فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ

رقم الحديث 798 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس) مبتدأ نكرة لتخصيصه بقوله ( من الدواب) وخبره ( ليس على المحرم) بأحد النسكين أو في الحرم ( في قتلهن جناح) أي إثم أو حرج بالرفع اسم ليس مؤخرًا ( الغراب) وهو يختلس وينقر ظهر البعير وينزع عينيه زاد في حديث عائشة الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد قوم ورجح الأكثر الإطلاق لأن رواياته أصح ( والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزة وجمعها حدأ بكسر الحاء والقصر والهمزة كعنب وعنبة وهي أخس الطير يخطف أطعمة الناس وفي حديث عائشة والحديا بضم الحاء وفتح الدال وشد الياء مقصور تصغير الحدأة ( والعقرب) واحدة العقارب مؤنثة والأنثى عقربة وعقرباء بالمد بلا صرف ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها تلدغ وتؤلم إيلامًا شديدًا وربما ماتت بلسعتها الأفعى وتقتل الفيل والبعير بلسعتها ولا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك شيء من بدنه فتضربه وتأوي إلى الخنافس وتسالمها وفي ابن ماجه عن عائشة لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو في الصلاة فلما فرغ قال لعن الله العقرب ما تدع مصليًا ولا غيره اقتلوها في الحل والحرم ( والفأرة) بهمزة ساكنة وتسهل وهي الفويسقة روى الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة قال استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق عليه البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم وفي أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فاحترق منها موضع درهم زاد الحاكم فقال صلى الله عليه وسلم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم قال الحاكم صحيح الإسناد وليس في الحيوان أفسد من الفأر لأنه لا يبقي على حقير ولا جليل إلا أهلكه وأتلفه ( والكلب العقور) بمعنى عاقر أي جارح وهو كل سبع وجارح يعقر ويفترس كما أفاده الإمام بعد وفيه جواز قتل المذكورات وبه قال الجمهور وحكي عن النخعي لا يجوز للمحرم قتل الفأرة قال الخطابي هذا مخالف للنص خارج عن أقاويل العلماء وعن علي ومجاهد لا يقتل الغراب ولكن يرميه قال عياض لا يصح عن علي وهو مخالف للأحاديث الصحيحة لكن يوافقه ما لأبي داود والترمذي وقال حسن وابن ماجه عن أبي سعيد مرفوعًا ويرمي الغراب ولا يقتله قال الخطابي يشبه أن المراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان وقال عطاء فيه الفدية ولم يتابعه أحد والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه ابن جريج والليث وجرير بن حازم وعبيد الله وأيوب ويحيى بن سعيد كل هؤلاء عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك ولم يقل أحد منهم عن نافع عن ابن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن جريج وحده وتابعه محمد بن إسحاق قاله مسلم في صحيحه ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم) أو في الحرم ( فلا جناح) لا إثم ( عليه العقرب والفأرة والغراب) سمي به لسواده وغرابيب سود وهما لفظتان بمعنى واحد والعرب تتشاءم به فلذا اشتقوا الغربة والاغتراب وغراب البين هو الأبقع قال صاحب المجالسة سمي بذلك لأنه بان من نوح لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع وقال ابن قتيبة سمي فاسقًا لتخلفه عن نوح حين أرسله ليأتيه بخبر أرض فترك أمره وسقط على جيفة وقيل سمي غرابًا لأنه نأى واغترب لما نفذه نوح ليختبر أمر الطوفان ( والحدأة) بزنة عنبة ( والكلب العقور) من أبنية المبالغة أي الجارح المفترس كأسد وذئب سماها كلابًا لاشتراكها في السبعية ونظيره قوله في دعائه على عتيبة اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك فافترسه الأسد وقيل المراد الكلب المعروف واستدل بالحديث على جواز قتل من وجب عليه قتل بقصاص أو رجم بزنا أو محاربة أو غير ذلك في الحرم وإنه يجوز إقامة سائر الحدود فيه سواء جرى موجب القتل والحد في الحرم أو خارجه ثم لجأ صاحبه إلى الحرم وبه قال مالك والشافعي وآخرون وقال أبو حنيفة وطائفة ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه وما فعله خارجه ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجه وما كان دون النفس يقام فيه قال عياض روي عن ابن عباس وعطاء والشعبي والحكم نحوه لكنهم لم يفرقوا بين النفس وما دونها وحجتهم قوله تعالى { { ومن دخله كان آمنًا } } وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق بل فسقه أفحش لكونه مكلفًا ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية قال ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام وعطف على ما قبله من الآيات وقيل آمن من النار وقيل إنها منسوخة بقوله { { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } } وقيل الآية في البيت لا في الحرم وقد اتفقوا على أنه لا يقام في المسجد ولا في البيت ويخرج منهما فيقام عليه خارجه لأن المسجد ينزه عن مثل هذا وقالت طائفة يخرج ويقام عليه الحد وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد وحماد وأعاد الإمام الحديث لإفادة أن له فيه شيخًا آخر ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي بدء الخلق عن القعنبي كلاهما عن مالك به وتابعه إسماعيل بن جعفر عند مسلم ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله مسلم والنسائي من طريق حماد بن زيد ومسلم من طريق ابن نمير كلاهما عن هشام عن أبيه عن عائشة ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق) روي بالإضافة وبالتنوين كما قال غير واحد وبالثاني جزم النووي وزعم أنه قال بإضافة خمس لا بتنوينه وهم فإنما قال ذلك في الرواية الثانية عند مسلم قالت عائشة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم قال ابن دقيق العيد وبين الإضافة والتنوين فرق دقيق في المعنى لأن الإضافة تقتضي الحكم على خمس من الفواسق بالقتل وربما أشعر التخصيص بخلاف الحكم في غيرها بطريق المفهوم وأما التنوين فيقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى وقد يشعر بأن الحكم المترتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفًا وهو الفسق فيقتضي ذلك التعميم لكل فاسق من الدواب وهو ضد ما اقتضاه الأول من المفهوم وهو التخصيص ( يقتلن في الحرم) بفتح الحاء والراء كما ضبطه جماعة من المحققين أي حرم مكة وبضم الحاء والراء واقتصر عليه في المشارق قال وهو جمع حرام كما قال تعالى { { وأنتم حرم } } والمراد به المواضع المحرمة والفتح أظهر قاله النووي ( الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور) ولمسلم من رواية سعيد بن المسيب عن عائشة الحية وأسقط العقرب وله من طريق زيد بن جبير قال سأل رجل ابن عمر عما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم قال حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا والغراب والحية قال وفي الصلاة أيضًا فهي ستة قال عياض سموا فواسق لخروجهم عن السلامة منهم إلى الإضرار والأذى فخرجت بالإذابة عن جنسها من الحيوان وقيل لخروجها عن الحرمة التي لغيرها والأمر بقتلها في الحل والحرم وأنه لا فدية فيها وقيل لخروجها عن الانتفاع بها وقيل لتحريم أكلها كما قال تعالى وإنه لفسق عند ذكر المحرمات وقالت عائشة من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقًا وقال الفراء سميت الفأرة بذلك لخروجها عن جحرها واغتيالها أموال الناس بالفساد وأصل الفسق الخروج وقال ابن قتيبة سمي بذلك الغراب بتخلفه عن نوح وفيهما نظر إذ لا يسمى كل خارج ولا متخلف فاسقًا في عرف الاستعمال قال الأبي قيده بذلك لأنه لا يسمى بذلك لغة ولكن عرف الاستعمال خصصه وقال ابن العربي أمر بالقتل وعلل بالفسق فيتعدى الحكم إلى كل ما وجدت فيه العلة ونبه بالخمسة على خمسة أنواع من الفسق فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير وكذا بالحدأة ويزيد الغراب بحل سفرة المسافر ونقب جرابه وبالحية على كل ما يلسع والعقرب كذلك والحية تلسع وتفترس والعقرب تلدغ ولا تفترس وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنزل المؤذية وبالكلب العقور على كل مفترس قال ومعنى فسقهن خروجهن عن حد الكف إلى الأذية ( مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم) إما لأنه بلغه الحديث الذي فيه الحية وإما لأنها أولى من العقرب قال الأبي وقد صح النهي عن قتل حيات البيوت بلا إنذار فهو مخصص لهذا العموم والإنذار عند مالك في حيات بيوت المدينة آكد من حيات بيوت غيرها ( قال مالك في) تفسير ( الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم أن كل ما عقر الناس) جرحهم ( وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد) يقع على الذكر والأنثى ويجمع على أسود وربما قيل أسدة للأنثى ( والنمر) بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم سبع أخبث وأجرأ من الأسد ( والفهد) بكسر الفاء وسكون الهاء سبع معروف والأنثى فهدة ( والذئب) بالهمز وعدمه يقع على الذكر والأنثى وربما قيل ذئبة بالهاء ( فهو الكلب العقور) وبهذا قال السفيانان والشافعي وأحمد والجمهور وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والحسن بن صالح المراد الكلب المعروف خاصة وألحقوا به الذئب ودليل الجمهور قوله في حديث أبي سعيد والسبع العادي فكل ما كان هذا نعتًا له من أسد ونمر ونحوهما هذا الحكم وحديث الترمذي وحسنه أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتيبة بالتصغير ابن أبي لهب اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك فعدا عليه الأسد فقتله ( وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع) بضم الباء لغة قيس وسكونها لغة تميم وهي أنثى وقيل يقع على الذكر والأنثى وربما قيل في الأنثى ضبعة ( والثعلب) يقع على الأنثى الذكر ويختص بثعلبان بضم الثاء واللام قاله ابن الأنباري وقال غيره يقال في الأنثى ثعلبة بالهاء ( والهر) ذكر القط والأنثى هرة قاله الأزهري وقال ابن الأنباري الهر يقع على الذكر والأنثى وربما دخلت فيها الهاء وتصغيرها هريرة ( وما أشبههن من السباع) قال الأزهري يقع السبع على كل ما له ناب يعدو به ويفترس كالذئب والفهد والنمر وأما الثعلب فليس بسبع وإن كان له ناب لأنه لا يعدو به ولا يفترس وكذا الضبع وعلى هذا فعدهما في السباع تجوز علاقته المشابهة للسباع في الناب وإن لم يفترس به ( فلا يقتلهن المحرم فإن قتله فداه) وفي نسخة وداه فالعلة في قتل المذكورات في الحديث وما في معناها عند مالك رحمه الله كونهن مؤذيات فكل مؤذ يجوز للمحرم وفي الحرم قتله ولا فدية وما لا فلا وعلته عند الشافعي كونهن مما لا يؤكل عنده فكل ما لا يؤكل ولا تولد من مأكول وغيره جاز قتله ولا فدية ( وأما ما ضر) آذى ( من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة وإن قتل المحرم شيئًا من الطير سواهما فداه) كرخم ونسر إلا أن يخاف منه ولا يندفع إلا بقتله قال الباجي لا خلاف أنه لا يجوز قتل سباع الطير غير ما في الحديث ابتداءً ومن قتلها فعليه الفدية فإن ابتدأت بالضرر فلا جزاء على قاتلها على المشهور من المذهب فيمن عدت عليه سباع الطير وغيرها.


رقم الحديث 799 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُمِرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ.
إِنَّ كُلَّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ، وَأَخَافَهُمْ، مِثْلُ: الْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالْفَهْدِ، وَالذِّئْبِ، فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ.
.
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ السِّبَاعِ، لَا يَعْدُو.
مِثْلُ: الضَّبُعِ، وَالثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ، وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِنَ السِّبَاعِ.
فَلَا يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ.
فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ.
.
وَأَمَّا مَا ضَرَّ مِنَ الطَّيْرِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْتُلُهُ.
إِلَّا مَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ.
وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الطَّيْرِ سِوَاهُمَا، فَدَاهُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس) مبتدأ نكرة لتخصيصه بقوله ( من الدواب) وخبره ( ليس على المحرم) بأحد النسكين أو في الحرم ( في قتلهن جناح) أي إثم أو حرج بالرفع اسم ليس مؤخرًا ( الغراب) وهو يختلس وينقر ظهر البعير وينزع عينيه زاد في حديث عائشة الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض وأخذ بهذا القيد قوم ورجح الأكثر الإطلاق لأن رواياته أصح ( والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزة وجمعها حدأ بكسر الحاء والقصر والهمزة كعنب وعنبة وهي أخس الطير يخطف أطعمة الناس وفي حديث عائشة والحديا بضم الحاء وفتح الدال وشد الياء مقصور تصغير الحدأة ( والعقرب) واحدة العقارب مؤنثة والأنثى عقربة وعقرباء بالمد بلا صرف ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها تلدغ وتؤلم إيلامًا شديدًا وربما ماتت بلسعتها الأفعى وتقتل الفيل والبعير بلسعتها ولا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك شيء من بدنه فتضربه وتأوي إلى الخنافس وتسالمها وفي ابن ماجه عن عائشة لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو في الصلاة فلما فرغ قال لعن الله العقرب ما تدع مصليًا ولا غيره اقتلوها في الحل والحرم ( والفأرة) بهمزة ساكنة وتسهل وهي الفويسقة روى الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة قال استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق عليه البيت فقام إليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم وفي أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فاحترق منها موضع درهم زاد الحاكم فقال صلى الله عليه وسلم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم قال الحاكم صحيح الإسناد وليس في الحيوان أفسد من الفأر لأنه لا يبقي على حقير ولا جليل إلا أهلكه وأتلفه ( والكلب العقور) بمعنى عاقر أي جارح وهو كل سبع وجارح يعقر ويفترس كما أفاده الإمام بعد وفيه جواز قتل المذكورات وبه قال الجمهور وحكي عن النخعي لا يجوز للمحرم قتل الفأرة قال الخطابي هذا مخالف للنص خارج عن أقاويل العلماء وعن علي ومجاهد لا يقتل الغراب ولكن يرميه قال عياض لا يصح عن علي وهو مخالف للأحاديث الصحيحة لكن يوافقه ما لأبي داود والترمذي وقال حسن وابن ماجه عن أبي سعيد مرفوعًا ويرمي الغراب ولا يقتله قال الخطابي يشبه أن المراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان وقال عطاء فيه الفدية ولم يتابعه أحد والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه ابن جريج والليث وجرير بن حازم وعبيد الله وأيوب ويحيى بن سعيد كل هؤلاء عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث مالك ولم يقل أحد منهم عن نافع عن ابن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن جريج وحده وتابعه محمد بن إسحاق قاله مسلم في صحيحه ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم) أو في الحرم ( فلا جناح) لا إثم ( عليه العقرب والفأرة والغراب) سمي به لسواده وغرابيب سود وهما لفظتان بمعنى واحد والعرب تتشاءم به فلذا اشتقوا الغربة والاغتراب وغراب البين هو الأبقع قال صاحب المجالسة سمي بذلك لأنه بان من نوح لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع وقال ابن قتيبة سمي فاسقًا لتخلفه عن نوح حين أرسله ليأتيه بخبر أرض فترك أمره وسقط على جيفة وقيل سمي غرابًا لأنه نأى واغترب لما نفذه نوح ليختبر أمر الطوفان ( والحدأة) بزنة عنبة ( والكلب العقور) من أبنية المبالغة أي الجارح المفترس كأسد وذئب سماها كلابًا لاشتراكها في السبعية ونظيره قوله في دعائه على عتيبة اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك فافترسه الأسد وقيل المراد الكلب المعروف واستدل بالحديث على جواز قتل من وجب عليه قتل بقصاص أو رجم بزنا أو محاربة أو غير ذلك في الحرم وإنه يجوز إقامة سائر الحدود فيه سواء جرى موجب القتل والحد في الحرم أو خارجه ثم لجأ صاحبه إلى الحرم وبه قال مالك والشافعي وآخرون وقال أبو حنيفة وطائفة ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه وما فعله خارجه ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجه وما كان دون النفس يقام فيه قال عياض روي عن ابن عباس وعطاء والشعبي والحكم نحوه لكنهم لم يفرقوا بين النفس وما دونها وحجتهم قوله تعالى { { ومن دخله كان آمنًا } } وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق بل فسقه أفحش لكونه مكلفًا ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية قال ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الإسلام وعطف على ما قبله من الآيات وقيل آمن من النار وقيل إنها منسوخة بقوله { { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } } وقيل الآية في البيت لا في الحرم وقد اتفقوا على أنه لا يقام في المسجد ولا في البيت ويخرج منهما فيقام عليه خارجه لأن المسجد ينزه عن مثل هذا وقالت طائفة يخرج ويقام عليه الحد وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد وحماد وأعاد الإمام الحديث لإفادة أن له فيه شيخًا آخر ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وفي بدء الخلق عن القعنبي كلاهما عن مالك به وتابعه إسماعيل بن جعفر عند مسلم ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله مسلم والنسائي من طريق حماد بن زيد ومسلم من طريق ابن نمير كلاهما عن هشام عن أبيه عن عائشة ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق) روي بالإضافة وبالتنوين كما قال غير واحد وبالثاني جزم النووي وزعم أنه قال بإضافة خمس لا بتنوينه وهم فإنما قال ذلك في الرواية الثانية عند مسلم قالت عائشة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم قال ابن دقيق العيد وبين الإضافة والتنوين فرق دقيق في المعنى لأن الإضافة تقتضي الحكم على خمس من الفواسق بالقتل وربما أشعر التخصيص بخلاف الحكم في غيرها بطريق المفهوم وأما التنوين فيقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى وقد يشعر بأن الحكم المترتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفًا وهو الفسق فيقتضي ذلك التعميم لكل فاسق من الدواب وهو ضد ما اقتضاه الأول من المفهوم وهو التخصيص ( يقتلن في الحرم) بفتح الحاء والراء كما ضبطه جماعة من المحققين أي حرم مكة وبضم الحاء والراء واقتصر عليه في المشارق قال وهو جمع حرام كما قال تعالى { { وأنتم حرم } } والمراد به المواضع المحرمة والفتح أظهر قاله النووي ( الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور) ولمسلم من رواية سعيد بن المسيب عن عائشة الحية وأسقط العقرب وله من طريق زيد بن جبير قال سأل رجل ابن عمر عما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم قال حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا والغراب والحية قال وفي الصلاة أيضًا فهي ستة قال عياض سموا فواسق لخروجهم عن السلامة منهم إلى الإضرار والأذى فخرجت بالإذابة عن جنسها من الحيوان وقيل لخروجها عن الحرمة التي لغيرها والأمر بقتلها في الحل والحرم وأنه لا فدية فيها وقيل لخروجها عن الانتفاع بها وقيل لتحريم أكلها كما قال تعالى وإنه لفسق عند ذكر المحرمات وقالت عائشة من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقًا وقال الفراء سميت الفأرة بذلك لخروجها عن جحرها واغتيالها أموال الناس بالفساد وأصل الفسق الخروج وقال ابن قتيبة سمي بذلك الغراب بتخلفه عن نوح وفيهما نظر إذ لا يسمى كل خارج ولا متخلف فاسقًا في عرف الاستعمال قال الأبي قيده بذلك لأنه لا يسمى بذلك لغة ولكن عرف الاستعمال خصصه وقال ابن العربي أمر بالقتل وعلل بالفسق فيتعدى الحكم إلى كل ما وجدت فيه العلة ونبه بالخمسة على خمسة أنواع من الفسق فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير وكذا بالحدأة ويزيد الغراب بحل سفرة المسافر ونقب جرابه وبالحية على كل ما يلسع والعقرب كذلك والحية تلسع وتفترس والعقرب تلدغ ولا تفترس وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنزل المؤذية وبالكلب العقور على كل مفترس قال ومعنى فسقهن خروجهن عن حد الكف إلى الأذية ( مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم) إما لأنه بلغه الحديث الذي فيه الحية وإما لأنها أولى من العقرب قال الأبي وقد صح النهي عن قتل حيات البيوت بلا إنذار فهو مخصص لهذا العموم والإنذار عند مالك في حيات بيوت المدينة آكد من حيات بيوت غيرها ( قال مالك في) تفسير ( الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم أن كل ما عقر الناس) جرحهم ( وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد) يقع على الذكر والأنثى ويجمع على أسود وربما قيل أسدة للأنثى ( والنمر) بفتح النون وكسر الميم ويجوز التخفيف بكسر النون وسكون الميم سبع أخبث وأجرأ من الأسد ( والفهد) بكسر الفاء وسكون الهاء سبع معروف والأنثى فهدة ( والذئب) بالهمز وعدمه يقع على الذكر والأنثى وربما قيل ذئبة بالهاء ( فهو الكلب العقور) وبهذا قال السفيانان والشافعي وأحمد والجمهور وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والحسن بن صالح المراد الكلب المعروف خاصة وألحقوا به الذئب ودليل الجمهور قوله في حديث أبي سعيد والسبع العادي فكل ما كان هذا نعتًا له من أسد ونمر ونحوهما هذا الحكم وحديث الترمذي وحسنه أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتيبة بالتصغير ابن أبي لهب اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك فعدا عليه الأسد فقتله ( وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع) بضم الباء لغة قيس وسكونها لغة تميم وهي أنثى وقيل يقع على الذكر والأنثى وربما قيل في الأنثى ضبعة ( والثعلب) يقع على الأنثى الذكر ويختص بثعلبان بضم الثاء واللام قاله ابن الأنباري وقال غيره يقال في الأنثى ثعلبة بالهاء ( والهر) ذكر القط والأنثى هرة قاله الأزهري وقال ابن الأنباري الهر يقع على الذكر والأنثى وربما دخلت فيها الهاء وتصغيرها هريرة ( وما أشبههن من السباع) قال الأزهري يقع السبع على كل ما له ناب يعدو به ويفترس كالذئب والفهد والنمر وأما الثعلب فليس بسبع وإن كان له ناب لأنه لا يعدو به ولا يفترس وكذا الضبع وعلى هذا فعدهما في السباع تجوز علاقته المشابهة للسباع في الناب وإن لم يفترس به ( فلا يقتلهن المحرم فإن قتله فداه) وفي نسخة وداه فالعلة في قتل المذكورات في الحديث وما في معناها عند مالك رحمه الله كونهن مؤذيات فكل مؤذ يجوز للمحرم وفي الحرم قتله ولا فدية وما لا فلا وعلته عند الشافعي كونهن مما لا يؤكل عنده فكل ما لا يؤكل ولا تولد من مأكول وغيره جاز قتله ولا فدية ( وأما ما ضر) آذى ( من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة وإن قتل المحرم شيئًا من الطير سواهما فداه) كرخم ونسر إلا أن يخاف منه ولا يندفع إلا بقتله قال الباجي لا خلاف أنه لا يجوز قتل سباع الطير غير ما في الحديث ابتداءً ومن قتلها فعليه الفدية فإن ابتدأت بالضرر فلا جزاء على قاتلها على المشهور من المذهب فيمن عدت عليه سباع الطير وغيرها.