فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ

رقم الحديث 786 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ.
تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ.
وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ.
فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا.
فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ.
فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ.
فَأَبَوْا عَلَيْهِ.
فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ.
فَأَبَوْا.
فَأَخَذَهُ.
ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ.
فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى بَعْضُهُمْ.
فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 787 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّفِيفُ الْقَدِيدُ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 788 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ، إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 789 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ، عَنِ الْبَهْزِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، إِذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُهُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ؟ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، ثُمَّ مَضَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْأُثَابَةِ بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ.
فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ.
لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى يُجَاوِزَهُ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 790 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ، وَجَدَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مُحْرِمِينَ.
فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّبَذَةِ.
فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنِّي شَكَكْتُ فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
فَقَالَ عُمَرُ: مَاذَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ؟ فَقَالَ: أَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ أَمَرْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ بِكَ يَتَوَاعَدُهُ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 791 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ.
فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ، وَجَدُوا نَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ.
فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ.
قَالَ: ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ؟ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.



رقم الحديث 792 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي رَكْبٍ.
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ.
فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ: مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: كَعْبٌ.
قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا.
ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّتْ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ.
فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ، فَيَأْكُلُوهُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهَذَا؟ قَالَ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ.
قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
إِنْ هِيَ إِلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ
وَسُئِلَ مالكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ: هَلْ يَبْتَاعُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُعْتَرَضُ بِهِ الْحَاجُّ، وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ، فَإِنِّي أَكْرَهُهُ.
وَأَنْهَى عَنْهُ.
فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ، فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ قَدْ صَادَهُ، أَوِ ابْتَاعَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ مَالِكٌ: فِي صَيْدِ الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، إِنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ.


( ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

( مالك عن أبي النضر) بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ( عن نافع) بن عباس بموحدة ومهملة أو تحتانية ومعجمة أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري) حقيقة كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما وقال ابن حبان وغيره قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ( عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة) وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان وعمرو بن الحارث عن أبي النضر بسنده كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة قال عمرو فيما بين مكة والمدينة ولفظ صالح من المدينة على ثلاثة أميال ووقع عند ابن حبان وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان وفيه نظر والصحيح بالقاحة وهي بالقاف والحاء المهملة الخفيفة ( تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم) وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون وأنا رجل حل على فرسي وكنت رقاء على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر ( فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه) في رواية عمرو وكنت نسيت سوطي وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة ثم ركبته فسقط مني سوطي فلعله أطلق النسيان على السقوط أو عكسه تجوزًا ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه) في رواية عمرو قالوا لا نعينك عليه ( فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله) في رواية عبد الله بن أبي قتادة قلت ناولوني السوط قالوا والله لا نعينك عليه بشيء فنزلت فتناولته ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته وفي رواية عمرو فأتيت إليهم فقلت لهم قوموا فاحتملوا قالوا لا نمسه فحملته حتى جئتهم به ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم) من الأكل وفيه جواز الاجتهاد في الفروع والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه وفي رواية ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم وفي أخرى فقلنا إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون ( فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك) أي ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ولا رمح ولا غيرهما وفي رواية عمرو وأبى بعضهم فقلت لهم أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء وفي أخرى أو أعانه قالوا لا ( فقال) فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين أي طعام ( أطعمكموها الله) عز وجل وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة أو إعانة عليه أو إشارة إليه فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإلى هذا ذهب الجمهور ومالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة وطائفة يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر فإن قيل كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات وذلك لا يجوز أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما في الصحيحين وقيل إنه خرج معهم ولم ينو حجًا ولا عمرة قال عياض وهذا بعيد وقيل إنه لم يخرج معه صلى الله عليه وسلم من المدينة بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له وأخرجه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن يوسف وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ومسلم عن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما قال ابن عبد البر لا تختلف علماء الحديث في ثبوته وصحته ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن) أباه ( الزبير بن العوام) الحواري ( كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف) بصاد مهملة وفاءين بينهما تحتية بزنة أمير ( القديد) قال القاموس الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوي ( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر ( أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي) بفتح فسكون ما كان من دواب البر ويجمع على وحوش ويقال حمار وحش بالإضافة والتنوين ( مثل حديث أبي النضر) السابق ( إلا أن في حديث زيد بن أسلم) زيادة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء) وفي الصحيحين من طريق عبد الله بن أبي قتادة قالوا معنا رجله فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها وللبخاري في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وفي رواية قد رفعنا له الذراع فأكل منه وجمع بأنه أكل من الأمرين ولأحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال كلوا وأطعموني ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنما اصطدته لك فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له قال الدارقطني قال أبو بكر يعني النيسابوري قوله اصطدته لك وقوله لم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره بهذه الزيادة غير معمر بن راشد وقال غيره هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه وقال ابن خزيمة وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر وجمع النووي في شرح المهذب باحتمال أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين وحديث زيد رواه البخاري في الجهاد والصيد عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم والترمذي هنا عن قتيبة الثلاثة عن مالك به تلو حديث أبي النضر ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) القرشي ( عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين التيمي أبو محمد المدني ثقة فاضل مات سنة مائة والثلاثة من التابعين ( عن عمير) بضم العين ( ابن سلمة) بن منتاب بن طلحة بن جدي بن ضمرة ( الضمري) نسبه ابن إسحاق قال أبو عمر إنه من كبار الصحابة لا يختلفون في صحبته ( عن البهزي) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وبالزاي زيد بن كعب السلمي الصحابي هكذا رواه مالك لم يختلف عليه في إسناده وتابعه عليه أبو أويس عبد الوهاب الثقفي وحماد بن سلمة وغيرهم عن يحيى ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد فلم يقولوا عن البهزي قال موسى بن هارون الصحيح أن الحديث من مسند عمير بن سلمة ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد وذلك بين في رواية يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى كما رواه مالك وإنما جاء ذلك من يحيى كان أحيانًا يقول عن البهزي وأحيانًا لا يقوله وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزًا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كلام موسى بن هارون نقله في التمهيد والدارقطني في العلل قال في الإصابة ويعكر عليه رواية عباد بن العوام ويونس بن راشد عن يحيى بن سعيد فإنه قال فيها إن البهزي حدثه ويمكن أن يجاب بأنهما غيرا قوله عن البهزي إلى قوله أن البهزي ظنا أنهما سواء لكون الراوي غير مدلس فيستوي في حقه الصيغتان انتهى ولا يظهر جوابه مع قوله حدثه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء) بفتح الراء وإسكان الواو وحاء مهملة والمد موضع بين مكة والمدينة ( إذا حمار وحشي عقير) أي معقور ( فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير كما في رواية ( فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر) الصديق ( فقسمه بين الرفاق) بكسر الراء مصدر كالمرافقة قاله في المشارق وقال الجوهري جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون في السفر قال أبو عمر فيه جواز هبة المشاع وأن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه لأنه سماه صاحبه وأن صيد الحلال يجوز للمحرم أكله إذا لم يصد له ورد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في الطلب وأباح أكله لأصحابه المحرمين ( ثم مضى حتى إذا كان بالإثابة) بضم الهمزة ومثلثة فألف فتحتية فيها موضع أو بئر ( بين الرويثة) بضم الراء وفتح الواو وإسكان التحتية وفتح المثلثة والهاء موضع ( والعرج) بفتح المهملة وإسكان الراء وبالجيم موضع بين الحرمين ( إذا ظبي حاقف) بمهملة فألف فقاف ففاء أي واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ( في ظل فيه سهم) زاد في رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بسنده عند ابن عبد البر فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس ( فزعم) أي قال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً) لم يسم ( أن يقف عنده لا يريبه) بفتح الياء وكسر الراء فتحتية فموحدة قال أبو عمر أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه ( أحد من الناس حتى يجاوزه) لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه كما دل عليه هذا الحديث وغيره ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين) بلفظ تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان ( حتى إذا كان بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة قرب المدينة ( وجد ركبًا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله قال) أبو هريرة ( ثم إني شككت فيما أمرتهم به فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به فقال) فيه التفات والأصل فقلت ( أمرتهم بأكله فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك) أي بمنع أكله ( لفعلت بك يتواعده) بهذا اللفظ وفي الثانية لأوجعتك ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه) أي أبا هريرة ( مر به قوم محرمون بالربذة) بفتحات ولا يخالف قوله في السابقة حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين به لما استقر بالربذة فالقصة واحدة ( فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحلة) جمع حلال من أهل الربذة ( يأكلونه فأفتاهم بأكله قال ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك) لشكي في فتواي ( فقال بم أفتيتهم) به ( قال فقلت أفتيتهم بأكله قال فقال لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك) بالضرب أو التقريع ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم ولا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز الاجتهاد في الإفتاء بخلافه وإلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده فضلاً عن الإيجاع بضرب أو غيره ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار) أي ملجأ العلماء الحميري التابعي المشهور ( أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد) صاده حلال ( فأفتاهم كعب بأكله قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب) بالمدينة ( ذكروا ذلك له فقال من أفتاكم بهذا قالوا كعب قال فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا) من نسككم لعلمه فتقتدوا فيما عرض لكم ( ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل) بكسر الراء وسكون الجيم قطيع ( من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بهذا) أكل الجراد وهم محرمون ( قال هو من صيد البحر) وقد قال تعالى { { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة } } ( قال وما يدريك) يعلمك ( قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن) أي ما ( هي إلا نثرة حوت) قال الهروي وغيره أي عطسته وفي الصحاح وغيره النثرة للبهائم كالعطسة لنا ( ينثره) بضم الثاء وكسرها من بابي قتل وضرب أي يرميه متفرقًا ( في كل عام مرتين) وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة الحوت من البحر وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا الجراد من صيد البحر وفي رواية إنما هو من صيد البحر لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه من صيد البر فيحرم التعرض له وفيه قيمته وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جراد فأخذ جرادتين فقتلهما وكان قد نسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال ما جعلت على نفسك قال درهمين قال بخ درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك ولم يجد بدًا من وطئه فلا ضمان وليتحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه وقد روى الباجي عن كعب قال خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلقه أوائلهم وحرفوه عن مواضعه ( وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه) يشتريه ( المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض) يقصد ( به الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه) تحريمًا ( وأنهى عنه) تحريمًا وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة التحريم ( فإما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين) بحج أو عمرة ( فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به) أي يجوز له شراؤه ( قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله) إذا كان في بيته ( ولا بأس أن يجعله عند أهله) أي يبقيه عندهم وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه وهو معه إلى أهله قال ابن عبد البر كذا ليحيى وطائفة وزاد ابن وهب وطائفة في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله ولا شيء عليه إن تركه في أهله قال ابن وهب وسألت مالكًا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه فتحصيل قول مالك إن كان عنده الصيد حين إحرامه أرسله من يده وإن كان في أهله فلا شيء عليه وقاله أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعي في أحد قوليه والآخر ليس عليه إرساله كان في يده أو أهله ( قال مالك في صيد الحيتان) وغيرها من صيد البحر ( في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك) كالغدير ( إنه حلال للمحرم أن يصطاده) بنص القرآن قال ابن عبد البر البحر كل ماء مجتمع من ملح أو عذب قال تعالى { { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج } } فكل ما كان أغلب عيشه في الماء فمن صيد البحر.