء فيتغير عن وصف المطلق وأنكر ذلك أحمد فقال يغسل في كل مرة بالماء والسدر وقال ابن العربي هذا الحديث أصل في التطهير بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق اهـ وهو مبني على الصحيح المشهور عند الجمهور أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغتسالات الواجبة والمندوبة خلافًا لابن شعبان وغيره من المالكية أنه للتنظيف فيجزي بماء الورد ونحوه وإنما كره للسرف وقيل شرع احتياطًا لاحتمال أنه جنب وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع من لم يبلغ وهو خلاف الإجماع ( واجعلن في) الغسلة ( الآخرة) بكسر الخاء ( كافورًا) طيب معروف يكون من شجر بجبال الهند والصين يظل خلقًا كثيرًا وتألفه النمور وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونه أحمر وإنما يبيض بالتصعيد ( أو شيئًا من كافور) شك من الراوي قال أي اللفظين والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وجزم في رواية الثقفي وابن جريج عن أيوب عند البخاري بالشق الأول وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف وحكمة الكافور زيادة على تطييب رائحة الموضع للحاضرين من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفًا وتبريدًا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه ورد ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك وهذا سر جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء وهل يقوم المسك مثلاً مقامه إن نظر إلى مجرد التطييب نعم وإلا فلا وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه إذا ماثله ولو بخاصية واحدة قاله الحافظ ( فإذا فرغتن) من غسلها ( فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وفتح النون الأولى مشددة وكسر الثانية أي أعلمنني ( قالت) أم عطية ( فلما فرغنا) بصيغة الماضي جماعة المتكلمين وفي رواية فرغن بصيغة الغائب لجمع المؤنث ( آذناه) أعلمناه ( فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة ( فقال أشعرنها) بهمزة قطع ( إياه) أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها تبركًا وحكمة تأخيره معه حتى فرغن من الغسل دون إعطائه لهن ليكون قريب العهد من جسده الكريم بلا فاصل بين انتقاله من جسده إلى جسدها وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين ( تعني) أم عطية ( بحقوه إزاره) وهو في الأصل معقد الإزار أطلق على الإزار مجازًا وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين فنزع من حقوه إزاره والحقو في هذا على حقيقته وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ومسلم والثلاثة عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما عن أيوب وغيره بزيادات ومداره على محمد بن سيرين وأخته حفصة بنت سيرين عن أم عطية ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قاضيها المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة وله سبعون سنة ( أن أسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره مهملة مصغرًا الخثعمية صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لكل منهم وماتت بعد علي وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ( غسلت) زوجها ( أبا بكر الصديق حين توفي) ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة وهو الصحيح كما في الفتح وغلط في الإصابة من قال مات في جمادى الأولى أو لليلة خلت من ربيع الأول ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها وأما تغسيله لها فأجازه الجمهور والأئمة الثلاثة لأن عليًا غسل فاطمة وقال أبو حنيفة والثوري تغسله لأنها في عدة منه ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها ولا حجة فيه لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البينونة بدليل الإرث واعتلوا أيضًا بأن له أن يتزوج أختها فلذا لا يغسلها وهذا ينتقض بغسلها له واحتجوا بحديث أم عطية لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرًا وأمر المصطفى النسوة بغسلها وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرًا وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لا مانع به ولا آثر النسوة على نفسه وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده ( ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا) غسل عليك واجب ولا مستحب لعذرها بالصوم والبرد واختلف جماعة من الصحابة والتابعين في وجوب غسل من غسل الميت واختلف فيه قول مالك فروى ابن القاسم وابن وهب عنه في العتبية عليه الغسل ولم أدرك الناس إلا عليه ابن القاسم وهو أحب إلي ولم أره يأخذ بحديث أسماء وروى عنه المدنيون وابن عبد الحكم أنه مستحب لا واجب وهو مشهور المذهب وبه قال أبو حنيفة قالوا وإنما أسقطوه عن أسماء لعذرها بالصوم والبرد وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من غسل ميتًا فليغتسل رواه أبو داود برجال ثقات إلا واحدًا لم يعرف حاله وقال الشافعي لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة وظاهر الأمر الوجوب لكن صرفه عنه حديث أم عطية حيث لم يأمرهن به فدل على أنه للاستحباب وأما الاستدلال به على عدم الاستحباب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ففيه نظر لاحتمال أنه شرع بعد ذلك وأما قول الخطابي لا أعلم أحدًا قال بوجوبه فقال الحافظ كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضًا وقال ابن بزيزة الظاهر أنه مستحب والحكمة تتعلق بالميت لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن ويحتمل أن تتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم) كأخ وعم وفي نسخة المحارم بالجمع ( أحد يلي ذلك منها) فيجوز للمحرم من فوق الثوب كما قال مالك في المدونة والعتبية ( ولا زوج يلي ذلك منها يُممتْ) لكوعيها فقط كما قال ( فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد) الطاهر ( قال مالك وإذا هلك الرجل) أي مات ( وليس معه أحد إلا نساء) أجانب ( يممنه أيضًا) لمرفقيه فإن كن محارم غسلنه من فوق الثوب كما في المدونة وغيرها ابن عبد الحكم عن مالك تغسل المرأة ذا محرمها والرجل ذا محرمه في درعها ولا يطلع أحد منهم على عورة صاحبه وقال أشهب وأبو حنيفة والشافعي لا يغسل ذو المحارم بعضها بعضًا وييممون ( قال مالك وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف) لا يجوز تعديه ( وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر) ويستحب أن يبدأ في المرة الأولى بغسل رأسه ولحيته ثم بجسده ويبدأ بشقه الأيمن ويستحب أن يوضأ لحديث ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.



رقم الحديث 529 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ.
وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي، قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ
تَعْنِي بِحِقْوِهِ إِزَارَهُ.


( غسل الميت)

( مالك عن جعفر) الصادق لصدقه في مقاله ( ابن محمد) الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن أبيه) قال ابن عبد البر أرسله رواة الموطأ إلا سعيد بن عفير فقال عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص) قال وأسند في غير الموطأ عن جابر وهو عن عائشة أصح قال وهو حديث مشهور عند العلماء وأهل السير والمغازي وقال الباجي يحتمل أن يكون ذلك خاصًا به صلى الله عليه وسلم لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه وقال الشافعي لا يجرد ويغسل فيه وقد قالت عائشة لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) بفوقية بلفظ واحدة التمائم واسمه كيسان ( السختياني عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم ( عن أم عطية) اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغر على المشهور وعن ابن معين وغيره فتح النون وكسر السين بنت كعب ويقال بنت الحارث ( الأنصارية) صحابية فاضلة مشهورة مدنية ثم سكنت البصرة قال ابن المنذر وابن عبد البر ليس في أحاديث غسل الميت أصح منه ولا أعم وعليه عول العلماء أنها ( قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته) وفي رواية عبد الوهاب الثقفي وابن جريج عن أيوب دخل علينا ونحن نغسل ابنته وجمع بأنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وللنسائي من وجه آخر عن أم عطية ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا والمشهور أنها زينب والدة أمامة المتقدمة وهي أكبر بناته ماتت في أول سنة ثمان ولمسلم عن عاصم الأحول عن أم عطية ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا اغسلنها الحديث ولابن ماجه بإسناد جيد دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وفي مبهمات ابن بشكوال من وجه آخر عن أم عطية كنت فيمن غسل أم كلثوم وللدولابي عن أم عمرة أن أم عطية كانت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن ترجيحه لتعدد طرقه وبه جزم الداودي والجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا فقد جزم ابن عبد البر بأن أم عطية كانت غاسلة الميتات وعزو النووي تبعًا لعياض أي تبعًا لابن عبد البر تسميتها أم كلثوم لبعض أهل السير قصور شديد وقول المنذري إنها ماتت والنبي ببدر فلم يشهدها غلط فالميتة وهو ببدر رقية ( فقال اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها ووقفت من تسميتهن على ثلاث فعند الدولابي عن أسماء بنت عميس أنها كانت فيمن غسلها قالت ومعنا صفية بنت عبد المطلب ولأبي داود عن ليلى بنت قانف بقاف ونون الثقفية قالت كنت فيمن غسلها وللطبراني عن أم سليم ما يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضًا قال ابن بزيزة استدل به على وجوب غسل الميت وهو ينبني على أن قوله بعد أن رأيتن ذلك يرجع إلى الغسل أو إلى العدد والثاني أرجح فيثبت المدعي قال ابن دقيق العيد لكن قوله ( ثلاثًا) ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فالاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن لفظ ثلاثًا لا يستقل بنفسه فلا بد من دخوله تحت الأمر فيراد به الوجوب بالنسبة لأصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار اهـ وقواعد الشافعية أي والمالكية لا تأبى ذلك وذهب الحسن والكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى وجوب الثلاث وإن خرج منه شيء بعدها غسل موضعه فقط ولا يزاد على الثلاث وهو خلاف ظاهر الحديث ( أو خمسًا) وفي رواية حفصة عن أم عطية اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا أو خمسًا وأو للترتيب لا للتخيير وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاثة مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما زاد وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء والواجب مرة واحدة تعم جميع البدن قاله النووي وقال ابن العربي في قوله أو خمسًا إشارة إلى الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع ( أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية عند البخاري ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ولم أر في شيء من الروايات بعد سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية أبي ذر وأما سواها فإما سبعًا وإما أو أكثر من ذلك فيحتمل تفسيره بالسبع وبه قال أحمد وكره الزيادة عليها وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثًا وإلا فخمسًا وإلا فأكثر قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع ( إن رأيتن ذلك) تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي وقال ابن المنذر إنما فوض إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار وقال بعضهم يحتمل أن يرجع إلى الأعداد المذكورة ويحتمل أن معناه إن رأيتن فعل ذلك وإلا فالإنقاء يكفي قاله كله الحافظ ببعض اختصار قال ابن عبد البر وجميع رواة الموطأ قالوا إن رأيتن ذلك إلا يحيى وهو مما عد من سقطه وفي هذه اللفظة من الفقه رد عدد الغسلات إلى الغاسل على حسب ما يرى بعد الثلاث من بلوغ الوتر فيها ( بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة وقال قوم يطرح ورقات السدر في الماء لئلا يمازج الماء فيتغير عن وصف المطلق وأنكر ذلك أحمد فقال يغسل في كل مرة بالماء والسدر وقال ابن العربي هذا الحديث أصل في التطهير بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق اهـ وهو مبني على الصحيح المشهور عند الجمهور أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغتسالات الواجبة والمندوبة خلافًا لابن شعبان وغيره من المالكية أنه للتنظيف فيجزي بماء الورد ونحوه وإنما كره للسرف وقيل شرع احتياطًا لاحتمال أنه جنب وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع من لم يبلغ وهو خلاف الإجماع ( واجعلن في) الغسلة ( الآخرة) بكسر الخاء ( كافورًا) طيب معروف يكون من شجر بجبال الهند والصين يظل خلقًا كثيرًا وتألفه النمور وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونه أحمر وإنما يبيض بالتصعيد ( أو شيئًا من كافور) شك من الراوي قال أي اللفظين والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وجزم في رواية الثقفي وابن جريج عن أيوب عند البخاري بالشق الأول وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف وحكمة الكافور زيادة على تطييب رائحة الموضع للحاضرين من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفًا وتبريدًا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه ورد ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك وهذا سر جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء وهل يقوم المسك مثلاً مقامه إن نظر إلى مجرد التطييب نعم وإلا فلا وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه إذا ماثله ولو بخاصية واحدة قاله الحافظ ( فإذا فرغتن) من غسلها ( فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وفتح النون الأولى مشددة وكسر الثانية أي أعلمنني ( قالت) أم عطية ( فلما فرغنا) بصيغة الماضي جماعة المتكلمين وفي رواية فرغن بصيغة الغائب لجمع المؤنث ( آذناه) أعلمناه ( فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة ( فقال أشعرنها) بهمزة قطع ( إياه) أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها تبركًا وحكمة تأخيره معه حتى فرغن من الغسل دون إعطائه لهن ليكون قريب العهد من جسده الكريم بلا فاصل بين انتقاله من جسده إلى جسدها وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين ( تعني) أم عطية ( بحقوه إزاره) وهو في الأصل معقد الإزار أطلق على الإزار مجازًا وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين فنزع من حقوه إزاره والحقو في هذا على حقيقته وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ومسلم والثلاثة عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما عن أيوب وغيره بزيادات ومداره على محمد بن سيرين وأخته حفصة بنت سيرين عن أم عطية ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قاضيها المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة وله سبعون سنة ( أن أسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره مهملة مصغرًا الخثعمية صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لكل منهم وماتت بعد علي وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ( غسلت) زوجها ( أبا بكر الصديق حين توفي) ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة وهو الصحيح كما في الفتح وغلط في الإصابة من قال مات في جمادى الأولى أو لليلة خلت من ربيع الأول ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها وأما تغسيله لها فأجازه الجمهور والأئمة الثلاثة لأن عليًا غسل فاطمة وقال أبو حنيفة والثوري تغسله لأنها في عدة منه ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها ولا حجة فيه لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البينونة بدليل الإرث واعتلوا أيضًا بأن له أن يتزوج أختها فلذا لا يغسلها وهذا ينتقض بغسلها له واحتجوا بحديث أم عطية لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرًا وأمر المصطفى النسوة بغسلها وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرًا وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لا مانع به ولا آثر النسوة على نفسه وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده ( ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا) غسل عليك واجب ولا مستحب لعذرها بالصوم والبرد واختلف جماعة من الصحابة والتابعين في وجوب غسل من غسل الميت واختلف فيه قول مالك فروى ابن القاسم وابن وهب عنه في العتبية عليه الغسل ولم أدرك الناس إلا عليه ابن القاسم وهو أحب إلي ولم أره يأخذ بحديث أسماء وروى عنه المدنيون وابن عبد الحكم أنه مستحب لا واجب وهو مشهور المذهب وبه قال أبو حنيفة قالوا وإنما أسقطوه عن أسماء لعذرها بالصوم والبرد وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من غسل ميتًا فليغتسل رواه أبو داود برجال ثقات إلا واحدًا لم يعرف حاله وقال الشافعي لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة وظاهر الأمر الوجوب لكن صرفه عنه حديث أم عطية حيث لم يأمرهن به فدل على أنه للاستحباب وأما الاستدلال به على عدم الاستحباب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ففيه نظر لاحتمال أنه شرع بعد ذلك وأما قول الخطابي لا أعلم أحدًا قال بوجوبه فقال الحافظ كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضًا وقال ابن بزيزة الظاهر أنه مستحب والحكمة تتعلق بالميت لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن ويحتمل أن تتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم) كأخ وعم وفي نسخة المحارم بالجمع ( أحد يلي ذلك منها) فيجوز للمحرم من فوق الثوب كما قال مالك في المدونة والعتبية ( ولا زوج يلي ذلك منها يُممتْ) لكوعيها فقط كما قال ( فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد) الطاهر ( قال مالك وإذا هلك الرجل) أي مات ( وليس معه أحد إلا نساء) أجانب ( يممنه أيضًا) لمرفقيه فإن كن محارم غسلنه من فوق الثوب كما في المدونة وغيرها ابن عبد الحكم عن مالك تغسل المرأة ذا محرمها والرجل ذا محرمه في درعها ولا يطلع أحد منهم على عورة صاحبه وقال أشهب وأبو حنيفة والشافعي لا يغسل ذو المحارم بعضها بعضًا وييممون ( قال مالك وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف) لا يجوز تعديه ( وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر) ويستحب أن يبدأ في المرة الأولى بغسل رأسه ولحيته ثم بجسده ويبدأ بشقه الأيمن ويستحب أن يوضأ لحديث ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.



رقم الحديث 530 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لَا.


( غسل الميت)

( مالك عن جعفر) الصادق لصدقه في مقاله ( ابن محمد) الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عن أبيه) قال ابن عبد البر أرسله رواة الموطأ إلا سعيد بن عفير فقال عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص) قال وأسند في غير الموطأ عن جابر وهو عن عائشة أصح قال وهو حديث مشهور عند العلماء وأهل السير والمغازي وقال الباجي يحتمل أن يكون ذلك خاصًا به صلى الله عليه وسلم لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه وقال الشافعي لا يجرد ويغسل فيه وقد قالت عائشة لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) بفوقية بلفظ واحدة التمائم واسمه كيسان ( السختياني عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم ( عن أم عطية) اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة مصغر على المشهور وعن ابن معين وغيره فتح النون وكسر السين بنت كعب ويقال بنت الحارث ( الأنصارية) صحابية فاضلة مشهورة مدنية ثم سكنت البصرة قال ابن المنذر وابن عبد البر ليس في أحاديث غسل الميت أصح منه ولا أعم وعليه عول العلماء أنها ( قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته) وفي رواية عبد الوهاب الثقفي وابن جريج عن أيوب دخل علينا ونحن نغسل ابنته وجمع بأنه دخل حين شرع النسوة في الغسل وللنسائي من وجه آخر عن أم عطية ماتت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا والمشهور أنها زينب والدة أمامة المتقدمة وهي أكبر بناته ماتت في أول سنة ثمان ولمسلم عن عاصم الأحول عن أم عطية ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا اغسلنها الحديث ولابن ماجه بإسناد جيد دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم وفي مبهمات ابن بشكوال من وجه آخر عن أم عطية كنت فيمن غسل أم كلثوم وللدولابي عن أم عمرة أن أم عطية كانت فيمن غسل أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فيمكن ترجيحه لتعدد طرقه وبه جزم الداودي والجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا فقد جزم ابن عبد البر بأن أم عطية كانت غاسلة الميتات وعزو النووي تبعًا لعياض أي تبعًا لابن عبد البر تسميتها أم كلثوم لبعض أهل السير قصور شديد وقول المنذري إنها ماتت والنبي ببدر فلم يشهدها غلط فالميتة وهو ببدر رقية ( فقال اغسلنها) أمر لأم عطية ومن معها ووقفت من تسميتهن على ثلاث فعند الدولابي عن أسماء بنت عميس أنها كانت فيمن غسلها قالت ومعنا صفية بنت عبد المطلب ولأبي داود عن ليلى بنت قانف بقاف ونون الثقفية قالت كنت فيمن غسلها وللطبراني عن أم سليم ما يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضًا قال ابن بزيزة استدل به على وجوب غسل الميت وهو ينبني على أن قوله بعد أن رأيتن ذلك يرجع إلى الغسل أو إلى العدد والثاني أرجح فيثبت المدعي قال ابن دقيق العيد لكن قوله ( ثلاثًا) ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء فالاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن لفظ ثلاثًا لا يستقل بنفسه فلا بد من دخوله تحت الأمر فيراد به الوجوب بالنسبة لأصل الغسل والندب بالنسبة إلى الإيتار اهـ وقواعد الشافعية أي والمالكية لا تأبى ذلك وذهب الحسن والكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى وجوب الثلاث وإن خرج منه شيء بعدها غسل موضعه فقط ولا يزاد على الثلاث وهو خلاف ظاهر الحديث ( أو خمسًا) وفي رواية حفصة عن أم عطية اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا أو خمسًا وأو للترتيب لا للتخيير وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاثة مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما زاد وإلا زيد وترًا حتى يحصل الإنقاء والواجب مرة واحدة تعم جميع البدن قاله النووي وقال ابن العربي في قوله أو خمسًا إشارة إلى الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع ( أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث وفي رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية عند البخاري ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا ولم أر في شيء من الروايات بعد سبعًا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية أبي ذر وأما سواها فإما سبعًا وإما أو أكثر من ذلك فيحتمل تفسيره بالسبع وبه قال أحمد وكره الزيادة عليها وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثًا وإلا فخمسًا وإلا فأكثر قال فرأينا أن أكثر من ذلك سبع ( إن رأيتن ذلك) تفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي وقال ابن المنذر إنما فوض إليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار وقال بعضهم يحتمل أن يرجع إلى الأعداد المذكورة ويحتمل أن معناه إن رأيتن فعل ذلك وإلا فالإنقاء يكفي قاله كله الحافظ ببعض اختصار قال ابن عبد البر وجميع رواة الموطأ قالوا إن رأيتن ذلك إلا يحيى وهو مما عد من سقطه وفي هذه اللفظة من الفقه رد عدد الغسلات إلى الغاسل على حسب ما يرى بعد الثلاث من بلوغ الوتر فيها ( بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل وقال القرطبي يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح فهذه غسلة وقال قوم يطرح ورقات السدر في الماء لئلا يمازج الماء فيتغير عن وصف المطلق وأنكر ذلك أحمد فقال يغسل في كل مرة بالماء والسدر وقال ابن العربي هذا الحديث أصل في التطهير بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق اهـ وهو مبني على الصحيح المشهور عند الجمهور أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الاغتسالات الواجبة والمندوبة خلافًا لابن شعبان وغيره من المالكية أنه للتنظيف فيجزي بماء الورد ونحوه وإنما كره للسرف وقيل شرع احتياطًا لاحتمال أنه جنب وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع من لم يبلغ وهو خلاف الإجماع ( واجعلن في) الغسلة ( الآخرة) بكسر الخاء ( كافورًا) طيب معروف يكون من شجر بجبال الهند والصين يظل خلقًا كثيرًا وتألفه النمور وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونه أحمر وإنما يبيض بالتصعيد ( أو شيئًا من كافور) شك من الراوي قال أي اللفظين والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وجزم في رواية الثقفي وابن جريج عن أيوب عند البخاري بالشق الأول وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور وقال النخعي والكوفيون إنما يجعل في الحنوط بعد انتهاء الغسل والتجفيف وحكمة الكافور زيادة على تطييب رائحة الموضع للحاضرين من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفًا وتبريدًا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه ورد ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الروائح الطيبة في ذلك وهذا سر جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلاً لأذهبه الماء وهل يقوم المسك مثلاً مقامه إن نظر إلى مجرد التطييب نعم وإلا فلا وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه إذا ماثله ولو بخاصية واحدة قاله الحافظ ( فإذا فرغتن) من غسلها ( فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وفتح النون الأولى مشددة وكسر الثانية أي أعلمنني ( قالت) أم عطية ( فلما فرغنا) بصيغة الماضي جماعة المتكلمين وفي رواية فرغن بصيغة الغائب لجمع المؤنث ( آذناه) أعلمناه ( فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة ( فقال أشعرنها) بهمزة قطع ( إياه) أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها تبركًا وحكمة تأخيره معه حتى فرغن من الغسل دون إعطائه لهن ليكون قريب العهد من جسده الكريم بلا فاصل بين انتقاله من جسده إلى جسدها وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين ( تعني) أم عطية ( بحقوه إزاره) وهو في الأصل معقد الإزار أطلق على الإزار مجازًا وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين فنزع من حقوه إزاره والحقو في هذا على حقيقته وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ومسلم والثلاثة عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك به وله طرق في الصحيحين وغيرهما عن أيوب وغيره بزيادات ومداره على محمد بن سيرين وأخته حفصة بنت سيرين عن أم عطية ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قاضيها المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة وله سبعون سنة ( أن أسماء بنت عميس) بضم المهملة وآخره مهملة مصغرًا الخثعمية صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لكل منهم وماتت بعد علي وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ( غسلت) زوجها ( أبا بكر الصديق حين توفي) ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة وهو الصحيح كما في الفتح وغلط في الإصابة من قال مات في جمادى الأولى أو لليلة خلت من ربيع الأول ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها وأما تغسيله لها فأجازه الجمهور والأئمة الثلاثة لأن عليًا غسل فاطمة وقال أبو حنيفة والثوري تغسله لأنها في عدة منه ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها ولا حجة فيه لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البينونة بدليل الإرث واعتلوا أيضًا بأن له أن يتزوج أختها فلذا لا يغسلها وهذا ينتقض بغسلها له واحتجوا بحديث أم عطية لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرًا وأمر المصطفى النسوة بغسلها وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرًا وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لا مانع به ولا آثر النسوة على نفسه وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده ( ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا) غسل عليك واجب ولا مستحب لعذرها بالصوم والبرد واختلف جماعة من الصحابة والتابعين في وجوب غسل من غسل الميت واختلف فيه قول مالك فروى ابن القاسم وابن وهب عنه في العتبية عليه الغسل ولم أدرك الناس إلا عليه ابن القاسم وهو أحب إلي ولم أره يأخذ بحديث أسماء وروى عنه المدنيون وابن عبد الحكم أنه مستحب لا واجب وهو مشهور المذهب وبه قال أبو حنيفة قالوا وإنما أسقطوه عن أسماء لعذرها بالصوم والبرد وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من غسل ميتًا فليغتسل رواه أبو داود برجال ثقات إلا واحدًا لم يعرف حاله وقال الشافعي لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة وظاهر الأمر الوجوب لكن صرفه عنه حديث أم عطية حيث لم يأمرهن به فدل على أنه للاستحباب وأما الاستدلال به على عدم الاستحباب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ففيه نظر لاحتمال أنه شرع بعد ذلك وأما قول الخطابي لا أعلم أحدًا قال بوجوبه فقال الحافظ كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضًا وقال ابن بزيزة الظاهر أنه مستحب والحكمة تتعلق بالميت لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن ويحتمل أن تتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم) كأخ وعم وفي نسخة المحارم بالجمع ( أحد يلي ذلك منها) فيجوز للمحرم من فوق الثوب كما قال مالك في المدونة والعتبية ( ولا زوج يلي ذلك منها يُممتْ) لكوعيها فقط كما قال ( فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد) الطاهر ( قال مالك وإذا هلك الرجل) أي مات ( وليس معه أحد إلا نساء) أجانب ( يممنه أيضًا) لمرفقيه فإن كن محارم غسلنه من فوق الثوب كما في المدونة وغيرها ابن عبد الحكم عن مالك تغسل المرأة ذا محرمها والرجل ذا محرمه في درعها ولا يطلع أحد منهم على عورة صاحبه وقال أشهب وأبو حنيفة والشافعي لا يغسل ذو المحارم بعضها بعضًا وييممون ( قال مالك وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف) لا يجوز تعديه ( وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر) ويستحب أن يبدأ في المرة الأولى بغسل رأسه ولحيته ثم بجسده ويبدأ بشقه الأيمن ويستحب أن يوضأ لحديث ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.